التخبط والارتباك اقل ما يمكن أن يوصف به التعامل مع ملف المصانع المتعثرة بداية بعددها وأسبابها وصولا إلى كيفية التعامل معها وطرق حل مشكلاتها، بعد أن أصبحت كطفل الخطيئة، الجميع يتبرأ منه بداية من البنوك ثم الصناعة ثم الاستثمار وأخيرا البنك المركزى الذى طالب بعدم الزج بالجهاز المصرفى فى هذه القضية ليظل آلاف المصانع المتعثرة ومئات الآلاف من العمالة الماهرة فى الشارع لينضموا إلى طابور البطالة، ومليارات الاستثمارات المعطلة. من جانبها، أكدت وزارة الصناعة أنها قدمت كل ما هو ممكن لحل الأزمة وأنها دعت رجال الصناعة المتعثرين أربع مرات للتقدم للوزارة لعرض ما تعانيه مصانعهم لمساعدتهم فى الحل ولم يتقدم سوى المئات والمفاجأة أن عددا كبيرا من الذين تقدموا عبارة عن مزارع وفنادق وشركات سياحية وشركات قطاع عام بل ومصانع مغلقة منذ عشرات السنين عبارة عن هناجر مهجورة ومن تنطبق عليهم الشروط قرابة 35 مصنعا متعثرا فقط . أبعاد المشكلة يلخصها حال المهندس مصطفى أب لثلاثة أطفال بإحدى مدارس اللغات كان يعيش حياة سعيدة فجأة وبدون سابق إنذار وجد تجمهرا امام الشركة التى يعمل بها ، وما إن وصل إليه حتى قال له أحد العمال إن الشركة فصلت عددا كبيرا من العمال فى إطار إعادة الهيكلة ليفاجأ بأنه احد الذين تخلت عنهم الشركة لتتحول حياته الى جحيم، فأخرج أولاده من مدرسة اللغات ثم باع الأجهزة التى اشتراها بالتقسيط واضطر فى النهاية للعمل بإحدى الورش ليوفر لأولاده الحد الادنى للحياة الكريمة. أرقام متضاربة تضاربت الأرقام حول عدد المصانع المتعثرة، قال كمال عباس المنسق العام لدار الخدمات النقابية فى شهر أكتوبر عام 2013 إن المصانع التى تم إغلاقها منذ ثورة 25 يناير حتى الآن بلغت 4500 مصنع فى 74 منطقة صناعية وانه توصل لهذا العدد من خلال مسح ميدانى من العمال ونشطاء مؤتمر عمال مصر الديمقراطي. كان اتحاد نقابات عمال مصر قد اصدر تقريرا أشار فيه الى أن عدد المصانع المتعثرة بلغ 8222 مصنعا، فى حين أشارت دراسة أعدها اتحاد المستثمرين إلى وجود 1500 مصنع متعثر حتى 2013 قرابة 40% منها فى قطاع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة . 7000 مصنع يقول محمد البهي، عضو هيئة مكتب اتحاد الصناعات ورئيس لجنة الضرائب بالاتحاد إنه طبقا لآخر بيانات لدى الاتحاد حصل عليها من جمعيات المستثمرين ومجالس الأمناء بالمدن الصناعية بالمحافظات فإن عدد المصانع المتعثرة وصل إلى قرابة 7000 مصنع كان يعمل بها قرابة مليونى عامل حياتهم توقفت تماما وهذا اثر بالسلب على الاقتصاد من عدة جوانب منها ضياع رسوم من الضرائب والجمارك على الدولة وعملة أجنبية من الصادرات وسيولة فى الأسواق وقدرة شرائية، وتوقف استثمارات تقدر بنحو 35 مليار جنيه عن العمل وباتت هذه المصانع متوقفة يأكلها الصدي. وأوضح أن الأسباب وراء التعثر مختلفة، منها ما هو مالى متمثل فى عدم قدرتها على الحصول على قروض لشراء خامات ومستلزمات إنتاج ومعدات، كما أوضح فى هذا الصدد أن السياسات المالية للبنوك تتعارض مع ما يصدره البنك المركزى من تعليمات، مثل ذلك نجد البنك المركزى يصدر تعليمات عامة بانتهاء »التعليم« أى وضع العملاء المتعثرين فى قوائم سوداء لمدة 5 سنوات فقط وعند انتهاء هذه المدة للمتعثر الملتزم يجب التعامل معه بشكل عادي، إلا أن البنوك تتعسف فى إقراضه أو التعامل معه مرة أخرى بدعوى انه عميل رديء أو سيئ السمعة ويعامل معاملة فى غاية السوء كالمرض المعدى من قبل لجان الجدارة المالية بالبنوك فمن تعثر مرة حكم عليه بالموت من جانب البنوك، هذا بالإضافة إلى أن البنوك تتعامل بسياسات عقيمة تعتمد فى الضمانات على ما هو عينى وليس على التدفقات النقدية. ويقول البهى إن سياسة الإقراض فى العالم تعتمد فى الأساس على فرص المشروع فى التوسع فى الأسواق وحجم الطلب الفعلى على منتج الشركة، فى حين تطلب البنوك لدينا ضمانات عينية ، ولو كان المستثمر لديه ضمانات عينية فسوف يبيعها على الفور دون اللجوء الى البنوك بل إن البنك يطلب من العميل المتعثر آخر ثلاث ميزانيات ويعلم انه متعثر. وإن أسباب تعثر المصانع جاءت خارج إرادة رجال الأعمال منها الركود الاقتصادى الشديد خلال السنوات الماضية، والإغراق المتعمد من الأسواق الخارجية بمنتجات منخفضة الأسعار رديئة المواصفات، وارتفاع أسعار الخامات ، ووقف التصدير فى عدد كبير من المصانع. ويطالب البهى بإنشاء صندوق لإقالة هذه المصانع المتعثرة ويخصص له تمويل لا يقل عن 3 مليارات دولار من المنح والمساعدات الأجنبية، على أن يدار طبقا لقانون خاص به تحت إدارة مجموعة محترفة من الخبراء يقومون بتقييم الأصول المتعثرة والفرص الواعدة لتلك المصانع ويتم إقراضها بأسلوب المشاركة بحيث يخرج الصندوق بعد عدة سنوات محملا بأرباح كبيرة يعاد ضخها فى مصانع متعثرة أخرى بما يطلق عليه القرض الدوار. غير جادة فى نفس السياق، يرى محمد فرج عامر، رئيس جمعية مستثمرى برج العرب، ان الحكومة غير جادة فى حل مشكلة المصانع المتعثرة وما قامت به حتى الآن مجرد تصريحات لم ترتق الى درجة التنفيذ، وان المسئولين لم يأتوا لزيارة المصانع المتعثرة بالمدينة لدراسة مشاكلهم على ارض الواقع وما زال اصحاب هذه المصانع يبحثون عن اب شرعى لهم ولابد من قيام الدولة ممثلة فى وزارتى الصناعة والاستثمار بالتدخل الفورى والحاسم لحل مشكل هذه المصانع حالة بحالة لوضع حد لهذه المشكلة التى تتفاقم يوما بعد يوم ولا يمكن ان يأتى لك استثمار خارجى قبل حل مشكلات المستثمرين المحليين . الأرقام الحقيقية أخذنا الملف وتوجهنا إلى وزارة الصناعة لمعرفة ردهم على ما قاله رجال الصناعة، حيث قال احمد طه المدير التنفيذى لمركز تحديث الصناعة والمسئول عن ملف المصانع المتعثرة إن الأرقام المتداولة حول عدد المصانع المتعثرة غير دقيقة، وان الوزارة ممثلة فى مركز تحديث الصناعة قامت بنشر أربعة إعلانات كان أخرها فى شهر أكتوبر عام 2013 تدعو المصانع المتعثرة للتقدم لدراسة حالاتها والمساعدة على حلها وان إجمالى من تقدموا نحو 920 حالة فقط وتمت دراسة هذه الحالات من قبل لجان متخصصة فنيا وتم إنشاء إدارة مالية لتقوم بعمل تقييم مالى لموازنة هذه الشركات . وقد خلصنا من خلال الدارسات الميدانية والفنية لهذه الحالات إلى أن المصانع التى ينطبق عليها تعريف «مصنع متعثر» طبقا للشروط التى وضعناها 35 مصنعا متعثرا فقط يعمل بها قرابة 4500 عامل باستثمارات نحو 900 مليون جنيه يحتاجون قرابة 200 مليون جنيه بمتوسط 5 ملايين جنيه لكل مصنع عبارة عن قروض وليست منحا، والغريب أن بعض هذه الحالات بعد الانتهاء من دراستها الفنية رفضوا تقديم الملف المالى والموازنات... وباقى المتقدمين لا تنطبق عليهم الشروط لأنهم إما مصانع قطاع أعمال أو شركات تجارية أو شركات سياحية وفنادق ومزارع.. وهناك عدد من المصانع مغلقة منذ عشرات السنين ومصانع خالية عبارة عن هناجر ومنها مصانع لها قضايا منظورة بالمحاكم منذ عشرات السنين، ومنها من لديه مشاكل مصرفية. ويرى طه انه قد يكون هناك الآلاف من المصانع المتعثرة وقد يكون الرقم اقل بكثير ولكن الرقم الواقعى الوحيد المدقق هو الذى أعلن عن نفسه وإن كنا فى مجتمع يخجل من الإفصاح عن أننا متعثرون ، وان الحل يحتاج من الجميع التعاون والجدية والشفافية والمصداقية ووضع مصلحة الوطن فوق المصلحة الخاصة، فهناك رجال أعمال وطنيون يعملون منذ ثلاث سنوات دون تحقيق أرباح ورفضوا التوقف أو الاستغناء عن العمالة التى لديهم مراعاة لظروف الوطن، وآخرون للأسف بعد أن انخفضت أرباحهم تركوا المصانع وذهبوا خارج البلاد دون مراعاة للعمالة أو للظروف التى تمر بها البلاد.