لم تمض ساعات معدودة على إعلان وزارة التعليم العالى عن مسودة قانون بتنظيم العمل بالمستشفيات الجامعية الجديد حتى قامت الدنيا ولم تقعد، فقد لقى مشروع القانون الوليد هجوماً كاسحاً من نقابة الأطباء والأساتذة بكليات الطب، وتوالت الاتهامات للقانون بأنه يمهد لخصخصة المستشفيات.. يزيد من معاناة المرضي.. يقضى على العلاج المجاني.. يضعف المستوى التعليمى للأطباء.. يكرس للمركزية فى الإدارة.. والقائمة تطول. خطورة الموضوع الحقيقية تنبع من أن المستشفيات الجامعية تقدم العلاج لثلث المرضى فى مصر طبقاً لنقابة الإطباء وبالتالى فإن أى مساس بهذه المستشفيات يؤثر على صحة الملايين من المصريين، وهو الأمر الذى دفعنا إلى البحث عن حقيقة هذا القانون بشكل موضوعى والهدف من صدوره فى هذا التوقيت. بداية الأزمة تعود إلى نهاية نوفمبر الماضى عندما كشفت وزارة التعليم العالى عن مشروع قرار بقانون جديد لتنظيم العمل فى المستشفيات الجامعية مكوناً من 18 مادة. رد الفعل الأول على القانون جاء من نقابة الأطباء التى أصدرت يوم الأربعاء 10 ديسمبر بياناً شديد اللهجة رفضت فيه مشروع القانون ووصفته بأنه «قانون خصخصة العمل بالمستشفيات الجامعية»، وقالت إن المشروع يحول المستشفيات الجامعية إلى وحدات مستقلة إداريا وفنيا وماليا وميزانيتها من مقابل الخدمات التى تؤدى للغير والتبرعات وعائد استثمار أموال المستشفى ومقابل العلاج باجر وفقا لما يحدده المجلس الاعلى للمستشفيات والمصروفات الإدارية المحددة، دون وجود أى شىء يدل على نصيب يخصص من ميزانية الدولة أو ميزانية وزارة التعليم العالى أو الصحة لهذه المستشفيات التى تقدم نحو 75% من الخدمة الصحية التى تحتاج لمهارة خاصة مثل علاج الأورام, وعمليات القلب والمخ بالمجان لغير القادرين. وقالت النقابة إن مشروع القانون يفصل بين أقسام الكلية وبين الأقسام المقابلة لها بالمستشفي، وبذلك لا يصبح مفهوما كيف يمكن القيام بالتدريب العملى لطلاب الطب بينما أستاذ الطب الذى يقوم بالتدريس للطلاب لا يعمل بالمستشفي. ورأت النقابة أن المشروع المقدم لا يساعد فى حل مشاكل المستشفيات الجامعية والمنظومة الصحية عموما، ولكنه على العكس من ذلك سيؤدى إلى إلغاء الخدمة الصحية المجانية فى هذه المستشفيات تماما بدلا من إصلاح عيوبها. ولم تكتف نقابة الأطباء ببيانها الرافض جملة وتفصيلاً لمشروع قانون تنظيم العمل بالمستشفيات الجامعية، بل عقدت يوم السبت الماضى مؤتمراً صحفياً وصفت فيه مشروع القانون بأنه كارثى ومرفوض شكلاً وموضوعاً، وأكدت أنها ستعمل على منع صدور هذا القانون نهائياً وملاحقته قضائياً برفع دعوى لإسقاطه وإلغائه فى حالة إقراره. الدكتور أسامة عبد الحى وكيل نقابة الأطباء يقول إن المشروع فى ظاهره الرحمة وفى باطنه العذاب، فالمشروع كما يراه يحول المستشفيات الجامعية لهيئات ذات طابع خاص تتبع رئيس الجامعة مباشرة وليس كلية الطب، مما يمثل من وجهة نظره تجاوزاً رهيباً لأن هذه المستشفيات جزء من كليات الطب. ويضيف أن نص المادة 15 من القانون يعنى بيع الخدمة الطبية التى تقدمها المستشفيات الجامعية، أى تخلى الدولة عن دورها فى تمويل هذه المستشفيات، مشيراً إلى أن ذلك يمكن قبوله فى حالة تغطية خدمات التأمين الصحى جميع المواطنين، وهو ما لم يحدث، بل على العكس فقد انخفضت ميزانية العلاج على نفقة الدولة فى 2014 عن العام الماضي. ويذهب وكيل نقابة الأطباء فى نقده قانون المستشفيات الجامعية إلى أبعد من ذلك، فهو من منظوره يتعارض مع نص المادة 18 من الدستور التى تؤكد ان لكل مواطن الحق فى الرعاية الصحية المتكاملة، وأن الدولة مسئولة عن الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها ورفع كفاءتها بجانب التزام الحكومة بتخصيص نسبة من الإنفاق للصحة لا تقل عن 3 % من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، فى حين أن القانون الجديد يعنى والكلام لا يزال على لسان الدكتور أسامة تقليل مخصصات العلاج على نفقة الدولة، مما يمثل كارثة على الصحة العامة. وحول انعكاس القانون الجديد على طلبة كليات الطب، يرى وكيل نقابة الأطباء أنه سيؤثر بالسلب بشكل كبير على مستوى تدريبهم، فقد يرفض المريض فى حالة دفعه مقابل للخدمة أن يكشف عليه الطلبة وهو ما لا يحدث مع الحالات المجانية التى تسمح لطلاب الطب بالكشف عليهم تحت إشراف الأساتذة. وعن البند المتعلق بتعاقد المستشفيات الجامعية مع أعضاء هيئة التدريس بكليات الطب طبقاً لاحتياج المستشفيات، تساءل وكيل النقابة عن مصير الأساتذة الذين لن يتم التعاقد معهم، وواصفاً تحويلهم للعمل الأكاديمى دون ممارسة عملية فى المستشفى الجامعى بأنه مذبحة لأطباء الجامعات المصرية. وأكد أن نقابة الأطباء ستلجأ للمحكمة الدستورية العليا فى حالة الإصرار على تنفيذ قانون تنظيم العمل بالمستشفيات الجامعية، وستطعن بعدم دستوريته. وبعد أن تعرفنا على وجهة النظر المعارضة للقانون، كان لا بد من التعرف على وجهة النظر الأخري.. حيث توجهنا إلى الدكتور خالد عبد البارى مساعد وزير التعليم العالى للمستشفيات الجامعية، والمسئول الأول عن القانون. واجهنا مساعد الوزير باتهامات الخصخصة، فرد قائلا إن القانون ينص بوضوح على أن المستشفيات الجامعية تخضع لقانون تنظيم الجامعات، وبالتالى من المستحيل خصخصتها وهى إدعاءات عارية من الصحة. ويفجر مساعد الوزير مفاجأة قائلاً إن نفس المادة التى يتعرض بسببها مشروع القانون الجديد للهجوم بدعوى أنها تمهد لإلغاء مجانية العلاج وتضيف أعباء على المريض «المادة 15»، موجودة فى القانون الحالى وهى االمادة 12ب والتى تنص على أن الموارد المالية للمستشفيات الجامعية تتضمن حصيلة المبالغ التى ترد اليها مقابل أداء خدمات طبية بأجر. وأكد أن المستشفيات الجامعية فى المقترح الجديد ستحصل على تمويل مباشر من موازنة الدولة، وفقاً للمتبع مع الهيئات الحكومية التى تمولها الدولة. ويرى مساعد الوزير أن المادة 13 من مشروع القانون الجديد هى أساس الاعتراضات والهجوم عليه، بسبب نصها على تعاقد المستشفيات الجامعية بمقابل مع أعضاء هيئة التدريس طبقاً للاحتياج الفعلى للمستشفيات بما يضمن وجودهم على مدار الساعة، لافتاً إلى أنه سيتم التعاقد مع كل من يرغب من الأساتذة بلا استثناء. ويؤكد أهمية الدور الذى تمثله هذه المادة فى تطوير الخدمة العلاجية بالمستشفيات الجامعية، موضحاً أن القانون الحالى لا يفرض على عضو هيئة التدريس بكليات الطب أن يوجد بالمستشفى الجامعي، فى حين أن القانون الجديد من خلال التعاقد مع أعضاء هيئة التدريس يلزمهم بالوجود فى المستشفيات على مدى 24 ساعة يومياً، ويتيح آلية للإثابة والحساب، مما يساعد فى تقديم خدمة علاجية أفضل للمريض واستغلال موارد المستشفى بشكل مناسب بدلاً من إهدارها. الدكتور عبد البارى شدد على أن الهدف النهائى من مشروع القانون الجديد هو مصلحة المريض، من خلال الحصول عل أفضل أداء ممكن من المستشفيات الجامعية التى تتمتع بإمكانيات وتجهيزات المتطورة، لافتاً إلى وجود 88 مستشفى جامعيا فى جميع أنحاء الجمهورية، يعمل بها 16800 عضو هيئة تدريس و6987 معيدا ومدرسا مساعدا و4391 طبيبا مقيما، فهناك كم هائل من القوى البشرية فى المستشفيات الجامعية، وبالتالى يتساءل مساعد الوزير ما المانع من تغطية العمل بهذه المستشفيات على مدى 24 ساعة يومياً؟. ويشيد مساعد الوزير بحالة النقاش السائدة حول القانون الجديد، لافتاً إلى أن المشروع الحالى مبدئى ومطروح للحوار وقابل للتعديل، وتم إرساله لكليات الطب لمناقشته وطرح رؤيتها حوله، كما سيتم طرحه لاحقاً للحوار المجتمعى وغيره، بحيث يتم إجراء التعديلات المناسبة والتوافق عليه قبل دخوله حيز التنفيذ، فلم يعد معقولاً استمرار العمل بالقانون الحالى الذى صدر سنة 1965 فى عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، فمع التقادم واختلاف الظروف أصبح من الضرورى وضع تشريع جديد يتلاءم مع الوضع الراهن ويلبى طموحاتنا المستقبلية فى تطوير المنظومة الصحية. أما الدكتور عاطف مرسى الأستاذ بطب بنى سويف فيرى أن الهدف من مشروع قانون تنظيم العمل فى المستشفيات الجامعية الجديد فصل هذه المستشفيات عن كليات الطب، وهو أمر مرفوض تماماً. كما ان ميزانية المستشفيات الجامعية تأتى من الجامعة، وبالتالى فهى تقتطع جزءاً كبيراً من المخصصات المالية لوزارة التعليم العالي، مطالباً بتوجيه جزء من ميزانية وزارة الصحة لوزارة التعليم العالي، حيث إن 65% من علاج المواطنين يتبع وزارة التعليم العالى وليس الصحة طبقاً لتقديراته وذلك من خلال المستشفيات الجامعية. ويقترح أستاذ طب بنى سويف استمرار العمل بالقانون الحالى للمستشفيات الجامعية مع إدخال تعديلات تعالج القصور الموجود به مثل إضافة مادة تلزم أعضاء هيئة التدريس بالوجود فى المستشفى وتجيز مسائلتهم ويكون نصها: المدير عام المستشفى صلاحية توقيع الجزاء على عضو هيئة التدريس أو تويله للتحقيق فى حالة تقصيره فى أداء واجبهب. ويقترح مادة أخرى لرفع كفاءة الأطباء حديثى التخرج بمستشفيات الصحة والاستفادة من العدد الكبير من أعضاء التدريس بكليات الطب نصها كالتالى :بكل من يترقى مدرسا يلتزم بالعمل مدة سنة (سنتين) كاملة فى مستشفيات وزارة الصحة المحيطة بجامعتهب.