اختلطت الأوراق في مطلع الأسبوع المنصرم بعد حكم براءة الرئيس الأسبق حسني مبارك وقيادات سابقة في وزارة الداخلية، ما بين أصوات متشنجة ترفض الحكم وتحمل السلطة والقضاء مسئولية تبرئة رموز الحكم السابق، وأخري تمثل الأغلبية تري أن الحكم الجنائي ليس وحده دليل إدانة نظام سابق أضاع فرصا لا نهاية لها في سبيل تقدم مصر، وأن خطيئة مبارك «سياسية» في المقام الأول، ولم تكن فرحة المؤيدين لعصره علي البراءة سوي محاولة لقلب الحقائق وإبعاد المسئولية عن التردي الذي أصاب المصريين حياتيا واجتماعيا واقتصاديا عن أنفسهم، قبل الرئيس السابق، اعتقادا منهم بأن ذلك يوفر لهم فرصة للعودة، فهم يريدون غلق صفحة المحاسبة واستمرار منافعهم ومكاسبهم . تؤرق هؤلاء لغة الرئيس عبد الفتاح السيسي التي جاءت حاسمة وقاطعة عقب الأحكام الأخيرة، حيث قال السيسي في أكثر من مناسبة إنه «لا عودة للوراء» ،ووجه بسن تشريع يجرم سب ثورتي 25 يناير و30 يونيو حتي ينتهي الاحتقان بين الفرق المتصارعة علي ميراث الثورتين وحتي تتفرغ مصر لما هو أجدي وأنفع، ألا وهو بناء المستقبل علي أرضية تجمع الكل تحت سقف واحد. كما كان الرئيس في كلمته الأخيرة خلال افتتاح مجمع الجلاء الطبي، أمس الأول، أكثر مباشرة في حديثه إلي أصحاب المصالح والباحثين عن صفقات الحكم عندما قال « لا أباع .. ولا أُشتري» بما يعني أن فلسفة الحكم الحالي تنطلق من أرضية حماية البلاد من إرث الماضي العفن، ومن تغول أصحاب رءوس الأموال في العمل السياسي، ومن الضغوط المعيبة التي وصمت السنوات الأخيرة من حكم مبارك وهي النخب السياسية المالية التي حاولت عقد صفقات مع جماعة الإخوان الإرهابية فى أثناء وجودهم في السلطة، ونجحوا في انتزاع موافقة برلمان الجماعة في عام 2012 لرفض المحاكمات السياسية لنظام مبارك. لم تعلق الرئاسة في بيانها حول قضية مبارك علي أحكام القضاء وهو أمر بديهي بالضرورة، ولكن الرئيس السيسي أراد فعليا أن ينبه المصريين إلي أهمية أن نبدأ مرحلة جديدة من العمل السياسي، وأن الإصلاح لا يمكنه الاستمرار في ظل مناخ محتقن، والأولي أن ننظر إلي بنيان جديد يستند إلي العمل الجاد والشفافية ومكافحة الفساد ووقف استغلال النفوذ وتوريث الوظائف في أجهزة الدولة. كما كانت كلمات الرئيس في الأيام القليلة الماضية واضحة في التقريب بين الآراء المتعارضة بحثا عما يجمعنا للمصلحة العامة ولم يتردد في الجلوس إلي مجموعة من شباب الإعلاميين والصحفيين لمدة أكثر من خمس ساعات حتي يتعرف علي الصورة كاملة، وأمر بعودة مذيعة الراديو إلي عملها بعد الإطاحة بها لانتقادها أحكام البراءة بعفوية وبساطة حزنا علي شهداء سقطوا في سبيل الوطن. الخلاف حول النظامين السابقين مبارك والإخوان لا يجب أن يتحول إلي أثقال تكبل رقابنا وأرجلنا، وتحول الأنظار عن المطلب العاجل اليوم وهو أن يعمل كل مصري ومصرية بجد وهمة وتغيير ثقافة العمل من أجل النفع العام. وهو قصده الرئيس بقوله إن «الحصول علي الأجر دون عمل فساد» و»كل مواطن يجب ان يأخذ فرصته علي أساس الكفاءة والخبرة» وأشار إلي أن الفساد لن ينتهي بقرارات وقوانين ولكن بوعي المواطن، إلي جانب قوانين الإصلاح الإداري ومحاربة المحسوبية والتسيب وهي جوانب يتناساها الكثيرون في غمرة غضبهم من أوضاع سابقة. سلطة الحكم تتقدم الجميع في مسئولية الإصلاح وهي البوصلة المفترضة، ولكننا جميعا نحتاج إلي الارتقاء إلي مستوي ما يجري وأولي المسئوليات علي عاتق الإعلام المصري.. نحن في حاجة إلي تحرير المستقبل من أثقال مبارك والإخوان وأن نقلب الصفحة دون أن يدفعنا البعض إلي أن ننسي ما جري. ولكننا نحتاج إلي وعي مختلف يستوعب تبعات ما يجري وما يريده البعض من تعطيل خطوات إعادة البناء! لمزيد من مقالات محمد عبد الهادى علام