من لا يعرف السيدة عزيزة حسين لا يدرك بالتأكيد المعني الحقيقي لكلمة أسطورة حتي لو قرأ تلالا من القصص والروايات.. إنها أسطورة عطاء قاربت علي نهاية العقد التاسع من العمر, تخرج يوميا لممارسة الرياضة وتستمع للموسيقي وتستخدم الكمبيوتر بمهارة!! تم تصنيفها كواحدة من بين27رائدة نسائية طورت التنمية في العالم, فهي أول امرأة عربية يتم ترشيحها للجنة المرأة بمنظمة الأممالمتحدة, وأول من وضع تنظيم الأسرة علي أجندة المنظمة, وترأست الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة بالانتخاب عدة مرات, وهي أول من تحدث عن صحة المرأة الإنجابية في مصر, ومن أوائل من كتبوا عن الحقوق القانونية للمرأة, ومع ذلك رفضت تولي منصب وزيرة الشئون الاجتماعية!! عاصرت العديد من الرؤساء والسياسيين والمشاهير علي مستوي العالم, واقتربت منهم منذ منتصف الأربعينيات وحتي الآن, ومازالت تحفظ أسماءهم وأدوارهم!! كلماتها المرتبة كشفت عن سبب قوة تركيزها, إنه التأمل وهو نوع من أنواع اليوجا الذهنية الذي درسته وتدربت عليه. سيرتها الذاتية تؤكد حصولها علي عشرات الأوسمة والمئات من التكريمات وشهادات التقدير من مصر والخارج علي مدي سنوات عطائها, ومع ذلك لا يوجد لأي منها أثر علي جدران منزلها التي لا تحمل سوي القليل من الصور النادرة.. واحدة لها وهي طفلة وسط أشقائها وأخري لها مع زوجها وسط الأصدقاء, وأخري مع سفير أو وزير.. وفي ركن خاص صورة للزوج مع الزعيم جمال عبدالناصر وبجوارها صورتها منفردة وهي شابة في زي يشبه أزياء الأميرات أو نجمات هوليوود, بملامح مازال بعضها لم يغادر وجهها الهادئ الصافي وأناقتها التي تواكب العصر ولا تنتقص من وقارها. اللقاء تحدد في بيتها في شارع11 بالمعادي وكان هذا الحوار: صفي لنا يومك؟ أبدأ يومي بعمل مساج بماكينة الذبذبات التي لدي بالمنزل ثم أتصفح الجرائد وبعدها أمارس التأمل لمدة30دقيقة, ثم أقيس نسبة السكر وأتناول فطوري, وعقب ذلك أجلس علي الكمبيوتر لأكمل سطور الكتاب الذي أعده الآن بعنوان المرأة بين ثورتين, والذي سيصدر باللغتين العربية والإنجليزية, وأطلع علي ما وصلني من رسائل علي بريدي الالكتروني وأرد علي ما يحتاج منها إلي رد وأستمتع بما يأتيني به أحيانا من كلمات أو مقطوعات موسيقية ثم أذهب إلي الجيم لممارسة الرياضة وبعدها أتناول غذائي الذي غالبا ما يكون خارج البيت ثم أعود لأستريح قليلا وأقابل ضيوفي وأستمع إلي الكاسيت أو أشاهد التليفزيون أو أعود للكمبيوتر, ثم أمارس التأمل مرة أخري, فأنا أمارسه مرتين يوميا بمفردي, ومرة أو مرتين أسبوعيا في جلسة جماعية مع الأصدقاء, وتأتيني سيدة في الخامسة مساء تساعدني وتجهز لي العشاء الخفيف وتظل معي للتاسعة من صباح اليوم التالي, وأستعين بسائق لتوصيلي, وأتلقي تليفونات من أقاربي وأبناء أحفاد أشقائي يوميا, لذا لا أشعر بالوحدة مطلقا. رحلتها مع الريس عتمان هل كان لنشأتك تأثير في اتجاهك للعمل الاجتماعي؟ ولدت في مدينة زفتي بمحافظة الغربية, وكان والدي طبيبا لأمراض النساء والتوليد, وكنا خمسة أشقاء ثلاث بنات وولدين, أنا أكبرهم, وأنا الوحيدة منهم علي قيد الحياة, وعندما كان عمري8 سنوات, انتقلنا إلي ميت غمر. ولأن مدرستنا كانت في زفتي, كنا نستقل المركب مع الريس عتمان ليعبر بنا من وإلي ميت غمر يوميا, وكانت رحلة ممتعة مازلت أذكرها. ومرضت والدتي وهي شابة فقمت بدور الأم لأشقائي, ثم انتقلنا إلي القاهرة والتحقت بمدرسة فرنسية ال ميردي ديو نظام داخلية لمدة خمس سنوات, ثم انتقلنا إلي المدرسة الأمريكية, وكان أهم ما تعلمته بها هو كيف أفكر بعقلي, ولأنها كانت مختلطة وكنا تقريبا المصريين الوحيدين بها, تعرض والدي للانتقاد ولكنه كان مستنيرا, ومنحنا قدرا من الثقة كنا حريصين عليها أنا وأشقائي. أفضل نموذج للعمل الاجتماعي كيف بدأت نشاطك في خدمة المجتمع؟ التحقت بالجامعة الأمريكية في بداية الأربعينيات وجذبتني العلوم الاجتماعية فدرستها, وبعد تخرجي عام1942 انضممت لعدة جمعيات كمتطوعة مثل جمعية تحسين الصحة ويوم المستشفيات والمبرة ونادي سيدات القاهرة, وهذا النادي وجدت فيه الأسلوب الأمثل للعمل الاجتماعي, فمن خلاله تعلمت كيفية إدارة جماعة ودراسة احتياجات المجتمع, بخلاف فكر معظم الجمعيات وقتها الذي كان قائما علي جمع التبرعات وتقديمها للمحتاجين. لماذا تركز اهتمامك علي المرأة الريفية؟ تزوجت من أحمد حسين عام1945 والذي توفي عام1984 وكان رئيسا ل مصلحة الفلاح التي تقابلها وزارة الشئون الاجتماعية, وهو الذي ساعد في تأسيس هذه الوزارة التي تولي مسئوليتها بعد ذلك, ولكنه لم يكن أول وزير لها. وقد دعاه أعضاء نادي سيدات القاهرة عندما كان وزيرا لإلقاء محاضرة عن احتياجات الريف وطلبوا مساعدته في بدء العمل التطوعي بقري مصر وأبلغهم بوجود40مركزا اجتماعيا بها, وبدأنا التجربة من سنديون بالقليوبية واكتشفنا احتياج المرأة للرعاية الصحية لأنها تعاني من كثرة الإنجاب, وكانت وزارة الشئون الاجتماعية أيضا ترسل من يتعرف علي احتياجات الناس ومشاكلهم بشكل غير مباشر, ويعرف منهم بتلقائية الحلول التي يقترحونها. تسييس العمل الاجتماعي.. خطأ ولكن بعد ثورة يوليو وتبني الحكومة خطط التنمية, تحول العمل الاجتماعي إلي جزء من العمل السياسي, فالحكومة تضع الخطط ويتم تنفيذها دون سؤال الناس, واستمر الحال لسنوات طوال تراجع فيها مردود خطط التنمية, لأنها لم تكن نابعة من الناس أنفسهم. وكان زوجي قد استقال من الوزارة قبل الثورة وكون جمعية الفلاح وبعدها طلبوه في منظمة الأممالمتحدة ليتولي مساعد السكرتير العام للمنظمة ولكنه رفض ليظل بجوار والدته المريضة, ثم دعوه بعد ذلك بفترة لدراسة التنمية الريفية في دول الكاريبي والمكسيك, وهناك التقي بصحفية أمريكية كانت منحازة بشدة لليهود ودعاها لزيارة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين فغيرت موقفها وكونت جمعية أصدقاء الشرق الأوسط الأمريكان ودعوني بصفتي خبيرة اجتماعية كأول سيدة من المنطقة العربية لأجوب دول العالم وألقي محاضرات عن العمل الاجتماعي. وبعد ثورة يوليو1952, عرض الرئيس جمال عبدالناصر علي زوجي منصب وزير الشئون الاجتماعية مرة أخري ولكنه اعتذر وقال له: أنتم لديكم السلطة ونحن كمدنيين علينا مسئولية وكل له دوره. أبي وزير ليوم واحد بعد ذلك رشحه جمال عبدالناصر أيضا ليكون سفيرا لمصر بالولايات المتحدة وكاد يرفض, إلا أن والدي وكذلك نجيب الهلالي نصحوه بالقبول, فوالدي لم يعمل بالسياسة ولكنه كان قريبا من السياسيين وساعد في تهريب عزيز المصري من الإنجليز عندما أعلن جمهورية زفتي, كما عين والدي وزيرا للصحة في حكومة نجيب الهلاليالتي لم تستمر سوي يوم واحد, وأنا مثل والدي لم أفكر بالعمل السياسي لأني ركزت عطائي في العمل الاجتماعي. فجرت قنبلة بالأممالمتحدة ظل زوجي سفيرا لمصر بواشنطن لمدة خمس سنوات, وفي هذه الفترة اشتركت أنا في أنشطة اجتماعية كثيرة ودعيت لمؤتمر في سنغافورة عن تنظيم الأسرة عام1963 بعد اختراع حبوب منع الحمل, وكنت علي علم بمعاناة النساء من كثرة الإنجاب, لذا حدثتهم عن هذه المشكلة, وشجعني علي ذلك أن الميثاق الوطني المصري اعترف بوجود مشكلة سكانية, وكنت قد طرحت الموضوع عام1954بالأممالمتحدة عندما دعيت للتحدث كعضو في وفد مصر وتناولت الممارسات الضارة ضد المرأة وأوضحت لهم أن الدين يرفض مثل هذه الممارسات وطرحت فكرة تنظيم الأسرة, وأثار ذلك دهشة المشاركين واعتبروني شجاعة لأني فجرت قنبلة, فكثير من الدول المتقدمة خشيت عرض الموضوع, لذا رشحوني لأكون عضوا بلجنة المرأة بمنظمة الأممالمتحدة( التي ظللت بها لمدة17 سنة), وبعد عامين من طرحي للموضوع ودراستهم له قررت الأممالمتحدة إدراج تنظيم الأسرة علي جدول أعمالها لأنهم تأكدوا أن له علاقة بالمرأة. متاعب المرأة الريفية كانت سببا في ضمك للجنة المرأة بالأممالمتحدة ووضع تنظيم الأسرة علي أجندتها.. فكيف أقنعت المرأة الريفية نفسها بتنظيم أسرتها؟ عندما فكرنا في بدء تنظيم الأسرة في الريف كانت تجربة فريدة من نوعها, خاصة في مصر, والنساء كانت تعاني ولكنها تحتاج لمن يأخذ بيدها لتتحرك, ووجدنا حضانة الأطفال من أهم المداخل لتحريكها, كما أن منادي القرية كان دوره مهما جدا في مساعدتنا, وكان ذكيا وكأنه إعلامي محترف, فكان يعلن أولا عن وجود علاج لمن تعاني مشاكل صحية ثم خدمة للراغبات في الإنجاب, أي لا يبدأ بالإعلان عن تنظيم الأسرة, لذا اعتبره أنجح اعلامي عرفته والنساء كانت تعاني, لذا استجبن, وبدأنا كعضوات نادي سيدات القاهرة في افتتاح عيادات لتنظيم الأسرة بعد أن تدربنا علي كيفية افتتاح عيادة وتدريب الأطباء والممرضات وبدأت الجمعيات الأهلية تطلب تصاريحا لافتتاح عيادات بها, فشكلنا لجنة مشتركة لتجميع الجهود وتبادل الخبرات, خاصة بعد ظهور وسائل جديدة لمنع الحمل, وكانت العادات والتقاليد والمعتقدات الخاطئة, خاصة في الريف عائقا تغلبنا عليه بالاستعانة برجال الدين المستنيرين والأطباء. ونتيجة ما حققناه من نجاح تم اختياري لرئاسة الاتحاد الدولي للوالدية( أي تنظيم الأسرة) وبعد ذلك أسسنا جمعية تنظيم الأسرة بالقاهرة التي أصبحت لها فروعا أو جمعيات مماثلة في كل المحافظات, وبعدها أسسنا جمعية أسرة المستقبل كامتداد لجمعية تنظيم الأسرة. عطائي خارج الوزارة أفضل لماذا رفضت تولي مسئولية وزارة الشئون الاجتماعية؟ سمع الرئيس السادات عن نشاطي وآرائي فرشحني لوزارة الشئون الاجتماعية في حكومة ممدوح سالم عام1977, ولكني اعتذرت, لأنها ستعطلني عن نشاطي وتقيدني بقرارات حكومية وأحسست أنني سأخدم بلدي أكثر وأنا متطوعة. الناس هجرت التطوع لأنها محتاجة فضلت العمل التطوعي عن منصب وزيرة, فلماذا تراجع هذا الدور لدي الأجيال التالية من وجهة نظرك؟ الناس لديها احتياجات اقتصادية, لذا أصبح العمل بأجر أهم من التطوع بالنسبة لهم, وهم معذورون, فكيف أحدث الناس عن العطاء وبطونهم خاوية, كما أن العمل التطوعي زمان كان في الغالب مرتبطا بعائلات, ولأن هناك فجوة بين الأجيال لم يحدث التواصل مما ترتب عليه عدم تفريخ متطوعين جدد بالقدر الكافي. مشاكل المرأة هي هي ما الفرق بين مشاكل المرأة زمان ومشاكلها الآن؟ تقريبا المشاكل نفسها, ولكن الأسباب مختلفة والتمييز مازال مستمرا, تضيف موضحة: من جهة أخري, كانت الجهود التي تنفذ من أجل المرأة تفتقد للمعلومات الكافية, والآن أيضا المعلومات تفتقد للتفاصيل التي تساعد علي وضع الحلول, وهذه الجهود مبعثرة, ولكي تنجح لابد أن تكون ملبية لاحتياجات المرأة, ويجب دراستها ضمن قضايا المجتمع وليست منفردة. امتدادا لاهتمامك بالمرأة تم اختيارك أخيرا كرئيس شرفي للاتحاد العام لنساء مصر, فما هي رؤيتك لهذا الاختيار؟ أراه نوعا من التكريم, وأتمني أن يقوم الاتحاد بالدور الذي كان يؤديه اتحاد النساء الذي أسسته هدي شعراوي في خدمة قضايا المرأة, ولكن بشكل يتوافق مع احتياجات المرأة الآن. علي ذكر مشاكل المرأة.. يقال إن حل هذه المشاكل لابد له من إرادة سياسية, فهل هذا يتطلب وجود السيدة الأولي؟ فكرة السيدة الأولي ليس لها لزوم, ونحن أخذناها عن أمريكا, وقد أضرت بقضايا المرأة, والإرادة السياسية ليس لها دخل بالسيدة الأولي وإنما بقوة النساء وتجمعهن وضغطهن فيما يتعلق بقضايا المرأة. الاعتماد علي النفس أفضل من المعونات ما رأيك فيما أثير حول التمويل الأجنبي لمؤسسات المجتمع المدني في مصر؟ التمويل الأجنبي مهم ولكن يجب أن يكون بضوابط, ومع ذلك أنا أري أن الاعتماد علي أنفسنا أفضل, وأنه من المهم أن نضع جدول أعمالنا وخططنا بأنفسنا بناء علي واقعنا واحتياجاتنا بدلا من العمل بأجندات الغير. ما هي رؤيتك لثورة25يناير؟ أنا سعيدة وحزينة علي الشباب الذي ضاع, ولكني لا أستطيع أن أمنع نفسي من التأثر لحال المسئولين الذين أصبحوا في وضع سيئ ويستحقون العقاب.. وحزينة لما فعلوه بالشعب وبأنفسهم, هذا بالنسبة لمشاعري. أما بالنسبة للثورة فأراها عمل رائع ولكن لم يكن منظما وينقصه وضوح الهدف, وبدت وكأن هدفها فقط إسقاط النظام دون التفكير فيما بعد ذلك. ما هو حلمك لنفسك, وحلمك لمصر؟ أن أنتهي من الكتاب الذي أضع لمساته الأخيرة ويخرج للنور قريبا.. أما مصر فأتمني أن يعود إليها الاستقرار ويتوقف نزيف الدم, فأنا لا أتمني مزيدا من الشهداء. وماذا تقولين لرئيس مصر القادم؟ الله يكون في عونه..
