صراخ هنا وعويل هناك ورائحة حزن كريهة فاحت في سماء القرية الصغيرة وتلطخت منازلها باللون الأسود، وسادت العتمة دروبها الضيقة، وبات أهاليها البسطاء يلتقطون أنفاسهم من ثقب إبرة، ورحلت الفرحة إلي مثواها الأخير، وحلت الأحزان علي فراق زهرة العمر والشباب الشهيد حمادة التي طالته رصاصة الإرهاب وهو يدافع عن أم الدنيا ولم يدر بخلده أن رصاصة غادرة من قلب أحمق ونفس رثة سوف تحرمه استكمال الدفاع عن ارض الكنانة، وارتوت أرض سيناء بدمائه الطاهرة لتشهد ذرات الرماد علي خيانة جماعة أزهقت روح شباب نصبوا من أنفسهم جنودا للذود عن الوطن. المشهد أقسي من أن يوصف نسوة اتشحن بالسواد تتوسطهن سيدة تفزع أصوات بكائها الطير المحلق في السماء وتنادي من القلب علي زهرة الشباب الذي اغتالته رصاصة الإرهاب ومن حولهن، تتراص شقيقات الشهيد يذرفن الدموع علي فراق السند والحماية والأمان ورجل أحني الحزن هامته وتثاقلت خطواته، وهو يحمل علي كتفيه جثة ابنه الشهيد ليتواري جسده الطاهر خلف الثري. اتشحت عزبة سنانوه التابعة لقرية ترعة غنيم مركز شربين بالدقهلية بالسواد بعد تلقي أهلها خبر استشهاد ابنهم الشاب حمادة جمال يوسف البيومي 21 سنة الذي استشهد متأثرا بإصابته بعد قيام مجموعة إرهابية بمحافظة شمال سيناء بإطلاق وابل من النيران تجاه سيارة تأمين الأفواج السياحية التي كان يستقلها بصحبة الشهيد مقدم إبراهيم أحمد بدران، والشهيد رقيب عبدالسلام عبدالسلام سويلم. وما أن وصل جثمان الشهيد حتي قام أهالي العزبة وأهالي قرية ترعة غنيم بأداء صلاة الجنازة علي جثمانه الطاهر، وبعد خروج الجثمان من مسجد القرية الكبير تحولت الجنازة العسكرية والشعبية التي تقدمها اللواءان سمير الغريب نائب مدير امن الدقهلية، وحاتم الهواري مساعد المدير، والعميد رضا الشناوي مأمور مركز شربين والرائد أحمد حسين، و عدد من قيادات المحافظة إلي مظاهرة ضد جماعة الإخوان وأنصارها ومن يدور في فلكهم وردد الأهالي هتافات "لا إله إلا الله..الشهيد حبيب الله" و"يا شهيد نام وارتاح..واحنا هنكمل الكفاح" و "ويا شهيد نام واتهني..هيكون اسمك علي باب الجنة" و "الإعدام للإخوان" و "الإعدام للإخوان" "لا إله إلا الله الإخوان أعداء الله ". كما ردد الأهالي الهتافات المؤيدة للنظام والرئيس السيسي والجيش والشرطة. وقالت زينب عبد المحسن مطاوع 45 سنة ربة منزل والدة الشهيد والحزن يعتصر قلبها والدموع تنهمر من عينيها أن الشهيد هو أكبر أخوته وله شقيق واحد ( هاني ) حاصل علي دبلوم صناعة، ويعمل بالأردن، وفور تلقيه خبر استشهاد شقيقه حجز علي شركة طيران للعودة إلي مصر رغم أنه مسافر منذ 10 أيام فقط وله شقيقتان متزوجتان ووالده متوفي وكان يعمل بالزراعة، وأضافت الأم المكلومة في حزن بالغ علي فراق فلذة كبدها أن ابنها حمادة احتسبته عند الله شهيدا، و كان أحن أولادها عليها خاصة بعد وفاة الأب، كما أنه كان دائم السؤال عليها وعلي أشقائه طوال فترة وجوده بسيناء من خلال التليفون المحمول، وأنه عندما نزل إلي العزبة في آخر إجازة له كان حريصا علي زيارة شقيقتيه، واحدةبعد الأخري، و كأنه كان يودعهما قبل رحيله، وأضافت الأم أن حمادة لم يستكمل تعليمه ولم يحصل علي الدبلوم وتم تجنيده بالشرطة، وكانت تنتظر ان ينهي مدة خدمته بعد شهرين فقط، وانها كانت تستعد لإقامة منزل جديد له حتي يتزوج فيه ولكن القدر لم يمهله. وقالت زوجة عمه أشرف إنهم تلقوا خبر استشهاده من زميله محمد محمود، الذي أخبرنا بالحادث المفجع، وقال لنا أنا في الطريق مع جثمان حمادة الطاهر، وأننا لم نذق طعم النوم، منذ ذلك الوقت وحتي الآن، حزنا علي فراق حمادة الذي كان مثالا للأخلاق الحميدة، وأن حمادة اتصل بهم قبل الحادث بأيام للاطمئنان عليهم وعلي أخوته وأخبرهم أنه يفكر في أن يرتبط بإحدي فتيات العزبة بعد إنهاء مدة خدمته إلا أن القدر شاء أن يستشهد قبل أن تتحقق هذه الأمنية.