الإصلاح والنهضة يهاجم الحركة المدنية: تسير خلف "تريندات مأجورة"    أفراح واستقبالات عيد القيامة بإيبارشية الوادي الجديد والواحات .. صور    ارتفاع أسعار الذهب 1% بسبب ضعف الدولار وآمال خفض أسعار الفائدة    إزالة 164 إعلاناً مخالفاً خلال حملة مكبرة في كفر الشيخ    الخارجية الأمريكية تكشف موقفها بشأن مقترح حماس لوقف إطلاق النار (فيديو)    مفاجأة.. صهر زين العابدين بن علي يخوض الانتخابات الرئاسية في تونس    غارة إسرائيلية تدمر منزلا في عيتا الشعب جنوب لبنان    قدم تعازيه لأسرة غريق.. محافظ أسوان يناشد الأهالي عدم السباحة بالمناطق الخطرة    بإطلالة شبابية.. ليلى علوي تبهر متابعيها في أحدث ظهور    الصحة: تكثيف الخدمات الطبية والتوعوية بالحدائق والمتنزهات في شم النسيم    مصطفى فتحي رجل مباراة بيراميدز وفيوتشر في الدوري    بعد فوز ليفربول على توتنهام بفضل «صلاح».. جماهير «الريدز» تتغنى بالفرعون المصري    «رمى أمه من البلكونة».. تفاصيل صادمة في سقوط ربة منزل من الطابق الثامن    ضحايا احتفالات شم النسيم.. مصرع طفل غرقًا في ترعة الإسماعيلية    موعد إجازة عيد الأضحى 1445 للطلاب والبنوك والقطاعين الحكومي والخاص بالسعودية    أرخص موبايل في السوق الفئة المتوسطة.. مواصفات حلوة وسعر كويس    سعر الكيلو سيصل إلى 150 جنيهًا.. نقيب الفلاحين يحذر من مصير الثوم ويكشف الحل    صُناع «شِقو» في ضيافة «معكم منى الشاذلي» الخميس (صور)    ثقافة الإسماعيلية تحتفل بأعياد الربيع على أنغام السمسمية    محمد عدوية يتألق في أولى حفلات ليالي مصر للربيع بالمنوفية    كرة السلة.. الأهلي 18-16 الزمالك.. نصف نهائي دوري السوبر (فيديو)    زيادة في أسعار كتاكيت البيّاض 300% خلال أبريل الماضي وتوقعات بارتفاع سعر المنتج النهائي    صانع الدساتير يرحل بعد مسيرة حافلة، وفاة الفقيه الدستوري إبراهيم درويش    مائدة إفطار البابا تواضروس    طلاب جامعة دمياط يتفقدون الأنشطة البحثية بمركز التنمية المستدامة بمطروح    خاص| مستقبل وطن: ندين أي مواقف من شأنها تصعيد الموقف ضد الشعب الفلسطيني    قبل عرضه في مهرجان كان.. الكشف عن البوستر الرسمي لفيلم "شرق 12"    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    غداً.. «التغيرات المناخية» بإعلام القاهرة    صحة الإسماعيلية.. توعية المواطنين بتمارين يومية لمواجهة قصور القلب    عضو ب«الشيوخ» يحذر من اجتياح رفح الفلسطينية: مصر جاهزة لكل السيناريوهات    الأهلي يُعلن تفاصيل إصابة عمرو السولية    لسهرة شم النسيم 2024.. طريقة عمل كيكة البرتقال في المنزل    أمينة الفتوى تكشف سببا خطيراً من أسباب الابتزاز الجنسي    المصريون يحتفلون بأعياد الربيع.. وحدائق الري بالقناطر الخيرية والمركز الثقافي الأفريقي بأسوان والنصب التذكاري بالسد العالي يستعدون لاستقبال الزوار    لقاء علمي كبير بمسجد السلطان أحمد شاه بماليزيا احتفاءً برئيس جامعة الأزهر    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    الصحة تعلن إجراء 4095 عملية رمد متنوعة مجانا ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    نانسي عجرم توجه رسالة إلى محمد عبده بعد إصابته بالسرطان.. ماذا قالت ؟    في العام الحالي.. نظام أسئلة الثانوية العامة المقالية.. «التعليم» توضح    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    إصابه زوج وزوجته بطعنات وكدمات خلال مشاجرتهما أمام بنك في أسيوط    في خطوتين فقط.. حضري سلطة بطارخ الرنجة (المقادير وطريقة التجهيز)    المستشار حامد شعبان سليم يكتب :الرسالة رقم [16]بنى 000 إن كنت تريدها فاطلبها 00!    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    مفوضية الاتحاد الأوروبي تقدم شهادة بتعافي حكم القانون في بولندا    شاهد.. الفنادق السياحية تقدم الرنجة والفسيخ للمترددين في الغردقة    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    لماذا يتناول المصريون السمك المملح والبصل في شم النسيم؟.. أسباب أحدها عقائدي    غدا.. إطلاق المنظومة الإلكترونية لطلبات التصالح في مخالفات البناء    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    استشهاد طفلان وسيدتان جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في حي الجنينة شرق رفح    تعليق ناري ل عمرو الدردير بشأن هزيمة الزمالك من سموحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علاقة «داعش» بسينما هوليوود والمقاتلين الأجانب
وحوش التطرف بين «خريف العدالة» و«أفاتار» و«سوبرمان»

من أكثر ما يميز الجماعات الإرهابية الجديدة ومنها تنظيم الدولة الإسلامية » داعش« ، أنهم لا يتقيدون بجنس أو لون أو حدود ، فالانضمام للتنظيمات متاح لكل المسلمين دون اى استثناء ، وهى ظاهرة عابرة للحدود ولا تعترف بها لأنها وثنية حسبما يعتقدون ، ويشددون على ازالتها.
ومن هنا أصبح تصميم تنظيم » داعش« هذا الاختصار للدولة الإسلامية الافتراضية ، هاجسا لكل دول المنطقة وغيرها من البلدان الأوروبية وكندا واستراليا والولايات المتحدة. فداعش وغيرها من الإرهابيين الجدد مهما اختلفت مسمياتها تسعى للهروب من الدولة الوطنية والقومية الى الدولة الافتراضية ، لتشمل كل الجنسيات بلا مسميات عتيقة أو حدود حتى لو عابرة للمحيطات والقارات.
وعلى نهج داعش وغيرها ، هرب اليها الوافدون الجدد من كل بلدان العالم من دولهم القومية القديمة حيث عانوا من اضطهاد الدولة الأم لهم دينيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا ، ليؤسسوا الدولة الافتراضية رغم انعدام مكونات الدولة المدنية الحديثة فى عوالمهم الجديدة. فحدود الدولة الإسلامية تائهة المعالم ووهمية وبلا خطوط مرسومة ، وترتبط فقط بعالم شبكات التواصل الاجتماعى والانترنت .. ولكن مع فرض نمط حياة قبلية قديمة نسيها العالم منذ عشرات السنين إن لم يكن مئات السنين.
ربما كان الظلم والاضطهاد هو الدافع وراء انسياق الوافدين الجديد من أوروبا وأمريكا واستراليا وكندا الى عالم الدولة الإسلامية الوهمية أو دولة داعش الجديدة فى المنطقة، فهؤلاء عانوا مرارة الوحدة والقهر النفسى وعدم التواصل الاجتماعى مع مواطنيهم فى بلدانهم التى ولدوا ونشأوا بها، فهربوا الى عالم افتراضى جديد لا يربطهم به سوى ما يحملونه من الرابط الديني، فالإسلام كديانة يجمع بينهم. وإذا كان الدين هو سبب رئيسى لتعرض هؤلاء لاضطهاد فى بلدانهم الإصلية، يعد فى ذات الوقت الحافز القوى لتركهم بلادهم والهجرة نحو الدولة الداعشية، ليمنحهم الانضمام إليها صفة المسلم فى بلاد الإسلام ولتكون لهم الأولوية فى العيش والحياة والحصول على كينونة افتقدوها فى الغرب، حتى لو التصقت بهم الآن صفة »الإرهابي« فهذا لا يهم طالما كان العيش بجانب مسلمين فى دولة جديدة تترعرع فى المنطقة، وبالتالى فهو يجارى أفكارها المتطرفة حتى وإن كانت تدعو الى قتل الغريب أو الاجنبى وربما كان المغدور به جارا، لهذا الإرهابى الوافد أو قريبه.
ليس مهما ما اذا كانت الولايات المتحدة اعترفت حتى وقتنا الراهن بانها هى التى أسست تنظيم القاعدة لمواجهة الاحتلال السوفيتى الشيوعى لافغانستان، فالمهم أنها هى التى أرست أسس الإرهاب الحديث فى المنطقة والعالم، لتعانى لاحقا مع دول أوروبية وعربية اخرى من ويلات تطرف وإرهاب الفكر القاعدى على مدى سنوات ، لتشتد الأزمة وتفرخ القاعدة فى تطور طبيعى يتفق مع نظرية »التفتت بعد القوة« أو »عنقودية الأساس« ، عدة منظمات إرهابية جديدة اتخذت مسميات عدة منها »الدولة الإسلامية فى العراق و بلاد الشام« و«جبهة النصرة« ووووو الخ...
ظاهرة الإمارات الإسلامية والذئب المنفرد
كيفية مواجهة الدولة الإسلامية الافتراضية وضعت المنطقة العربية أمام تحديات لا حد لها منذ اواخر 2010 بالتزامن مع ظهور »الربيع العربي« ، حيث بدأت ظاهرة بزوغ ما يسمى ب »الإمارات الإسلامية« وانتشارها فى عدد من دول المنطقة . وسعت هذه الإمارات المتطرفة لفرض سيطرتها على مناطق جغرافية بعينها عبر تطبيق الشريعة الإسلامية، وفقا لتفسيراتها المتشددة دون الاعتداد بالقوانين الوضعية، وهو ما يجعلها مناطق خارج سيطرة الدولة الوطنية ، بما يهدد كيانات وحدود الدول القائمة على الخريطة حاليا ويعرض بنيتها القومية لمخاطر عديدة وربما تذوب وتتلاشى مع تنامى حدود دولة الخلافة الإسلامية المزعومة .
ومن الطبيعى أن ينقلب السحر على الساحر، ولكن هنا انقلب مرتين، ففى الأولى كانت الأراضى الأمريكية والأوروبية ذاتها هدفا لإرهاب القاعدة ، وتمكنت هذه الدول فى مرحلة لاحقة من مواجهة الإرهاب على ارضها الرخوة بسبل متعددة ، ولكن الإرهابيين الجدد نالوا من مواطنين ورعايا اجانب فى موطنهم الجديد، وهذا هو الانقلاب الثانى للسحر على الساحر، والذى امتد أيضا الى الاوطان ذاتها عبر ما يسمى ب »الذئب المنفرد« وفقا لما نشرته صحيفة »ديلى تليجراف« البريطانية عن أن تنظيم القاعدة أنفق أقل من مليون دولار لتنظيم هجمات 11 سبتمبر 2001، لكن تنظيم »داعش« وجد طريقة أقل تكلفة لضرب الأراضى الأمريكية، وذلك عبر التأثير على المتعاطفين معه من المرضى النفسيين لتنفيذ هجمات ما يطلق عليه »الذئاب المنفردة«. فداعش يحول المواطنين الأجانب فى بلادهم الى إرهابيين محتملين او » ذئاب منفردة« عبر نشره صور وفيديوهات الرءوس المقطوعة والجثث على موقع التواصل الاجتماعى والإنترنت، إلى جانب الدعوات الصريحة للقتل. وبهذا يتحول هؤلاء الى أسلحة عن بعد - بيد التنظيم، وهذا التكنيك الجديد لا يتطلب محاولات استمالة عبر خلايا نائمة أو خططا أو تنسيقا أو حتى دعما ماديا، لكنه يثبت التأثير العميق لنشر الخوف، ويستخدم فى هذا التأثير على المرضى النفسيين ، وهؤلاء يكونون اكثر شراسة فى تنفيذ أعمال عنف وإرهاب فى اوطانهم .
عدالة هوليوود وغياب العدل الأمريكى
المثير فى الأمر أن الأمريكيين على المستوى الرسمى لم يعترفوا بعد بتأسيس الجماعات الإرهابية، وحتى على مستوى المحللين السياسيين والاقتصاديين والكتاب والنقاد لم يعترفوا أيضا بخطايا بلادهم حتى ولو بعد حين. ولكن على المستوى الدرامى ، ونقصد هنا عالم هوليوود الخيالي، فهو خير حافظ للذاكرة الأمريكية، ولا يترك شاردة أو واردة وإلا احتفظ بها وجسدها فى أحداث ومشاهد سينمائية. فأنتجت هوليوود شرائط مهمة مثل »صائد الغزلان« و« العودة للوطن« وغيرها لتحكى عن مأساة حرب فيتنام التى ورط فيها سكان البيت الأبيض شعبهم على مدى سنوات لتتحول الأراضى الأمريكية الى شبه مقابر مفتوحة على الدوام من كثرة الضحايا من الجنود، وكذلك لم تهدأ الحالة فى المستشفيات بسبب التوافد اليومى من الجرحى والمصابين. فهذه الحرب طبعت فى أذهان العائدين فكرا معقدا حيال الوطن الأمريكى وربما عبروا بصدق عن مدى شعورهم بالهزيمة والانكسار والاضطهاد، فهم حاربوا واصيبوا بأمراض وكسور شتى جعلتهم مقعدين غير قادرين على ممارسة حياتهم فى أدنى مستوياتها الإنسانية ، وربما شعر بعضهم بأنهم منبوذون من بقية المجتمع الأمريكى حيث يذكرونه بفداحة الهزيمة والانكسار.
ومرورا بأزمة فيتنام وتداعياتها المؤلمة فى نفوس الأمريكيين، ورغم أنها لم تخلق منهم إرهابيين ضد وطنهم، فثمة شريط سينمائى مهم للغاية ربما لم يحظ بالجماهيرية عربيا ، وهو » خريف العدالة« وعنوانه الأصلى » Heavens Fall«، وربما لم يتطابق العنوان العربى مع الأصلى ولكن يرتبط بالمعنى ضمنا اذا حكمنا حسب القصة الإصلية للشريط . و تحكى عن توجيه تهمة الإعدام لتسعة شبان زنوج باغتصاب فتاتين قاصرتين فى عربة قطار شحن ، وتتوالى أحداث الشريط الذى يجسد مدى تعرض الزنوج الى الاضطهاد فى وطنهم ومحاولة تغريبهم عنه بفرض نمط معيشة معين لا يليق بأدنى حقوق للإنسان. ثم يظهر صامويل ليبوفيتز المحامى الشريف الذى يقرأ عن قضية هؤلاء ويتكبد مشقة الانتقال من مدينة نيويورك ويترك عائلته الصغيرة الى بلدة (سكوتسبورو) فى ولاية آلاباما بالجنوب ليتولى الدفاع عن الشبان بعدما تأكد من كذب الأدلة المقدمة ضدهم ومدى الظلم الذى تعرضوا له بعد تكالب المدعى العام للبلدة والقاضى جيمس هورنون وهيئة المحلفين الصورية المشكلة من أعضاء بيض، على تحميلهم القضية الملفقة بهدف تبرئة شاب أبيض من مغبة مواجهة الحكم بالإعدام. ولطالما حاول المحامى ليبوفيتز الدفاع عنهم والبحث عن الادلة الكفيلة بتبرئة موكليه حتى اقترب بالفعل من ادانة المدعى العام والقاضى وهيئة المحلفين وشرطة البلدة ، وحصل على اعتراف رسمى من احدى الفتاتين بتبرئة الشبان السود واتهام الشاب الأبيض مع تأكد هيئة المحكمة بمدى كذب الفتاة الاخرى وسوء سمعتها أخلاقيا ، الا ان هيئة المحلفين لم تتراجع عن حكمها السابق ليصدر القاضى حكمه النهائى للمرة الثانية بإعدام الشبان السود ظلما وعدوانا ، رغم انه يقول ضمن مشاهد الشريط :« لن أتخلى عن تطبيق العدالة والقانون حتى لو انطبقت السماء على الأرض«.. ومن هنا جاء العنوان الأصلى للشريط السينمائي، الذى تحقق بالفعل سواء بالعنوان الأصلى أو المترجم ، لأن العدالة لم تتحقق وكذلك اختلت السماء بسبب الظلم الذى وقع على الشبان السود وابعاد التهمة عن الجانى الأبيض.
لقد بدأ الشريط السينمائى » خريف العدالة« بخروج جرار القطار الذى يقله المحامى وهو ذاهب الى بلدة ( سكوتسبورو ) بولاية آلاباما الجنوبية العنصرية آنذاك من النفق ليشعر المشاهد أن ثمة ضوءا فى أخر النفق كما يرى كل المتفائلين عموما، لينتهى بصورة مأساوية وطبيعية ليختفى القطار براكبه المحامى فى النفق المظلم بعد خسارة القضية، وهو ما يعبر عن الواقع الحالى الأمريكي، فغاب الحق والعدل وعم الظلم لا لشيء سوى لاختلاف اللون.
وتطبيقا على حالة الوافدين الجدد الى تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية الجديدة، فكل أعضائه الأوروبيين والكنديين والأمريكيين والاستراليين ربما شعروا بالاضطهاد والظلم والقمع وتدنى المستوى الاقتصادى فى أوطانهم الأصلية كما أسلفنا ، ورأوا فى عالم داعش دولتهم الافتراضية بعد أن ضجروا من معاملة الدولة الأم لهم. فهم يبغون عالما يشعرون فيه بالمساواة وليس الدونية، بالعدل وليس الظلم، بالأهمية وليس بالنكران.. ومن هنا قال المحامى فى »خريف العدالة« فى حوار جانبى مع المدعى العام الذى انكر جميع الوقائع الدالة على تبرئة الشبان السود وتمادى فى البحث عن أدلة اتهام ضدهم :« الغريب ان الأشجار فى بلدة (سكوتسبورو) تتخذ اتجاهات مختلفة نحو الشمس«.. وكان يقصد أنه بالرغم ان المنبت واحد وعليه يجب ان يكون انحراف ميل الشجر فى اتجاه واحد، فإن البلدة الظالمة حادت عن تطبيق العدل لابنائها، فمنبتها من نفس الأرض ولكن هذا الأسود تعرض للتعذيب والظلم وذاك الأبيض كان مصيره التبرئة رغم جرمه الواضح.
واتساقا مع »خريف العدالة« ، تعرضت المنطقة العربية للظلم الأمريكى والغربى مرتين على الأقل فى الحقبة الأخيرة، ففى المرة الأولى أسست أمريكا القاعدة التى مارست إرهابها على بلدان وشعوب المنطقة العربية قبل الغرب وأمريكا، والثانية عندما أمدت أمريكا والغرب تنظيم داعش وغيره بالوافدين الجدد المضطهدين ليهجروا مواطنهم الأصلية قسرا الى عالمهم الافتراضى الجديد. فأمريكا والغرب ارتكبا الجريمة بنفس اللاعبين والوسيلة ولم يحققا العدالة فى أوطانهم، لتعانى المنطقة من ويلات الأمراض الأمريكية والغربية وغيرها.
معاناة الشباب الأمريكى وحرب فيتنام
ويكتب للدراما الأمريكية أنها جسدت معاناة الشباب الأمريكى من جراء حرب فيتنام، وهى نفسها الدراما التى فضحت صانعى القرار فى واشنطن وكشفت عن أن هذه الحرب البغيضة أودت بحياة نحو 5 ملايين فيتنامى من بينهم 4 ملايين من المدنيين الأبرياء فى حال اعتبرنا ان القتلى من العسكريين يستحقون مصيرهم طالما ماتوا فى الحرب حتى وإن كانت مفروضة عليهم. واذا كانت سينما هوليوود قد انتجت اكثر من 18 شريطا سينمائيا جسدت فيها مأساة حرب فيتنام كليا أو جزئيا لتفضح سياسات البيت الأبيض، فإنها لم تدشن بعد عملية فضحها للرؤساء الأمريكيين الذين نجحوا فى ابتلاء المنطقة بالقاعدة وبناتها من داعش وجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية العديدة.
ومع النقيض لما فعلته أمريكا حيال فيتنام لكى تنهض بهذا البلد سياسيا واقتصاديا ليكون نمرا اسيويا على غرار دول جنوب شرق أسيا بعد ان تسببت فى تدميره كليا، إلا أنها بالمقابل لا تسعى سوى للنيل من مقدرات العرب وعزيمتهم وقوتهم. ونحن لن نجتر أحزان حربى الخليج الأولى والثانية نظرا لتداعياتها ومآلاتها السياسية والاقتصادية والجيوسياسية ، ونركز على احتلال العراق والنيل منه وكسر شوكته العسكرية بتدمير الجيش البعثى ، ثم مناصرة الحكومات الشيعية ضد السنة والأكراد، وما تلا ذلك من هزيمة الجيش الأمريكى أمام فرع تنظيم القاعدة فى العراق لتؤسس الولايات المتحدة ردا على ذلك ميليشيا الصحوات لتواجه به هجمات القاعدة، ولتكون المواجهة عراقية عراقية، ثم ينسحب الجيش الأمريكى من العراق ليترك جيش الصحوات السنى فريسة لاضطهاد حكومات نورى المالكى ليكون افراد هذا الجيش نواة لتنظيم داعش الذى بنى على انقاض القاعدة فى الشام، ولتكون داعش حاليا هى بمثابة البيئة الخصبة والحاضنة لمن يرون انفسهم »مجاهدين« من العرب والعجم، لتتعاظم الظاهرة الداعشية فى المنطقة.
المقاتلون الأجانب
خطورة ما يجرى بالمنطقة بسبب حملات التهجير الطوعية للوافدين الجدد من الدول الأوروبية وأمريكا وكندا واستراليا، أن أرقام هؤلاء غير محددة حتى الآن وغير دقيقة ومتضاربة فى الوقت نفسه، ففى تقرير أمريكى لمركز »سوفان جروب« للدراسات الاستراتيجية فى نيويورك، أكد أن 12 ألف جهادى إسلامى دخلوا الى الأراضى السورية عبر تركيا والأردن من 81 دولة خلال السنوات الثلاث الماضية انضم معظمهم الى الدولة الإسلامية »داعش« ، وهو عدد تجاوز عدد الذين وفدوا الى أفغانستان خلال احتلالها من قبل القوات السوفيتية الذى استمر عشر سنوات. وتتفق دراسة أخرى أجراها المركز الدولى لدراسة التطرف بالجامعة الملكية فى لندن، مع تقرير »سوفان جروب » فى عدد المنضمين لتلك الجماعات ، حيث تؤكد انضمام 12 ألف مقاتل أجنبي، من بينهم 1900 متطوع من دول أوروبية، فى حين يؤكد منسق شئون مكافحة الإرهاب فى الاتحاد الأوروبى جيل دى كيرشوف ان ما يقرب من 3 آلاف مقاتل أوروبى يشاركون فى الصراع الحالى سواء فى سوريا أو العراق. ويرتفع هذا الرقم وفقا لرئيس لجنة الاستخبارات فى مجلس النواب الأمريكى مايك روجرز حيث تصل تقديراته لنحو 15 ألف أجنبى من بين 33 ألفا هى اجمالى مقاتلى داعش.
سمرا وصالحة الفرنسيتان
وما يؤكد تحول من يشعر بالاضطهاد الى النقيض والقيام بأعمال ربما كان يرفضها سابقا او حتى لم ترق الى عقله ، ما روته أنيس دى فيو مخرجة الافلام التسجيلية الفرنسية التى استخدمت فى افلامها شابتين فرنسيتين لم يتجاوز عمرهما العشرين عاما واسم كل منهما الأول هو سمرا وصالحة، وهما حديثتا العهد بالإسلام ومنتقبتان وتعرضتا للاضطهاد فى فرنسا خاصة مع قانون حظر النقاب ، فما كان منهما إلا ان بحثتا عن جهاديين، ليصبحا فارسى أحلامهما، وذلك بعد أن شاركتا فى فيلمين وثائقيين، إلى جانب أخريات عن حظر النقاب. وقررت سمرا وصالحة الانضمام إلى الجماعات المقاتلة فى سوريا. ونقل تقرير لصحيفة » الشرق الأوسط عن دى فيو، مخرجة الفيلم الوثائقى ما وراء النقاب« قولها :« إن سمرا وصالحة انضمتا إلى القتال فى سوريا، بعد أن دخلتا فى صراعات داخل فرنسا، بعد القانون الفرنسى القاضى بحظر النقاب ، مما زاد كراهيتهما للمجتمع، ودب التطرف بداخلهما خلال هذه الفترة«. وأشارت الى أن الشابة صالحة كانت دائما ما تقول لساركوزى عندما كان رئيسا لفرنسا: »شكرا ساركوزي.. قانونك قد أهدانى إلى الصواب« ، وزاد حماس وتطرف الشابة الفرنسية ليدفعها للهرب الى مناطق القتال فى سوريا، خاصة بعد تعرضها لمضايقات فى شوارع بلدتها الفرنسية . وتشير تقارير إعلامية إلى أن فرنسا سجلت العدد الأكبر من المجندات، إذ يبلغ عدد النساء الفرنسيات نحو 25 % من مجموع النساء الغربيات اللاتى انضممن إلى المتطرفين. كما يشير تقرير للبرلمانى الفرنسى جيوم لاريفيه الى ان السجون الفرنسية تحولت الى أحد الأمكنة المهمة للأًصولية الإسلامية ولتطويع إرهابيين جدد، وان نحو 40 ألف شخص من مجموع السجناء على علاقة بالإسلام.
ولم يكن أمرا مثيرا أن ينشر »داعش« صورة لمتحدثه الجديد وهو فتى أسترالى لم يتجاوز عمره 17 عاما ويدعى عبد الله الأمير، وقد ترعرع فى ضواحى سيدنى وكنى بلقب » أبو خالد« ويعتقد أنه ضمن مائة أسترالى آخرين يحاربون فى صفوف التنظيم الإرهابي. وتعتقد عائلته أنه خضع لعمليات غسل دماغ قبل انضمامه لداعش خاصة بعد أن ظهرت صورته فى مقطع يوتيوب يتحدث فيه باسم داعش وخاطب الرئيس الأمريكى ورئيس الوزراء الأسترالى تونى آبوت مهددا إياهما :« لن نلقى سلاحنا حتى نصل لأراضيكم ولن توقفنا أسلحتكم عن القتال ، سنقطع رؤوس كل طاغية حتى يرفرف العلم الأسود عاليا فوق كل نقطة فى العالم«. وشملت تحذيرات » أبو خالد« فى مقاطع أخرى بقتل الطغاة فى استراليا وبريطانيا والولايات المتحدة.
ولم يختلف الشاب الكندى » أبو مسلم« عن الأسترالى أبو خالد الذى اعتنق الإسلام فى عام 2008 ثم لجأ الى داعش فى سوريا وحارب فى صفوفه وبث شريطا مصورا يدعو فيها أقرانه الكنديين الى الإسراع بالهجرة الى الدولة الإسلامية ليعيشوا فى بيئة إسلامية آمنة »وليس شرطا ان تكونوا مقاتلين، فبامكانكم تقديم مساعدات أخرى فى كل مجال على حدة سواء أكنت مهندسا أو طبيبا أو فى أى مهنة«.
السيناريو الأمريكى لتدمير الدول العربية
وقد نلجأ هنا الى دراسة مطولة عن مخطط وزارة الدفاع الأمريكية » البنتاجون« لتقسيم الوطن العربى ، ونعتمد على ما نشرته مواقع عديدة لهذه الدراسة ، ويشير ملخصها الى ان البنتاجون اعتمدت على توصيات أجريت وفقا لتحليلات ميدانية قامت بها معاهد وجامعات سياسية ومراكز عسكرية ، خطورة الدراسة أنها صنفت الجيوش الإيرانى و السورى والمصرى و السعودى و الباكستانى كأقوى الجيوش التى تمتلك ترسانة أسلحة بعد الجيش العراقى سابقا. كما أشارت الى كيفية تفتيت تلك الجيوش تمهيدا لاحتلال بلدانها كخطوة لاحقة، وذلك بتحييد الجيش الباكستانى . بينما أشارت الى أن الجيش السورى فقد قوته بما يتخطى 70% حتى نهاية فبراير 2013 .
ورغم أن بعض هذه الدراسات تعد ضربا من الخيال ، فإن الدراسة المشار اليها وضعت أكثر من 69 سيناريو متوقعا لمواجهة شعوب المنطقة على مدى 750 يوما متلاحقة قبل تقسيم المنطقة العربية (العراق، سوريا، مصر، السودان، السعودية) إلى دويلات وولايات بحجم الإمارات وقطر والكويت. و تراهن على تحقيق النجاحات المتتالية مع قصر المدة وتعزو ذلك إلى وجود انقسام أيديولوجى وفكرى وعرقى وطائفى وصل إلى حد التجذر بشعوب المنطقة . ولم يتوقف الأمر على تفتيت الجيوش وتقسيم الدول ، لأن السيناريوهات المعدة شرحت بالتفصيل كيفية تحقيق هذا الغرض، وكان ذلك عن طريق تخدير الشعوب بشعارات الربيع العربى والثورات والغزو الإعلامى والتمادى فى افتتاح القنوات الفضائية مع حسن استغلال مواقع التواصل الاجتماعي.. وقد حددت الدراسة عام 2015 ليكون ساعة الصفر للانقضاض على دول المنطقة لتنفيذ السيناريوهات المعدة بحذافيرها.
وبعيدا عن الدراسة ، فثمة تصريحات لزبيجينو بريجنسكى مستشار الأمن القومى فى عهد الرئيس الأمريكى جيم كارتر أثناء الحرب العراقية الإيرانية ودعا فيها الإدارة الأمريكية الى تصعيد حرب خليجية ثانية على هامش الحرب الخليجية الأولى المستعرة آنذاك بين العراق وإيران، لكى تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود »سايكس- بيكو«. وعقب هذه التصريحات بدأ المفكر الإستراتيجى الأمريكى برنارد لويس فى إعداد مشروعه لتقسيم الدول العربية والإسلامية، وبتكليف من » البنتاجون«، وشملت خطته تفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعا كل على حدة، منها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الإفريقي، مع تقسيمها الى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وقد أرفق بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تحت إشرافه تشمل جميع الدول العربية والإسلامية المرشحة للتفتيت . وترجع الاستعانة ببرنارد لويس إلى مجمل آرائه العنصرية البغيضة عن العرب والمسلمين ، فهم »قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِر الحضارات، وتقوض المجتمعات، ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية«.
هذه الدراسة وتصريحات برنارد لويس تدفعنا لربطها مباشرة مع أفكار كوندوليزا رايس فى بداية منصبها كمستشارة للأمن القومى للولايات المتحدة، إذ اقترحت مشروع الشرق الأوسط الكبير وابتدعت تعبير » الفوضى الخلاقة«، تمهيدا لتطبيقه فى المنطقة. ولم تهدأ عزيمة رايس التى تولت لاحقا وزارة الخارجية فى عهد جورج بوش الابن، فهى أسست عدة مشروعات تصب جميعها فى تغيير جذور وحدود المنطقة العربية، وعمدت الى تأسيس منظمات ومؤسسات عدة تعمل على التواصل مع بعض شباب البلدان العربية بهدف تغيير الأنظمة مستخدمة القوة والعنف ولكن تحت شعار » بناء الديمقراطية وتدريب الشباب على المعارضة البناءة«.. وكان الهدف غير المعلن هو التخلص من الأنظمة الموجودة وتغيير طبيعتها السياسية. وتولت وزارة الخارجية الأمريكية وغيرها من المؤسسات المخابراتية فى الولايات المتحدة والدول الأوروبية تنفيذ الخطة، وعمدت منظمات بعينها مثل » تحالف حركة الشباب« و »جذور العشب« الى استقطاب الشباب من العالم العربى وتلقينه سبل تغيير الأنظمة ، وكان الغطاء هو تدريبها على نشر الديمقراطية فى بلدانها، ولكن النتيجة النهائية كانت زعزعة الاستقرار وتغيير طبيعة الأنظمة السياسية بالفعل مع نشر الفوضى المدمرة فى بلاد كثيرة مثل اليمن وليبيا وسوريا والعراق ، مع التحريض على الحروب المذهبية والطائفية والعرقية فى بلاد المنطقة.
العربى من البدوى الى الداعشى بين (أفاتار و سوبرمان)
وهنا نعود الى هوليوود مرة أخري، حيث آلهبت خيال الأمريكيين وخلقت أبطالا مثل »جيمس بوند« و »روكى » المغوار الذى لم يهزم قط ويخرج منتصرا على أعدائه، ليحين الدور على العربى أو المسلم لينال نصيبه من هوليوود بعد أن صورته سابقا شخصا بدويا لا يملك سوى الجمال، ثم تحول فى حقبة لاحقة الى إرهابي. ولن تستثنيه هوليوود لاحقا من تهمة » الداعشي« حيث الرجل الذى يقتل ويعذب ضحاياه من الأجانب، ، واعتقد أنها لن تقف بجانب العرب والمسلمين مثلما كانت عادلة مع الزنوج ولو بعد حين، فكان الشريط »خريف العدالة« وغيره الكثير ليعيد بعض حقوق السود الضائعة أو التى كانت ضائعة، وكذلك الهنود الحمر سكان الأرض الأصليين رغم ان بعض الشرائط صورتهم كأشرار. وليس فى الأفق أى أمل أن تنتج هوليوود شرائط سينمائية قريبا أو بعد حين لتبرىء ذمة العرب والمسلمين مما يجرى حاليا، لأنها لن توجه اللوم الى سياسة الإدارات الأمريكية المتعاقبة أو الحكومات الأوروبية حيال ما اقترفوه من آثام بحق مواطنيهم من أبناءالجاليات الإسلامية وغيرهم من الذين أعتنقوا الإسلام حديثا. هذا رغم أن الشريط السينمائى الشهير » سوبرمان« يتضمن مشهدا رائعا عبارة عن نصيحة ألقاها العالم جور إل (مارلون براندو) لمولوده الرضيع كلارك كينت ( كريستوفر ريف ) وهو يهبه لكوكب الأرض عندما ينصحه بتعلم كل علوم الكائنات الأخرى ولغاتهم وثقافاتهم فى رحلته الطويلة عبر آلاف السنوات الضوئية لينتهى به المطاف من كوكب كريبتون الى كوكب الأرض ، ولكنه يحذره من التدخل فى تاريخ الأمم والشعوب . ولكن أمريكا وربما أوروبيين آخرين لم ينصاعوا لنصيحة جور إل ، فهم ينفقون ملايين الدولارات على سيناريوهات ودراسات لتغيير تاريخ وطبيعة وجغرافية العرب ثمة مشكلة أمام هوليوود، فالدراما الأمريكية غالبا ما تنتصرللحق والأخلاق والصفات الحميدة ، إذا كان هذا يرتبط بالشأن الأمريكي، ولكن إذا ما تعدى الأمر الحدود الأمريكية ، فلا مانع من تجاوز المثل والأخلاقيات فى سبيل تحقيق الغرض وهو تدمير الأخرين، مثلما كان الحال فى الشريط » أفاتار« ، فالأمريكيون ينقبون عن خيرات الآخرين ثم يخططون للاستيلاء عليها، ولكن بعد تصوير هؤلاء كأعداء حتى يوفروا الصيغة الأخلاقية لاحتلال بلدانهم .
شعوب المنطقة تدفع الثمن
وارتباطا ب » أفاتار »، فقد دخلت المنطقة العربية نفقا مظلما وخطيرا لا يقدر أحد على التنبؤ بالنتائج المترتبة على ذلك ، خاصة وأن مجمل التطورات والأوضاع لم توضح بعد المعالم النهائية لداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية ، كما إن ما تعرضت له المنطقة رغم المنعطفات الكثيرة خلال الفترة الماضية ومنذ بدايات »الربيع العربى » لا يكفى لوضع او تصور المآلات والأهداف الحقيقية ، حتى لو ظهرت بوضوح المخاطر الديموغرافية التى اصبحت تهدد بالفعل حدود الدولة الوطنية والقومية والمدنية ، فى ظل ما يستهدفه الإرهابيون بمساعدة المنضمين اليهم من الغرب وأمريكا من زعزعة المكونات العرقية والدينية لشعوب المنطقة . وربما يكون بعض الوافدين الجدد أو معظمهم عملاء لأجهزة المخابرات الأجنبية، فى ما يشبه ب » المستعربين الجدد«، ويكون لهؤلاء مهمة تحقيق مضمون » أفاتار » العربى فى الواقع.
وربما غفلت الجهات التى تحرك بأصابعها الأمور فى المنطقة عن بعد بالروموت كنترول أو مثل لاعب »عرائس الماريونيت«، أنها ستكون فى مأمن من تداعياتت وآثار ما تؤججه من حروب وفتن طائفية وعرقية ومذهبية. فشعوب ودول المنطقة ستدفع الثمن غاليا وكذلك مخططو هذه الحروب حتى وإن كان قد أقاموا تحالفا دوليا لمواجهة داعش فى المنطقة والحد من اندفاعاتها على حساب آراضى الدول الوطنية. وربما غفلت الجهات التى تحرك الأمور فى المنطقة عن خطورة ما يحدث بها من تغيير التركيبة الديموغرافية والدينية والاجتماعية مثلا فى العراق وسوريا ولبنان واليمن وربما ليبيا لاحقا ، ولكن المهم ان هؤلاء المهندسين العالميين لن يسعدوا كثيرا بنتائج ما حققوه على المدى القصير فى المنقطة من زعزعة استقرار واستهداف لبنيته التحتية ، ومن الطبيعى ان ينقلب السحر على الساحر حتى لو بعد حين ، لتنال الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها من نصيبها العادل مما جرى فى الشرق الأوسط . ولن يسلم مهندسو السياسات الخارجية الأمريكية والأوروبية الذين يخططون فقط من أجل خدمة مصالحهم الإستراتيجية ، ولن يفلحوا هذه المرة من تغييب العدالة كما فى الشريط السينمائى » خريف العدالة » ، لأن مفهوم الإرهابى لم يعد قاصرا على مواطنى المنطقة فقط، فقد امتد الى حدود الآخرين فى صورة »الذئب المنفرد » وهو ما سينقلب عليهم فى يوم ما وبشدة.
أزمة العرب أن الولايات المتحدة لم تتخل بعد عن مضمون الشريط السينمائى » أفاتار » وهو من مرتكزات السياسات الخارجية لواشنطن حيث تخلق العدو تلو الآخر ، فلم تكد أمريكا تعلن انتصارها فى الحرب الباردة على غريمها اللدود الاتحاد السوفيتى الذى فقد لقبه كقوى عظمى موازية للقوى الأمريكية فى نهاية حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، حتى أسرعت واشنطن الخطى لتعلن عن عدوها الجديد الذى وصفته ب » بالعدو الأخضر« نسبة الى الإسلام، وبعد أن قامت بانشاء وتسليح وتمويل تنظيم القاعدة لمواجهة الجيش الأحمر فى افغانستان فى نهاية سبعينيات القرن العشرين، عادت لتعانى من تطرفه لاحقا، وبعد ان دشنت جيش الصحوات فى العراق لعرقلة تقدم القاعدة هناك، عادت لتعانى من أذناب الصحوات الذين التحقوا بداعش او كانوا هم نواته الأساسية بعد ان عانوا من تخلى الجيش الأمريكى عنهم وانسحابه من العراق وتركهم فريسة لحكومة وجيش نور المالكي.
وكما أسلفنا ، فقد انقلب السحر على الساحر ، وهو ما يؤكده مدى اهتمام قادة دول الاتحاد الأوروبى بملف مكافحة الإرهاب، وتحركهم السريع لمواجهة خطر » داعش« خاصة وأن آلاف المقاتلين الأوروبيين سافروا إلى سوريا والعراق ويشكلون خطرا أمنيا على بلدانهم فى حال عودتهم. كما منحت كندا أجهزتها المخابراتية مزيدا من الصلاحيات بعد الاعتداءات التى شهدتها منطقة البرلمان فى أوتاوا، وفى نفس الوقت شددت إجراءاتها الأمنية لمواجهة عودة عشرات الكنديين الذين قاتلوا الى جانب المتطرفين من صفوف داعش فى المنطقة. وقررت الدول الأوروبية وكندا واستراليا والولايات المتحدة تعديل قوانينها لمواجهة التطرف الأصولى ، منها تشديد القوانين المتعلقة بتمويل الجماعات الإرهابية عبر وقف استخدام الجمعيات الخيرية كواجهة لجمع الاموال لهذه الجماعات، وذلك فى تطور عملى لمحاصرتها وضرب أذرعتها المالية التى تتخذها كغطاء لتمويل الإرهاب.
هذا علما بان الولايات المتحدة ودولا أوروبية عديدة انتقدت موقف مصر بشدة عندما أعلنت تقييد عمليات تمويل منظمات المجتمع المدنى عقب ثورة 25 يناير، واعتبروا هذه الخطوة منافية لحقوق الانسان والشفافية، كما اعتبروا أحكاما بالسجن بحق المدانين بتلقى أموال من الخارج بدون تقديم اثباتات بكيفية صرفها فى الأوجه المشروعة بمصر، تجاوزا للقانون وتقدمت عواصم أوروبية وواشنطن باعتراضات كثيرة على تلك السياسات التى اعتبرتها القاهرة من صميم شئونها الداخلية وحماية لسيادتها واستقرارها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.