عادل أبوطالب تأتى ذكرى أحداث الحادى عشر من سبتمبر2001 الشهر المقبل، والعالم ربما يستعد لسيناريو مقارب لأحداث قد تعيد إلى الأذهان صورة المشهد عقب تفجير برجى التجارة العالمى وما تلاها من تطورات كانت فاصلة فى وحتى الآن فى حال المنطقة العربية والشرق الأوسط بأكمله. فعمليات القاعدة بقيادة أسامة بن لادن استخدمتها واشنطن كذريعة لغزو أفغانستانوالعراق، وهو ما نشهده حاليا من أبو بكر البغدادى زعيم تنظيم داعش الذى يطلق على نفسه وصف "الخليفة"، لكن الخشية تبدو فى ما بعد الحرب الثانية على العراق وهل ستكون سوريا محطة جديدة، ربما تبدو فيها مآرب السيناريو المحتمل أكبر من ضرب تنظيم الدولة الإسلامية إلى احتلال سوريا على غرار ما حدث مع العراق. يأتى ذلك بينما بدأ الرئيس الأمريكى باراك أوباما يقرع طبول الحرب، ويصف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ب "السرطان" الذى يجب استئصاله، فيما طالب وزير خارجيته جون كيري، بسحق داعش وتدميرها، ووصفه شاك هيجل وزير الدفاع الأمريكى تنظيم داعش بأنه "أخطر مجموعة إرهابية واجهتها الولاياتالمتحدة فى السنوات الأخيرة"، بينما لم يتردد مالكوم ريفكيند، وزير الدفاع والخارجية البريطانى الأسبق ورئيس لجنة الأمن والمخابرات فى البرلمان البريطانى، فى الدعوة للتعاون والتنسيق مع النظام السورى وهو الذى كان من قبل من أشد المطالبين بالتدخل العسكرى لإسقاطه. وقد باتت قضية الإعداد لإعلان تحالف دولى لمواجهة داعش واضحة تماما وتترجمها عدة أسباب أهمها: أولا: تمدد تنظيم الدولة الإسلامية داخل الأراضى السورية والعراقية بشكل لم يعد معه كافيا أن تؤدى الضربات الجوية الأمريكية وحدها إلى نتيجة ملموسة فى القضاء على التنظيم، الذى أعلن دولته فى الرقة ودير الزور، وضم الموصل والأنبار ومحافظة صلاح الدين تحت تلك الدولة، وبالتالى باتت هزيمة التنظيم تتطلب من الناحية العسكرية تدخلا أرضيا إلى جانب الضربات الجوية، وهو ما ألمح اليه الجنرال مارتن ديمبسى رئيس هيئة الأركان الأمريكية أخيرا. ثانيا: إن أمريكا وحلفاءها من الغرب والعرب أمام مأزق خطير جدا، يفوق مأزق تنظيم القاعدة بشكل يفرض الحاجة إلى تحالف يفوق تحالف غزو العراق واحتلاله، فالقضاء على هذا التنظيم سيحتاج إلى وقت طويل، لأنه مستقل تماما فى تسليحه وتمويله، ويملك جيشا عقائديا مدربا تدريبا جيدا، يزيد عدده على سبعين ألف مقاتل، وفقا للتقديرات، ويسيطر على نصف العراق، وثلث سوريا، وتحت حكمه حاليا يعيش نحو سبعة ملايين نسمة، كما أن هذا التنظيم موجود فى العراق منذ 13 عاما، وقبلها فى أفغانستان قبل عشرة أعوام. وإذا كان قوات البشمرجة الكردية من ضمن من يحول بين تنظيم الدولة الإسلامية وحلمه فى الخلافة العالمية فى الوقت الحاضر والولاياتالمتحدة وبعض حلفائها الأوروبيين الذين بدأوا يتدخلون عسكريا، فإن الثابت حتى الآن أنه من غير المرجح أن يتمكن الأكراد وحدهم من هزيمة تنظيم الدولة حتى بالضربات العسكرية الأمريكية. ثالثا: "حالة السعار" التى تعيشها الآلة الإعلامية الغربية فى الحشد ضد تنظيم داعش وربما يكون ذلك أمرا طبيعيا خصوصا بعد قتل الصحفى الأمريكى، لكنه فى الوقت نفسه ربما يؤشر لما هو قادم، وفى هذا الصدد رأينا دعوات متزايدة شنتها صحف أمريكية وبريطانية، أيدت جهود الحكومتين البريطانية والأمريكية لدحر تنظيم الدولة الإسلامية لما يشكله من خطر على أمن بريطانيا، بحسب أجهزتها الاستخبارية، بتلميحات تؤهل الرأى العام الداخلى لتدخل عسكري، فى إشاراتها إلى أن الكثير من البريطانيين الذين يعتقد أنهم يقاتلون فى العراق يمكن أن يعودوا يوما ما إلى بلادهم وينقلبوا عليها، وتأكيداتها بأن القيام بذلك بطريقة صحيحة يستلزم من السياسيين التغلب على رفضهم للتدخل العسكرى ومواجهة حقيقة التهديد الذى تواجهه البلاد. ومن جانبها، أشارت افتتاحية «فايننشال تايمز» إلى سرعة تحرك ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطانى، فى حث مواطنى بلاده على المبادرة باتخاذ موقف عند اشتعال أزمات دولية، كما حدث فى ليبيا عندما هدد نظام القذافى سكان بنغازى عام 2011، والآن فى العراق عندما قال إن تنظيم الدولة يشكل تهديدا وجوديا للغرب، وتحدث عن الحاجة إلى رد بريطانى قوى وأنه يجب ردع التنظيم بجميع الوسائل المتاحة ومنها القوة العسكرية. ويبقى فى النهاية أهمية دور الدول الإقليمية فى المنطقة وعلى رأسها كل من مصر والسعودية، وربما أيضا إيران التى دخلت على خط الأحداث فى العراق بشدة بعد إرسالها الجنرال قاسم سليمانى وبعض المستشارين من قوة القدس لرفع معنويات النظام الذى ترعاه طهران فى بغداد، وبالمقارنة بالحرب على نظام صدام لتحرير الكويت، فإن العدد فى التحالف الجديد المنتظر ضد داعش ليس هو الضمانة الأساسية لتحقيق الانتصار، بعكس ما كانت عليه الحال فى تحالف غزو العراق والذى ضم قوات من 36 دولة، لكن السؤال هو هل ستقف أهداف التحالف الجديد المرتقب عند حدود القضاء على داعش؟ أم ستتعداها إلى أهداف أخرى قد تهدد وحدة المنطقة وسلامة أراضيها فى ظل مخاوف من التفكك والتقسيم، وهل سيكون إحياء ذكرى الحادى عشر من سبتمبر ببدء القتال؟