اختلط منذ نعومة أظفاره بطين القرية وطميها، فخرجت عن هذا الاختلاط نبتة الوطنية والانتماء، وحب الأرض. وحق البسطاء.. شجرة ضاربة الجذور، باسقة الأغصان، تجلت فى فروعها معانى الأرض والعِرض والثقافة، الأديب والصحفى والمفكر الإسلامى ذو التوجه اليسارى والطراز الفريد عبد الرحمن الشرقاوى. ولد فى 10 نوفمبر 1920م بقرية (الدلاتون) بمحافظة المنوفية، اعتاد وهو طفل صغير أن يستحم فى الترعة الصغيرة، بعدما يمرغ جسده ووجهه فى التراب والطين فيبدو فى شكل (العفريت) ليخيف رفاقه من الأولاد والبنات، ثم يقفز فى الترعة المملوءة بالماء المُحمل بالطمى. بدأ تعليمه فى (كُتاب القرية)، فحفظ القرآن الكريم، الذى أسهم لاحقا فى روعة بيانه، ثم انتقل إلى المدارس الحكومية، فتلقى تعليمه الأولى، وكان يلتهم الكتب التى اعتاد أن يرجع بها إخوته الأكبر سنا من القاهرة فى إجازاتهم الصيفية، فقرأ لطه حسين، والعقاد وشوقى والمنفلوطى، ود. محمد حسنين هيكل، وهو لا يزال نبتا أخضر..، وبعد أن أنهى دراسته الثانوية، التحق بكلية الحقوق نزولا على رغبة والده، لكنه لم يقطع صلته بالأدب، حيث دأب على حضور محاضرات طه حسين بكلية الآداب، وفى عام 1943 تخرج فى كلية الحقوق، وعمل بالمحاماة لمدة عامين، بعدها ولّى وجهه شطر الأدب والصحافة، فبدأ محررا بمجلة الطليعة، مرورا بالفجر والشعب والجمهورية، وانتهاء بروز اليوسف التى عمل رئيسا لتحريرها، حتى انتهى به المطاف بجريدة الأهرام. أعمال خالدة تنوعت أعمال الشرقاوى التى تأثر فيها بالحياة الريفية شعرا ونثرا ومسرحا، فكانت القرية مصدر إلهامه، وانعكس ذلك على أولى رواياته (الأرض) التى اعتبرها كثيرٌ من النقاد النموذج الأبرز لمذهب الواقعية الاشتراكية، كما تجلت ثقافته الدينية فى مسرحيتيه (الحسين ثائرا، وشهيدا)، وبرزت وطنيته فى (مأساة جميلة)، و(أحمد عرابى)، ومن أعماله أيضا (الفتى مهران) و(النسر الأحمر)، و(قلوب خالية). وفى حقل السيرة أسهم بحظ وافر، فكتب (محمد رسول الحرية)، و(على إمام المتقين)، و(الفاروق عمر)، و(ابن تيمية الفقيه المعذب)، كما شارك الحكيم والسحار فى إعداد سيناريو فيلم (الرسالة)، وتقلد العديد من المناصب الثقافية، فعمل سكرتيرا لمنظمة التضامن الأسيوى- الإفريقى، وأمينا للمجلس الأعلى للفنون والآداب.وعن إبداعه المتميز نثرا وشعرا ومسرحا حصل على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب، ووسام الفنون والآداب من الطبقة الأولى. وبعد رحلة طويلة من العطاء، رحل الشرقاوى عن دنيانا تاركا وراءه سجلات خالدة، وكانت وفاته فى نفس اليوم الذى ولد فيه فى العاشر من نوفمبر سنة 1987.