القومي للإعاقة يطلق غرفة عمليات لمتابعة انتخابات النواب 2025    «قومي المرأة» يكرم فريق رصد دراما رمضان 2025    وزارة« التموين» تؤكد عدم تغيير سعر وجودة رغيف العيش المدعم للمستهلكين    المدير الإقليمي لليونسكو بالقاهرة: تعمل على إصدار توصيات بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي    لو زوجتك مش على بطاقتك التموينية.. الحل فى 3 دقائق    «المرشدين السياحيين»: المتحف المصرى الكبير سيحدث دفعة قوية للسياحة    الحكومة الإسرائيلية: لن تكون هناك قوات تركية في غزة    أردوغان: أكثر من 1.29 مليون لاجئ سوري عادوا إلى بلادهم منذ 2016    الاتحاد الأوروبي يرفض استخدام واشنطن القوة ضد قوارب في الكاريبي    عضو بالحزب الجمهوري: ترامب والديمقراطيون يتحملون مسؤولية الإغلاق والمحكمة العليا أصبحت سياسية    أشرف داري بعد التتويج بالسوبر: الأهلي دائمًا على قدر المسئولية    أب يكتشف وفاة طفليه أثناء إيقاظهما من النوم في الصف    خيانة تنتهي بجريمة.. 3 قصص دامية تكشف الوجه المظلم للعلاقات المحرمة    حبس المتهمين في مشاجرة بالسلاح الناري في أسيوط    سمر فودة تُثير الجدل بسبب «الهوية المصرية».. أزمة «الجلابية» بين التأييد والرفض (تقرير)    محمود مسلم ل كلمة أخيرة: منافسة قوية على المقاعد الفردية بانتخابات النواب 2025    محافظ الغربية يتفقد مستشفى قطور المركزي وعيادة التأمين الصحي    استشاري: العصائر بأنواعها ممنوعة وسكر الفاكهة تأثيره مثل الكحول على الكبد    برنامج مطروح للنقاش يستعرض الانتخابات العراقية وسط أزمات الشرق الأوسط    بث مباشر.. البابا تواضروس يشارك في احتفالية مرور 17 قرنًا على انعقاد مجمع نيقية    «فريق المليار يستحق اللقب».. تعليق مثير من خالد الغندور بعد فوز الأهلي على الزمالك    شبيه شخصية جعفر العمدة يقدم واجب العزاء فى وفاة والد محمد رمضان    قراءة صورة    «ما تجاملش حد على حساب مصر».. تصريحات ياسر جلال عن «إنزال صاعقة جزائريين في ميدان التحرير» تثير جدلًا    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    أهالي «علم الروم»: لا نرفض مخطط التطوير شرط التعويض العادل    الخارجية الباكستانية تتهم أفغانستان بالفشل في اتخاذ إجراءات ضد الإرهاب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    قتل وهو ساجد.. التصريح بدفن جثة معلم أزهرى قتله شخص داخل مسجد بقنا    غدًا.. وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة فى لقاء خاص على القاهرة الإخبارية    استعدادات أمنية مكثفة لتأمين انتخابات مجلس النواب 2025    بيحبوا يثيروا الجدل.. 4 أبراج جريئة بطبعها    حزب السادات: مشهد المصريين بالخارج في الانتخابات ملحمة وطنية تؤكد وحدة الصف    رسميًا.. بدء إجراء المقابلات الشخصية للمتقدمين للعمل بمساجد النذور ل«أوقاف الإسكندرية»    توقيع مذكرة تفاهم لدمج مستشفى «شفاء الأورمان» بالأقصر ضمن منظومة المستشفيات الجامعية    أخبار السعودية اليوم.. إعدام مواطنين لانضمامهما إلى جماعة إرهابية    راحة 4 أيام للاعبي الاتحاد السعودي بعد خسارة ديربي جدة    الصدفة تكتب تاريخ جديد لمنتخب مصر لكرة القدم النسائية ويتأهل لأمم إفريقيا للمرة الثالثة في تاريخه    محافظ بني سويف ورئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة يفتتحان فرع المجلس بديوان عام المحافظة    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    زيادة فى الهجمات ضد مساجد بريطانيا.. تقرير: استهداف 25 مسجدا فى 4 أشهر    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    انتخابات مجلس النواب 2025.. اعرف لجنتك الانتخابية بالرقم القومي من هنا (رابط)    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    التشكيل المتوقع للزمالك أمام الأهلي في نهائي السوبر    نهائي السوبر.. الأهلي والزمالك على موعد مع اللقب 23    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    طارق السعيد: أُفضّل شكرى عن كوكا فى تشكيل الأهلى وشخصية زيزو مثل السعيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل ليدي جوردون من مصر
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 11 - 2014

كانت اقامة ليدي جوردنLuciDuffGordon في مصر وبشكل خاص في صعيدها اطول فترة قضاها اوروبي في هذا الجزء من مصر, وقدمت الملاحظات المتعاطفة والنفاذة التي ضمنتها رسائلها الي عائلتها صورة مصر لم يستطع ان بجاريها فيها احد.
وقد ولدت ليدي جودون عام1821 لوالدين جادين عرفا بحبهما للكتابة والتأليف, كان ابوها محاميا اكاديميا كتب الكثير عن فقه التشريع, وأورث ابنته نزعة فطرية الي الدقة, وكانت أمها تترجم الكتب عن الالمانية وتكتب المقالات عن التعليم. وكان اصدقاء الاسرة من الراديكاليين المتحمسين في تلك الايام: بنتام, وجون ستيوارت ميل, ومالكون, وونستون سميث, وقد نمت ليدي كطفلة وحيدة ومبكرة النضج في مثل هذا المناخ.
وفي بداية الاربعينيات من عمرها اصيبت بالسل, الامر الذي نصحها معه الاطباء بضرورة الابتعاد عن جو انجلترا, فسافرت الي جنوب افريقيا عام1861 ومنها كتبت رسائلها:lettersfromcafe التي نشرت عام1864. غير انه لما كانت ابنتها جانيت متزوجة من رجل اعمال وبنوك يعيش ويعمل بالإسكندرية, فقد نصحوها بالاستفادة من جو مصر وفي نفس الوقت تحتفظ بصلاتها مع اسرتها. وهكذا وصلت الي القاهرة عام1862 كتبت عند وصولها عن الجو الذهبي حيث كل شيء تغمره اشعة الشمس والشعر, ولكنها ما لبثت ان اكتشفت ان مناخ القاهرة في شهور الشتاء لا يلائمها ولذلك اختارت ان تتوجه الي الصعيد لتعيش هناك, وقدمت لها الاقصر بوجه خاص بديلا سحرها تراجعت امامه القاهرة. وهكذا كانت ايامها الذهبية في القاهرة محدودة حيث استأجرت ذهبية اتجهت بها الي الاقصر التي ظلت تعيش وتكتب فيها رسائلها حتي وفاتها في بولاق في14 من يونيو1869 وان كانت تود ان تموت بين ناسها في الصعيد.
واذا كان اكتشاف مصر الحديثة الذي ملأ ارفف مكتبة كاملة قد بدأ مع غزو نابليون لمصر عام1798 وفتح كتاب وصف مصر اعين اوروبا علي العالم غير العادي لمصر القديمة, كما جاءت كتابات ادوارد لين عادات وتقاليد المصريين القدماء الذي نشر عام1836, وكتاب المصريون القدماء, قد قامت وصفا لمصر العصور الوسطي, فان مصر التي عاشت تحت وطأة محاولات التحديث المتسرعة لمحمد علي وخلفائه, فقد جاءت رسائل ليدي جوردون كلمات تقدم وصفا وتعليقا لا يقدر حول آثار ذلك وبشكل خاص من خلال حكم اسماعيل.
التعاطف مع المقهورين
وقد توافق وصول ليدي جودون الي مصر مع لحظة مصيرية حيث تولي اسماعيل باشا الحكم لكي يواصل جهود محمد علي المندفعة لبناء الدولة ويصل الي مستويات من استغلال شعبها بكل فئاته ويقوض النخبة الدينية والريفية. كذلك توافقت سنوات اقامتها في مصر مع العمل في شق قناة السويس التي افتتحت في العام الذي توفيت فيه1869 لذلك حفلت رسائلها بمظاهر ما تعرض له الشعب المصري من قسوة الحكام ومن ظلم النظام وعدم كفاءته واساليب التجنيد الاجباري وتفريغ الريف من سكانه. كتبت لزوجها عام1863 ان كل فرد يلعن الفرنسيين هنا.. ان40.000 يعملون في قناة السويس عند حد المجاعة وثمة اهتياج وتخوف كبير حول ما سيفعله الباشا الجديد( اسماعيل).. كما كتبت في احدي رسائلها تصف وقع قسوة الضرائب التي فرضها اسماعيل عام1867 بعد انخفاض اسعار القطن نتيجة عودة القطن الامريكي للسوق العالمي.. وحتي الوجهاء دخلوا السجن حيث وجدوا من المستحيل علي الفلاحين دفع كل الالتزامات الكاملة لقواهم. وحول الاقصر تحول ملاك الارض الي مجرد مشاركين في المحصول, وعرضوا عليها جزءا كبيرا من المحصول اذا ما ساعدتهم علي دفع الضرائب, او جعلها تتدخل نيابة عن زميل لهم مسجون, وكتبت لأمها. انه لشيء مثير حين يكشف صديق عن ملابسه لكي يظهر علامات وقروح السلاسل حول عنقه الامر الذي لم تكن تستطيع ان تساعدهم فيه, وبدت التغيرات من خلال اقامتها في مصر, اكثر مما تستطيع تحمله انني اتذكر ما طالعته عيناي من نافذتي عند وصولي من مناظر طبيعية جميلة وحيث كانت تعج بالبشر والحيوانات, ثم انظر الي مظاهر الضياع المفزع امامي الان فأشعر حقا بمدي ثقل قدم الحاكم ووطأته. كما تصور في رسالة اخري قسوة الحياة علي الناس فتقول.. في يوم قد يجد الانسان طعامه, وفي يوم اخر لا شيء علي الاطلاق. والاطفال يرتجفون من سوء الطعام والقذارة وكثرة العمل.
ثم تحكي ما رواه لها شاب من اكثر الناس احتراما حين جلس اليها ينقل اليها ما سمعه بالأمس ممن جاءوا عبر النهر من قصص مرعبة عن الجثث المتمددة دون دفن بأمر الباشا, ويقول لها: بين كل العالم ليس هناك اكثر بؤسا منا نحن العرب.. ان الترك يضربوننا, والاوروبيين يكرهوننا ويقولون: تماما, والله ان من الافضل لنا ان نخفي رؤوسنا في التراب( ان نموت) وندع الاجانب يأخذون ارضنا ويزرعون القطن لأنفسهم, وبالنسبة لي فأنا متعب من هذه الحياة البائسة والخوف علي مصير بناتي الصغار المساكين..
الابتعاد عن الآراء النمطية
وقد كان من الواضح ان تعاطف ليدي جوردون مع ما رأته من معاناة المصريين انما كان يعود الي تكوينها الثقافي والمناخ الذي نشأت فيه, وبين اقطاب الراديكالية الليبرالية في ايامها الأمر الذي وضعها بشكل حاسم في صف المقهورين, وقد استبقت ليدي جوردون في هذا جيلا من نقاد التجربة الاستعمارية مثل: ولفرد بلنت وسيمورتكي اللذين انتقدا دور بريطانيا في مصر لمقتهما للأساليب الاستعمارية: ولتعاطفهما مع الامانة المصرية. ورغم ان ليدي جوردون لم تشهد حدثا دراميا مثل ثورة عرابي عام1882, فأنها اكثر احساسا من غيرها من البريطانيين في مصر بمحركات الثورة. وبالإضافة الي شخصيتها الاجتماعية, فان مصدر قدراتها غير العادية علي الملاحظة المتعاطفة ربما نبعت من الاختلاف بين هدف وجودها في مصر وهدف معاصريها, فلأنها لم يكن لديها اي مصالح او ولاءات امبريالية, وبسبب اقامتها في مصر, لذلك كانت اقل تعرضا لترديد الآراء النمطية. وربما ساعد في هذا ايضا ظروفها الصحية والمالية التي لم تشجعها علي الاختلاط والاشتراك بشكل كامل في حياة المجتمعات الاوروبية والبريطانية في مصر, وعلي العكس من هذا فان قدراتها الطبيعية في اللغات التي جعلتها تتعلم اللغة العربية دفعها لان ترتبط وتعتمد بشكل اكثر علي المجتمع المصري وان تنتظر وتتعامل مع المصريين ليس كموضوعات للتحليل والسيطرة وانما كقوم يستضيفونها ورافقوها حتي ايامها الاخيرة.
بنت البلد
لخصت ليدي جوردون خبرتها في مصر وحياتها بين شعبها بقولها حين اجلس الان مع الانجليز اشعر وكأنهم اجانب بالنسبة لي, وهكذا فاني اشعر الان تماما بأني بنت البلد هنا.. والواقع ان هذه الخبرة كانت نتيجة معايشة يومية للواقع المصري والالتصاق بكل فئاته وبمواضعاته الاجتماعية والثقافية. مثلما عاشت ليدي جوردون بين الحكام والقضاة ورجال البوليس, والمدرسين وقناصل الدول والمشايخ, عاشت بشكل اكثر التصاقا بين الفلاحين واكلت معهم وجلست بينهم وبين الجمال تأكل اللبن الرايب والبلح, وغشيت حفلات الزواج والذكر والمآتم, وشاركت وراقبت المناقشات الدينية, واستمعت بصحبة النساء المصريات واطفالهن وحسن ضيافتهن الامر الذي اكسبها حب كل هذه المستويات الاجتماعية خاصة الفقراء منها, وهو ما جعلها تكتب ان الناس يأتون ويربتون علي كتفي بأيديهم الي الحد ان طرفا من عباءتي قد بهت من كثرة التقبيل, واصبحت, واصبحت ألقب ب الست بتاعتنا.. وفي مناسبات كثيرة رفضت عرضا من البكباشي هو رجل فظ مثل لأرناؤوط يمارس لعبته التركية في نصحي ان آخذ حذري, ويقول للعرب ان الحكماء المسيحيين سوف يسمعون المسلمين.. وعن مدي قربها من بيئتها وأقبال الناس عليها كتبت تقول.. اني اعلم كل فرد في قريتي.. وقد اشاعت نساء ماكرات ان مقدمي بجانب السعد, ولذلك فكثيرا ما يطلب مني ان القي نظرة علي عروسه, وان ازور منزلا يشيد او اتحسس الماشية.. كما كانت تشعر بوجه خاص بالسرور حين يوكل الاباء اليها علاج اطفالهم, وفي بعض الاحيان كان يتجمع عشرون او ثلاثون فردا خارج منزلي, ويأتي لعديد منهم علي جمالهم من الصحراء مما وراء ادفو, وحين اسالهم ماذا جاء بهم اجابوا ان الشاعر قص عليهم انني زهرة فوق رءوس العرب وان المرضي منهم يجب ان يذهبوا ليشموا رائحة هذه الزهرة وتروي ليدي جوردون فيما يتعلق بأمور العلاج ما يكشف شك الناس من الحكومة حتي في امور الصحة فقد ذكر عنها علي افندي الحكيم كيف حاول ان يعالج هو مرضاها وان يراهم ولكنهم رفضوا.. وحين غادر جاءوني بأمراضهم وحين نبأتهم علي ذلك قالوا: والله يا ست يا حكيمة.. هذا الحكيمباشي سوف ينقلنا الي المستشفي في قنا ثم يضعون لنا السم.. وحين نفيت لهم ذلك وان علي افندي رجل طيب وهو يقدم لهم النصيحة.. ولكن بلا جدوي, فهو طبيب الحكومة وهم يفضلون الموت علي ذلك, ولكنهم سوف يتقبلون اي شيء من الست نور علي نور كما كانوا يسمونني.
وواضح ان التصاق ليدي جوردون بالمجتمع بكل فئاته ومراقبتها اليومية للعلاقات والسلوك والدوافع كان وراء ملاحظاتها التي سجلتها عن كافة تفاصيل الحياة اليومية وعن عادات المصريين واخلاقهم. ويبدو ان المرأة المصرية والعربية البدوية قد نالت اهتمامها ونجدها تعقد مقارنة بين المرأة المصرية والبدوية ان تشاهد البدوي وامراته يسيرون في شوارع القاهرة لهو امر رائع حقا.. فيدها تستريح علي كتفه ونادرا ما تتنازل لكي تغطي وجهها المترفع وتنظر الي المرأة المصرية المتحجبة التي تحمل اعباء ثقيلة وتسير خلف سيدها. كما تتذكر.. المرأة النوبية الشابة التي تريد ان تقدم لي افضل هدية يمكن ان تفكر فيها, حصيرة صنعتها بيديها وكانت سرير زواجها اما بالنسبة لي فقد كانت هذه الهدية تجمع بن الصداقة والشرف, وقد قدرتها علي هذا النحو.
كي تسجل ليدي جوردون الروح الاجتماعية للمصريين ومقابلتهم الود بالود والمحبة.. اذا ما تغاضيت عن المتطفلين الذين يبحثون عن البقشيش, فسوف تجد الكثيرين, وربما كانوا حفاة الاقدام, مستعدين ان يشعروك باهتمامهم خاصة اذا رددت عليهم بتحية او نظرة رقيقة, واذا ما شاركتهم عيش الذرة والبلح, واللبن الرايب وتناولته معهم بشهية كما تورد ملاحظتها علي سلوك المصريين في تجمعاتهم وجلستهم.. من الأمور الغربية ان تجد الضجة في الشارع, ولكن ضع نفس هؤلاء في مقهي في اي مكان فستجد ان واحدا منهم فقط هو الذي يتحدث اما الاخرون فينصتون اليه ولا يقاطعونه ابدا, ان عشرين رجلا لا يصنعون الضجة التي يصنعها ثلاث اوروبيين. كما تبدي تقديرها لقوة وتحمل الانسان المصري وتسخر من دعاوي كسله.
وتروي ليدي جوردون واقعة زواج احد معارفها من المصريين من زوج شقيقه الذي توفي, ووجد ان من واجبه ان يحميها واطفالها وان لا يتركها تتزوج من اجنبي, وتستخلص من ذلك احد دوافع ومعاني ظاهرة تعدد الزوجات وتفهم منها.. انها ليست دائما سببا الي الانغماس في اللذة الحسية, فقد يتحمل تضحيات كثيرة تعاطفا مع زوجة شقيقة المتوفي.. ان هذا هو المسلم الحقيقي.
ويدفعها افتتانها بجمال البيئة ان تدعو زوجها. ان كان لديك اي نفوذ علي فنانين فابعث بهم لكي يرسموا هنا, لا تستطيع كلمات ان تصف الجمال التصويري للقاهرة, او الاشكال الرائعة للناس في مصر العليا وقبل كل شيء في النوبة غير انها في نفس الوقت تأسف علي ما حدث للقاهرة ان ايام القاهرة الجميلة معدودة.. ان المساجد تتساقط وتتآكل والنوافذ الانيقة تستبدل بالزجاج الاوروبي والحصائر...
التسامح بين الأديان
وكثيرا ما لاحظت ليدي جوردون في رسائلها الدرجة العالية من التسامح والتعايش بين الاديان, وفاخرت بحوارها واحاديثها مع المسئولين, ولم يزعجها ما قد يبدو من قلق ديني, ولم تهتم بالمفاهيم التي اشاعها المستشرقون حول الاسلام واعتبروها شيئا مختلفا تماما عن المسيحية, وكانت تري ان الاسلام يمر بعملية احياء شبيهة بتجربة البروتستنتية في اوروبا.. اعتقد تغيرا عظيما يجري بين العلماء لا يصبح معه الاسلام مجرد راية لجانب ما.. ان كل الجانب المعنوي اصبح موضع نظر وتدقيق.
وقد اتخذت ليدي جوردون من صديقها الشيخ يوسف اكثر مرشد لها في هذه الامور, فقد اتخذته اولا لكي يعلمها اللغة العربية ثم ادركت انه ليس فقط مجرد مدرس للغة العربية ولكنه شيخ الاسلام للأقصر كلها. وكان يمثل كلا من السلطة الدينية والقانونية في المدينة, لذلك فقد علمها طرق الاسلام بل واقترح عليها ان يضعا معا كتابا يعلم الانجليز ان الاسلام ليس دينا متعصبا.
وقد شجعها ما لمسته من تسامح علي ان تعود في الوقت الذي يكره فيه الاوروبي ان يدعي بالنصراني, فإنني اقول هنا بشجاعة انا نصرانية والحمد لله وأجد في هذا موافقة شديدة من المسلمين وكذلك من الاقباط وثمة اشياء غريبة تراها هنا فيما يتعلق بالدين: مسلمون يصلون قرب قبر مار جرجس.. كما لاحظت ان الترجمان يلقب احد الانجليز الذين زاروا مصر بالشيخ وحين سألت الترجمان عمن هو الشيخ ستانلي اجابها انه القسيس الذي رافق ابن الملكة في خلال زيارته لمصر واضاف في الواقع انه شيخ حقيق وواحد ممن يعلمون الامور الحقيقية للدين, لقد كان رحيما حتي مع الجياد وانه لمن رحمة الله علي الانجليز ان يكون هذا اماما للملكة والامير.. وحين سألته وكيف تتحدث بهذا الشكل وانت درويش بين المسلمين عن قسيس نصراني, اجاب ان من يحب كل مخلوقات الله فلابد ان الله يحبه كذلك, ليس هناك شك في هذا. وتعقب ليدي جوردون ليس هناك امل في تفاهم مجيد مع الشرقيين حتي يقتنع المسيحيون الغربيون ويدركون العقيدة المشتركة التي تتضمنها الديانتان؟.
وتروي ليدي جوردون عددا من الوقائع التي اكدت لها روح التسامح بين المسلمين تجاه المسيحيين, ففي احد مجالسها جاءت سيرة الاجانب الغرباء الذين يموتون ويدفنون في مصر وما يتكلفه هذا, عقبت ليدي جوردون معلهش, ان الذين كانوا كراما في ضيافتي وانا حية ان يكفوا عن هذا حين اموت, ولكن اعطني قبرا بين العرب, ورد رجل عجوز: اتمني ان لا نري هذا اليوم يا سيدتي,.. ولكنه في اي مكان ستفنين فيه فانك بالتأكيد سترقدين في قبر مسلم, حين تساءلت: كيف يكون هذا اجاب لأنه حين يموت مسلم سيء فان الملائكة يأخذونه من قبره ويضعون بدلا منه المسيحيين الطيبين. وتحكي عن مشهد دفن احد الانجليز الشبان وحيث تعاون الاقباط والمسلمون في حمل الغريب.. وفي مشهد غاية في التأثير وفي ساعة وضعه في القبر والصلوات الانجليزية تتلي, والشمس تهبط في فيض مجيد من الضوء علي الطرف البعيد من النيل قالت امرأة من العبابده لي والدموع في عينيها وهي تضغط علي يدي تعاطف مع هذه الام البعيدة ومن جنس مختلف: هل كان له ام.. لقد كان شابا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.