تعليم الأقصر تعلن جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني للمرحلة الإعدادية    غرفة الحبوب: تراجع أسعار المكرونة بنسبة 30% مع استمرار انخفاض سعر الدقيق    وزيرة التخطيط تستعرض جهود الدولة لتعزيز تمويل التنمية    شاهد| متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت الأبيض    وزير خارجية قطر ومساعد بلينكن يبحثان سبل إنهاء الحرب في قطاع غزة    لازاريني: لن يتم حل الأونروا إلا عندما تصبح فلسطين دولة كاملة العضوية    تريزيجيه على مقاعد بدلاء طرابزون سبور في مواجهة غازي عنتاب    مباشر الشوط الأول - الزمالك 0×0 دريمز .. كأس الكونفدرالية    تفاصيل زيارة محافظ الدقهلية نادي المنصوره لتقديم التهنئة بصعوده لدوري المحترفين    ضبط 12 متهما بحوزتهم مواد مخدرة في أسيوط    كشفه السوشيال ميديا.. استمرار حبس المتهم بسرقة السيارات في التجمع    مستشار سفارة الصين بالقاهرة: علاقتنا مع مصر تشهد تطورا تاريخيا تحت قيادة السيسي    بعد تصدر ياسمين عبدالعزيز التريند.. تعرف على آخر أعمالها    سبورت: بايرن ميونيخ منفتحًا لرحيل كيميتش.. وصفقة تبادلية مع برشلونة    120 مليار دولار لسد فجوة عالمية ل44 مليون مدرس جديد بحلول 2030.. التنظيم والإدارة يعلن التوزيع الجغرافي ل18886 وظيفة معلم مساعد    بشار الأسد يؤكد ضرورة تعزيز التضامن العربي والعمل المشترك لتحقيق الاستقرار في المنطقة    البيت الأبيض: إسرائيل طمأنتنا بعدم دخول رفح الفلسطينية حتى نطرح رؤيتنا    "أهلا بك.. نحبك".. مُشجع غاني يستقبل شيكابالا بلافتة ترحيبية    وزير الصحة: نشهد قفزة جديدة في تطوير وتحديث برامج علاج سرطان الكبد الأولي    "القوات المسلحة" تكرم الضباط المتميزين المبعوثين إلى الدول الشقيقة والصديقة    أهم القرارات الحكومية اليوم في العدد 94 بجريدة الوقائع المصرية    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    رضا حجازي: زيادة الإقبال على مدارس التعليم الفني بمجاميع أكبر من العام    الإعدام لعامل قتل شابا من ذوي الاحتياجات الخاصة بواسطة كمبروسر هواء    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    إكليل وخواتم وصلبان.. مظاهر استقبال مبهجة لأقباط بورسعيد احتفالا ب"أحد الزعف".. صور    نشرة في دقيقة | الرئيس السيسي يتوسط صورة تذكارية عقب افتتاحه مركز الحوسبة السحابية الحكومية    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    صدى البلد يكرم منة فضالي بعد نجاحها في موسم رمضان الدرامي.. صور    عاجل| البيت الأبيض: إسرائيل طمأنت واشنطن بأنها لن تدخل رفح الفلسطينية حتى يتسنى لنا طرح رؤانا ومخاوفنا    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    مساعد وزير الصحة: انخفاض نسب اكتشاف الحالات المتأخرة بسرطان الكبد إلى 14%    استعدادا لشم النسيم.. الزراعة: طرح رنجة وفسيج بالمنافذ بتخفيضات تتراوح بين 20 و30%    حسام غالي يكشف مفاجأة لأول مرة عن لاعبي الأهلي أثناء توقف النشاط الرياضي    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    تأجيل محاكمة المتهمين في عملية استبدال أحد أحراز قضية    تفاصيل لقاء هيئة مكتب نقابة الأطباء ووفد منظمة الصحة العالمية    فيلم «أسود ملون» ل بيومي فؤاد يحقق المركز الرابع في شباك التذاكر    بحضور محافظ مطروح.. «قصور الثقافة» تختتم ملتقى «أهل مصر» للفتيات والمرأة بالمحافظات الحدودية    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    زعيم المعارضة الإسرائيلية: حكومة نتنياهو في حالة اضطراب كامل وليس لديها رؤية    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية في قرية جبل الطير بسمالوط غدا    الأرصاد الجوية تعلن حالة الطقس المتوقعة اليوم وحتى الجمعة 3 مايو 2024    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    أفضل أوقات الصلاة على النبي وصيغتها لتفريج الكرب.. 10 مواطن لا تغفل عنها    أعاني التقطيع في الصلاة ولا أعرف كم عليا لأقضيه فما الحكم؟.. اجبرها بهذا الأمر    أهم الأيام في التاريخ القبطي.. الكنيسة تحتفل بأحد السعف وسط فرحة عارمة وإقبال كبير|شاهد    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    ضبط 4.5 طن فسيخ وملوحة مجهولة المصدر بالقليوبية    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    ذهاب وعودة.. السكة الحديد تعلن عن رحلة اليوم الواحد احتفالا بشم النسيم (تفاصيل)    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    مواعيد أهم مباريات اليوم الأحد 28- 4- 2024 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيناء أرض التيه والشجرة المباركة
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 11 - 2014

كل شئ كان مواتيا لها .. فى البدء اشتق اسمها السامى الأصل من سين «إله القمر» فهى أرض القمر التى انفردت بالإجلال والتقديس فى كل الكتب السماوية .. سار فى دروبها سيدنا إبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء وأولياء الله الصالحين .. لم تكن تمثل بوابة مصر الشرقية فقط ولكنها اعتادت أن تكون «كوة» ينفذ منها شعاع الأمل الذى يبدد الجهل الوثنى المقدس .. توالت عليها الأزمنة والهجرات المتنوعة .. شأن طبيعتها الخلابة من جبال وبحار وأودية وكهوف وعيون وسهول وهضاب، فكانت لديها القدرة دائماً على فك الأقواس وإعادة الصياغة وإضافة الفكرة الجديدة إلى متن نصها الأصلى المصرى الصميم.
وصفها جمال حمدان صاحب شخصية مصر «بأنها امتداد لصحراء مصر الشرقية وهى العقدة الطبيعية التى تلحم إفريقيا بآسيا – وكما أنها إفريقية بالجغرافيا فإنها آسيوية بالتاريخ .. معظم قبائلها العربية تتكرر غالباً فى فلسطين والجزيرة العربية .. وحين كان ماء النيل يروى الوادى، كان الدم المصرى يروى رمال سيناء».
نتحدث عن جغرافية سيناء وإطلالتها الفريدة وجبالها الرواسى الشوامخ الجرانيتية اللامعة .. التى تمنح هواة رياضة صعودها وتأملها .. الكثير من صفاء الذهن وتواءم الروح والعقل واكتشاف الذات والتخلص من التوتر والمزيد من الطاقة الإيجابية .. إنه الهواء النقى الذى ينبه الحواس ويذكرنا بالحديث الشريف «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا» أى أن الإنسان لا يكتشف الحقيقة إلا متأخراً فى لحظة باهرة .. فبعيداً عن بعثرة الرؤى والاتجاهات .. تبدو الصورة شديدة الاتساق والترابط تاريخياً ودينياً وسياسياً وأمنياً ..
إنها سيناء التى نغفل أحياناً عن قداستها وأهميتها الدينية عالمياً .. ألم يولد بها موسى الذى تربى فى قصر الفرعون الذى استعبد الطائفة المستضعفة من بنى إسرائيل .. وقتل موسى رجلا اعتدى على أحد شيعته .. فهرب عن طريق جنوب سيناء إلى مدين فى مكان ما من (الأردن حالياً) وهناك تزوج «صفورة» إحدى الفتاتين التى جاء ذكرها فى القرآن «قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين» وأصبحت هاتان الصفتان من شروط الولاية فى الإسلام فيما بعد .. خرج موسى من مصر خائفاً من سوء العقاب يطلب النجاة من الله من القوم الظالمين .. وبعد معيشته فى مدين لما يقرب من أربعين عاماً .. وفى طريقه إلى مصر عند جبل الطور جاء النداء الإلهى فى ليلة باردة ظلماء .. ضل فيها موسى نفسه الطريق فى سيناء ومن معه من أهله : «فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آمنين آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إنى آنست ناراً لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون .. فلما أتاها نودى من شاطئ الواد الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إنى انا الله رب العالمين» وفى سورة طه «إنى إنا ربك فاخلع نعليك أنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى».
وكان التكليف بالرسالة والذهاب إلى فرعون ودعوته للإيمان بالله وإرسال بنى إسرائيل مع موسى إنقاذاً لهم من التعذيب والسخرة وتوالت الأحداث والمعجزات وظل فرعون على غيه وحانت ساعة خروج بنى إسرائيل من مصر بعد أن استنفد سنوات الدعوة التى قدرها بعض الباحثين بما لا يقل عن عشر سنين.
رحل موسى مع أتباعه ليلاً فى اتجاه الشرق وكان يقترب من الثمانين من عمره وقد أحزنه قول بعض بنى إسرائيل له : «لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة» أما سحرة فرعون والكهنة فقد أدركوا أنه ليس بساحر عظيم وسجدوا لله .. وخرج قوم موسى وضرب لهم البحر بعصاه فانفلق نصفين وتبعهم فرعون وكل جيشه وانطوى عليهم البحر وانطلقوا بمتاعهم وماشيتهم .. فى طريقهم إلى أرض الميعاد التى استقدمهم منها يوسف .. هذه المعجزة الكبرى التى تجسدت فى مشهد سينمائى رائع فى فيلم «الوصايا العشر» وسجلته السينما الأمريكية كواحد من أفضل مشاهدها على الإطلاق.
سار موسى بقومه إلى جنوب سيناء وفجر الله لهم عيون الماء وأرسل عليهم المن والسلوى وفى طريقهم مروا بجبل طور سيناء حيث نزلت التوارة على موسى «ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين» .. مكث موسى أربعين ليلة وتلقى الألواح التى تحمل الوصايا العشر :«لا يكن لك آلهة أخرى .. لا تصنع لك تمثالا منحوتا.. لا تحلف باسم إلهك باطلا .. اذكر يوم السبت لتقدسه .. اكرم أباك وأمك .. لا تقتل .. لاتزن .. لا تسرق .. لا تشهد شهادة زور .. لا تشته امرأة قريبك ولا شيئاً مما لقريبك» وحين عاد موسى وجدهم يعبدون عجلاً من الذهب صنعه لهم السامرى وألقى الألواح غاضباً .. ثم تابوا وتاب الله عليهم ولكن حين طلب منهم موسى أن يدخلوا الأرض المقدسة التى وعدهم بها الله .. تعالى صياحهم واستغاثاتهم .. ورفضوا لأن أهلها أشداء من العمالقة وقالوا له «لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون» .. فحرموا منها وكتب الله عليهم «التيه» أربعين سنة ومات موسى قبل أن يدخل أرض الميعاد.
هل توجد بقعة فى الأرض نالت هذا الشرف العظيم تجلى فيها المولى العظيم عز وجل عند شجرة مباركة مازالت يانعة فى سانت كاترين وذكرت فى القرآن الكريم ؟ : «وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين» والآية الكريمة أيضاً «والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين».
إذن هذا هو أفضل جبال الأرض وأطهرها فى محافظة سيناء التى تميزت بمنحة جغرافية فى جنوب سيناء تمثلت فى سلسلة جبال شاهقة : طور سيناء المؤلف من عدة جبال أعلاها جبل موسى وجبل المناجاة وجبل سانت كاترين الذى يمثل أعلى قمة فى مصر 2624 متراً وفى القسم الأوسط من سيناء تأتى هضبة التيه ويبلغ متوسط ارتفاعها 1000 متر .. وعورة التضاريس والمغارات والشقوق والمضايق فى بعض مناطق سيناء جعلها مركز جذب للإرهابيين وامتداداً لعناصرهم التى تمتد فى قطاع غزة وتطمح فى تحويل كهوف سيناء إلى تورا بورا جديدة تحتضن الجماعات التكفيرية الجهادية من كل جدب وصوب .. عالمية سيناء وتفردها دينياً وتاريخياً واقتصادياً ولوجيستياً لقربها من الأردن وفلسطين والسعودية .. يفرض وجود حتمية عسكرية موجودة على أهبة الاستعداد للهجوم قبل الدفاع فى هذا التوقيت الحرج الذى نحارب فيه فى جبهتين فى آن واحد ضد الإرهاب ونتسابق مع الزمن لتنمية محور قناة السويس وحمايته.
جغرافية سيناء الوعرة لا يدركها الكثيرون .. دروب وشعاب وشقوق يصل عمقها إلى 300 متر وممرات ضيقة يمر بها شخص واحد بالكاد وبالتالى يصعب مرور مركبات عسكرية فى بعض شرايينها .. منطقة الطور ذات الجبال المتراكمة النارية فوق بعضها البعض .. أما المحور الأوسط فيرى جمال حمدان أنه يمثل خطوط الدفاع الطولية ويعد من أخطر مواقع سيناء الاستراتيجية .. خاصة مضيق الجفجافة وممر متلا وما بينهما من ممرات ثانوية تؤلف منطقة تعد بغير جدال المفاتيح الاستراتيجية الحاكمة فى سيناء .. لذلك كانت إسرائيل حريصة على الوصول إليها بأى ثمن فى حربى 1956 و1967.
فى خضم هذه الحرب الدائرة عالمياً لمكافحة الإرهاب لابد من استخدام أسلحة لا تفل فى مواجهة الخصوم .. تتعالى الصيحات بتعزيز مهنة قصاصى الأثر .. وهى مهنة تتوارثها الأجيال فى البلاد الصحراوية حيث يتسم أصحابها بالفراسة ودقة الملاحظة والذكاء الفطرى.. فهم يبحثون عن الحقيقة فى الرمال .. يعثرون على التائهون فى صحراء التيه والضلال شأن بنى إسرائيل .. يفتشون عن الطيور الجارحة التى تأكل لحم أخيها ميتاً .. قص الأثر فن تدرسه الأكاديميات العسكرية ولم تستبعده أجهزة الرصد والاستشعار واستخدام GPS من وسائلها المتعددة، فالإنسان هو صانع التكنولوجيا وحين يتحايل عليها .. يكشف قصاص الأثر المسالك ويفرق بين آثار الحيوان مميزاً خطوات الجمل الأعرج من السليم .. سكان الصحراء الذين يقتفون الأثر يشمون رائحة المطر وهو مازال غماما .. لديهم رهافة شعورية وحدس وقرائن ترقى إلى الدليل واليقين، فوجود الذئب يدل على وجود ماشية، والذباب يشى بوجود آثار طعام قريب .. وبقايا الشاى تحدد المدة الزمنية لمغادرة المكان .. أما خطوات الأقدام والسيارات فتعكسها اختلاف ألوان الرمال من منطقة لأخرى .. يستعين الموساد بالبدو لقص الأثر فى صحراء النقب من قبل بعض العملاء العرب .. ويعد سيدنا موسى أول من قص الأثر حين اتبع خطاه فى طريق عودته عند مكان إلقاء الحوت ومقابلة سيدنا الخضر.
سيناء مليئة بالأسرار والروحانيات لكنها وهى تجابه حرباً شرسة ضد الإرهاب تزرع الحياة والجمال فى وجه الموت والدمار وكيف لا تكون وهى أرض تجلى فيها الله ؟ .. إنها أغلى وأطهر أرض فى العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.