إن لمصر من المناقب فى القرآن الكريم ما قد يعجز عن الحصر، لما لهذه الأرض المباركة من مكانة دينية فريدة، فهى أرض الأنبياء والصديقين، وهى مهد الأديان والرسالات، وأرض الوحى الإلهى، ولها من الفضائل ما يفوق غيرها. فمصر وردت فى القرآن فى خمس مواضع باسمها صراحة، قال تعالى: "أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم" (البقرة:61)، "وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتًا" (يونس:87)، "وقال الذى اشتراه من مصر لإمرأته أكرمى مثواه" (يوسف:21)، "فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" (يوسف:99)، "ونادى فرعون فى قومه قال يا قوم أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى أفلا تبصرون" (الزخرف:51). كما أن مصر ورد ذكرها كناية أو مجازًا، أو باسم إحدى مدنها أو جبالها أو باسم إحدى بقاعها فى أكثر من أربعين موضعًا فى القرآن، ومنها: "وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين" (المؤمنون:20)، "والتين والزيتون وطورسينين" (التين:1-3)، "والطور وكتاب مسطور فى رق منشور" (الطور:1-3)، "وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض يتبوأ منها حيث يشاء" (يوسف:56)، "وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا" (مريم:52)، "فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا"، "فإذا خفتى عليه فألقيه فى اليم". وغير ذلك من الآيات التى تشهد لمكانة مصر. ومن مناقبها الأخرى أن القرآن لم يدع لبلد بالأمان وعلى لسان أحد الأنبياء إلا لمصر ومكة، فالنبى إبراهيم دعا لمكة، وقال: "رب اجعل هذا بلدًا آمنًا"، ودعا النبى يوسف لمصر، وقال: "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين"، واللافت أن يوسف دعا لمصر أن تكون آمنة باسمها صراحة، ثم أكد ذلك بذكر مشيئة الله تعالى. وكان بمصر أول قبلة عرفها الموحدون، قبل بيت المقدس ومكة بقرون، حيث يقول تعالى: "وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتًا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة"، وكان ذلك إبان وجود موسى بمصر، وقبل أن يذهب بنو إسرائيل إلى فلسطين، حيث صار بيت المقدس قبلة الموحدين بعدئذ. كما حملت بعض السور القرآنية أسماء مصرية أو ترتبط بمصر، فسورة غافر اسمها "سورة المؤمن"، وهو مؤمن آل فرعون الذى تحكى قصته هذه السورة المباركة، كما أن سورة "الطور" سميت باسم جبل الطور، وهو جبل موسى وطور سيناء وطورسينين والطور، وهو أطهر الجبال على الأرض وأشرفها جميعًا، فله من الفضائل ما ليس لغيره من جبال الأرض، فقد أوحى الله عليه التوراة إلى النبى موسى، والتوراة هى أول كتاب مقدس نزل من السماء. ولهذا فجبل الطور أول مهبط للوحى الإلهى. كما أن الله تعالى تجلى على هذا الجبل، تجليًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه: "فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا وخر موسى صعقًا"، وقد أغشى على موسى من نوره سبحانه. ومن مناقب هذا الجبل أيضًا أن الله كلم موسى عليه: "وكلم الله موسى تكليمًا"، وهى من أجل مناقب هذا الجبل المقدس. كما أن جبل الطور رفعه الله، وجعله ظلة لبنى إسرائيل لتحميهم من حر سيناء: "وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة" (الأعراف:171)، وهى منقبة أخرى فريدة لجبل الطور. وللحق، فإنه لا يعرف جبل على وجه الأرض جمع كل هذه المناقب العظيمة. وعلى أرض مصر عاش الأنبياء، وذكر القرآن قصصهم الجليل على أرضها، لاسيما يعقوب ويوسف وموسى وهارون..إلخ. وفى مصر صار يوسف وزيرًا، وولد بها موسى وهارون ويوشع، وتربى على أرضها عيسى، وتزوج كثير من الأنبياء من نسائها، وقيل: عاش بمصر أكثر من ثلاثين نبيًا. ومصر هى خزانة الله فى أرضه كما قال يوسف: "قال اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم" (يوسف:55). وفى مصر"الوادى المقدس" الذى تجلى الله عليه لموسى، وأمره أن يخلع نعليه عنده لطهارة هذا المكان: "إنى أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى" (طه:12)، "وهل أتاك حديث موسى إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى". وفى مصر البقعة المباركة والشجرة المقدسة، وهما عند جبل الطور أيضًا: "فلما آتاها نودى من شاطىء الواد الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة" (القصص:30). ويوجد بمصر "مجمع البحرين" الذى تقابل عنده موسى والخضر: "وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين" (الكهف:60). وبمصر الربوة المباركة التى آوى إليها النبى عيسى وأمه مريم: "وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين". وبمصر سجن يوسف: "يا صاحبى السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار". وعلى أرض مصر أنزل الله طعامًا من لدنه على موسى وقومه فى سيناء، وهو المن والسلوى. ولم يرتبط الملك والسلطان ببلد فى القرآن إلا بمصر: "أليس لى ملك مصر". كما أثنى الله على كثيرين من المصريين، كإمرأة فرعون التى ضرب الله بها المثل فى الإيمان بين كل نساء العالمين، ومؤمن آل فرعون الذى آمن بموسى رغم قرابته لفرعون، وملك مصر الموحد أيام يوسف، وامرأة العزيز التى آمنت، وقيل: تزوجها يوسف. وكذلك أثنى الله على سحرة فرعون الذين آمنوا برسالة موسى. وما هذا إلا غيض من فيض من مناقب مصر وفضائلها فى القرآن الكريم...