فضل الله مصر على سائر البلدان، كما فضل بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضل كما جاء كتاب فضائل مصر المحروسة لابن الكندي على ضربين: في دين أو دنيا، أو فيهما جميعا، وقد فضل الله مصر وشهد لها في كتابه بالكرم وعظم المنزلة وذكرها باسمها وخصها دون غيرها، وكرر ذكرها، وأبان فضلها في آيات من القرآن العظيم، تنبئ عن مصر وأحوالها، وأحوال الأنبياء بها، والأمم الخالية والملوك الماضية، والآيات البينات، يشهد لها بذلك القرآن، وكفى به شهيداً، قال الحسن ابن زولاق المؤرخ المصري المشهور: ذكرت مصر في القرآن في ثمانية وعشرين موضعا.وقال السيوطي : بل أكثر من ثلاثين مرة. فأما ما ذكره الله عز وجل في كتابه من ذكر مصر.فقول الله تعالى: "وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة "وما ذكره الله عز وجل حكاية عن قول يوسف: "ادخلوا مصر إن شاء الله أمنين" وقال عز وجل على لسان موسى عليه السلام: "اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم" وقال تعالى: "وجعلنا ابن مريم وأمه أيةً وآوينهما إلى ربوةٍ ذات قرار ومعين" قال بعض المفسرين: هي مصر. وقال تعالى: "وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه" .وقال تعالى: "وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه" والمدينة: منف، والعزيز ملك مصر حينئذ. وقال تعالى: ودخل المدينة على حين غفلةٍ من أهلها "والمدينة هي منف، مدينة فرعون.وقال تعالى:"وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى" والمدينة هنا هي منف أيضا.وقال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: "وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو " فجعل الشام بدوا، ومصر حضرا وقال تعالى على لسان أخي يوسف:" فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي"، قال ابن جرير: أي لن أفارق الأرض التي أنا بها -وهي مصر- حتى يأذن لي أبي بالخروج منها. وقال تعالى حكاية عن فرعون وافتخاره بمصر:"أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتي" وقال تعالى حين وصف مصر وما كان فيه آل فرعون من النعمة والملك بما لم يصف به مشرقا ولا مغربا، ولا سهلا ولا جبلا، ولا برا ولا بحرا:"كم تركوا من جناتٍ وعيونٍ وزروعٍ ومقامٍ كريمٍ ونعمةٍ كانوا فيها فاكهين" فهل يعلم أن بلداً من البلدان في جميع أقطار الأرض أثنى عليه القرآن بمثل هذا الثناء، أو وصفه بمثل هذا الوصف، أو شهد له بالكرم غير مصر؟ وفي مصر جبلها المقدس، ونيلها المبارك، وبها الطور حيث كلم الله تعالى موسى، وبها الوادي المقدس، وبها ألقى موسى عصاه، وبها فلق البحر لموسى، وبها ولد موسى وهارون وعيسى عليهم السلام. وبها كان ملك يوسف وبها النخلة التي ولدت مريم عيسى تحتها ، وبها مسجد إبراهيم، ومسجد مارية أم إبراهيم. وبها مجمع البحرين، وهو البرزخ الذي ذكره الله تعالى فقال: " مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبتغيان " . وقال تعالى:" وجعل بين البحرين حاجزاً". وروى عن عبد الله بن عباس أنه قال: دعا نوح عليه السلام ربه، لولده وولد ولده: مصر بن بيصر بن حام بن نوح، وبه سميت مصر، وهو أبو القبط فقال: اللهم بارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض المباركة التي هي أم البلاد وغوث العباد، ونهرها أفضل أنهار الدنيا واجعل فيها أفضل البركات، وسخر له ولولده الروض، وذللها لهم، وقواهم عليها. في السريع: ظلم بيّن وجهل بقيمة مصر ومكانتها لو حاولنا أن نحملها أخطاء حكامها ومفسديها. المزيد من مقالات حماده سعيد