خاضت مصر معركة ساخنة وشاقة داخل أروقة الأممالمتحدة، في أثناء عرض ملفها لحقوق الإنسان أمام آلية المراجعة الدورية بالمجلس الدولي لحقوق الانسان بجنيف التابع للأمم المتحدة، تحملت خلالها صعوبات وتحديات في شرح أوضاع وحالة حقوق الإنسان بها، وإقناع 121 دولة دخلت في حوار تفاعلي علني ومباشر معها في تفاصيل قضايا الحقوق والحريات الأساسية والعامة التي تمر بها البلاد. لكن شراسة عدد من الدول وفي مقدمتها أمريكاوتركيا ومن خلفهما نحو 23 دولة أخري منها أسبانيا والمانيا والسويد والنرويج واستراليا وتونس والبرازيل، في طلب الاستفسارات وتقديم الأسئلة والانتقادات، زاد من درجة حرارة المناقشات وردود مصر عليها، حتي اضطر السفير هشام بدر مساعد وزير الخارجية للعلاقات متعددة الأطراف وعضو وفد مصر للإعلان داخل الجلسة في كلمة مباشرة لكل الوفود التي حضرت المناقشات والتي وصلت الي 196 دولة: أنه يشعر بحجم الضغوط المتتالية، وأن الملاحظات عن مصر تتضمن معلومات خاطئة وغير دقيقة وتتضمن حديثا عن دولة لانعرفها، وربما أخطأت بعض الدول العنوان الصحيح. هذه المشاكل لا ترتقي لشن هجوم علي مصر، ويجب أن تراعي الدول انها تجري مداخلات ومناقشات ساخنة فقط لاتصل لدرجة الخطورة لأنه من العسير والمستحيل صنع اتجاه لطلب تعيين مقررين دوليين عن مصر في بعض قضايا حقوق الانسان وفق نظام الاجراءات الخاصة بالاممالمتحدة ، ويقطع مجرد التفكير في طرح أية ملاحقة قضائية دولية من المحكمة الجنائية الدولية في قضايا انتهاكات حقوق الانسان بمصر، لأنه أمر خطير وغير مسموح به من 97 دولة، ناقشت مصر ويصعب تطبيقه علي الوضع بها لوجود مؤسسات قوية للقضاء والداخلية والنيابة العامة بالدولة المصرية قادرة علي التصدي لأية تجاوزات بحقوق الانسان. وهو ماكانت تطمح له تركياوأمريكا والتنظيم الدولي للإخوان من رفع سقف انتقادات الدول لحد الضغط والإحراج لمصر، لكن استراتيجيات الأمن القومي الدولي ببساطة شديدة تضع خطوطا لايمكن تجاوزها عن مصر وتعتبرها دولة محورية مؤثرة ذات دور اقليمي ودولي ، ولاتسمح دبلوماسيا للدول الكبري سوي بالضغوط لحدود معينة من خلال المناقشات والملاحظات والتوصيات وماعداها أمر مرفوض تماما قولا واحدا تجاه مصر. وانعكس هذا الوضع علي توصيات الدول التي اتخذت موقفا نقديا وعدائيا من مصر في تقرير النتائج الذي قدم في الجلسة الختامية من مجموعة دول الترويكا الثلاث عن مجمل أعمال مراجعة ملف مصر التي امتدت بين 5 نوفمبر إلي 8 نوفمبر 2014 وماحدث في المشاورات غير الرسمية التي استمرت لمدة 4 أيام أخري ، من زيادة عدد التوصيات لتصل الي 300 توصية ، وهو نتيجة منطقية لهذه الضغوط التي وقعت خلال تلك الأيام وشاركت فيها عدة منظمات دولية علي رأسها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية. و حدثت مفاجأة مذهلة شلت تفكير الوفد المصري عندما أصدرت سبع من المنظمات المصرية يترأسها مركز القاهرة لحقوق الانسان، بيانا عن انسحابها من حضور الجلسات عن مصر والذي وصل للامم المتحدة التي تعتبر المنظمات غير الحكومية شريكا أساسيا في أعمالها ، وهو ما أوجد تعقيدا في الموقف لم نكن في حاجة اليه، بينما الحقيقة أن تلك المنظمات لم تحضر من القاهرة أيام المراجعة ، تلتها مفاجأة ثانية بعد أقل من 24 ساعة، وهي حضور مدير مركز القاهرة بهي الدين حسن من نيويورك بعد اجتماعه بمساعد الامين العام للامم المتحدة للشئون السياسية شرح فيه الاوضاع السياسية والحقوقية بمصر من وجهة نظره ، ليعقد جلسة مطولة مع زيد بن رعد الحسين المفوض السامي لحقوق الانسان بجنيف عن نفس القضايا . وأصدر بهي الدين حسن قبل مغادرته جنيف بيانا قاسيا وشديد اللهجة عن أوضاع حقوق الانسان بمصر ، وتحدث فيه عن ممارسات خاطئة للشرطة ومخاوفة من اسلوب معالجة الارهاب والتعامل في قضايا المجتمع المدني واتجاه الدولة لتقييد حريته ونشاطه ورفضه لافتتاح مقر للمفوضية السامية لحقوق الانسان بالقاهرة ، وهي من المرات النادرة التي يكتب فيه بهي الدين حسن أكثر الحقوقيين اهتماما بدراسة اوضاع حقوق الانسان بيانا بنفسه بلغة قاسية ومتشائمه وصادمة بهذة الطريقة، مما جعل عددا من رؤساء المنظمات التي حضرت أعمال المراجعة تلجأ لعقد لقاءات ثنائية لتقييم الموقف والتعقيدات التي لحقت به، وانعكاساته علي دور المنظمات الاهلية في مصر بعد دعوة وزارة التضامن لنحو 100مركز وشركة محاماة تعمل في حقوق الانسان لتوفيق اوضاعها القانونية ، وبروز مخاوف من تعامل الدولة معها بحدة عقب أنتهاء اعمال المراجعة الدورية لملفها في جنيف . وتدخل المستشار إبراهيم الهنيدي وزير العدالة الانتقالية ورئيس الوفد الحكومي، لاحتواء الموقف بضمير القاضي للحفاظ علي قوة الوفود المصرية وتبديد المخاوف، مؤكدا أمام دول العالم بأن مصر حريصة علي إدارة حوار مع المنظمات غير المسجلة قبل اتخاذ أية قرارات بشأنها وتعديل قانون الجمعيات الاهلية. وتزامنت هذه الأحداث مع اكتشاف مصر، توزيع تقرير مزور من التنظيم الدولي للاخوان منسوب للحكومة المصرية وزع علي الفاكسات والايميلات ويدويا علي الوفود والبعثات الدبلوماسية في الاممالمتحدة يحمل شعار المنظمة الدولية ورقما دوليا في تزوير واضح ومحاولاتهم إخفاء الجريمة بنشر تقرير من التنظيم الدولي والجمعيات التي يمولها ، رغم انها ليس لديها الصفة الاستشارية كمنظمات معترف بها بالأممالمتحدة لكي تصدر تقريرا عليه شعار الاممالمتحدة التي تتولي بنفسها طباعته وليس الجهة المقدمة له، لتزداد توترات الوفد الحكومي ووفد المنظمات ووفد مجلس حقوق الانسان لكن حافظ أبو سعدة ومني ذو الفقار وناصر أمين، أزالوا كثيرا من التوترات كونهم يجمعون بين رئاسة المنظمات وعضوية المجلس القومي لحقوق الانسان، إذ نجحوا بحضورهم المتوازن ومشاركتهم في فاعليات الوفد الحكومي، في الحفاظ علي درجة من الهدوء الفعلي رغم اهمال السفارة المصرية بجنيف لوفد المجلس ووفد المنظمات واهتمامها فقط بوفد الحكومة . وأدت كل هذه الضغوط داخل الاممالمتحدة لارتفاع متوسط التوصيات لمصر عن باقي الدول والذي يتراوح غالبا بين 200توصية إلي 250 توصية للدولة الواحدة ، في حين ظلت المؤشرات الأولية عن مصر، تشير إلي أن التوصيات ستكون 225 توصية فقط ، والتي قام حافظ أبو سعدة بالاطلاع عليها عند إعدادها مبدئيا. وفوجئت مصر بأن عدد من الدول قدمت ملاحظات وتوصيات مكتوبة أكثر من التوصيات التي عرضتها خلال المناقشات بالجلسة العلنية، والتي كادت أن ترفع عدد التوصيات إلي 314 توصية، وتدخل الوفد المصري ووجد بعضها مكررا عن القضايا نفسها، فضلا عن وجود عدد من التوصيات الخاطئة من الناحية القانونية، مثل توصية بعض الدول لمصر بسحب تحفظاتها علي مادة معينة بأحد الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان ، واتضح أن المادة إجرائية لا يجوز التحفظ عليها، أو أن مصر لم تقدم بالفعل عليها أي تحفظات ، وتبين انها تضمنت 13 توصية مكررة ، بينما نفذت مصر أجزاء في نحو 119 توصية بشكل عملي خلال السنوات الماضية، فطلب الوفد المصري سحب مثل هذه التوصيات وتمت الاستجابة لها ، ليظل عدد التوصيات عند الرقم 300 توصية، وهي لعبة دولية قامت بها الدول الأوروبية والولايات المتحدةوتركيا داخل المجلس الدولي لحقوق الانسان لرفع عدد التوصيات الدولية التي قدمت لمصر لإظهارها أمام العالم بأنها تلقت عدد ضخم من التوصيات، وأن هذه الدول غير راضية عن حالة حقوق الانسان بها، وأنها تحتاج لتحسينات كبيرة في حالة وأوضاع حقوق الانسان، والتي تتفق مع النغمة التي سادت خلال إجراءات مراجعة ملف مصر وروجتها الصحف الأوروبية وعلي رأسها السويسرية والتركية والامريكية والالمانية والتي ادعت أن ردود مصر غير مقنعة علي الاسئلة التي قدمتها تلك الدول وانها بذلك عجزت عن اقناعهم داخل المجلس الدولي لحقوق الانسان. و ظهر هذا بوضوح شديد خلال جلسة اعتماد تقرير النتائج والتوصيات في ملف مصر بحقوق الانسان بصورة نهائية عندما فتح رئيس المجلس الدولي لحقوق الانسان الباب أمام الدول الاعضاء بالأممالمتحدة لتقديم تعليقاتها وملاحظاتها، عقب عرض فيصل بن حسن طراد سفير المملكة العربية السعودية تقرير الترويكا النهائي عن مصر والذي تحملت فيه المملكة العربية السعودية أعباء كثيرة، وفوجيء الجميع داخل قاعة الاممالمتحدة أنه لم تتقدم دولة واحدة لطلب الكلمة عند فتح باب التعليقات ، فقام رئيس المجلس الدولي لحقوق الانسان بإعلان موافقة الدول علي أعتماد التقريرالشامل عن ملف مصر، وهو مايشير لدي المراقبين إلي أن الدول الأوروبية وأمريكا قدمت كل مالديها بعيدا عن الجلسات العلنية ، وتوسعت في طرح توصيات مكتوبة في كل شيء وهو مايمثل نوعا من الاستغلال الواسع للفرص لتحقيق مكاسب اعلامية وسياسية ، وانها تستعد لاستغلالها دوليا في الفترة القادمة علي الساحة الدولية ، كلما سمحت الظروف رغم المكاسب المعنوية والحقوقية التي حققتها مصر في اظهار حقيقة وضع حقوق الانسان بها امام دول العالم ، بينما التزمت قطر لاول مرة بالحياد النسبي ومساندة معنوية غير متوقعة لمصر بعد أن لمست مايحدث وفضلت عدم المشاركة في الضغوط الدولية وهو موقف يحسب لها.. وحرص الفريق الحكومي المكون من السفير هشام بدر والسفيرة ماهي عبد اللطيف واللواء ابو بكر عبد الكريم و المستشار مدحت بسيوني والمستشار محمد خلف والمستشارين ياسر صفوت وعمر معوض مساعدي وزراء الخارجية والعدل والداخلية والعدالة الانتقالية والمحامي العام للتعاون الدولي والسفيرة ميرفت التلاوي رئيسة المجلس القومي للمرأة عند مراجعة المسودة الأولي للتوصياة، علي الموافقة علي التوصيات الرئيسية التي طرحتها الدول لإثبات جدية مصر في التعامل مع المجلس الدولي لحقوق الانسان والية الاستعراض الدوري لملفات الدول ، حتي لايروج أحد أن مصر تتحدي المجتمع الدولي ، أو انها تخوض حربا لعدم الخضوع لرؤية ملاحظات الدول وهي نقاط شديدة الحساسية في العلاقات الدولية داخل الاممالمتحدة. وهو ما دفع المستشار إبراهيم الهنيدي وزير العدالة الانتقالية ورئيس وفد مصر لعدم التسرع في القبول أو الرفض للتوصيات الكثيرة التي قدمت لمصر، مثلما حاولت أطراف عديدة من ممثلي الدول طرح هذه الرؤية علي مصر بأن تعلن قبولها لبعض التوصيات في نفس الجلسة لقطع الطريق امام محاولات تشويه صورتها.