حينما شاع الحديث عن تقسيم السودان مع بداية الحرب الأهلية هناك عام1982 كان حديثا غريبا وغير منطقي إلا أنه كان جادا لدي الولاياتالمتحدة والغرب, وقد تحقق ذلك بعد ربع قرن من الزمان أزهقت خلاله أرواح تربو علي المليون نسمة وتوقفت معها كل أوجه التنمية في دولة كان يمكن أن تكون سلة غذاء قارة بأكملها. وحينما بدأ الحديث قبل20 عاما عن تقسيم مصر إلي4 دويلات, فهو حديث أيضا فظ لا يثير الاهتمام إلا أن الفوضي الخلاقة التي بشرت بها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة واعتبار مصر الكعكة الكبري حسب تعبير جورج بوش الابن بعد أن كان العراق هدفا تكتيكيا جعل ذلك الحديث أمرا ليس مستحيلا بل يمكن تحقيقه بأقل التكاليف وللأسف بأيد وطنية أيضا. فالنظام الحاكم في مصر وحتي سقوطه في الحادي عشر من فبراير الماضي لم يكن أبدا ندا أو مناوئا للغرب ولا للولايات المتحدة, إلا أنه كان يمتلك جيشا قويا هو بمثابة حائط صد يمكن أن يعيق بالتأكيد تنفيذ مخطط التقسيم في وجود جيوش عربية حليفة تعد في كل الأحوال سندا للجيش المصري. ولذلك كان لابد من الخلاص من هذه الجيوش الحليفة في كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن, والآن جاء الدور علي جيش مصر, فقد استهدف التمويل الأجنبي لبعض منظمات المجتمع المدني الذي سبق25 يناير الإطاحة بالنظام السياسي, إلا أنه كان من المنتظر أن يتم ذلك علي الطريقة الليبية أو السورية بالوقيعة بين الشعب والجيش لإنهاكه وإسقاطه, إلا أن لطف الله بأرض الكنانة- أكرر لطف الله- وحنكة القائمين علي قواتنا المسلحة بتحمل الكثير من الاستفزازات ومحاولات الوقيعة هذه قد حالا دون حدوث تلك الطامة وهو ما أفسد خطة الخارج والمتآمرين من الداخل معا. الغريب في الأمر أن هؤلاء لم ييأسوا كما أن أولئك لم يستكينوا فأصبح الدعم الخارجي لتلك المنظمات بعد سقوط النظام السياسي مضاعفا حيث كانت الإدارة الأمريكية قبل25 يناير قد قررت باعتماد من مجلسي النواب والشيوخ معا استقطاع150 مليون دولار سنويا من المعونة المخصصة لمصر لتوجيهها إلي تلك المنظمات المشبوهة, إلا أنه في الأشهر الستة الأخيرة من عام2011 فقط أي بعد سقوط النظام تم تحويل مائتي مليون دولار من الولاياتالمتحدة وحدها في الوقت الذي دخلت فيه البلاد سواء من حدودها الشرقية أو الغربية والجنوبية كميات من السلاح المتطور لا يتصورها عقل, وقد تضمن ذلك السلاح مدافع مضادة للطائرات ومضادة للدبابات والمواقع الحصينة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد حيث حملت العواصمالغربية علي عاتقها مهمة الضغط علي المجلس العسكري وعلي الحكومة معا لإغلاق ملف التحقيقات في هذا الشأن لدرجة أن وصل الأمر إلي التهديد بوقف المعونة العسكرية والتي تأتي في صورة قطع غيار أسلحة وبعض المعدات الخفيفة, ناهيك عن الضغط علي دول الخليج العربية لعدم تقديم أي مساعدات مادية أو عينية لمصر برغم الظروف القاسية التي تمر بها, ويكفي أن أشير هنا إلي ما نشر أخيرا عن أن62% من الإسرائيليين يؤيدون إعادة احتلال سيناء حسب استطلاع للرأي هناك. نحن إذن أمام مخطط يستهدف قواتنا المسلحة ليس فقط, بل يستهدف مصر شعبا وأرضا, وأكرر لولا يقظة قواتنا المسلحة بمجلسها العسكري لتم تنفيذ المخطط بمباركة دولية وصمت إقليمي وقوي داخلية لن أستطيع تسميتها أبدا وطنية أو مصرية مادامت رددت بكل بجاحة: يسقط حكم العسكر! المزيد من أعمدة عبد الناصر سلامة