تسليح لبنان هو الفرصة الوحيدة التى تحول دون وقوع لبنان فى الفوضى ،هكذا يقول الذين يسعون لتسليح الجيش اللبنانى، حيث إن حزب الله لم يعد عامل استقرار ولاسيما بعد تورطه فى الصراع السورى بين نظام بشار الأسد والمعارضة المسلحة و«داعش» وجبهة النصرة ، وتزايد الصورة السلبية عن الحزب وسط التيارات السياسية اللبنانية المعارضة لتدخل الحزب فى سوريا، خاصة تيار المستقبل السنى والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وهى القوى المكونة لتيار 14 آذار المعارض لحزب الله. حيث تتنافس: السعودية، وإيران، والولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، على تسليح الجيش اللبنانى، فلماذا تتنافس الدول الكبرى والسعودية، وإيران على تسليح الجيش اللبنانى؟، وما أهمية هذا الجيش ولبنان بالنسبة لهذه الدول؟. سعوديا: تسعى السعودية لتسليح الجيش اللبنانى بتقديم منحة تبلغ ثلاثة مليارات دولار مقابل صفقة سلاح كبرى من فرنسا حسب احتياجات الجيش اللبنانى، بالإضافة لمنحة أخرى عاجلة قيمتها مليار دولار حملها مطلع أغسطس الماضى رئيس وزراء لبنان الأسبق زعيم تيار المستقبل السنى سعد الحريرى، وكانت موجهة للجيش اللبنانى أيضا، ولايخفى على أحد لماذا تفعل السعودية ذلك وتنفق بسخاء على تسليح الجيش اللبنانى؟ فالسعودية داعم ولاعب أساسى على الساحة السنية اللبنانية، بل إنها دعمت رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريرى فى مهمته الاقتصادية لتعافى الاقتصاد اللبنانى وإعادة إعمار بيروتالغربية التى دمرتها الحرب الأهلية اللبنانية على مدى 15 عاما، كما أن السعودية تعتبر نفسها المسئول الأول عن السنة فى لبنان و عن مواجهة المد الشيعى الذى تمثله إيران بواسطة حزب الله فى لبنان وبشار الأسد فى سوريا. ويرى كثيرون أنه يجب تسليح الجيش وتقويته بحيث يكون قادرا على حماية لبنان ليسحب البساط من تحت أقدام حزب الله ويكون المبرر قويا لنزع سلاحه، ليبقى السلاح فقط بيد الجيش اللبنانى، وساعتها تطمئن السعودية على السنة الذين تحميهم فى لبنان. وإيرانيا: تسعى إيران منذ نشأة حزب الله فى ثمانينات القرن الماضى وبمساعدة سوريا بقيادة الرئيس السورى السابق حافظ الأسد العلوى، وبدعم مباشر من آية الله الخمينى، إلى تقوية وتسليح حزب الله ليكون قوة ضاربة ومسلحة بأحدث الأسلحة فى مواجهة إسرائيل من ناحية وفى مواجهة الخصوم السياسيين من ناحية أخرى خاصة القوى السنية المدعومة سعوديا وخليجيا، ولذلك كانت الإمدادات الإيرانية مالا وسلاحا تأتى إلى حزب الله عبر سوريا نظرا للحظر الدولى المفروض على إيران منذ نجاح الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979 بقيادة الخمينى. وبعد إعلان السعودية دعمها السخى بثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبنانى، وهبة المليار دولار العاجلة التى حصل عليها سعد الحريرى، أعلنت إيران هبة عسكرية غير مشروطة تقدمها للجيش اللبنانى متى قرر ذلك،فى خطوة يحسبها البعض مناورة لسحب البساط من تحت أقدام السعودية حتى لايكون الجيش اللبنانى عنصر ضد لحزب الله، خاصة ان قوى حزب الله مشتتة مابين الجنوب اللبنانى، حيث مزارع شبعا المحتلة والشريط الحدودى بين إسرائيل ولبنان ، والبقاع حيث الحدود السورية المفتوحة لتسلل عناصر جبهة النصرة و«داعش» لإعلان الإمارة الإسلامية فى لبنان، وكذلك فى الشمال فى بعلبك وعرسال وبريتال، حيث القوى الضاربة للنصرة و«داعش» فى الشمال السورى، ومشاركة حزب الله فى القتال الدائر فى سوريا بين القوى المعارضة المسلحة ونظام بشار الأسد منذ ثلاث سنوات. وبالرغم من حاجة لبنان لكل قطعة سلاح أو عتاد حربى لمواجهة «داعش» والنصرة فى الشمال والبقاع، إلا أن الموافقة على الهبة الإيرانية لابد أن تمر عبر موافقة مجلس الوزراء اللبنانى وكذلك مجلس النواب وهو ما لن يحدث، نظرا لوجود وزراء ونواب فريق 14 آذار-المستقبل السنى والكتائب والقوات اللبنانية المسيحيان- الذين يرفضون الهبة الإيرانية لأنها ستصب لمصلحة حزب الله. ومن الأسباب التى تحول دون وصول الهبة العسكرية الإيرانية للجيش اللبنانى هو تحذير أمريكاللبنان من قبول الهبة الإيرانية، نظرا للحظر المفروض على إيران من ناحية ومشاركة إيران فى القوى الداعمة لبشار الأسد وتدخل حزب الله فى سوريا من ناحية أخرى، حيث هددت أمريكالبنان برفع الدعم عنها وعدم حمايتها فى حال قبول الهبة العسكرية الإيرانية، وهو الأمر الذى لم تفعله أمريكا مع الهبة السعودية التى لاقت ترحيبا أمريكيا وفرنسيا وإسرائيليا، لأن الغرض منها يصب فى محاولة تطويق وإضعاف قوة حزب الله وطرده من سوريا بعد تقوية الجيش اللبنانى وسيطرته على الحدود مع سوريا. روسيا: ترحب روسيا عبر نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوجدانوف الذى أبدى ترحيب موسكو برغبة سعد الحريرى فى شراء أسلحة روسية بموجب الهبة السعودية الأخيرة بقيمة مليار دولار، قائلا : هذا أمر مرحّب به جداً ونحن فى روسيا جاهزون للتجاوب مع كل ما يطلبه اللبنانيون فى هذا المجال، مؤكداً إعادة تفعيل الهبة التى قرّرتها موسكو لحكومة الحريرى عام 2010 بغية تزويد الجيش بالسلاح والعتاد، ولكنها توقفت حينها بعد إسقاط حكومة سعد الحريرى بواسطة وزراء حزب الله الذين استقالوا جماعيا فسقطت الحكومة. أمريكيا: بعد اندلاع أحداث عرسال بين الجيش اللبنانى من جهة وجبهة النصرة و«داعش» من جهة ثانية أوائل أغسطس الماضى، بادرت أمريكا بإرسال أسلحة خفيفة وذخائر للجيش اللبنانى وصلت جوا عبر مطار رفيق الحريرى الدولى ببيروت وتسلمها الجيش اللبنانى ، وذلك ضمن الصفقة التى أبرمها رئيس تيار المستقبل سعد الحريرى مع الإدارة الأمريكية حول تسليح الجيش اللبنانى بقيمة200 مليون دولار ضمن هبة المليار دولار من السعودية والمخصصة لتسليح الجيش وباقى القوى الأمنية، وتشمل الصفقة تزويد الجيش اللبنانى بطائرتى «سيسنا» جديدتين مع ذخائرهما من صواريخ «هيلفاير» (استخدمت طائرة وتسعة صواريخ فى مواجهات عرسال)، وطائرة أو أكثر من طراز «امبراير أى ام بى توكانو»، على أن تزود بصواريخ هجومية تقتصر على الأهداف الأرضية من علو شاهق، فضلاً عن طائرات مروحية لنقل . هذا وأشارت المصادر إلى أن «تجربة السنوات الثلاث الأخيرة، بيّنت أن الأمريكيين كانوا حريصين بالمعنى الأمنى على عدم حجب أية معلومة أمنية تصل الى أجهزة استخباراتهم فى كل أمر يتعلق بالأمن الوطنى اللبنانى، بما فى ذلك أمن حزب الله وجمهوره، وهناك أدلة كثيرة لعل أبرزها الكشف عن محاولة تفجير مطعم «الساحة» بالضاحية الجنوبية معقل الشيعة وحزب الله فى بيروت مطلع الصيف الماضى. وأكدت المصادر أن من جانبها أكدت السفارة الأمريكية فى بيروت أن أمريكا عازمة على تزويد الجيش اللبنانى بما يلزم من سلاح وذخائر وعتاد فى حربه ضد الإرهاب . فرنسيا: رحبت فرنسا بتسليح الجيش اللبنانى بتمويل الهبة السعودية البالغة ثلاثة مليارات دولار بعد موافقة أمريكا وإسرائيل، حيث إن الصفقة لن تشمل الطائرات الحربية التى تهدد الأمن الإسرائيلى، وهناك توجه فرنسى رسمى لتسليم الجيش اللبنانى أسلحة متطورة، من شأنها – للمرة الأولى – خرق التوازن العسكرى مع الدولة العبرية ولكن باتفاق حكومة الرئيس فرنسوا هولاند مع نظيرتها الاسرائيلية التى قبلت بأنواع الأسلحة الفرنسية المزمع إرسالها الى الجيش لحماية نفسه وحدوده والذود عن الدولة فى وجه حزب الله، شرط ألا يستخدمها ضد الاسرائيليين إلا فى حالات الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان، ومع ذلك لاتزال الصفقة الفرنسية - السعودية رهن طلب السعودية بتحديد موعد تسليمها، حيث إنها الطرف الذى سيدفع ثمن الصفقة،ومادام الوضع فى لبنان غير مستقر وسعد الحريرى لايزال خارج لبنان، وحزب الله داخل سوريا، فإن الصفقة السعودية لن تصل إلى لبنان قريبا. بريطانيا: تقدم بريطانيا مساعدات عسكرية نوعية للبنان وإن كانت تأمل فى قطعة من كعكة الهبة العسكرية السعودية التى استأثرت بها فرنسا دون غيرها، حيث تتولى بريطانيا تمويل شراء 14 سيارة رباعية الدفع من طراز (لاند روفر ديفندر) واجهزة اتصالات لاسلكية و800 قطعة من الدروع والخوذات الواقية من الرصاص والبدلات العسكرية المموهة، فضلا عن منصات ومراكز صغيرة للمراقبة، وتخصيص نحو 14 مليون جنيه استرلينى من أموال برنامج منع الصراع لتعزيز قدرات فوجى الحدود البرية الأول والثانى، وأفضت هذه الجهود إلى تأسيس 12 مركز مراقبة حدوديا محميا على طول 140كيلومترا من الحدود، ونشر فوجى الحدود البرية، كما سيتم تسليم معدات إضافية فى الأسابيع المقبلة تتضمن 1500 مجموعة من الدروع والجدارن ذات الحماية البالستية من النوع العسكرى من هيسكوHESCO للمواقع الحدودية للجيش اللبنانى، وشبكة اتصالات لاسلكية آمنة . وبالرغم من رغبة الدول المذكورة فى تسليح الجيش اللبنانى يبقى لكل دولة أسبابها ومبرراتها التى تهدف فى النهاية إلى تحقيق مصالحها الذاتية فى الملعب اللبنانى المكشوف، ودعم حلفائها داخل لبنان، فى عدم وجود غطاء جوى من الطيران أو الصواريخ لحماية سماء لبنان التى تنتهك على مدار الساعة من الطيران الحربى الإسرائيلى، وغالبا لن يحصل لبنان على حماية جوية حسب رغبة القوى الكبرى التى تتعهد بحماية أمن إسرائيل.