سؤال يطرح نفسه بشدة فى هذا التوقيت، خاصة بعد الحوادث الإرهابية التى يرتكبها أعداء الوطن لأهداف تتعلق بهزة داخل الدولة، الأمر الذى يدفعنا للبحث عن سيناريوهات لهذه المنطقة تحديدا لمواجهة كل ما يحاك ويدبر من الإرهاب سواء فى الداخل أو الخارج، سواء على المستوى السياسى، أو الاقتصادى، أو الاجتماعى، أو الثقافى، أو التنموى، لاسيما أن ما يحدث الآن هو جزء من مشوار طويل عاشته هذه المناطق بلا تنمية أو اهتمام.. لكن الآن المشهد اختلف وبات من الضرورى أن تكون هناك حلول جذرية. بداية يرى اللواء سيد الجابرى رئيس المركز المصرى للدراسات الاستراتيجية أن محاربة الإرهاب فى مصر لها طبيعة خاصة، لأن الإرهابيين فى غالب الأحوال يعيشون بين المواطنين ويخرجون من البيوت والحارات والصحارى، ويرتدون ملابس المواطنين ويتحدثون مثلهم، وهذا يجعل المهمة صعبة جدا أمام رجال الأمن، فهؤلاء يخرجون للعمليات الإرهابية بتمويل التنظيمات الإجرامية العالمية، ثم يختفون بين الناس، وحتى مع مطاردتهم تكون هناك خطورة على المواطنين، وهو ما يعانيه رجال الجيش والشرطة فى منطقة العريش والشيخ زويد بصفة خاصة، لذلك لابد من استراتيجية من نوعية خاصة من التخطيط ضمن استراتيجية شاملة تبدأ بإقامة منطقة عازلة، والتى بدأ تنفيذها بإخلاء المنطقة، والأفضل من ذلك أن تقام قناة مائية بطول الحدود مع غزة بعمق عشرين مترا، وهو ما يغرق ويمنع أى أنفاق مقامة الآن ومستقبلا، وهى المشكلة الكبرى القائمة ومصدر الخطر على مصر، ولن تستغرق أكثر من أسبوعين فى الحفر، بتكلفة نحو أربعين مليون جنيه، مع ضرورة نشر الألغام بالمنطقة العازلة وجعلها تحت مرمى النيران، والتنسيق مع القبائل العربية الحدودية فى تحديد الإرهابيين وأماكن إقامتهم، لأن القبائل تحتاج اطمئنانا وتأمينا من انتقام الإرهابيين بعد أن اغتالوا كثيرا من شيوخ وعواقل القبائل المتعاونين، ويكون ذلك بتكثيف القوات جيدة التسليح، بما يعطى اطمئنانا لهم. كما أنه من الضرورى الآن أن تتابع الدولة حركة تدفق المال، خاصة من المنافذ الجمركية، لأن ممولى المجرمين أصبحوا يرسلون الأموال منقولة خشية اكتشافها من البنوك، وهى التمويل الأساسى للعمليات الإرهابية الخارجية، مع متابعة الحدود جيدا، ومراقبة السفارات المشبوهة التى تعتمد على الحقيبة الدبلوماسية، وأن نعتمد على فكرة توازن المصالح مع الدول لنشر توجهنا ضد الإرهاب والدول التى تموله، لأن كل شروره قادمة من الخارج، ولا ننسى أن مصر هى الدولة الوحيدة فى العالم بقدراتها المخابراتية هى التى كشفت عن أن المخابرات الأمريكية تتجسس على رؤساء الدول الكبرى بالتنصت على 53 قيادة دولية لم يستطيعوا كشفها، فمصر لديها خبراء وعنصر بشرى متميز فى قواتنا المسلحة، لذلك لم تنجح المؤامرة العالمية لتدميرها، مثل ما حدث مع الجيوش الأخرى فى ليبيا والعراق وسوريا، وغيرها، ولأن تفكيك الجيوش يستهلك أموالا طائلة وأجيالا مضت وأخرى قادمة، أى تدمير الماضى والمستقبل وعلى حساب الأجيال القادمة لعشرات السنين، ولتحويل الدول العربية إلى دول فاشلة، لذلك يجب أن يتعاون جميع العرب فى مواجهة الإرهاب.
دور القوى السياسية وأضاف الخبير الاستراتيجى أنه يجب أيضا لمواجهة الإرهاب أن يكون من خلال إنشاء شبكة علاقات دولية خارجية متوازنة مع الدول الصديقة والمساندة، وشبكة داخلية لتوحيد الجهود لمناهضة الإرهاب بإعادة التوازن للقوى السياسية مثل الأحزاب ومنظمات العمل المدنى والمراكز البحثية الوطنية، وهذا للأسف غير موجود الآن، وكذلك العمل على دعم العدالة الناجزة بتخصيص دوائر كافية لردع المجرمين أعداء الوطن والدين من الإرهابيين، ليكون العقاب سريعا شافيا لأحزان أهالى الضحايا، ورادعا لمن يفكر فى الجريمة، وضرورة تصفية القوانين التى تفتح المجال للتلاعب وتعطيل العدالة، كما يجب النهوض بالمناطق العشوائية والفقيرة، لأنها مصدر تفريخ الإرهاب، فهناك أحياء كاملة تستحق قرارا فوريا بالإزالة وإقامة مساكن إنسانية لسكانها فى وقت قصير، وقبل كل ذلك، فإن سيناء تحتاج مشروعا حقيقيا للتنمية الزراعية، فليس معقولا أن إسرائيل التى احتلتها قامت بزراعتها بمنتجات التصدير فى وقت الاحتلال القصير، ونحن نهدم كل فرص تنميتها الموجودة حتى البدائية حتى بعد مد ترعة السلام إليها . أسلاك شائكة أما اللواء محمد رشاد وكيل المخابرات العامة سابقا فيطالب بوضع أسلاك شائكة وألغام فى المنطقة العازلة الجديدة، وأن تكون تحت إطلاق النار ضد من يدخل أو يخرج منها، لأنه لابد أن يكون مجرما من أى نوع، وأنه لابد من إلغاء فكرة الكمائن الثابتة، لأنها هدف سهل للاعتداء عليها لا يمكن الهرب من محيطها، وهو ما حدث فى كل الحوادث الإجرامية السابقة، والتى استشهد فيها عشرات الجنود، كما ثبت أن هذا الأسلوب خاطئ أمنيا، ويجب أن نعيد صياغة الخطاب السياسى مع إسرائيل بمنطق المنفعة المتبادلة بعد أن ثبت أنها تزود الإرهابيين بمواعيد هجوم الجيش المصرى عليهم فيتركون مواقعهم. من جانبه أكد اللواء فتح الله الجندى الخبير الأمنى أن هذه الجرائم الأخيرة جاءت لتعطيل مسيرة مصر بعد أن بدأت تقف على أقدامها بعد المؤتمر الاقتصادى والنجاحات التى حققتها على المستوى العالمى والأمم المتحدة، وهذا لا يرضى جماعات الإرهاب وأصحاب المصالح، فكان طبيعيا أن يدبروا تلك الجرائم، مضيفا أن أفضل شىء يمكن أن ننجح فيه هو أن نوضح من خلال رجال الدين والمنابر أن هؤلاء مجرمون لا علاقة لهم بالإسلام وهم مأجورون لتخريب البلد وخائنون لمصر، التى ربتهم ورعتهم من تعب الشعب الكادح، لأن التوعية الوطنية والدينية هى صمام الأمان لمنع تفريخ مزيد من المنحرفين، والمتعصبين خاصة فى مواقع تمركزهم، إضافة للتوسع فورا فى المشروعات الاقتصادية بمنطقة قناة السويس، وبث عناصر أمنية فى مواقع التمركز بالمدن الحدودية مع إسرائيل وغزة للتعرف على العمليات الإرهابية قبل وقوعها، والتعاون مع عناصر السكان بثقة، وأن نركز على اكتشاف الأنفاق من خلال الأمنيين سواء من الجيش أو الشرطة والمتعاملين معهم لعمل استباقات هجومية على الإرهابيين، وفى الوقت نفسه نضع فى موازاة المنطقة العازلة عوامل تأمين عالية، مع إقامة منازل بمواصفات خاصة لسكان المنطقة الحدودية فى مناطق آمنة من العنف، وتوفير الخدمات لهم ودعم الأهالى بنشاطات الزراعة لإشغالهم فى مختلف الموارد الطبيعية لسيناء.
المثلث الذهبى من جانبه أكد محمد نوار مدير مركز رامتان الثقافى بالهرم أن مقاومة الإرهاب وأذنابه لا يكون أساسا إلا من خلال المثلث الذهبى، وهو أجهزة الثقافة، والتعليم، والشباب، وكل منها عانى ويعانى الكثير من المشكلات التى تعطل النهضة التى نحلم بها، ولأن دورهم مجتمعين محورى فى المجتمع سلبا وإيجابا، فأما ما نعانيه الآن يعنى أن هناك فجوة كبيرة سمحت بنمو الأفكار المنحرفة التى استغلت غيبة الوعى والفكر والعقل أيضا، فنجد الآن من يتجه للمفاهيم الهدامة من الإرهابيين بتفكير منحرف، وهذا يكشف عن أن هذه الأجهزة عاجزة فى الأداء وتقديم المطلوب منها، فالثقافة بكل هيئاتها تحتاج دعما شاملا وخططا علمية تتواكب مع الأحداث .