الإرهاب كله إجرام، ولا يفكر فى ارتكابه إلا مجرم منحرف الفكر والفهم والسلوك، وإن كان باسم الدين. وتزداد بشاعة العمليات الإرهابية إذا كانت ضد دور عبادة أو فى حالة فرح، أو بين أبناء الوطن الواحد. مرت مصر بمراحل صعبة، كان من الممكن أن يضرب الإرهاب كل جوانب الحياة فيها، وخصوصا بعد ثورة 25 يناير التى خلت فيها الشوارع من الأمن، وأسهم الشعب وخصوصا فى اللجان الشعبية التى كونها الثوار، وكل من أحب الوطن وأخلص له، فى التصدى لمحاولات الإرهاب من بدايتها، ولكن ذلك لم يمنعه تماما. يتمركز الإرهاب فى مناطق ذات طبيعة جغرافية ملائمة للإجرام وانتشار الفكر المنحرف، بعيدا عن أعين الناس، كما فى أطراف بعض الدول. وأسوأ الإرهاب والاستغلال ما كان باسم الدين، لأنه يستند إلى المشاعر فيؤججها، وإلى الجزاء الذى لا يوجد فى الدنيا، ولا يوجد إلا فى الآخرة ويتطلع إليه المخلصون، وهو دخول الجنة بعمل يراه الإرهابى مرضاة للرب أو الخالق، وهو من أفظع الأعمال فى الحياة الدنيا. الإرهاب يؤدى إلى القتل والجرح والتدمير، وكلها تثير الحزن والألم حتى والحياة تسير. أشير هنا إلى حادثتين إرهابيتين وقعتا مؤخرا فى مصر. الأولى، هى العدوان على كنيسة الوراق، وتحويل الفرح الجميل إلى مأتم حزين. وتثور هنا بعض الأسئلة المهمة: كيف يتجرأ أحد أن يسير فى الشارع ملثما أو غير ملثم، ومعه سلاح أيا كان نوعه، حتى لو كان يستقل دراجة بخارية أو يركب أو يقود سيارة؟ أين المارة، وكل الشعب تقريبا لديه هواتف نقالة، وأين الهواتف العامة التى يمكن الاتصال بها فترد على الفور، وأين رجال الأمن؟ وأين تحرك رجال الأمن المناط بهم حفظ الأمن وسلامة المنشآت والمواطنين على التو؟ هناك حاليا فى الدول المتقدمة وسائل اتصال مركزية لكل رجال الشرطة والأمن، لتحريك أقربهم إلى الأماكن المحتمل وقوع الجرائم فيها، وتنجح كثير من تلك الجهود فى إفشال عمليات بل ومخططات إرهابية وإجرامية كثيرة. وقد رأيت ذلك مرارا فى بريطانيا. صحيح لا يغنى حذر من قدر، ولا يستطيع أن يفر أحد من الموت إن كان مقدرا عليه، ولكننا نهرب أحيانا من قدر الله، الذى لا نعرفه إلا بعد أن يقع، نفر، إلى قدر الله أيضاً، بمحاولة إفساد وإفشال العمليات الإجرامية والإرهابية. هذا عن حادث كنيسة الوراق، الذى أسفر عن قتلى وجرحى فى ليلة فرح تحولت إلى ليلة حزن وألم. ونحن نشارك المكلومين آلامهم. أما الحادث الإرهابى الآخر، فهو ذلك الذى يتعلق بتفجير مبنى المخابرات الحربية بالإسماعيلية، واستخدام سيارة فى الحادث -كما جاء فى بعض الأخبار- مشابهة لسيارات الجيش، وهذه طبيعة جهات الإرهاب والإجرام، حيث يسعون للاستفادة من كل ثغرة إن وجدت. لم يكن يتمنى أحد لمصر، بعد ثورتين مهمتين، أن تشهد مثل هذه الأحداث المؤلمة، ولكن الإرهابيين لن يتوقفوا إلا بمواجهة حاسمة مع حكمة بالغة، أحيانا لا تغنى النذر مع هؤلاء وأمثالهم. الإرهابيون يفعلون ما يفشل الأعداء فى عمله. يأتى قانون الإرهاب استكمالا لعلاج هذه الكارثة، وليس لمنعها بمفرده بمجرد النص، وما كنا نتمناه أبدا فى بلد مثل مصر. ويحتاج منع هذه الأحداث إلى خطة شاملة يشترك فيها كل المؤسسات المعنية، ويشترك فيها الشعب، متعاونا مع تلك المؤسسات. وما يحدث فى سيناء اليوم من إرهاب، رغم الحرب عليه منذ عدة أشهر، يجب أن يزيد تلك المؤسسات والشعب إصرارا على مواجهة تلك الأحداث الإجرامية والعمليات الإرهابية مهما كان الثمن، حتى لا نتحول إلى دولة حاضنة للإرهاب أو تعانى منه، ولا تصنف مصر كدولة عاجزة عن مواجهة الإرهاب الأسود فى شكله وموضوعه. كم عانت دول قبل مصر من الإرهاب، حتى أمريكا قد عانت منه أكثر من مرة وبأكثر من شكل، وتعرضت بريطانيا وفرنسا وإسبانيا لموجات من الإرهاب، ولكن استتباب أجهزة الأمن فى هذه الدول وكثرتها ووسائل الاتصال المتقدمة والمراقبة لديها، وكذلك الإسعافات والاستعدادات الطبية، كل ذلك يقلل من خطورة هذه العمليات والموجات الإرهابية ولكنه لا يمنع الموت ولا القدر. نحن فى مصر بحاجة إلى أن نرصد بدقة أماكن الإرهاب تفريخا وممارسة وتدريبا وسلاحا، حتى تكون المواجهة ناجحة، ويكون العلاج مجديا، وحتى لا تتكرر عمليات مثل كنيسة الوراق، ولا تدمير مبان مثل مبنى المخابرات الحربية أو غيره. نسأل الله تعالى أن يحمى مصر وطنا وشعبا ومؤسسات من الإرهاب الأسود. والله الموفق