قبل أن تغيب شمس السادس من أكتوبر وقبل أن يخيم الظلام كانت قد تحققت خلال ساعات قليلة حقائق جديدة على أرض الواقع تؤكد بما لا يدع مجالا لأى شك أن الخريطة السياسية للمنطقة تتجه نحو التغيير إن لم تكن قد تغيرت بالفعل! كانت صيحات الغرور والغطرسة الإسرائيلية قد تلاشت وذهبت إلى أدراج الرياح وأدرك الإسرائيليون قبل غيرهم أن جنرالات المؤسسة العسكرية كانوا يبيعون لهم الوهم وأن ما أعلنه الجنرال حاييم هرتزوج المتحدث العسكرى فى اللحظة الأولى لبدء الحرب من أن القوات المصرية ستعرف معنى الهلاك والتدمير الكامل.. لم يكن سوى هراء ساذج للحفاظ على قناع الغرور الكاذب لجنرالات المؤسسة العسكرية. لقد سقطت مع سقوط خط بارليف أسطورة الجنرال موشى ديان الذى كان يؤكد أن خط بارليف خط منيع يستحيل اختراقه وأنه إذا حاول المصريون عبور قناة السويس فإن قواتهم ستتحول إلى رماد وأن جيشهم سيواجه كارثة محققة. واستطاعت القوات المسلحة المصرية بدقة التخطيط وجسارة التنفيذ وروح القتال العظيمة أن تكتسب احتراما غير مسبوق ليس فقط للعسكرية المصرية وإنما للأمة العربية بأكملها! كان من أبرز ملامح مرحلة إعادة البناء الصحيح للقوات المسلحة المصرية حتى تتعافى مما لحق بها فى 5 يونيو 1967 فى زمن قياسى استنادا إلى الدروس المستفادة التى كشف عنها القادة والضباط والجنود خلال شهاداتهم فى المؤتمرات العسكرية أن أفضل مناخ لإعادة البناء العسكرى هو أن يتم البناء تحت نيران المدافع وزئيرها من خلال حسابات دقيقة . وعاد الاهتمام بقضية الشرق الأوسط وضرورة التحرك الدولى لحلها ونزع فتيل انفجارها مرة أخرى يفرض نفسه على جميع المحافل والعواصم الدولية فقد انتهى عصر بأكمله وبدأ عصر جديد واستعادت فيه مصر حجمها الطبيعى مثلما استعادت الأمة العربية ركائز وحدتها كقوة إقليمية يشار إليها بالاحترام والتقدير.. ولكن من الضرورى أن نقول إن جذور يوم السادس من أكتوبر عام 1973 لم تنبت فجأة فى هذا اليوم ولا قبله بأسابيع وشهور فقط... وغدا نواصل الحديث. http://[email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله