رغم حالة الإستنفار التى تعيشها جميع الأجهزة الأمنية فى المانيا بسبب الحرب التى يشنها التحالف الدولى على تنظيم داعش والتى تشارك فيها المانيا من خلال دعم اكراد العراق بالسلاح وتدريب قوات البشمركة حتى هنا على الأراض الألمانية، ورغم تزايد خطر تعرض المانيا لإعتداء إرهابى على أيدى الجهاديين الألمان الذين توجهوا بالمئات للقتال فى صفوف داعش فى سورياوالعراق، إلا ان المسؤلون الألمان يتجنبون إثارة الخوف والفزع فى نفوس المواطنين ويتحدثون بلغة مبطنة عن خطر نظرى محتمل عن استعداد الأجهزة الأمنية فى اى وقت لمواجهة هذا الخطر. غير ان جيدو شتاينبرج احد ابرز الخبراء الألمان المتخصصين فى إرهاب الجماعات الإسلامية المتطرفة وأحد مستشارى الحكومة الألمانية والبرلمان فيما يتعلق بشئون الإرهاب فاجأ الجميع بصورة قاتمة رسمها لأستعدادات الأجهزة الأمنية فى المانيا ،وحذر الألمان من إعتداء إرهابى من الوزن الثقيل فى المانيا واوروبا معتبرا أن هذا الإعتداء إذا تم سيكون اهم صك مبايعة لزعيم داعش ابو بكر البغدادى كخليفة لاسامة بن لادن. وطبعا وقعت تصريحات شتاينبرج التى جاءت فى كتابه الجديد « مقاتلو القاعدة الألمان» على الجميع هنا كدلو من الماء المثلج وبدأ النقاش من جديد حول جدية إستعدادات المانيا لمثل هذا الإعتداء الإرهابي. وتواجه المانيا موقفا صعبا فمهدى نموش- منفذ إعتداء المتحف اليهودي- الذى كان اول الجهاديين الأوروبيين الذين ينفذون إعتداء فى اوروبا بعد عودته من سوريا، دخل الإتحاد الأوروبى من بواية المانيا. كما ان الأجهزة الأمنية الألمانية تنظر بعجز إلى ظاهرة الشباب المسلم الذى يتوجه لسوريا للقتال فى صفوف تنظيم داعش وعددهم الذى يقدر باربعمائة فى ازدياد مستمر، دون ان تتخذ السلطات الألمانية حتى الآن إجراء قانونيا للحد منها. فالجدل لا يزال محتدما هنا حول كيفية تعديل القوانين والدستور بما يسمح لمنع هؤلاء الجهاديين من العودة إلى المانيا مرة اخرى بإسقاط الجنسية عنهم مثلا. فى الوقت نفسه فإن عدم تعاون حكومة اردوغان التركية تشكل تحديا كبيرا امام الحكومة الألمانية، بسبب دعم انقرة للإرهابيين والتساهل معهم وفتح حدودها مع سوريا للجهاديين الألمان والأوروبيين الذين يسافرون لتركيا بالبطاقة الشخصية فقط للإنضمام لهذا التنظيم الإرهابي. ويشير جيدو شتاينبرج إلى ان تنظيم داعش منهمك الآن فى الدفاع عن المكاسب التى حققها وصد الضربات الجوية التى يتعرض لها ولكن المؤكد ان زعيم التنظيم البغدادى إذا ما نجا من محاولات تصفيته وتمكن من صد الهجمة الشرسة التى يتعرض لها فإنه سيسعى إلى تنفيذ إعتداء إرهابى ضخم فى اوروبا على غرار إعتداءات الحادى عشر إن لم يفوقها. فمن الواضح ان البغدادى يريد ان يجلس على كرسى خلافة اكبر تنظيم إرهابى فى العالم الذى اصبح شاغرا بعد تصفية اسامة بن لادن وسيسعى لإثبات احقيته فى ذلك من خلال هذا الهجوم الإرهابى فى المانيا او اوروبا الذى سيستعين لتنفيذه بالمجندين الأوروبيين العائدين إلى بلادهم ليثبت للغرب قدرته على الوصول إلى العواصم الاوروبية. غير ان الإشكالية الأكبر تتمثل فى أن المانيا مطالبة بتغيير كامل لإستراتيجيتهاوسياستها الداخلية فى مكافحة الإرهاب. فكما يحذر شتاينبرج الأجهزة الأمنية الألمانية لديها مشكلة كبيرة فى السنوات الأخيرة فى الكشف عن المخططات الإرهابية على ارضها ولا تستطيع ذلك بدون دعم امريكي. فالتحذيرات والمعلومات تأتى غالبا من واشنطن ما يؤكد إعتماد الأجهزة الألمانية على نظيرتها الأمريكية وبشدة بل يقول شتاينبرج أن المانيا ستكون بلا حماية بدون التعاون الأمنى الأمريكي، مشيرا إلى مخططين إرهابيين على الأراض الألمانية كشفت عنهما مؤخرا أجهزة الإستخبارات الأمريكية. فلا بديل امام المانيا الآن سوى إعادة هيكلة اجهزتها الأمنية وزيادة الإرتباط والتعاون فيما بينها خاصة ان جهاز الأمن الداخلى – حماية الدستور- لديه افرع فى الولايات الألمانية واثبت فضيحة الخلية النازية الشهيرة قبل سنوات ان هذه الأفرع تعمل بشكل مستقل ولا تنسيق كاف بينها. وينصح الخبير المعروف الحكومة الألمانية بتقوية أجهزة المخابرات فيها ومراقبة انشطة الجهاديين فى المانيا ودقة و وتكثيف التعاون مع الأجهزة الأمنية فى الدول المعنية فى الشرق الأوسط. ولكن هذا التحول نحو سياسة امنية داخلية اكثر عدوانية وصرامة فى التعامل مع التهديدات الإرهابية يواجه فى راى شتاينبرج بعائق اساسى وهو ان الثقافة السياسية فى المانيا تعارض ذلك وكذلك الرأى العام الذى ينظر لأى محاولة لتقوية دولا أجهزة الأمن بإعتبارها خطرا يهدد الحقوق المدنية وحريات المواطنين الشخصية.شتاينبرج يحذر بشدة من ان تنتظر المانيا وقوع هذا الإعتداء الإرهابى الضخم لكى تنتبه فعلا وليس نظريا فقط للخطر الذى اصبح يهددها.