رغم أن عمره لم يتجاوز العقد الرابع ، لكن افكاره وفنونه وإبداعاته تجاوزت القارات والمحيطات واستطاع أن يبدع أعمالاً موسيقية تدعو للإعجاب والتقدير،كما أن موسيقاه الرمانتيكية الرائعة تعتبر حافزاً للإنسان الباحث عن الجمال، للإنسان المثقف، فهى تحاكى الوجدان وتبعث الأمل والتفاؤل فى النفس ، وتستقطب أيضاً هواة الإستمتاع بالموسيقى العالمية ، أطلقوا عليه «شاعر البيانو» وأيضاً «الموسيقى الروحانى» فقد كان مهذبا ويعامل النساء باحترام مثالى، وخجول جداً فى معظم الأحيان، تخصص فى البداية فى العزف على البيانو ثم تحول إلى التأليف الموسيقى لنفس الآلة، وقدم أولى حفلاته وهو فى سن الثامنة كما أهتم بدراسة التأليف الموسيقى واستطاع أن يستقطب معظم الجماهير المثقفة الباحثة عن أسلوبه الموسيقى الهادىء والممتلىء بالجمال المعنوى والحسى والروحانى ، قفز بالموسيقى العالمية قفزة هائلة وجعل لانغامه مذاقاً خاصاً ورائعاً وأيضاً رونقاً بديعاً كما أنه إتجه فى أسلوبه إلى الغنائية العذبة، فمسويقاه تتمتع بجمال رومانتيكى رفيع المستوى ملىء بالمشاعر الإنسانية.. طباعه بسيطة وسهلة تجعل أصدقاءه يبحثون عنه للتقرب منه والإستمتاع بالجلوس معه لفرط أدبه وأخلاقه من ناحية ومن ناحية أخرى للتذوق من روعة موسيقاه وعزفه الرائع على البيانو.. ولد «فريدريك شوبان «1810-1849 فى مدينة «زولازوا» بالقرب من «وارسو» فى بولندا من أم بولندية وأب فرنسى كان يعمل مدرساً للغة الفرنسية فى مدرسة الليسيه بمدينة «وارسو» ودرس فريدريك الموسيقى بكونسرفتوار «وارسو» وقدم أول حفل كونسير أمام «كونستانين» حاكم بولندا وهو ما زال فى سن الثانية عشرة فحاز على إعجاب الطبقات الأرستقراطية فى المجتمع البولندى» ثم عزف أمام القيصر «الكسندر الأول» أمبراطور روسيا فحازت مؤلفاته وأداؤه على تقدير الحاضرين بدرجة ملموسة، ثم قام بعد ذلك بجولة فى مختلف المدن الأوروبية مثل برلين وفيينا وروما ولندن فنجح فى استقطاب الكثيرين من مختلف فئات المجتمع الذين استهوتهم موسيقاه وإبداعاته التى نجح تماماً فى تأليفها وعزفها بشكل جعله يحصل على كاريزما عالمية. ثم حدث أن أستقر فى مدينة الثقافة والنور «باريس» فى عام 1830.. حيث كانت الموسيقى فى مجدها فى ذلك الوقت، وتعرف هناك على كبار الموسيقيين أمثال «بللينى» و»ليست» و»مندلسون» والأديب «بلزاك» وبدأ يلتقى بالطبقات الأرستقراطية الفرنسية وغير الفرنسية وكانت حفلاته التى يقدمها للجمهور الفرنسى هى الطريق إلى الشهرة التى صعدها بسرعة هائلة حيث أقبل عليه الجمهور من كل جانب مما رفع من روحه المعنوية واستطاع أن يقدم المزيد من الأعمال الرومانتيكية الغاية فى الجمال والروعة كما أستطاع بأسلوبه المميز أن يظهر أداؤه الممتع على البيانو ومؤلفاته التى كانت مليئة بالإنفعال العاطفى والحساسية واستطاع أيضاً أن يكون أسلوباً خاصاً به تميزه الأذن بسرعة لشدة عمق التعبير الموسيقى الجذاب كما أنه انتج حوالى مائتى عمل موسيقى جميعها لها علاقة مباشرة مع البيانو منها عدد 2 كونشرتو للأوركسترا والبيانو ويظهر واضحاً فى العملين أن «شوبان» أعطى البيانو الدور الرئيسى وترك الدور الثانوى للأوركسترا ويعد هذا أسلوباً من أساليب الكتابة للكونشرتو..ثم حدث أن تعرف «شوبان» فى عام 1836 على الروائية الشهيرة «أدرورى دى ديفانث» التى كانت تسمى نفسها «جورج ساند» والتى كان معروفا عنها انها تتزين بملابس الرجال وأحبته واقنعته بأن يسافر معها إلى «مايوركا» فى أسبانيا أملا أن تتحسن صحته هناك بعد أن كانت صحته بدأت فى التدهور حيث كان مصابا بالسل، لكنه لم يلبث فترة طويلة حتى عاد إلى باريس ومات هناك فى سن التاسعة والثلاثين لكنه وكغيره من الفنانين الموسيقيين والأدباء والرسامين ترك ثروة موسيقية فنية هائلة ما زالت تسمعها جماهير الذواقة والمقدرين لرقى الفنون الجميلة، ويعد «شوبان» من أفضل المؤلفين الذين كتبوا موسيقى البيانو فقد كتب 24 مقطوعة أو «مقدمة Prelude» معبراً فيها عن شخصيته البولندية وتأثره بالإستعمار الروسى الذى طغى على بولندا وأيضاً معبرا عن مشاعره الإنسالنية النبيلة والمليئة بالإنفعال الرومانتيكى الذى أحس به فى أثناء اقامته فى باريس حيث الإزدهار والثقافة والفنون والمجتمع الراقى الذى عاش فيه معظم حياته فهل نقدر موسيقى «شوبان» الرائعة والتى تخاطب أحاسيس الإنسان الباحث عن سمو الوجدان ... مجرد سؤال.