في ظل حالة الغياب الأمني التي تمر بها البلاد من شمالها لجنوبها, شهدت محافظة قنا في بداية الأسبوع الماضي أزمة كبيرة بين قبيلتي الحميدات والأشراف بدأت بحدث صغير نتيجة مشادة كلامية بين سائق- سيارة- وشخص أخر من أبناء القبيلتين سرعان ما تطور إلي تجهيز عتاد الحرب من أسلحة آلية وصلت لمستوي المدفع الجرينوف, مما تسبب في شلل تام للحياة في المدينة خوفا من إطلاق النار العشوائي الذي انتشر في أغلب الشوارع والذي أدي إلي إصابة أكثر من13 شخص من مختلف أبناء المحافظة.. لذلك نحاول في السطور التالية الوقوف علي الحقائق التي أدت إلي تفاقم المشكلة, ووضع حلول لمنع تكرارها في المستقبل. لمعرفة الأسباب التي أدت إلي تصاعد المشكلة, قمنا بالاتصال ببعض أبناء المحافظة من شهود العيان حيث قال الدكتور حماد علي حامد أن أهم الأسباب التي أدت إلي توسع الأزمة هو غياب الأمن الكامل, حيث بدأت المشكلة بعتاب بين سائق وشخص أخر في نحو الساعة الثالثة من عصر يوم السبت قبل الماضي, وتطور الأمر حتي حدث تشابك بالشوم والأسلحة البيضاء والزجاجات الفارغة, وأستمر هذا الاشتباك حتي قرابة الساعة السادسة مساء, أي نحو ثلاثة ساعات كاملة, وقوات الشرطة والجيش لا يحرك لها ساكنا, ويضيف الدكتور حماد أن ثلاثة ساعة جعلت المدينة كلها تسمع عن الحدث وتناقلته جميع الوسائل الإلكترونية لحظة بلحظة, وقوات الأمن لم تتحرك ولم تستجب لنداءات المواطنين بالتدخل, حتي تطور التشابك نتيجة سقوط مصابين إلي استخدام الأسلحة الآلية والمسدسات والطبنجات, مما أدي إلي وقوع أكثر من13 مصاب بطلق ناري, ويحمل الدكتور حماد رجال الأمن المسئولية في تفاقم الأزمة نتيجة بطئهم في التعامل مع الأحداث وتركها دون تدخل وقت كان كفيلا بحرق المدينة. ويري أنور علي زغلول أحد شهود العيان أن من أهم الأسباب أيضا هو محاولة بعض الشباب من الطرفين استعادة أمجاد القبلية والعصبية, وخاصة في ظل الانفلات الذي حدث بعد ثورة25 يناير الذي أدي إلي انزواء الأمن واعتماد كل قبيلة علي نفسها في الدفاع عن حدودها وممتلكاتها, هذا الأمر الذي جعل الشباب يتفاخرون بحمل السلاح والسير به في الشوارع أمام الجميع, ويضيف أنور أن الأحداث تطورت بسبب قيام أحدي القبائل بجلب مدفع جرينوف ووضعه أعلي برج سكني بالقرب من مستشفي قنا العام. ومن أهم الأسباب أيضا كما يقول حمدي عبدالحليم أحد أبناء المحافظة هو الظهور القوي والمعلن لبعض أتباع الحزب الوطني المنحل الذين كانوا أعضاء في العهد البائد- حيث قاموا بالنفخ في النار حتي اشتعلت, بحجة أنهم يرفعون رأس القبيلة أو يحافظون علي كرامة العائلة, والغريب في الأمر من وجهة نظر حمدي أن أحد أعضاء الحزب الوطني سابقا ضابط شرطة- شوهد وهو يجلب كمية من الأسلحة النارية من بعض القري المجاورة, مما يدل علي أن هناك نية مبيته لتوليع المحافظة من بعض أتباع الحزب البائد, الذين لا يراعون الله في حرمة الدماء المسلمة. ويقول سيد نصرالله محامي- إن من أهم الأسباب التي أدت إلي اشتعال الأحداث هو ظهور بعض البلطجية والمنتفعين الذين انتشروا في الشوارع حاملين الأسلحة الآلية التي روعت الآمنين, وقاموا بسرقة عدد كبير من المحلات التجارية وإشعال النيران بها, حتي وصلت إلي نحو11 محلا منهوبة ومدمرة, ويضيف نصرالله أن بعض هؤلاء البلطجية قاموا بفرض أتاوات علي سكان وسط المدينة في الأماكن المتطرقة وإجبارهم علي دفع مبالغ مالية تصل إلي100 جنيه لكل شقة مبررين ذلك بأنهم يقومون بحمايتهم من الطرف الأخر في المشكلة. ويري نصرالله أن بعض تجار السلاح الذين يعتبرون هذه النزاعات سوقا رائجا لترويج ما لديهم من أسلحة وذخيرة لهم دور كبير من اشتعال الأزمة الأخيرة في مدينة قنا. ضبط النفس له حدود يوضح الدكتور حماد علي حامد من كبار قبيلة الحميدات- أن الوضع في قنا يمر بمنحي شديد الخطورة, مبررا ذلك بأن قوات الأمن طلبت من قبيلة الحميدات ضبط النفس, وعدم الرد علي الطرف الأخر, ويضيف الدكتور حماد بأن ضبط النفس له حدود, ولكن إلي متي؟ في ظل أعمال السرقة والحرق والنهب التي يقوم بها أبناء قبيلة الأشراف كل ليلة, وكان أخرها ما حدث يوم الجمعة الماضية عندما تم سرقة عيادة الدكتور علي السمان المجاورة لمستشفي قنا العام وإشعال النيران بها. ويكمل الدكتور حماد بأن كبار قبيلة الحميدات يقومون بالضغط علي شبابهم بصورة تفوق كل تحمل, وما نخشاه أن يحدث انفلات للشباب في لحظة لا عودة فيها, وفي هذه الحالة سيكون اللوم كل اللوم علي قوات الأمن التي تطلب من طرف ضبط النفس وتترك الطرف الأخر يفعل ما يريد وقتما يريد. ويري الدكتور حماد أن قوات الجيش والشرطة تستطيع السيطرة علي الموقف من خلال الضغط علي كبار العائلات في القبيلتين, وأن يقوم الكبار بمساعدة قوات الجيش من خلال تسليم الخارجين علي القانون والسيطرة علي انفعالات الشباب التي لم تتوقف طيلة9 أيام متصلة, ويخشي الدكتور حماد من تعامل قوات الأمن في حل المشكلة بالأساليب التقليدية القديمة, وأن يتم وضع الطرفين في خندق واحد, ولكن يجب معرفة من الملتزم ومن غير الملتزم بالقرارات التي اتخذت من لجان الصلح واجتماعات ديوان عام المحافظة, حتي يتم بعدها أعطاء كل زي حق حقه, وأن يتم تعويض أصحاب المحال التجارية التي نهبت وتم اشعال النيران فيها, كما يجب وضع قواعد عامة وصارمة يلتزم بها الطرفين, ومن يتعداها يتم التعامل معه بأسلوب صارم. تحديد المسئولية ويقول الحاج رفاعي عبدالوهاب حامد نقيب الأشراف بقنا- أن حل المشكلة يحتاج إلي الهدوء والتريس والوعي الكامل بأبعادها, كما يحتاج إلي ثقافة جديدة تتمثل في وضع النقاط علي الحروف وتحديد المسئولية من خلال عمل منظم يتم من خلالة تحديد أصحاب المشاكل ومن ورائهم ولا نشمل عائلاتهم أو قراهم أو قبائلهم لذلك أرجو من الجهات الأمنية والقوات المسلحة توقيع الردع والجزاء الشديد علي كل المخالفين والخارجين علي القانون, حتي يسود الأمن والأمان في جمهورية مصر العربية, بشرط ألا يكون هناك تجاوزات من حماة القانون, كما نوصي رجال الدين أن يزيدوا من التوعية والإرشاد والتوجيه لشبابنا جميعا علي مستوي الجمهورية, كذلك يجب التحري والبحث الدقيق عن أصحاب المشكلة الأصليين وتوقيع الجزاء الرادع عليهم, حتي يكونوا عبرة للآخرين, والمشكلة حاليا تقع علي الانفلات الذي يسود البلد بصفة عامة, ويجب علي كبار القبائل مساعدة الجهات الأمنية من خلال إرشادهم عن المفسدين ومثيري الشغب. مواثيق ملزمة للقبائل ويري الحاج حمدي حسن أبوقريع من كبار قبيلة العرب- أن السبب فيما يحدث هو غياب الترابط العائلي بين القبائل, وانقياد البعض وراء المجموعة غير المسئولة من ضعاف النفوس ومثيري الفتن, ويضيف الحاج حمدي إنه من الضروري الرجوع إلي كبار القبائل والتزامهم بمواثيق معينة ومحددة تحفظ هيبة القبائل وهيبة المجتمع, حتي لا تكون معالجة الأمور بشكل غوغائي, فاغلب المشاكل تبدأ بأحداث تافهة سرعان ما تتطور لعدم وجود الحكماء أو من يأخذون زمام المبادرة لحل أو لوأد الخلاف في وقته, ويشدد الحاج حمدي علي سرعة قيام مدير الأمن والمحافظ بعقد اجتماع للقبائل, يضعون من خلال مجموعة من المبادئ والمواثيق الملزمة لكل قبيلة والتي تحفظ أمنها وحدودها وعدم التعدي عليها, وعلي ممثلي القبائل الالتزام بكل ما يتفق عليه في هذا الاجتماع, مما يحفظ سلامة المجتمع القنائي, وخاصة أن جميع القبائل في قنا تلتقي في قلب المحافظة لمصالح مشتركة بينهم جميعا, ويجب أن تعالج الأسباب التي يؤدي إلي حدوث تلك المشكلات من جذورها, كما يجب علي كبار القبائل تسليم مثيري الشغب والفتن إلي الجهات الأمنية حتي يعود الأمن والاستقرار بين جميع القبائل في المحافظة, للحفاظ علي هيبة عاصمة المحافظة التي تعتبر ملتقي المحافظات الشرقية البحر الأحمر والغربية الوادي الجديد والشمالية سوهاج والجنوبية أسوان. وتؤكد جميع الشواهد أن هذه المشكلة لن يتم حلها إلا بتدخل قوي وحاسم من قوات الجيش والشرطة معا, يتم من خلاله تطبيق القانون دون النظر إلي وضع أي قبيلة من القبائل, والضغط علي كبار القبائل الذين يستطيعون ردع الشباب المتهور عن المضي في المناوشات التي تحدث كل ليلة بين الطرفين, وتسليم الخارجين علي القانون إلي قوات الأمن, فهل من مستجيب؟ قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه.