مساحة لا تتجاوز بضعة أمتار قليلة مكتظة بتحف فنية مصنوعة من النحاس، يقبع وسطها «الحاج عصام العربي» ،في محله الذي بلغ عمره قرنا إلا عشرة أعوام.. وارثا إياه عن جده فأبيه، ليكون واحدا من قليلين حافظوا على حرفة «الحفر أو النقش على النحاس»، وأحيانا تطعيمه بالفضة. في ربع السلحدار بخان الخليلي، يمارس الحاج عصام «صنعته» منذ نحو أربعين عاما بدأها بعد حصوله على الشهادة الاعدادية، وبينما استكمل اشقاؤه دراستهم وعملوا في مجالات مختلفة، وجد نفسه مشدودا لمهنة ابائه وأعمامه، فعشقها وتفرغ لها، وساعده في ذلك حبه للغة الانجليزية، والتي مارسها بعد ذلك من خلال تعامله من زبائنه من السياح الاجانب. شاكوش وأشكال متنوعة من اقلام الحفر هي «عدة الشغل» التي يعتمد عليها «العربي» في صنعته، يمسك بها بخفة ومهارة وعشق لا تخطئه الأعين.. عشق دفعه للتمسك بمهنته رغم انها لفظت الكثيرين في الاعوام الاخيرة، فبعد ان كان يعمل معه بالورشة عشرون حرفيا أصبحوا ثلاثة». يعتبر الحاج عصام سبعينيات القرن الماضي هي الفترة الذهبية لعملهم واستمرت حتى اوائل التسعينيات، ، فيقول:« كنا نبيع منتجاتنا الى البازارات والفنادق في التحرير والهرم ، وعندما أذهب لمحلي في التاسعة صباحا أجد السياح والزبائن الاجانب في انتظاري «طوابير»، ولا نغلق قبل الواحدة صباح اليوم التالي، وكان «البمبوطية» من السويس والاسماعيلية وبورسعيد والاسكندرية يأتون ويحملون منتجاتنا النحاسية في «أجولة» ليبيعونها للعابرين على السفن السياحية والبوارج الحربية، الى ان بدأ العد التنازلي بعد حرب الخليج، ثم جاءت ثورة يناير، فأصبحنا ننتج بطاقة 25%، ولهذا أصف السنوات الاربع الاخيرة «بالنكسة» لصناعتنا، فنعمل دون توزيع، وتبقى بضاعتنا في حالة كساد». اكثر ما يلفت انتباه الزائر لمحل «العربي» هي تلك «الدانات الحربية» متنوعة الاحجام والتي تحولت على ايدي الصناع المهرة الى قطع فنية ذات نقوش عربية اسلامية او فرعونية، ويحكي لنا قصتها فيقول:« في ستينيات القرن الماضي، كان الجنود والعسكريون يجلبون لنا أعدادا كبيرة من دانات المدافع التي خلفتها الحروب، فنقوم بالحفر والنقش عليها، ومنهم من كان يأخذها فيما بعد ليحتفظ بها كذكرى، كما كانت تلقى اعجابا من الزبائن وخاصة الاجانب، و يعتبرونها قطعة ديكور او يجعلون لها استخدمات مختلفة كفازة للزهور مثلا. الزائر الاجنبي كما يقول الحاج عصام هو «زبونه» الرئيسي وهو الاكثر شغفا برؤية الحرفي اثناء عمله، خاصة انه يقدر مثل هذا النوع من الحرف وتبهره تلك القدرة على الاتقان ، وكلما أصبحت القطعة النحاسية داكنة ومطفية ، كلما استهوته لانها تعطيه احساسا بالقدم وبالتالي تكون اقرب الى القطع الاثرية، بعكس القطع اللامعة التي تبدو جديدة». ويكشف الحاج عصام عن معلومة مثيرة للاهتمام، وهي ان المصريين لم يقبلوا على الشراء منه إلا في الفترة التي راجت فيها شركات توظيف الاموال، حيث توافرت السيولة في جيوبهم، فأقدموا على شراء التحف والانتيكات!