رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد افتتاح مبنى خدمات ومكتبة كنيسة المقطم.. صور    آخر تحديث: سعر الدولار صباح تعاملات اليوم الخميس 25 أبريل 2024 في مصر    تطبيق التوقيت الصيفي في مصر 2024: خطوات تغيير الساعة وموعد البدء    تأثير حملة "خلّوها تعفن" على أسعار الأسماك واللحوم في مصر    محافظ الغربية يتابع الموقف التنفيذي لكورنيش المحلة الجديد    تراجع إنتاج السيارات في المملكة المتحدة خلال مارس الماضي    حماس تبدي استعدادها لإلقاء السلاح في حالة واحدة فقط    الدفاع المدني الفلسطيني: الاحتلال دفن 20 شخصا على الأقل بمجمع ناصر وهم أحياء    الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى    إصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة بأطفيح    مسلسل البيت بيتي 2.. تفاصيل العرض ومواعيد الحلقات على منصة شاهد VIP    الرئيس السيسي: سيناء تشهد جهودا غير مسبوقة لتحقيق التنمية الشاملة    شوشة عن إنجازات سيناء الجديدة: مَنْ سمع ليس كمَنْ رأى    البحرية البريطانية: بلاغ عن حادث بحري جنوبي غرب عدن اليمنية    الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء "الأونروا" في دعم جهود الإغاثة للفلسطينيين    مواعيد مباريات الخميس 25 إبريل - الأهلي والزمالك في بطولة إفريقيا لليد.. ومواجهة صعبة لمانشستر سيتي    صباحك أوروبي.. بقاء تشافي.. كذبة أنشيلوتي.. واعتراف رانجنيك    مفاجأة غير سارة لجماهير الأهلي قبل مواجهة مازيمبي    الأهلي يصطدم بالترجي التونسي في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    "أبو زعبل للصناعات الهندسية" تكرم المحالين للمعاش    التريلا دخلت في الميكروباص.. 10 مصابين في حادث على صحراوي البحيرة    مصرع وإصابة 10 أشخاص إثر تصادم سيارتين في البحيرة    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    حمزة العيلى عن تكريم الراحل أشرف عبد الغفور: ليلة في غاية الرقي    اليوم.. حفل افتتاح الدورة ال 10 لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    الليلة.. أنغام وتامر حسني يحيان حفلا غنائيا بالعاصمة الإدارية    وزير التعليم العالي: تعزيز التعاون بين منظومة المستشفيات الجامعية والتابعة للصحة لتحسين جودة الخدمات    التحقيق في سقوط سيارة من أعلى كوبرى روض الفرج    الشواطئ العامة تجذب العائلات في الغردقة هربا من الحر.. والدخول ب20 جنيها    نشرة مرور "الفجر ".. سيولة بمحاور القاهرة والجيزة    بعثة الزمالك تغادر مطار القاهرة استعدادا للسفر إلي غانا لمواجهة دريمز    فرج عامر: لم نفكر في صفقات سموحة حتى الآن.. والأخطاء الدفاعية وراء خسارة العديد من المباريات    انقطاع مياه الشرب عن منشية البكري و5 مناطق رئيسية بالقاهرة غدًا    وزير النقل يشهد توقيع عقد تنفيذ أعمال البنية الفوقية لمشروع محطة الحاويات تحيا مصر 1 بميناء دمياط    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس25-4-2024    أمر عجيب يحدث عندما تردد "لا إله إلا الله" في الصباح والمساء    هل يوجد فرق بين صلاتي الاستخارة والحاجة؟ أمين دار الإفتاء يوضح    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    هيئة الرعاية بالأقصر تعلن رفع درجة الاستعداد تزامنا مع خطة تأمين ذكرى تحرير سيناء    الصحة: 3.5 مليار جنيه لإنجاز 35 مشروعا خلال 10 سنوات في سيناء    حبس المتهم بإنهاء حياة شخص بسبب الخلاف على المخدرات بالقليوبية    لأول مرة .. أمريكا تعلن عن إرسالها صواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا    احتجاجات طلابية في مدارس وجامعات أمريكا تندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة    علماء بريطانيون: أكثر من نصف سكان العالم قد يكونون عرضة لخطر الإصابة بالأمراض التي ينقلها البعوض    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    مشاجرات خلال اعتقال الشرطة الأمريكية لبعض طلاب الجامعة بتكساس الرافضين عدوان الاحتلال    المنيا.. السيطرة على حريق بمخزن أجهزة كهربائية بملوى دون خسائر في الأرواح    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    تقسيط 30 عاما.. محافظ شمال سيناء يكشف مفاجأة عن أسعار الوحدات السكنية    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مائة عام من الحرب(1)
دراما تاريخية كبرى لا تزال آثارها تحكم العالم
نشر في الأهرام اليومي يوم 22 - 08 - 2014

لم تكن حربا عالمية من حيث الدول التي تورطت فيها فى البداية، لكن المركزية الأوروبية التي كانت تنظر للعالم باعتباره حدودها المفتوحة (وهي النظرية نفسها التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية، التي حركت المركزية إلى ما وراء المحيط) جعلتها حربا عالمية ضد إرادة التاريخ ومنطق الجغرافيا.
ولأن التاريخ لا يحب إرغامه على شيء ، فقد دفعت المركزية الأوروبية ثمنا فادحا لجريمة إجبار العالم على تحمل كلفة حرب بين قومياتها المتناثرة، وامبراطوريات النزع الأخير ، فدخلت حربا ثانية – كانت أكثر عالمية من الأولى – ثم دخلت نفقا طويلا تحولت فيه امبراطورياتها القديمة إلى أشباح قوى تستمد وجودها من ظلال امبراطورية جديدة نشأت بعد الحرب الثانية.
ومهما قدم المؤرخون والسياسيون من مبررات نظرية لاشتعال الحرب، فان النظرية الاكثر تماسكا هي تلك التي ترى في الحرب أزمة النظام الرأسمالي الاستعماري الذي ضاقت عليه المستعمرات بما رحبت فاشتعل البيت الأوروبي بين الإمبراطوريات المستعمرة وانقسم إلى فريقين يريدان احتكار العالم كمستعمرات تحل الرأسمالية بها وبمواردها أزمتها البنيوية التي تتكرر كل فترة من الزمن .
في هذه الأيام نتذكر تلك الحرب "الأوروبية" الأولى التي اندلعت من شرارة صغيرة بين دولتين صغيرتين ثم سرعان ما انضمت إلى أتونها إمبراطوريات أوروبا كالنمسا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا ، وقتلت من أبناء القارة العجوز 10 ملايين شخص وجرحت ملايين أخرى، لكنها أطاحت بالكثير من تفاصيل الجغرافيا في مناطق من العالم – نحن في الشرق الأوسط أولها – وحينما انتهت الحرب بمعاهدة صلح أوروبية ، لم تنته الحرب بالنسبة لنا ، أو لم تُمْحَ آثار أقدامها من تراب خرائطنا حتى الآن.. فوعد بلفور أحد أسوأ نتائج الحرب، واتفاقية سايكس بيكو لتقسيم النفوذ العالمي بالمنطقة على أساس عرقي وطائفي ، لا يزالان يثمران ثمارهما المُرَّة في بلادنا حقوقا ضائعة وشهداء يتناسلون من الطمي حتى آخر وجع البلاد التي أدركها الشتات.
الحرب الأولى أدخلت مصر مثلا نفق الحماية البريطانية ووضعت بذرة ضياع فلسطين، ثم جاءت الحرب الثانية لتكتب بقية السِّفر المُرّ الذي ندفع ثمنه للآن في غزة.
فهل نتذكر الحرب لنحتفي بالموت، والخروج من التاريخ أم لننصف التاريخ من سطوة كتابة المنتصر؟ أم لنتعلم الدرس القديم ونحن نراه يكاد يكرر نفسه الآن على الرغم مما شهدته المنطقة من ثورات ربيع عربي لم يكتمل ، ويعيد طرح الأسئلة ذاتها لتقاسم النفوذ بين قوى جديدة تحاول اقتناص فرصة فوضى الربيع العربي لإعادة رسم المشهد كما تهوى، لا كما يجب أن يكون؟!
هل يكون الربيع العربي ثورة العرب الثانية التي تشبه ثورتهم التي لم تفهم قواعد اللعبة في أوائل القرن العشرين وتحالفت مع القوى العظمى للتحرر من هيمنة الدولة العثمانية، ثم لم تحْظَ بعد الحرب إلا بالاحتلال وبداية انكسار يطول؟
وهل يكرر العالم سطوة سايكس – بيكو باتفاقيات جديدة تفتت العالم العربى على أساس طائفى وعرقى مستغلة الغبار الذى يتطاير من مؤامرات سرية وفوضى علنية خلفها ربيع لم يكتمل.
احتفالنا بالمئوية لخراب الحرب الأولى فرصة لإعادة قراءة (وربما كتابة ) التاريخ من مصادر أخرى غير تلك التي اعتمدتها القوى المنتصرة . فهل يمكن كتابة التاريخ بعيدا عن قواعد الإملاء ، ورقص التاريخ ذبيحا على الخرائط من شدة الألم ؟

حيث قرر المؤتمر مبدأين لا يزالان يحكمان العلاقات الدولية: الأول- إعادة الأمور في ممالك أوروبا إلى ما كانت عليه قبل الثورة الفرنسية تحت مبدأ "الحقوق الشرعية"، وبهذا عادت العائلات التي تم إقصاؤها عن الحكم في البلاد التي دخلتها فرنسا وفي مقدمتها أسرة البوربون التي كانت تحكم فرنسا قبل الثورة. والثاني- صياغة مبدأ التوازن الدولي بين القوى الأوروبية الكبرى آنذاك (إنجلترا والنمسا وبروسيا وروسيا) ويعني ألا تتفوق دولة على أخرى. وكان هذا المبدأ يعني في التحليل الأخير الوقوف ضد حركات التحرر القومي في البلاد التي كانت تخضع للإمبراطوريات الكبرى مثل إمبراطورية النمسا-المجر والإمبراطورية الروسية، على حين كانت تلك القوى تشجع الحركات القومية في البلاد التي كانت تخضع للسلطنة العثمانية وخاصة في بلاد البلقان (أوروبا الشرقية فيما بعد).
وقد اعتادت قوى فيينا الكبرى الأربعة على أن تجتمع معا بشكل دوري لمراقبة الأحداث التي تقع هنا وهناك بما لا يؤثر على مبدأ التوازن. وحين علمت تلك القوى بأخبار الحركة القومية في كل من شبه جزيرة إيطاليا والولايات الجرمانية لإقامة دولتي إيطاليا والمانيا بالخروج من تحت سيطرة النمسا، عملت على القضاء على تلك الحركة حفاظا على التوازن الدولي، ولكن دون جدوى، إذ تحققت الوحدة الإيطالية في 1860 وفي المانيا في 1870-1871 بالحرب ضد فرنسا.
عصر التحالفات السرية
ورغم مقررات مؤتمر فيينا هذه، إلا أن كل من القوى الأوروبية دخلت فيما بينها في تحالفات سرية ثنائية وثلاثية وخاصة بعد تطلع كل من إيطاليا والمانيا (القوتان الجديدتان) للبحث عن موقع قدم لهما في سباق الإستعمار الذي أخذ يحيط ببلاد أفريقيا وآسيا.
وكان أول تلك التحالفات ذلك التحالف الثلاثي بين المانيا والنمسا وروسيا (1872) المعروف بعصبة الأباطرة الثلاثة. وكانت المانيا وراء تكوينه لتأمين حدودها من هجوم فرنسي عليها بعد هزيمة فرنسا أمامها في حرب وحدة المانيا. ومن هنا توصلت القوى الثلاثة إلى إتفاق جنتلمان في برلين يقضي بالعمل معا على الإبقاء على الحدود الراهنة في دول أوروبا، والعمل على تسوية المشكلات الناجمة عن المسألة الشرقية (أي علاقات أوروبا بالدولة العثمانية)، والمعاونة على إخماد الحركات الثورية في أوروبا.
وفي 1879 تكون تحالف ثنائي بين المانيا والنمسا بعد مؤتمر برلين (1878) الخاص بتسوية آثار الحرب بين روسيا والدولة العثمانية والتي انتصرت فيها روسيا. وفي أثناء المؤتمر تعارضت مصالح النمسا مع روسيا فانحازت المانيا إلى النمسا وبالتالي خرجت روسيا من عصبة الأباطرة تدريجيا، وتبلور التحالف الثنائي بين المانيا والنمسا على قاعدة التعاون المتبادل. وبهذا الحلف إطمأنت النمسا من ناحية أطماع روسيا في البلقان، وأمنت المانيا حدودها الجنوبية في حالة نشوب حرب ضد فرنسا أو روسيا.
ثم أصبح هذا الحلف الثنائي حلفا ثلاثيا بانضمام إيطاليا له (20 مايو 1882) وكان السبب المباشر وراء تأسيسه استيلاء فرنسا على تونس في 1881 في الوقت الذي كانت إيطاليا تتطلع للتوسع في طرابلس الغرب (ليبيا). وكانت نصوص الحلف عامة تشير إلى التعاون من أجل السلام، وألا يرتبط أي من أطرافه بإتفاق أو تعهد يكون موجها إلى أي من دول الحلف، وفي حالة وقوع هجوم على أحد أطرافه يعتبر هجوما على الجميع. وقد تأكدت هذه النصوص بمعاهدة بين دول الحلف (20 فبراير 1887).
غير أن مصالح كل من النمسا وإيطاليا تعارضت في البلقان وفي شرق البحر المتوسط وأراضي إيطاليا التي كانت لا تزال في حوزة النمسا مما أدى إلى ضعف التحالف. ويضاف إلى ذلك أن المانيا وقفت إلى جانب الدولة العثمانية ضد إيطاليا عندما أعلنت إيطاليا الحرب على طرابلس (سبتمبر 1911)، وذلك لأن المانيا كانت لها مصالح إقتصادية في الدولة العثمانية تتمثل في مشروع خط سكة حديد برلين- بغداد، فضلا عن تحديث الجيش العثماني وإنشاء البنوك. ومع ذلك ظل التحالف الثلاثي قائما حتى عام 1914 إلى أن انسحبت منه إيطاليا خلال الحرب.
ومن تلك التحالفات "الوفاق الثلاثي" بين فرنسا وروسيا وإنجلترا وقد بدأ ثنائيا بين فرنسا وروسيا (أغسطس 1893). وقد نصت شروط الوفاق على أنه إذا هوجمت فرنسا من جانب المانيا أو إيطاليا تقدم روسيا المساعدة، وإذا هوجمت روسيا من جانب المانيا أو النمسا فإن فرنسا تقدم المساعدة. وفي حالة قيام أي دولة من دول التحالف الثلاثي بتعبئة قواتها تقوم فرنسا وروسيا بذلك أيضا ودون تفاهم، ولا تعقد روسيا أو فرنسا صلحا منفردا. وقد تجدد هذا الوفاق في عام 1899 ودخلت عليه تعديلات في عامي 1901-1902 ولكن لم يكن له تأثير دولي كبير، بل إن هزيمة روسيا أمام اليابان في 1905 بسبب الصراع على منشوريا زعزع ثقة فرنسا في حليفتها ومع هذا بقيت عضوية فرنسا في الوفاق قائمة لحاجة فرنسا له بسبب عزلتها.
وهناك تحالف آخر باسم الوفاق الودي تم بين فرنسا وإنجلترا في ابريل 1904 وقد سعت الدولتان لعقده بسبب زيادة قوة المانيا ونزعتها إلى التوسع الخارجي فأرادت كل من الدولتين أن تحتمي بالأخرى. ولكن كان لا بد من تسوية الخلافات بينهما بشأن الإحتلال البريطاني لمصر من حيث مطالبة فرنسا لبريطانيا بالجلاء عن مصر. ومما ساعد على التقارب بينهما أن فرنسا كانت تريد مد نفوذها في بلاد المغرب العربي من تونس والجزائر إلى مراكش. فكان الوفاق الذي نص على أن تكف فرنسا عن مطالبة إنجلترا بالجلاء عن مصر مقابل أن تغض بريطانيا الطرف عن توسع فرنسا في مراكش. وفي اكتوبر 1904 حدث تفاهم بين فرنسا وإيطاليا حول طرابلس الغرب (ليبيا) بحيث لا تحتج إيطاليا على توسع فرنسا في مراكش مقابل أن لا تحتج فرنسا على توسع إيطاليا في طرابلس.
وفي 1907 حدث تقارب إنجليزي-روسي بشأن إيران إذ إتفقت الدولتان على أن يكون شمال إيران من نصيب النفوذ الروسي وأن يكون جنوب إيران من نصيب إنجلترا لكي تتصل مع مناطق نفوذها في إمارات الخليج العربي. وبهذا التقارب ظهر وفاق ثلاثي بين فرنسا وروسيا وإنجلترا.
وكانت هذه التحالفات سرية ولم ينكشف أمرها إلا مع اندلاع الحرب حين وقف كل طرف فى المعسكر الذى أملته عليه ظروف تحالفاته.
شرارة الحرب
أما شرارة الحرب فقد اندلعت بسبب تطلع الصرب فى منطقة البلقان الى ضم إقليم البوسنة بهدف إعلان دولة الصرب الكبرى. وكانت البوسنة ولاية عثمانية حتى مؤتمر برلين فى 1878 الذى قرر وضعها تحت حماية النمسا فى اطار تسوية الحرب الروسية العثمانية (1876-1877)، وبهدف تقوية النمسا على حساب روسيا عملا بمبدأ توازن القوى الذي تقرر في فيينا (1815) كما سبقت الإشارة. فلما استولت جماعة الاتحاد والترقى على السلطة فى الدولة العثمانية فى يوليو 1908 وعزلت السلطان عبد الحميد الثاني، أسرعت النمسا بضم البوسنة اليها خلافا لقرارات مؤتمر برلين، وأخذت تدبر للقضاء على الصرب. وفى 28 يونيو 1914 قام أحد الطلبة الصرب باغتيال ولى عهد النمسا فرانز فرديناند أثناء زيارة رسمية لسراييفو عاصمة البوسنة، فما كان من النمسا إلا أن أعلنت الحرب على الصرب فى 28 يوليو 1914. وهنا اتضحت خفايا التحالفات السرية الثنائية والثلاثية التى سبقت الاشارة اليها .. إذ أعلنت روسيا وقوفها الى جانب الصرب، فأعلنت المانيا الحرب على روسيا فى أول أغسطس 1914. وانضمت فرنسا الى حليفتها روسيا، فأعلنت المانيا الحرب على فرنسا فى الثالث من أغسطس. ودخلت المانيا اراضى بلجيكا لغزو فرنسا منها، فانزعجت انجلترا وأعلنت الحرب على المانيا. ثم أعلنت النمسا والمجر الحرب على روسيا. وانضمت الجبل الأسود (مونتى نجرو) الى الصرب ضد النمسا. وأعلنت فرنسا وانجلترا الحرب على النمسا.
وهكذا انقسمت أوروبا بين معسكرين متحاربين: معسكر دول الوسط ويضم النمسا والمانيا (أي وسط أوروبا) وانضمت له الدولة العثمانية (نوفمبر 1914)، ثم بلغاريا (انضمت في أكتوبر 1915). ومعسكر الحلفاء ويضم انجلترا وروسيا وفرنسا ثم ايطاليا (التي انضمت فى ابريل 1915) بعد ان كانت متحالفة مع النمسا والمانيا. كما دخلت اليابان فى الحرب الى جانب الحلفاء لأنها كانت تتطلع الى بسط نفوذها على الصين، بل لقد انتهزت الفرصة واحتلت المنطقة التى كانت تحتلها المانيا فى شبه جزيرة شانتونج.
وكان كل من المعسكرين المتحاربين يتطلع الى ضم تركيا (الدولة العثمانية) الى جانبه نظرا لتبعية عدد من البلاد العربية لتركيا وفى مقدمتها مصر والشام والعراق. ولأن تركيا كانت تعتمد على المساعدات الألمانية عسكريا واقتصاديا وتنظر بعين الشك لكل من إنجلترا وفرنسا اللتين احتلتا كثيرا من ولايات الدولة في العالم العربي، فقد انضمت الى جانب المانيا والنمسا ضد انجلترا وحلفائها فى 5 نوفمبر 1914. وهنا اسرعت انجلترا اعلان حمايتها على مصر فانقطع الخيط الأخير الذى كان يربط مصر بالدولة العثمانية.
الثورة العربية
وفى أثناء الحرب حدثت وقائع على جانب كبير من الأهمية كان لها تأثيرها فى تغيير خريطة العلاقات الدولية وخاصة في بلاد المشرق العربي. فقد شجعت انجلترا قيام ثورة عربية بقيادة الشريف حسين أمير الحجاز لاسقاط الحكم التركى من بلاد الشام في مقابل اعلان مملكة عربية برئاسته. وترتيبا لهذه الثورة تمت مراسلات بين الشريف حسين وبين المندوب السامي البريطاني في مصر السير هنري مكماهون والتي عرفت باسم مراسلات الحسين-مكماهون (14 يوليو 1915-10 مارس 1916) بشأن الإعداد لثورة عربية ضد الوجود التركي في بلاد الشام. وقامت الثورة فى 10 يونيو 1916 ولعب فيه لورانس العميل البريطاني دورا مهما، وأعلنت اسقاط الحكم التركى من دمشق لكن لم تعلن المملكة العربية، ذلك أن الهدف الحقيقى لانجلترا كان فتح جبهة داخلية على الأتراك للانشغال عن ميدان الحرب فى أوروبا وهو ما تحقق.
وفي الوقت نفسه كانت إنجلترا تتباحث مع فرنسا وروسيا وإيطاليا من مارس 1915 لكيفية حماية مصالحهم في ممتلكات الدولة العثمانية وتقسيم تركة تركيا (رجل أوروبا المريض)، وانتهت المباحثات بتوقيع إتفاقية في مايو 1916 اشتهرت باسم "إتفاقية سايكس-بيكو" وبمقتضاها تحصل روسيا على استانبول (القسطنطينية) وعلى أرضروم وطرابيزون وفان وبلقيس (أرمينيا التركية) في الأناضول وعلى الموصل في العراق، ويكون لها كلمة في موضوع القدس باعتبارها راعية الكنيسة الأرثوذوكسية في الشرق، وقد عرف الإتفاق في هذه الجزئية باسم اتفاق الاستانة (8-15 مارس 1915). وتحصل فرنسا على سوريا ولبنان إجمالا، وتحصل إنجلترا على العراق وفلسطين إجمالا، مع أن هذه المناطق داخلة في نطاق المملكة العربية التي وعدت بها إنجلترا الشريف حسين. وتحصل إيطاليا على التيرول الجنوبي وتريستا وشمال دلماشيا والجزر المواجهة لها وميناء فالونا في البانيا وجزر الدوديكانيز في بحر إيجه وهي أراضي نمساوية-تركية، وقد عرف الاتفاق في هذه الجزئية بإتفاقية لندن (26 أبريل 1915).
نهاية العزلة الامريكية
وحتى مطلع عام 1917 كانت الولايات المتحدة الأمريكية بعيدة عن ميدان الحرب التزاما بمبدأ مونرو (1823) الخاص بسياسة العزلة عن أوروبا. ولكن بعد تعرض سفن أمريكية تحمل أسلحة لإنجلترا لهجوم البحرية الألمانية، دخلت امريكا الحرب فى ابريل 1917 الى جانب الحلفاء.
وفى اكتوبر-نوفمبر 1917 فوجىء العالم بقيام الثورة البلشفية فى روسيا والتي اسقطت حكم القياصرة، وأعلن الثوار خروج روسيا من الحرب وعدم التزامهم بأي تعهدات تعهد بها القيصر. وهكذا وفي 2 نوفمبر 1917 صدر وعد بلفور المشهور بانشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين التي هي من نصيب إنجلترا في اتفاقية سايكس-بيكو..
وفى 8 يناير 1918 اعلن الرئيس الأمريكى ولسن أربعة عشر مبدأ كأساس لتحقيق السلام العادل بعد أن تضع الحرب أوزارها، كانت موجهة أساسا ضد كل من المانيا والنمسا، وروسيا بعد الثورة البلشفية. وكانت أبرز هذه المبادىء "حق تقرير المصير لشعوب الدولة العثمانية" ومصر ضمنها باعتبارها ولاية عثمانية تحت الحماية البريطانية كما سبقت لإشارة.
وأمام الانتصارات التى حققتها جيوش الحلفاء بدأ تحالف دول الوسط ينفرط، فطلب الأتراك هدنة وقعت فى اكتوبر 1918، وانهارت القوات النمسوية-المجرية، وفر امبراطور النمسا من بلاده وانقسمت امبراطوريته الى دولتين: النمسا والمجر كل منهما يطلب هدنة مستقلة. وأعلنت المانيا أنها تقبل تسوية سياسية على أساس المبادىء الأربعة عشر، لكن الرئيس ولسن أعلن أنه لا يتفق مع الذين أشعلوا نيران الحرب، فلم يجد امبراطور المانيا إلا التنازل عن العرش والفرار الى هولندا، وسارعت الحكومة الجديدة بتوقيع الهدنة فى 11 نوفمبر 1918.
وبموجب الهدنة، أجبرت المانيا على الجلاء عن المناطق التى احتلتها فى فرنسا وبلجيكا والبلقان وبولندا وأجزاء من غرب روسيا، واضطرت الى تسليم مستودعات الذخيرة والطائرات ومعظم قطع الاسطول وجميع الغواصات. وهكذا انتهت الحرب العالمية الأولى بعد أربع سنوات وخمسة عشرة اسبوعا، اشتركت فيها 30 دولة، بلغت جيوشها 65 مليون مقاتل، لقى 8 مليون ونصف منهم مصرعهم، وجرح وأسر 29 مليون، وخسر العالم بلاييين الأموال.
وقد اجتمع المنتصرون بعد ذلك فى فرساى بباريس لاقرار الصلح فى العام التالى 1919 لكن التسوية كانت قاسية على القوى المهزومة وخاصة المانيا مما كان سببا للحرب العالمية الثانية بعد عشرين عاما.
تداعيات الحرب
أما تداعيات هذه الحرب "العظمى" على مصر وعلى المنطقة العربية في المشرق والمغرب، فكانت مصيرية. فعند اندلاع الحرب، كانت مصر لا تزال رغم الاحتلال البريطانى جزءاً من الدولة العثمانية من الناحية القانونية، والتى كانت تتمثل فى إصدار فرمان الولاية لمن يتولى حكم مصر من أسرة محمد على باشا. لكن السلطات البريطانية أعلنت الأحكام العرفية فى البلاد (2 نوفمبر 1914)، وتم وضع الصحف تحت الرقابة ومنع التجمهر والتجمع والتظاهر. فلما دخلت تركيا الحرب بصفة رسمية الى جانب دول الوسط فى 5 نوفمبر، بادرت انجلترا بإعلان الحماية على مصر بعد أقل من شهرين (فى 18 ديسمبر 1914)، حتى لا تترك مجالا لاستخدام تركيا لمصر فى الحرب. ومنعت الخديو عباس حلمي الثاني من العودة إلى مصر وكان يقضي إجازة باستانبول، وعينت بدلا منه الأمير حسين كامل بلقب "السلطان". ولم يكن استبدال لقب السلطان بالخديو يخلو من غرض ومغزى سياسى، إذ يبدو أن بريطانيا أرادت أن تجذب أنظار المسلمين من شعوب مستعمراتها نحو سلطان مصر، بدلاً من السلطان العثمانى الذى أصبح فى قبضة جماعة الاتحاد والترقى فى تركيا منذ يوليو عام 1908، ولانضمام الدولة العثمانية إلى أعداء إنجلترا.
ولقد تطلب وضع مصر تحت الحماية إعادة تأليف الحكومة المصرية طبقاً للوضع الجديد، فأعاد حسين رشدى تأليفها بدون وزارة الخارجية، إذ إن معنى الحماية إلغاء الشخصية الدولية للمحمية. وسرعان ما وقعت احتجاجات شعبية على إعلان الحماية، من ذلك أن جريدة "الشعب" (حزب وطنى) احتجبت عن الصدور، وأضرب طلاب مدرسة الحقوق عن حضور لقاء تم ترتيبه للسلطان حسين كامل بالمدرسة، وأطلق الرصاص على موكب السلطان مرتين: واحدة بالقاهرة (8 أبريل 1915)، والاخرى بالاسكندرية (9 يولية 1915).
وبإعلان الحماية على مصر أصبحت مصر قاعدة حربية عامة لقوات الحلفاء, وأخذت السلطة العسكرية البريطانية تجمع ما تستطيع من العمال والفلاحين بالإكراه، وإرسالهم الى مختلف ميادين الحرب فى شبه جزيرة سيناء، وفى العراق، وفى فلسطين، وفى الدردنيل بل وفى فرنسا، وتلك هي الظروف التي أنشد فيها سيد درويش اغنيته الشهيرة: بلدي يا بلدي والسلطة أخدت ولدي .. يا عزيز عيني أنا نفسي أروح بلدي. كما استولت السلطة العسكرية من الفلاحين على دواب الحمل اللازمة وعلف المواشى بأبخس الأسعار أيضاً، كما استولت على معظم الأشجار للانتفاع بأخشابها، وقد كانت لهذا كله آثاره السلبية على الانتاج الزراعى عصب الاقتصاد المصرى، إذ فقد الفلاحون جزءاً مهماً من قوة العمل، كما أن تجنيد الفلاحين كرها فى العمليات العسكرية رفع من أجر الباقين، فتضرر ملاك الأراضى الزراعية. كما اضطرت الحكومة المصرية الى إنقاص مساحة الأراضى المزروعة قطناً لزيادة مساحة الأراضى لإنتاج الحبوب لأغراض تموين الجيوش المتحاربة. وما أن اعلنت مبادىء الرئيس ولسن بشأن حق تقرير المصير، ذهب سعد زغلول باعتباره وكيل الجمعية التشريعية (تشكلت بانتخابات عامة في يوليو 1913) ليقابل المندوب السامي البريطاني السير ريجنالد ونجت في 13 نوفمبر 1918 بعد توقيع الهدنة في 11 نوفمبر ليطلب له السماح بالسفر إلى باريس لحضور مؤتمر السلام-الصلح، للمطالبة بحق تقرير المصير طبقا لمبادىء الرئيس ولسن. لكن سلطات الحماية البريطانية اعتقلته وأبعدته إلى جزيرة مالطه فانفجرت ثورة المصريين في التاسع من مارس 1919. ثم نجحت بريطانيا في احتواء المعارضة المصرية لها بإعلان تصريح 28 فبراير 1922 الذي جعل مصر مملكة مستقلة، لكن تحت الحماية البريطانية إذ لم يصبح المندوب السامي سفيرا ولم تكن لمصرسفارة في لندن وظل الأمر كذلك حتى عقد معاهدة 1936.
وبانتصار الحلفاء تم تنفيذ اتفاقية سايكس- بيكو فأصبحت العراق وفلسطين تحت الانتداب البريطاني وأصبح واجبا على بريطانيا تنفيذ وعد بلفور وهو ما حدث بإعلان إسرائيل (15 مايو 1948)، وأصبحت العراق مملكة تحت الحماية البريطانية حيث تم تعيين فيصل ابن الشريف حسين ملكا عليها، وتم اقتطاع جانب من الأرض شرق نهر الأردن وإعلانه إمارة شرق الأردن وتم تعيين عبد الله ابن الشريف حسين أميرا عليها. وتأكدت معاهدات الحماية التي كانت بريطانيا قد عقدتها مع إمارات الخليج منذ مطلع القرن التاسع عشر، وشجعت أمير الرياض عبد العزيز آل سعود لاجتياح الحجاز في عام 1926 وإعلان المملكة العربية السعودية (1932) لموازنة النفوذ الهاشمي في العراق وشرق الأردن. ووقعت سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي حيث نجحت فرنسا في تحويل لبنان إلى دولة طائفية على اساس الدين. وفي بلاد المغرب العربي استمرت ليبيا تحت الحكم الإيطالي واستمرت تونس والجزائر والمغرب تحت النفوذ الفرنسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.