تحكى الوثائق والأوراق القديمة الكثير من الحكايات عن بشر عاشوا وماتوا وتركوا وراءهم أوراق صفراء متهالكة تحوى الكثير من الأسرار الإنسانية وحكايات البشر المختلطة بالفرح والدموع والحزن ، ووثيقة هذا الاسبوع إنسانية ورائعة على طريقة الأفلام الابيض والاسود عن أم القت طفلها الرضيع على شاطئ البحر بسبب الفقر ولكن بعد عدة أيام رق قلبها وغلبتها عاطفة الأمومة ورغبت فى إسترجاعه ، وبما أنها إحدى رعايا الدولة اليونانية فقد توجهت الى قنصلية اليونان بالاسكندرية وإستنجدت بها ، ومن المعلوم تاريخياً أن الإسكندرية كانت تضم فى القرنين التاسع عشر وبدايات القرن العشرين جالية يونانية ضخمة تعدت مئات آلاف تغلغل أبنائها فى كل أنشطة المدينة وأحيائها التجارية واختلطوا بسكانها حتى صاروا كالنسيج الواحد . فما كان من القنصلية الا أن أرسلت بخطاب يحمل توقيع مدير أعمال قونسلاتو جنرال دولة اليونان يوم 16 فبراير 1886 الى محافظ الإسكندرية « أنه بخصوص موضوع « الحرمة « - السيدة - استماتولا يورخاه بأنها عازبة ووضعت طفلا ورمته على ساحل البحر بجهة المسلة ( المكان الذى كان يوجد به مسلتا الاسكندرية القديمة بجهة محطة الرمل على البحر ) فقد تبين ان « الحرمة « عند التحرى منها عن أسباب ذلك أفادت بأنها ليست عازبة بل لها « قرين « - زوج - ولكنه بسبب مرضه غائب ببلاد بره وحيث إنها فى حالة فقر فقد أرادت بوضعها الطفل أن تتسلمه إحدى «الفاميليات » - العائلات - لأجل تربيته ولكنها الآن ترغب فى إعادة الطفل لها فلذا اقتضى تحريره لسعادتكم أملاً صدور أمركم لمن يلزم لأجل تسليم الطفل للحرمة المشار إليها ... ومن هذه الوثيقة يتبين أن قونسلاتو دولة اليونان تدخلت لدى محافظ الاسكندرية لإعادة طفل رضيع لأمه اليونانية التى تخلت عنه بسبب الفقر وتركته على شاطئ البحر ... وبالفعل قام محافظ الاسكندرية فى ذلك الوقت عثمان عرفى باشا بإرسال مذكرة الى « حكيمباشى إسبتاليه « إسكندرية - مدير مستشفى المدينة - لتسليم الطفل الذى تم إرساله من قسم العطارين بعد العثور عليه الى المستشفى الى من يتعين من طرف القونسلاتو لاستلامه خاصة بعد التحرى عن أمه والتأكد من الأسباب التى دعتها لتركه فى هذا المكان . فرد حكيمباشى الاسبتالية على محافظ الاسكندرية بأنه « تم تسليم الطفل حديث الولادة الى والدته المسماه « استماتولا » وأخذ منها الإيصال اللازم بذلك وحيث أنه حال حضور الطفل جرى استحضار مرضعة له حفظاً لحياته وصار تسليمه لها بعد الكشف على لبنها واتضاح كفايته ومكث بطرفها مدة ستة أيام ولذا نأمل صدور الأمر بصرف أجر مدة 6 أيام للمرضعة المسماه علية بنت عبد الله ، وبالطبع وافقت المحافظة على دفع أجرة المرضعة وقامت الأم اليونانية بإستلام طفلها والتوقيع على إقرار بأنها استلمته بصحة جيدة كما أكد كلامها «حكيمباشى » طبيب قسم النسا ... الى هنا وانتهت الحكاية الرائعة التى أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن مصر فى تلك السنوات كانت فى أوج حضارتها وتقدمها ورقيها ، فقد تم نقل الطفل الذى تم العثور عليه الى المستشفى وجرى إحضار مرضعة له للحفاظ على حياته حتى عاد الى أحضان أمه اليونانية وكله على حساب المحافظة ... والله على مصر زمان .