فى ظل التحولات والتغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية، التى تمر بها الدول العربية والإسلامية وتداعيات الانفتاح الثقافى والمعرفى والاقتصادى والتكنولوجى تحت ضغط العولمة والثورة الرقمية، وانعكاساته على سائر المستويات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والمعرفيّة. تعددت الخطابات الدينية ما بين تشدد واستحلال للدماء والأموال والأعراض والدعوة وتحريض الشباب على القتل وتخريب الممتلكات وتعطيل مصالح الناس. وخطاب دينى آخر يسعى إلى النيل من ثوابت الدين والتشكيك فى القرآن والسنة والتطاول على الصحابة. كل خطاب منها يدعى أهليته بتمثيل الإسلام وجدارته بالحفاظ على مبادئه وامتلاكه الحقيقة الدينيّة الكاملة. وقدرته على نهضة الأمة، حسب رؤيته لطبيعة هذه النهضة وشروطها ورهاناتها وانتمائه السياسى الذى ينعكس فى فتاواه واجتهاداته الدينية. وما بين هؤلاء وهؤلاء يقف الشباب حائرا بسبب هذا التنافر الحاد بين مختلف الخطابات الدينيّة ، التى تؤسس فى كثير من الأحيان لثقافة النفى والإقصاء. ونحن بدورنا نتساءل: كيف يمكن للخطاب الدينى أن يكون مواكبا لأوضاع العرب والمسلمين وما يستجد فى حياتهم، ومتفاعلا مع همومهم وشواغلهم تفاعلا إيجابيا، ومتى يكون خطابنا الدينى قادرا على توفير الحلول لما نمر به من أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية؟ وكيف نقدم للشباب خطابا دينيا مستنيرا يستلهم عقولهم ويؤسس لمستقبلهم؟! يقول الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن البلاد تعيش فى مرحلة فارقة تظهر تداعياتها فيما يحدث فى مصر وفى غيرها من الشقيقات العربيات بشأن التفاعل مع الخطاب الدينى والاستجابة لمقتضيات وصول أو بلوغ رسالة الإسلام إلى القطاع الهام فى الوقت الحاضر، وهم الشباب بما لهم من دور كبير فى مسار الأحداث فى وطننا العربى مما يستدعى تصميم برامج دعوية وتدريبا للائمة والدعاة حتى يمكن أن يقدموا رسالة الإسلام لمنظومتها العقائدية والتشريعية والأخلاقية والحضارية بمعناها الصحيح لهذا القطاع العريض خاصة فيما نلاحظه ونشاهده من غزو للعقول وتوجيه للشباب من قبل دوائر عالمية وجهات لا تريد لا للإسلام ولا للمسلمين النهوض وإعادة بناء الأوطان، ومن هنا يكون الحاجة إلى تفعيل الخطاب الدينى والتواصل مع قطاع الشباب أمرا واجبا وذلك تحقيقا للقاعدة الشرعية: (ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب) وهو ما يعنى انه نظرا للتقدم التقنى والتكنولوجى الذى حدث فى الآونة الأخيرة وأثر بصورة ملحوظة على عقول وتفكير الشباب فإن خطاب الشباب فى ظل هذا المتغير الجوهرى الذى يختلف تماما عن تفكير الأجيال السابقة يعتبر مسألة ملحة فينبغى القيام بها من قبل الأئمة والدعاة الذين يعتلون المنابر ومن جانب كل من يتصدى للتحاور مع الشباب لتوصيل رسالة الإسلام بنقائها وبساطتها وعقلانيتها التى تعتمد على النص الصحيح والعقل الواعى لذلك. وأكد أن تفعيل هذا الخطاب الدينى لا يتم إلا بإبراز الجوانب التى طرأت على هذا العصر وبلغة سهلة ومن زاوية تخاطب العقول والبصائر استنادا إلى النص المؤيد بالقرآن الكريم والسنة الصحيحة وهو ما يحتاج إلى إعداد دعاة على درجة عالية من الفقه والتبصر وبلاغة اللغة ونقاهة الأسلوب لكى يمكن الوصول إلى عقول هؤلاء الشباب الذين قال عنهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنفية السمحة حالفنى الشباب وخالفنى الشيوخ) ومعلوم أن من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم خير القرون التى أضافت للإسلام وحملت رسالته وان الكثير منهم كانوا من الشباب ونعلم من هؤلاء: على ابن أبى طالب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر ولولا ما كان عليه رسول الله من قدرة ومصداقية وما أوتى به من جوامع الكلم وتبصر بطبائع نفوس هؤلاء الشباب لما أمكن من التأثير عليهم وإصلاح أمورهم وأحوالهم فهؤلاء الشباب هم من حملوا رسالة هذا الدين العظيم، وهذا ما أفصح عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: (خاطبوا الناس على قدر عقولهم). خطبة الجمعة من جانبه، يرى الدكتور حامد أبو طالب، عميد كلية الشريعة والقانون السابق، أن الهدف من خطبة الجمعة هو توجيه المسلمين ووعظهم بما يجدد دينهم وصلتهم بالله سبحانه وتعالى ولذلك يجب ان تستهدف الخطبة جميع فئات المسلمين من كبار السن ومن الشباب والفتية أيضا لان الشباب والفتية هم المستقبل وهم رجال المستقبل ويجب علينا أن نهتم بشأنهم وان نعطيهم وقتا من الخطبة بحيث يوجه الخطاب إليهم مباشرة بدلا من أن يوجه الخطاب إلى المجموعة أو الفئة التى تجلس بجوار المنبر وفى الصفوف الأولى وهم كبار السن وهذا يدل على فشل الخطيب والخطاب الدينى الموجه للجميع باختلاف مراحلهم العمرية، كما يجب على الخطيب أن يوجه أفكارا خاصة تتناسب مع أفكار الشباب فيتناول مشكلات تخص الشباب كالزوجة الصالحة وكيفية اختيارها، وهكذا تتناول الخطب موضوعات تشغل الشباب وتجذبه إليهم، وأن ويحاول الداعية أو الخطيب أن يسمعهم ويصل إليهم ويجذبهم بأسلوبه وكلامه. وطالب الأزهر ووزارة الأوقاف بعقد دورات للفت أنظار الخطباء إلى المشكلات الاجتماعية والأسرية التى تقع بين الشباب وبين زملائه وزميلاته ويجب إدراج خطة التطوير هذه وتجديدها على يد وزير الأوقاف الحالي. مبادرة عاجلة من جانبه يؤكد الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، عميد كلية أصول الدين بأسيوط، أن الاتجاه إلى الجامعات والمدارس الثانوية والإعدادية بل الابتدائية ومراكز الشباب لتحسين الخطاب الدينى للشباب لاستنقاذهم من الفكر المتطرف من جهة والفكر المضاد للدين من جهة أخرى أمر بالغ الأهمية، فالمصريون بطبيعتهم يميلون إلى التدين لكنهم يحتاجون إلى من ينير لهم الطريق والحمد لله توجد ثقة كبيرة فى علماء الأزهر. وطالب مرزوق بأن تقرر مادة (الثقافة الإسلامية) فى كل كلية، وليس شرطا أن تضاف إلى مجموع درجات الطالب، فمن شأن تلك الخطوة أن تتيح لعلماء الأزهر الدخول إلى الجامعات العامة لمحو الفكر المتطرف من عقول الشباب، ومواجهة الأفكار المضادة للتدين. كما طالب بمزيد من التنسيق بين الأزهر والأوقاف ووزارة الشباب لتسيير قوافل دعوية منتظمة إلى النوادى ومراكز الشباب والقرى لاستنقاذ شبابنا من براثن هذه الموبقات ومنها على سبيل المثال الانفلات الأخلاقى والمخدرات وموجات الإلحاد. حوار مع الشباب ولكى نؤسس لخطاب دينى يلقى قبولا بين الشباب، يطالب الدكتور رمضان عبد العزيز أستاذ بكلية أصول الدين بالمنوفية، بضرورة فتح حوار هادئ ومباشر بين الدعاة والشباب من مختلف الأعمار يقوم على الحكمة والموعظة الحسنة كما ورد فى قول الله تعالي: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) فمن خلال هذه الآية الكريمة يحدد المولى تبارك وتعالى الطرق والوسائل التى ينبغى أن يستعملها الإنسان فى الدعوة إلى الله وأول هذه الطرق هو الحكمة وهى تعنى الإصابة فى القول والعمل بمعنى أن الداعية أو الخطيب ينبغى أن يكون خطابه فى القضايا التى تهم المستمعين بجميع أطيافهم من شباب وشيوخ ونساء وأطفال إلى غير ذلك حتى يحقق الهدف الأول من دعوته وهو الحكمة التى يعالج بها القضايا التى تطرح على الساحة الإسلامية بأسلوب يجذب المستمع إليه والوسيلة الثانية هى الموعظة فينبغى على الخطيب أن يدعم خطابة الدينى بالمواعظ التى تؤثر فى الناس والتى تستولى على قلوبهم والأسلوب الثالث وهو الجدال بالتى هى أحسن، فعلى الداعية أن يجادل مستمعيه بالحسنى وإذا استخدم الخطيب هذه الوسائل الثلاث فى خطبته فسوف يكون للخطبة تأثيرا طيبا فى حياة الناس وسوف يجذب المستمعين إليه بأطيافهم المختلفة.