أثبت المصريون بجميع طوائفهم.. الأميين قبل المتعلمين.. والبسطاء قبل المثقفين.. والهادئين المتعقلين قبل الثوريين أنهم ليسوا دمية في يد السياسيين والطامعين والمتملقين.. أثبتوا أنهم الوطنيون والمناضلون بالفطرة.. وليسوا المتاجرين بآلام الناس وآمالهم والراغبين في الزعامة والرئاسة ومحترفي الظهور علي شاشات التلفاز والفضائيات الذين يلقنون المشاهدين دروسا في الحرية والشفافية والنزاهة وهم أشد الناس احتياجا اليها!! لقد خرج هؤلاء البسطاء بالملايين عندما استدعت الحاجة خروجهم.. خرجوا ليسقطوا نظاما فاسدا استبد بهم واستخف بعقولهم وتاجر بهمومهم وحاضرهم ومستقبلهم.. وخرجوا ثانية ليعلنوا رفضهم لعمليات المراوغة والمماطلة في نقل الحكم لسلطة مدنية يبغونها لتخلصهم من سلطة عسكرية ظلت جاثمة علي صدورهم أكثر من نصف قرن من الزمان, وخرجوا ليصوتوا لبرلمان وطني حر يحقق لهم حياة ديمقراطية حقيقية بعيدا عن اعمال الغش والنفاق والتزوير في انتخابات أذهلت العالم من حجم المشاركة والحرص عليها برغم معاناة الطوابير الطويلة والساعات العديدة!! ولكن نفس هؤلاء البسطاء عزفوا عن الخروج في انتخابات مجلس الشوري اقتناعا منهم بأنها مضيعة للوقت والجهد والمال في أكبر استفتاء علي شرعية هذا المجلس وفائدته, وجديته وجدواه.. وعزفوا عن الاستجابة لدعوات الإضراب والعصيان المدني ايمانا منهم بأن ذلك ضد مصلحة الوطن واقتصاده واستقراره بل وتبرعوا بساعات عمل لصالح مصر ومستقبلها!! وهذا هو سر عظمة هذا الشعب وحضارته وانتصاراته.. وهذا هو سر خشية أعداء الوطن من صحوة هذا الشعب وانتفاضته وثورته!! وآه لو استوعب القادة والزعماء الجدد هذه الحقيقة.. وأدركوا أن شعبنا لن يساق بعد اليوم لأي طرف كائنا من كان.. وانه لن يرضي بالحرية والديمقراطية والعزة بديلا.. ولن يستطيع الطامحون والحالمون والمنافقون خداعه كثيرا.. وانه علي أهبة الاستعداد لهبة جديدة من أجل البناء والانتاج والرخاء لو تهيأت الظروف واستقرت الأمور!! لقد أكدت الأحداث والتطورات علي مدي العام المنصرم أن المصريين استوعبوا الدرس جيدا.. وعلي الذين يريدون أن يتعاملوا معه في الخارج أو يحاوره أو يحكموه أو يستغلوه في الداخل أن يدركوا هذه الحقيقة.. وإلا فإن العاقبة ستكون وخيمة عليهم وعلي كل الظالمين!! المزيد من أعمدة مسعود الحناوي