وصلت إلى الإسماعيلية مع جمال الغيطانى المدينة التى ترتبط فى ذهنى بأنها بحر من الخضرة. وفيها أيضاً مقر هيئة قناة السويس. وصلنا إلى نادى هيئة قناة السويس بكل ما تثيره القناة فى النفس من معارك الوطن الكبرى ابتداء من حفر القناة فى منتصف القرن التاسع عشر ثم تأميمها فى منتصف القرن العشرين. ربما كانت القناة المجرى المائى الوحيد فى العالم الذى سالت فيه دماء من حفروه قبل أن تجرى فيه المياه. وأكملت عليها دماء من دافعوا عنه وعن استقلال الوطن. وربما زادت الدماء عن المياه التى تعبر القناة أمام أعيننا. وبالصدفة وحدها وقفت فى النادي. نظرت ناحية اليمين هنا استشهد الفريق عبد المنعم رياض صاحب أكبر رتبة فى تاريخ الجيش المصرى الذى وصل فى قلب المعركة إلى هذا المكان. أبعد نقطة عن الوطن وأقرب ارتكاز للعدو. واستشهد الرجل ليصبح تاريخ استشهاده يوماً للشهيد المصري. وعلى اليسار منى موقع المعدية رقم 6. قلت لنفسى ها هو المكان الذى عبر رجال الفرقة الثانية مشاه إلى الشاطئ الشرقى للقناة. حيث إننا عبرنا هذه القناة بأنظارنا وأحلامنا فى الفترة الواقعة ما بين صدمة 1967 ويقظة 1973. مكان مزدحم بالتاريخ القريب الذى عاصرناه وعشناه لحظة بلحظة ويوماً بيوم. وما زالت ذكرياته تطن فى الوجدان كأنها وقعت بالأمس فقط. القاعة فيها كل رموز مصر. المسئولون أولاً. بعدهم أهل العمل السياسى من أحزاب وقوى مجتمع مدني. ثم رجال الأعمال والأدباء والمثقفون. ونجوم الفن والإعلام وأبطال الرياضة. ثم يأتى أهل المنطقة الذين جاءوا على شكل أسر ومعهم أطفالهم. وكان من المهم جداً وجود الأطفال بيننا ونحن فى رحلة الرهان على المستقبل. وقد لا يصدق قارئ هذا الكلام أنه فى اللحظة التى تكلم فيها الرئيس السيسى عن الأجيال الجديدة والمستقبل. وقف طفل لا يزيد عمره على السادسة على المقعد الذى تجلس أمه على جزء منه. ورفع يده بعلامة النصر للجميع. وسواء كان الطفل يدرك ما يقوم به أم أنه انفعال طفولى ولدته فى نفسه اللحظة. فالمسألة شديدة الأهمية حيث أننا لم نحتكر الحدث لأنفسنا. بل كان هناك المصريون بكل أعمارهم وفئاتهم. بل إننا بعد أن انتقلنا إلى الخيمة التى أعطى الرئيس منها إشارة البدء. كان أكثر الحاضرين من الشباب. شباب فعلاً. وليسوا عواجيز مثلنا أو يتشبثون بمرحلة الشباب. وما بين القاعة الأولى والخيمة الأخيرة قمنا بجولة فى قناة السويس. ركبنا لنشات مكتوبا عليها اسم الهيئة. وقد سعدت عندما وجدت السفن العابرة القناة تحيينا. من المؤكد أنهم غرباء. ربما لا يعرفون المناسبة. ولكنهم وجدوا أمامهم أهل مصر يستقلون لنشات ويعبرون القناة. فسمعنا التحية منهم. تحية أهل البحار لأهل البحار. وردت اللنشات عليهم. كنا فى قلب القناة. وواحد مثلى لا يمكن أن ينسى كيف تم حفر هذه القناة بالسخرة فى منتصف القرن التاسع عشر. وكيف استشهد مائة ألف مصرى وهو رقم كبير جداً بمعدلات أرقام منتصف القرن التاسع عشر. وكان جميلاً من الرئيس السيسى أن يبدأ كلمته بالوقوف دقيقة لكى نتذكر فيها هؤلاء الشهداء وأن نترحم عليهم وأن نطلب لهم الرحمة وأن نقرأ لهم الفاتحة وأن نقول لهم أننا عند البدء فى حفر القناة الثانية لا يمكن أن ننسى من حفروا القناة الأولي. نحن أحفادهم وأول واجب على الحفيد تجاه أجداده أن يجعل ذكراهم حية فى وجدانه. حاضرة فى فؤاده. لا ينساها لحظة واحدة. فى الخيمة التى تم إعطاء إشارة البدء فيها من خلال تسعة انفجارات. ضغط الرئيس الزر لكى تتم. لم يكن بمفرده. كان معه الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس. والفريق أول صدقى صبحى وزير الدفاع وعدد كبير من شباب مصر الذين هم بتعبير الستينيات نصف الحاضر وكل المستقبل. وفى لحظة مشاركة جماعية تم إطلاق الانفجارات التسعة حتى يبدأ العمل. علماً بأننى سمعت من بعض الضباط الذين كانوا يجلسون معنا فى القاعة أن العمل فى هذا المشروع القومى قد بدأ قبل هذا الاحتفال. وأنه حتى عندما كان يتم الكلام عن مشروع شرق التفريعة والعوينات كان فى العقل الجمعى لهم قناة السويس الجديدة وتطوير هذه المنطقة وتحويلها لمنطقة أخرى. للمشروع فوائده الاقتصادية الكثيرة التى تحدث عنها الفريق مهاب مميش. وقدم كثيرا من الرسومات التوضيحية المدعمة بالأرقام والنسب المئوية. ثم لم يكتف بهذا. ولكننا شاهدنا فيلمين تسجيليين عن القناة بين الماضى والحاضر وأحلام المستقبل. وبعيداً عن الفوائد الاقتصادية التى سيجنيها الوطن والمواطن من وراء هذا المشروع. يبقى لى العائد الوطنى والمردود الاجتماعى الذى يمكن أن يأخذنا إلى طريق المستقبل. ويخرجنا من آخر النفق الذى سرنا فيه. فإننى توقفت أمام ما قاله الرئيس السيسى من أنه سيتم حفر ستة أنفاق تحت القناتين. توصل الوادى والدلتا بسيناء. نفقين للقطارات. ونفق لسيارات النقل الكبيرة. ونفقين للسيارات الصغيرة. وهذا يعطى المشروع دلالته من أنه سيزيد ارتباط الوادى بسيناء. وقد ينهى غربة هذا الجزء من وطننا عنا التى ارتكبنا جريمتها فى حقنا طوال السنوات الماضية. أيضاً أسمع عن المحافظة الجديدة المزمع إنشاؤها مع حركة المحافظين. وهناك كلام عن محافظة لوسط سيناء. وهى المنطقة الهائمة التائهة بين شمال سيناء وجنوب سيناء. كذلك فإن معظم المنشآت التى ستقام من أجل مشروع القناة الجديدة ستكون على أرض سيناء. وهو ما يعنى أننا بدأنا نزرع سيناء بالبشر والناس والمصالح والمؤسسات. وهو ما يؤكد لنا قبل غيرنا أن غربة سيناء فى طريقها إلى الانتهاء. حيث تسكن صفحات كتب التاريخ بدلاً من أن تطل علينا فى كل لحظة تمر. لمزيد من مقالات يوسف القعيد