ولد فى قرية قصرى جنوب شرق نابلس بتاريخ 8/6/1967 والده عبدالحق موسى مزارع ويملك كسارة متنقلة ويتاجر فى موسم الزيتون، كما يجمع الأمانات المكونة من الزيت والزيتون والجبن التى يريد أصحابها إرسالها من فلسطين إلى أبنائهم من المغتربين خارج فلسطين. وهو رجل إصلاح يرجع إليه الناس فى مختلف قضاياهم الحياتية وأمه.. فالحة صالح.. ربة منزل ومزارعة كانت تشارك والده وتسنده وله تسعة إخوة وتوفى أربعة إخوة وأيضًا أبوه وأمه وهو فى السجن. وعن طفولته يقول اللواء عبدالعظيم أبو الشهيدة سارة: نشأت فى ظل هذه الأسرة المحافظة وكانت طفولتى صعبة كباقى أطفال فلسطين حتى إننى لا أعرف ما هى الطفولة فلا أذكر منها غير خوفى من اليهود لم أكن أفهم معنى احتلال فتحت عينى على جنود يقتحمون قريتنا ويخرجون كل أهالى القرية من بيوتهم رجالا ونساء وأطفال منذ الساعة 6:00 صباحا وحتى 6:00 مساء وحين كنت أسأل أمى من هؤلاء تقول لى إنهم اليهود فأسالها ماذا يريدون منا تقول إنهم يبحثون عن الفدائيين ويدور حوار مع أمى أحاول أن أعرف من هم الفدائيون فأنا لا أراهم ليسوا موجودين فى القرية فأفهم منها أنهم فى الجبال والكهوف ولا يعيشون بيننا كى لا يعذبهم اليهود فأسالها لماذا إذا لا يذهب اليهود إليهم ولماذا يأتون إلينا ويخرجوننا من بيوتنا فتقول لى لأنهم جبناء ويريدون أن يضغطوا على الفدائيين من خلال تعذيبنا نحن وهكذا كنت أشعر بالخوف من أذى اليهود وأخاف على أمى وأبى وإخوتى وأقرانى من الأطفال وأشعر أن هناك قوة ظالمة ترهبنا لا أفهم ما أسبابها وأسئله كثيرة فى ذهنى لا أعرف إجابات عليها. وعن بداية الكفاح ضد الاحتلال يضيف أبو الشهيدة سارة: عندما كبرت وفهمت كل شيء وتمكنت من التحق سرا بصفوف حركة فتح عام 1984 وقد وقعت فى الأسر المرة الأولى عام 1988 وقضيت فى سجون الإسرائيلية ثلاث سنوات وفى المرة ثانية عام 1991 وقضيت فى السجون الإسرائيلية ستة أشهر أدارى والثالثة فى نهاية عام 1992 وقضيت فى الأسر سنتين ونصف وفى المرة الرابعة الأسر 25 عاما حتى تحررت بصفقة التبادل أسرى بتاريخ 8/2/2025. وعن الشهيدة سارة يقول الأسير المحرر اللواء عبدالعظيم عبدالحق بأن الشهيدة سارة قصة وفكرة وحلم قبل أن تكون طفلة من لحم ودم لم أكن متزوجا حين وقعت فى الأسر عام 1988،، كنت أرفض الزواج لأنى فدائى ولا أريد أن أشرك فتاة معى فى مشوارى الصعب، وفى سجن نابلس المركزى وقعت بين يدى كتاب اسمه سارة أجمل نساء الأرض جذبنى العنوان وشدتنى فقرات الكتاب لأعرف أنه يتحدث عن سارة زوجة أبونا إبراهيم عليه السلام. بعدما انتهيت من قراءة الكتاب حتى حلمت ذات يوم بكرة بلورية شفافة تتهادى ببطء من السماء مثل فقاعة هواء كبيرة وظلت تنزل رويدا رويدا حتى كادت تلامس الأرض فشعرت فى حلمى بالخوف من لحظة ملامستها الأرض لأنها ستتلاشى وأخسر روعة هذا المشهد الناعم والرقيق لكننى ذهلت لما لامست الأرض ولم تتلاش بل تحولت لطفلة صغيرة ترتدى فستانا أبيض ناصعا ركضت نحوى تفتح ذراعيها وتنادينى بابا صرعتنى من شدة الذهول والفرح حتى كاد يغشى على لكنى جفوت على ركبتين وهى تركض نحوى وتنادينى بابا ففتحت ذراعى وأنا أناديها سارة وعندما وصلتنى وكدت أحضنها بين ذراعى حتى استيقظت ولازمنى هذا الحلم طوال الوقت حتى كتبت رسالة لوالدى أخبره فيها أنى موافق على الزواج بعد خروجى من السجن لم أتمكن من الزواج إلا بعدما خرجت من السجن المرة الثانية عام 1993 كانت منظمة التحرير قد عقدت اتفاق سلام فى مدينة أوسلو وقد بدا تطبيق أولى مراحله حيث دخلت السلطة الوطنية الفلسطينيهغزة أريحا أولا عام 1994 فانشغلنا بالسلطة وقد عملت فى جهاز الأمن الوقائى برتبة ملازم أول ولم أتمكن من الزواج الا بعد ثلاث سنوات من قدوم السلطة حيث تزوجت بتاريخ 21/7/1997 وقد حدثت زوجتى عن حلمى، فبدأنا الاهتمام بسارة وتربيتها منذ كانت جنينا فى بطن أمها وكنا نذهب للدكتورة غادة عبدالرازق أسبوعيا للاطمئنان على سلامة الجنين وفى كل مراجعة تؤكد أن الجنين ذكر وأنا أؤكد أنه أنثى. حتى جاءت لحظة الولادة وخرجت أمى مذهولة وهى تحمل سارة وعدنا لمنزلنا ومعنا سارة التى لها فى عقلى برنامجا لتربيتها يوما بيوم وكبرت كما نحب وكانت جميلة كسارة الفكرة والحلم كان حلما وقد تحقق بالواقع وكنت أعيش معها أياما نادرة ليست عادية يعجز الكلام عن توصيفها كانت ذكية مذهلة تشدك إليها رغما عنك وذات يوم بتاريخ 1/10 / 2000 حيث كان عمرها سنتين وثلاثة شهور عدت من عملى لأجد درجة حرارتها مرتفعة وهو أمر طبيعى يعالج عادة بضمادات التبريد لكن بالنسبة لى لا بد من زيارة الدكتور يوسف عبدالحق إخصائى أطفال للاطمئنان فحملتها ابنة عمها فأعطاها إبرة حرارة، وخرجنا من مدينة نابلس عائدين وقبل وصولنا رأيت سيارة مستوطنين واقفة بالاتجاة المعاكس وتلقينا العديد من طلقات الرصاص جاءت رصاصة من النوع المتفجر برأس سارة ففجرت نصفه ورصاصة أخرى غير متفجرة أصابت ابنة اخى ريما فى الحوض وتسببت لها بإعاقة هكذا قتلت سارة وهكذا فى لحظة مجنونة قتل الحلم ومات لكن الفكرة ظلت حية لا تموت ومن هنا اعتبرت مقتل سارة عنوانا لمقتل الطفولة الفلسطينية وقد أعطتنى قوة تدفعنى للاستمرار فى الكفاح من أجل الحرية. وكان لا بد من قرار سياسى يطلب تفعيل بندقية المناضل ولحسن حظى كان هذا القرار قد صدر من المستوى السياسى بتاريخ 28/9/2000 يوم اقتحام شارون باحات الأقصى الشريف خصوصا بعد فشل مفاوضات كام ديفيد المتعلقة بالحل النهائى حيث حاول آنذاك يهود براك وبيل كلينتون الضغط على ياسر عرفات للتنازل عن أجزاء من القدس الأمر الذى رفضه عرفات رحمه الله وهكذا دخلت أجهزة السلطة الوطنية وحركة فتح فى اشتباك عسكرى مع الإسرائيليين وكانت مهماتى فى المناطق المصنفة جيم أى الواقةه تحت السيطرة الإسرائيلية إداريا وأمنيا وهى المناطق التى يكثر فيها المستوطنون وقد استطعنا فى منطقة جنوب شرق نابلس أن نضبط حركة المستوطنين فلم يكن يجرؤ أى مستوطن أن يخرج من مكانه أو يركب سيارة ويتحرك بها على الشوارع بعد الساعة 6:00 مساء. وكنت أنفذ مهماتى يوميا حتى اعتقالى بتاريخ 15/11/2000 أى بعد شهرين من استشهاد سارة تقريبا حيث دخلت قوات كبيرة من جيش الاحتلال قريتنا ليلا بعتاد عسكرى ثقيل خصوصا دبابات المدفعية حاصروا القرية من حدودها الخارجية كطوق أول وحاصروا الحى الذى أسكنه كطوق ثان وحاصروا المنزل بطوق ثالث قرب مسجد الشهداء معتقدين أنهم سيواجهون خلايا مسلحة وأنه سيحدث اشتباك صعب. وبعد الفجر ومع شروق الشمس نادوا بمكبرات الصوت وطلبوا خروج كافة أفراد المنزل رجالا ونساء وأطفال فخرجنا ودخلوا فتشوا المنزل فلم يجدوا شيئا وأجروا معى يومها تحقيقا سريعا وميدانى يريدون منى تسليم السلاح لكن كما أسلفت لا أملك سلاحا وهكذا اعتقلونى واعتقلوا 18 مناضلا من مختلف القرى بمن فيهم قائد المجموعة. وأضاف اللواء عبدالعظيم عبدالحق: أنه فى السجن بدأت مرحلة كفاح جديدة بوسائل وأساليب وأدوات مختلفة أهمها الإضرابات المفتوحة عن الطعام والتى شاركت فيها بهدف الحصول على ظروف حياتية كريمة داخل السجن كان آخرها الإضراب المفتوح عن الطعام عام 2017 بقيادة الأخ الكبير مروان البرغوثى أبو القسام حيث استمر الإضراب ثلاثة وأربعين يوما وقد استطعنا أن نحقق عبر مشوار كفاح الحركة الأسيرة وننتزع من إدارة السجون الإسرائيلية الكثير من الإنجازات التى سهلت علينا ظروف الحياة داخل السجون حتى 7 أكتوبر عام 2023 حيث تم الهجوم علينا بصورة مباغتة ومفاجئة وبالسلاح فجردونا من كل شيء فلم يبق فى غرفة السجن غير الجدران الأربع ولم يبق معنا غير البنطال والقميص الذى نرتديه حافينا بدون أحذية بلا ماء ولا طعام ولا دواء وفقط يزرق لنا زرقا السعرات الحرارية اللازمة للبقاء على قيد الحياة مع الضرب والإهانات حتى استشهد منا خلال 16 شهرا 70 أسيرًا فبعد طوفان الأقصى يمكننى القول بأن الحركة الأسيرة خسرت صفة الحركة فالأسرى أصبحوا ساكنين ميتين. ومن الإنجازات التى كنا قد انتزعناها من إدارة السجون حقنا فى التعليم وقد استطاع الكثير من الأسرى الانتساب من داخل السجن إلى الجامعة العبرية حتى عام 1912 حيث سحبوا هذا الإنجاز، لكننا استطعنا الانتساب بعد ذلك إلى الجامعات الفلسطينية وبعض الجامعات العربية وقد تطلب ذلك أن نضمن الأمانة العلمية فى الإشراف على العملية التعليمية رغما عن إدارة السجن وموافقتها فقد استطاع الدكتور مروان البرغوثى الحصول على الدكتوراه من جامعة القاهرة الأمر الذى مكنه وبالتنسيق مع إدارات الجامعات الفلسطينية نحو إكمال الدراسات العليا داخل السجن والذى كان يحاضر بنفسه للطلاب المنتسبين خصوصا لجامعة القدس أبوديس فكنت أحد منتسبيها وحصلت على البكالوريوس فى العلوم السياسية ثم حصلت على الماجستير من نفس الجامعة تخصص شئون إسرائيلية أثناء ذلك قمت ببحث تحت عنوان ماهية العلاقه بين الدين والعلمانية وانعكاساتها على المجتمعات العربية والإسلامية استغرقنى ذلك أكثر من سنة ونصف لقلة الأدوات المتوفرة لدينا فى السجن. وفى الفترة الأخيرة تمكنت من الانتساب لبرنامج دكتوراه فى التاريخ فى جامعة النجاح الوطنية وقد تواصلت مع المشرفين على هذا البرنامج وأطلعونى على المواد المطروحة وبعد معاناة لا توصف بدأت قراءة كتاب د مصطفى النشار فلسفة التاريخ. حتى دخلنا فى 7 أكتوبر وقد عشنا فى محرقة طوال فترة الحرب حتى تحررت يوم 8/2/2025 فى الدفعة السادسة من صفقة التبادل. ويصف اللواء عبدالعظيم عبدالحق لحظة الإفراج عنه بأنه تنسم الحرية لكنها حرية ثقيلة وصعبة وكنت أشعر بفوضى عارمة من المشاعر والأحاسيس والأفكار يجب على أن أشعر بالفرح والحزن فى آن واحد لكن الأضداد لا تجتمع فكيف لى أن أفرح لأننى حر من جهة وأن أحزن لأن حريتى مغمسة بالدم من جهة أخرى لماذا يضحى بشعبى من أجل حريتى وأنا الذى ضحيت أصلا من أجل حرية شعبى من الذى فرض على العيش بهذا التضاد الصعب وما هذه الحرية هذه المرة هناك غصة فى القلب لازمتنى منذ لحظة الخروج من السجن ربما أن ابنى سيف الدين خفف من غصة القلب وهو الذى تركته يوم اعتقالى بعمر التسعة أشهر وكنت خلال 25 عاما فى السجن قد فقدت الشعور بالأبوى فنشأت بينى وبينه علاقة صداقة من خلال الزيارات والرسائل طوال تلك السنوات حتى وصل ابنى سيف إلى العاصمة الإدارية حيث كنت واقفا فى قاعة الاستقبال رقد مسرعا وبقوة نحو ليصطدم بى ويحضننى ويعصرنى عصرا بين ذراعيه فقدحت فى شرارة أرعشتنى وأحسستنى بحرارته فشعرت حينها بالأبوة وأن هذا الذى بين ذراعى هو ابنى الذى لم ألمسه طوال خمسة وعشرين عاما فى السجن وقد عشت معه 15 يوما جميلا فى مصر قبل أن يعود إلى فلسطين وهنا أشعر أنى فى مكانى بين شعبى وأهلى، وكما هى عادة مصر منذ نشأة القضية الفلسطينية وحتى اليوم دائما تحتضن الهم الفلسطينى كهم مصرى من الدرجة الأولى وأن الرئيس عبدالفتاح السيسى له دور بارز فى منع تهجير الفلسطينيين وكان الصخرة التى تحطمت عليها مشاريع الصهيو أمريكية فى التهجير وتصفية القضية.