محمد فايز يتفقد مدارس الصف ويشيد بجهود تطوير البيئة التعليمية    كيف تأثرت الرحلات في مطار القاهرة بالهجوم السيبراني على مطارات أوروبا؟ -(بيان رسمي)    تفاصيل زيارة وزير الري ل "مشروع تنمية جنوب الوادى"    الحكومة بغزة تنفي المزاعم الإسرائيلية بالهجوم على فرق الأمم المتحدة    البث العبرية: واشنطن تضغط لتقليص الفجوات بالمفاوضات بين إسرائيل وسوريا    ترامب يهدد فنزويلا: أعيدوا المجانين والمجرمين فورا وإلا ستدفعون الثمن    جدول ترتيب الدوري السعودي بعد فوز الاتحاد والنصر    زد 2009 يهزم سيراميكا بهدف نظيف في دوري الجمهورية    صلاح يحقق 5 أرقام قياسية خلال أول 7 مواجهات بموسم 2025/26    تسمم 5 أطفال أشقاء بعد تناولهم طعام منزلي فى سوهاج    أول تعليق من وزير السياحة والآثار على سرقة الإسورة الذهبية من المتحف المصري    بعد انفصالها عن أحمد مكي.. 20 صورة ل مي كمال الدين    "بسبب ظرف قهري".. أحمد السقا يتسلم تكريم هنيدي في ختام مهرجان الإسكندرية للمسرح    مستشار الرئيس للصحة: زيادة متوقعة في نزلات البرد مع بداية الدراسة    من فيينا إلى الإسكندرية.. "ملك السندوتشات" حكاية الخبز الأكثر شعبية فى مصر    مودريتش يقود ميلان أمام أودينيزي في الدوري الإيطالي    الأربعاء.. «بروفة» حفل افتتاح بطولة العالم لأندية كرة اليد بالعاصمة الإدارية الجديدة    كارول سماحة تفجر مفاجأة عن وفاة زوجها وليد مصطفى    «نور مكسور».. بداية مشوقة للحكاية الأخيرة من مسلسل «ما تراه ليس كما يبدو»    وزيرة التضامن تشهد احتفالية تخرج طالبات كلية رمسيس للبنات    سامسونج تطلق الدورة السابعة من برنامج «الابتكار» لتأهيل الشباب المصري رقمياً    أنغام تطرح أحدث أغانيها بعنوان سيبتلى قلبى بتوقيع تامر حسين وعزيز الشافعى    الحبكة المقدسة.. الدين في السينما الغربية    محمد سعد عن مسلسله الرمضاني: «استنوا عمل يرضي الجميع حتى العصافير» (فيديو)    اللواء إبراهيم هلال ل"الساعة 6": حل القضية الفلسطينية يحتاج قرارات مُلزمة    مواقيت الصلاة اليوم السبت 20سبتمبر2025 في المنيا    عالم أزهري يوضح سبب ذكر سيدنا إبراهيم في التشهد    اليابان: قوات أمريكية تواصل التدريب على نظام الصواريخ المضادة للسفن    سوريا.. قسد تستهدف بقذائف الهاون محيط قرية شرق حلب    على هامش فعاليات مؤتمر ومعرض هواوي كونكت 2025.. وزير الصحة يلتقي مسئولي «ميدبوت» للتعاون في تطوير التكنولوجيا الطبية والجراحة الروبوتية ( صور )    بمشاركة رامي ربيعة.. «هاتريك» لابا كودجو يقود العين لاكتساح خورفكان بالدوري الإماراتي    وزير فلسطيني سابق: إسرائيل لم تعد تتمتع بدعم حقيقي سوى من ترامب    تجديد حبس التيك توكر محمد عبدالعاطي محمد 45 يومًا    الأقصر تستعد لتنفيذ تجربة «صقر 162» لمجابهة الأزمات والكوارث    محمود محيي الدين: يجب أن يسير تطوير البنية التحتية التقليدية والرقمية جنبًا إلى جنب    غياب عربي عن القائمة.. تعرف على أكثر الدول طلبًا لتذاكر كأس العالم 2026    9 كليات بنسبة 100%.. تنسيق شهادة قطر مسار علمي 2025    لتحسين البنية التحتية.. محافظ القليوبية يتابع الانتهاء من أعمال رصف الطرق بمدن المحافظة    استجابة ل البوابة نيوز.. الفيوم تكثف رقابتها على المواقف لعدم التلاعب بتسعيرة الركوب    محافظ الأقصر يكرم عمال النظافة: "أنتم أبطال زيارة ملك إسبانيا" (صور)    الدوري الإنجليزي.. محمد قدوس يقود تشكيل توتنهام ضد برايتون    "بحضور لبيب والإدارة".. 24 صور ترصد افتتاح حديقة نادي الزمالك الجديدة    «الكازار» تعتزم إطلاق مشروعات جديدة بمجال الطاقة المتجددة في مصر    بلدية غزة: 25 ألف كوب يوميا كمية المياه المتوفرة حاليا    تحت شعار «عهد علينا حب الوطن».. بدء العام الدراسي الجديد بالمعاهد الأزهرية    موعد صلاة العصر.. ودعاء عند ختم الصلاة    بالصور.. تكريم 15 حافظًا للقرآن الكريم بالبعيرات في الأقصر    سؤال برلماني لوزير التعليم بشأن تطبيق نظام البكالوريا.. ويؤكد: أولادنا ليسوا فئران تجارب    فيديو قديم يُثير الجدل بالشرقية.. الأمن يكشف كذب ادعاء مشاجرة بين سيدتين    أكاديمية الشرطة تنظم دورة لإعداد المدربين في فحص الوثائق    المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل تستهدف 12 مليون مواطن    خطة شاملة لتعزيز الصحة المدرسية مع انطلاق العام الدراسي الجديد    مصرع تاجري مخدرات في حملة أمنية بقنا    كسوف الشمس 2025 في السماء.. تفاصيل موعد البداية والنهاية ووقت الذروة (الساعة)    «الداخلية»: ضبط 3 متهمين بالنصب على صاحب محل بانتحال صفة بالقاهرة    القومي للمرأة ينظم لقاء حول "دور المرأة في حفظ السلام وتعزيز ثقافة التسامح"    مدير مدرسة بكفر الشيخ يوزع أقلام رصاص وعصائر على تلاميذ الصف الأول الابتدائي    دعاء كسوف الشمس اليوم مكتوب كامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع السيسى.. على شط القنال!
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 05 - 08 - 2014


سامحك الله يا سيادة الرئيس!
لقد آثرت ذكريات دفينة، وحررت دموعاً حبيسة، وأيقظت أحلاماً وئيدة، حان الوقت لتتحقق على يديك.
.. أقف على شاطئ القنال، فى نادى هيئة قناة السويس بمدينتى الإسماعيلية، منتظرا وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي، إلى قاعة الاحتفال ليعلن إطلاق مشروع محور قناة السويس.
إلى يمينى موقع استشهاد سيد شهداء الجيش المصرى الفريق عبدالمنعم رياض، وإلى يسارى موقع المعدية رقم (6) التى عبر بها رجال الفرقة الثانية المشاة إلى الشاطئ الشرقى على هدير المدافع.
ثمة نسمة، تلطف الوجوه، فى هذا الصباح الصيفى الحار، معبأة برائحة ياسمين آتية من حدائق حى النخيل القريب، تنعش الفؤاد، ويستدعى ذكرى أيام بعيدة، حين كان القلب أخضر، وكانت الأحلام مجنحة عصية على الاصطياد!
أمد بصرى عبر القناة إلى رمال الشاطئ الآخر فى سيناء. هذه الرمال أعرفها وتعرفني. بعض منها عبأته فى زجاجة، حين عبرت على المعدية إلى سيناء، فى أول يوم عدت إلى مدينتى بعد دحر الهزيمة.
كان ذلك منذ 40 عاماً، أذكر جيداً التاريخ، يوم الثلاثين من يونيو عام 1974.
لكننى لا أذكر أين وضعت زجاجة الرمال. تاهت مع ما تاه منى فى زحام الأيام وتقلبات السنين. وددت للحظة لو بقيت معى لأهديها لابنى الأكبر. غير أننى أعرف أنه ليس بحاجة إليها. هو لا يحتاج ولا أبناء جيله إلى ذكرى من سيناء. فأرض سيناء أبداً لن تكون عندهم ذكري.
أخرج من ذكريات الحنين لأيام الصبا عند شاطئ القنال، على أصوات الموسيقات العسكرية تعلن قرب وصول الرئيس.
يدخل السيسى إلى قاعة الاحتفال المزدحمة بالحاضرين من مسئولين وأدباء وفنانين وإعلاميين ورياضيين وشباب وممثلين لكل فئات الشعب وأقاليم مصر.
نشاهد فيلما تسجيليا عن تاريخ قناة السويس، ثم يتحدث الفريق مهاب مميش رئيس هيئة القناة عن مشروعى تنمية المنطقة، وإنشاء قناة السويس الثانية.
نستمع إلى الفريق مميش يشرح كيف يحول مشروع محور قناة السويس المنطقة إلى مركز صناعى وتجارى ولوجيستى عالمي، يزيد الدخل القومى ويوفر مليون فرصة عمل من خلال إنشاء مصانع ومراكز تخزين للبضائع وواد للتكنولوجيا، بالاستفادة من وجود 5 موانئ فى الإقليم هى شرق وغرب بورسعيد والعريش، والادبية والسخنة، والمنطقة الصناعية شمال غرب خليج السويس، المشروع ستبدأ خطوات تنفيذه بعد إعلان نتيجة اختيار تحالف الشركات الفائز بوضع المخطط العام للمشروع، فى منتصف أغسطس الحالي.
ثم يتحدث الفريق مميش بالتفصيل عن مشروع »القناة الثانية«، هى قناة جديدة موازية للمجرى الملاحى الحالى بطول 72 كيلو متراً، منها 35 كيلو متراً سيتم شقها فى المنطقة بين تفريعة البلاح والدفرسوار، و37 كيلو متراً سيتم اقامتها كمجرى ملاحى داخل البحيرات المرة الكبري. هدف هذا المشروع العملاق تقليل زمن رحلة السفينة العابرة للقناة من 18 ساعة إلى 10 ساعات، وبالتالى زيادة عدد السفن المارة يوميا من 49 سفينة إلى 97 سفينة، ومن ثم رفع إيرادات القناة بنسبة 259٪. تكلفة القناة الجديدة فى حدود 29 مليار جنيه، وسيستتبعها انشاء 6 أنفاق فى بورسعيد والاسماعيلية مناصفة، منها نفقان للسكك الحديدية و4 أنفاق للسيارات والتكلفة 28 مليار جنيه. التمويل سيتم بالاكتتاب الشعبى وأيضا عن طريق رجال الأعمال والمستثمرين المصريين والأجانب والبنوك المصرية والأجنبية ومساهمات الدول الشقيقة، بجانب التمويل الحكومي. وستتولى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة أعمال الحفر الجاف للقناة بالاستعانة بالشركات الوطنية.
أمام الرئيس يقول الفريق مهاب مميش: إن حفر القناة الثانية يستغرق فى العادة 5 سنوات لكن رجال هيئة القناة تعهدوا بتنفيذه فى غضون 3 سنوات.
يضحك الحاضرون لأنهم يعرفون الرئيس!
يقاطعه الرئيس قائلا: سنة واحدة.
ويرد مميش: تمام التنفيذ!
ثم يسأل الرئيس عن رئيس الهيئة الهندسية ورئيس أركانها. ويخاطب اللواء كامل الوزير رئيس أركان الهيئة مؤكداً على مواصلة العمل ليل نهار ليتم افتتاح القناة الجديدة بعد 12 شهراً من الآن أو قبل ذلك.
يتحدث الرئيس للحاضرين وللشعب عبر كاميرات التليفزيون. يركز على مسألة طرح أسهم وسندات مشروع القناة الجديدة للمواطنين ولطلاب الجامعات.
يقول: «لقد احتفظنا بالقناة من عام 1956، وما حدش قدر ياخدها، وما حدش - بإذن الله - هيقدر».
مجدداً.. يؤكد الرئيس تمسكه بأن تصل حصيلة صندوق تحيا مصر إلى مائة مليار جنيه، ويقول: «حب الوطن مش كلام، وحتدفعوا.. حتدفعوا»، ويضيف قائلا: «أنا صريح معكم مصر لن تقوم إلا بأبنائها».
يبدد الرئيس مخاوف البعض أو قلقهم من مجريات الأمور فى المنطقة ومن حولنا، ويقول: «لن نسمح لأحد بهدم مصر واحنا موجودين»، ثم يضيف: «لازم نكون منتبهين، لكن متقلقوش بشرط نكون على قلب رجل واحد». ويشير إلى ممارسات جماعة الإخوان قائلا: «حنقبل وجود مجموعة تختلف معانا.. حنقبل تعيش وسطنا لكن من غير ما تؤذينا وتؤذى بلدنا».
ينتهى العرض فى القاعة.. يخرج الرئيس مبتسماً، الكل يلتف حوله، فى طريقه إلى مرسى نادى الشاطئ، ليستقل لنشاً إلى شرق الفردان، حيث يقام احتفال تدشين مشروع القناة الثانية.
يسبق الحاضرون الرئيس إلى قاطرات هيئة القناة، وتسير قافلة القطع البحرية على دوى الصفارات التى اطلقتها السفن العابرة للقناة، فى مظاهرة بحرية. وتحلق فوق رؤوسنا أسراب المقاتلات متعددة المهام (إف - 16) المصرية، بينما يؤدى فريق الألعاب الجوية عرضاً رائعاً فى سماء القناة.
حاولت حبس دموعى، لكننى رأيت من حولى دموعاً على وجوه تبتسم، وتداعت إلى ذهنى مشاهد من الطفولة فى سنوات الاستنزاف، وأتذكر صفارات الإنذار تنعق، بشؤم غارات العدو، وأستعيد صيحات: «طفو النور». وأصوات عواء طائرات العدو فى السماء تتلوها أصداء انفجارات تتردد، بينما أنا وأسرتى والجيران نهرول إلى المخابئ.
أنظر إلي السماء، وبجوارى اللواء طارق قائد المنطقة الجوية الشرقية يقف على سطح القاطرة يخاطب طياريه بجهاز اللاسلكي، وأشعر بفخر يبدد ذكريات طفولة ما قبل نصر أكتوبر.
أرنو إلى الشاطئ الشرقى للقناة، الرمال مفروشة بأعلام مصر، وعلى التلال يقف الرجال أسوداً تزأر بغير صوت.
أطل إلى مياه القناة بلونها الفيروزى الداكن. ها هنا مات 120 ألف مصرى منذ أكثر من 150 عاماً أثناء حفر القناة، فامتلأت بدمائهم، قبل أن تلتقى فيها مياه البحرين الأبيض والاحمر. ها هنا استشهد أبطال فى حروب مصر، آخرها فى معركة العبور الأولى عام 1973.
لن يكون هناك مزيد من الدماء، ففى العبور الثانى سيرتوى مشروع المحور والقناة الثانية بالعرق، والعرق وحده.
نصل إلى موقع الفردان.. المكان يعج بآلات ولوادر وبولدوزرات تستعد للعمل، يلتئم الحضور فى خيمة واسعة، يستمعون ومعهم الرئيس إلى شرح من رئيس أركان الهيئة الهندسية عن موقع القناة الثانية والأعمال المنتظرة لشقها، ويقول: «إن شاء الله السنة القادمة ستكون القناة محفورة، والسفن تبحر فيها».
يوقع الرئيس السيسى أمر الحفر باسم الله والشعب، ويسلمه لرئيس هيئة القناة، ثم يصطحب عدداً من الشباب والأطفال ليضغط على الزر ونسمع أصوات تسعة انفجارات تعلن بدء شق القناة، ويذهب الرئيس ومعه شباب وأطفال يحملون المعاول فى إشارة واضحة المغزي.
تبدو السعادة فى عينى الرئيس، تكاد تقفز من نظراته، والبهجة تملأ قلوب المجتمع.
وأشاهد المهندس حسام المساح الأمين العام لمجلس ذوى الإعاقة يبكى وهو يقول: «لقد أصر الرئيس على استدعائى لأشاركه الضغط على الزر لبدء شق القناة.. رئيس الجمهورية لم ينس ذوى الإعاقة فى هذه اللحظة، الآن فقط أقول إن مصر قد تغيرت».
وأجد بجانبى المهندس عبدالحكيم عبدالناصر نجل الزعيم الخالد جمال، نتعانق، وأجده يقول: لا أذكر يوماً عظيماً كهذا، منذ يوم تحويل مجرى النيل لإنشاء السد العالي.
يختتم الرئيس السيسى الاحتفالية الرائعة بكلمة قصيرة ينهيها قائلا: «حنشيل بلدنا على أكتافنا، ومش حنسيبها، ومش حنضيعها، ولا حنخلى حد يقدر يضيعها».
والله يا سيادة الرئيس لن نضيعها ولن نخذلك
سامحك الله يا سيادة الرئيس!
لقد آثرت ذكريات دفينة، وحررت دموعاً حبيسة، وأيقظت أحلاماً وئيدة، حان الوقت لتتحقق على يديك.
.. أقف على شاطئ القنال، فى نادى هيئة قناة السويس بمدينتى الإسماعيلية، منتظرا وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي، إلى قاعة الاحتفال ليعلن إطلاق مشروع محور قناة السويس.
إلى يمينى موقع استشهاد سيد شهداء الجيش المصرى الفريق عبدالمنعم رياض، وإلى يسارى موقع المعدية رقم (6) التى عبر بها رجال الفرقة الثانية المشاة إلى الشاطئ الشرقى على هدير المدافع.
ثمة نسمة، تلطف الوجوه، فى هذا الصباح الصيفى الحار، معبأة برائحة ياسمين آتية من حدائق حى النخيل القريب، تنعش الفؤاد، ويستدعى ذكرى أيام بعيدة، حين كان القلب أخضر، وكانت الأحلام مجنحة عصية على الاصطياد!
أمد بصرى عبر القناة إلى رمال الشاطئ الآخر فى سيناء. هذه الرمال أعرفها وتعرفني. بعض منها عبأته فى زجاجة، حين عبرت على المعدية إلى سيناء، فى أول يوم عدت إلى مدينتى بعد دحر الهزيمة.
كان ذلك منذ 40 عاماً، أذكر جيداً التاريخ، يوم الثلاثين من يونيو عام 1974.
لكننى لا أذكر أين وضعت زجاجة الرمال. تاهت مع ما تاه منى فى زحام الأيام وتقلبات السنين. وددت للحظة لو بقيت معى لأهديها لابنى الأكبر. غير أننى أعرف أنه ليس بحاجة إليها. هو لا يحتاج ولا أبناء جيله إلى ذكرى من سيناء. فأرض سيناء أبداً لن تكون عندهم ذكري.
أخرج من ذكريات الحنين لأيام الصبا عند شاطئ القنال، على أصوات الموسيقات العسكرية تعلن قرب وصول الرئيس.
يدخل السيسى إلى قاعة الاحتفال المزدحمة بالحاضرين من مسئولين وأدباء وفنانين وإعلاميين ورياضيين وشباب وممثلين لكل فئات الشعب وأقاليم مصر.
نشاهد فيلما تسجيليا عن تاريخ قناة السويس، ثم يتحدث الفريق مهاب مميش رئيس هيئة القناة عن مشروعى تنمية المنطقة، وإنشاء قناة السويس الثانية.
نستمع إلى الفريق مميش يشرح كيف يحول مشروع محور قناة السويس المنطقة إلى مركز صناعى وتجارى ولوجيستى عالمي، يزيد الدخل القومى ويوفر مليون فرصة عمل من خلال إنشاء مصانع ومراكز تخزين للبضائع وواد للتكنولوجيا، بالاستفادة من وجود 5 موانئ فى الإقليم هى شرق وغرب بورسعيد والعريش، والادبية والسخنة، والمنطقة الصناعية شمال غرب خليج السويس، المشروع ستبدأ خطوات تنفيذه بعد إعلان نتيجة اختيار تحالف الشركات الفائز بوضع المخطط العام للمشروع، فى منتصف أغسطس الحالي.
ثم يتحدث الفريق مميش بالتفصيل عن مشروع »القناة الثانية«، هى قناة جديدة موازية للمجرى الملاحى الحالى بطول 72 كيلو متراً، منها 35 كيلو متراً سيتم شقها فى المنطقة بين تفريعة البلاح والدفرسوار، و37 كيلو متراً سيتم اقامتها كمجرى ملاحى داخل البحيرات المرة الكبري. هدف هذا المشروع العملاق تقليل زمن رحلة السفينة العابرة للقناة من 18 ساعة إلى 10 ساعات، وبالتالى زيادة عدد السفن المارة يوميا من 49 سفينة إلى 97 سفينة، ومن ثم رفع إيرادات القناة بنسبة 259٪. تكلفة القناة الجديدة فى حدود 29 مليار جنيه، وسيستتبعها انشاء 6 أنفاق فى بورسعيد والاسماعيلية مناصفة، منها نفقان للسكك الحديدية و4 أنفاق للسيارات والتكلفة 28 مليار جنيه. التمويل سيتم بالاكتتاب الشعبى وأيضا عن طريق رجال الأعمال والمستثمرين المصريين والأجانب والبنوك المصرية والأجنبية ومساهمات الدول الشقيقة، بجانب التمويل الحكومي. وستتولى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة أعمال الحفر الجاف للقناة بالاستعانة بالشركات الوطنية.
أمام الرئيس يقول الفريق مهاب مميش: إن حفر القناة الثانية يستغرق فى العادة 5 سنوات لكن رجال هيئة القناة تعهدوا بتنفيذه فى غضون 3 سنوات.
يضحك الحاضرون لأنهم يعرفون الرئيس!
يقاطعه الرئيس قائلا: سنة واحدة.
ويرد مميش: تمام التنفيذ!
ثم يسأل الرئيس عن رئيس الهيئة الهندسية ورئيس أركانها. ويخاطب اللواء كامل الوزير رئيس أركان الهيئة مؤكداً على مواصلة العمل ليل نهار ليتم افتتاح القناة الجديدة بعد 12 شهراً من الآن أو قبل ذلك.
يتحدث الرئيس للحاضرين وللشعب عبر كاميرات التليفزيون. يركز على مسألة طرح أسهم وسندات مشروع القناة الجديدة للمواطنين ولطلاب الجامعات.
يقول: «لقد احتفظنا بالقناة من عام 1956، وما حدش قدر ياخدها، وما حدش - بإذن الله - هيقدر».
مجدداً.. يؤكد الرئيس تمسكه بأن تصل حصيلة صندوق تحيا مصر إلى مائة مليار جنيه، ويقول: «حب الوطن مش كلام، وحتدفعوا.. حتدفعوا»، ويضيف قائلا: «أنا صريح معكم مصر لن تقوم إلا بأبنائها».
يبدد الرئيس مخاوف البعض أو قلقهم من مجريات الأمور فى المنطقة ومن حولنا، ويقول: «لن نسمح لأحد بهدم مصر واحنا موجودين»، ثم يضيف: «لازم نكون منتبهين، لكن متقلقوش بشرط نكون على قلب رجل واحد». ويشير إلى ممارسات جماعة الإخوان قائلا: «حنقبل وجود مجموعة تختلف معانا.. حنقبل تعيش وسطنا لكن من غير ما تؤذينا وتؤذى بلدنا».
ينتهى العرض فى القاعة.. يخرج الرئيس مبتسماً، الكل يلتف حوله، فى طريقه إلى مرسى نادى الشاطئ، ليستقل لنشاً إلى شرق الفردان، حيث يقام احتفال تدشين مشروع القناة الثانية.
يسبق الحاضرون الرئيس إلى قاطرات هيئة القناة، وتسير قافلة القطع البحرية على دوى الصفارات التى اطلقتها السفن العابرة للقناة، فى مظاهرة بحرية. وتحلق فوق رؤوسنا أسراب المقاتلات متعددة المهام (إف - 16) المصرية، بينما يؤدى فريق الألعاب الجوية عرضاً رائعاً فى سماء القناة.
حاولت حبس دموعى، لكننى رأيت من حولى دموعاً على وجوه تبتسم، وتداعت إلى ذهنى مشاهد من الطفولة فى سنوات الاستنزاف، وأتذكر صفارات الإنذار تنعق، بشؤم غارات العدو، وأستعيد صيحات: «طفو النور». وأصوات عواء طائرات العدو فى السماء تتلوها أصداء انفجارات تتردد، بينما أنا وأسرتى والجيران نهرول إلى المخابئ.
أنظر إلي السماء، وبجوارى اللواء طارق قائد المنطقة الجوية الشرقية يقف على سطح القاطرة يخاطب طياريه بجهاز اللاسلكي، وأشعر بفخر يبدد ذكريات طفولة ما قبل نصر أكتوبر.
أرنو إلى الشاطئ الشرقى للقناة، الرمال مفروشة بأعلام مصر، وعلى التلال يقف الرجال أسوداً تزأر بغير صوت.
أطل إلى مياه القناة بلونها الفيروزى الداكن. ها هنا مات 120 ألف مصرى منذ أكثر من 150 عاماً أثناء حفر القناة، فامتلأت بدمائهم، قبل أن تلتقى فيها مياه البحرين الأبيض والاحمر. ها هنا استشهد أبطال فى حروب مصر، آخرها فى معركة العبور الأولى عام 1973.
لن يكون هناك مزيد من الدماء، ففى العبور الثانى سيرتوى مشروع المحور والقناة الثانية بالعرق، والعرق وحده.
نصل إلى موقع الفردان.. المكان يعج بآلات ولوادر وبولدوزرات تستعد للعمل، يلتئم الحضور فى خيمة واسعة، يستمعون ومعهم الرئيس إلى شرح من رئيس أركان الهيئة الهندسية عن موقع القناة الثانية والأعمال المنتظرة لشقها، ويقول: «إن شاء الله السنة القادمة ستكون القناة محفورة، والسفن تبحر فيها».
يوقع الرئيس السيسى أمر الحفر باسم الله والشعب، ويسلمه لرئيس هيئة القناة، ثم يصطحب عدداً من الشباب والأطفال ليضغط على الزر ونسمع أصوات تسعة انفجارات تعلن بدء شق القناة، ويذهب الرئيس ومعه شباب وأطفال يحملون المعاول فى إشارة واضحة المغزي.
تبدو السعادة فى عينى الرئيس، تكاد تقفز من نظراته، والبهجة تملأ قلوب المجتمع.
وأشاهد المهندس حسام المساح الأمين العام لمجلس ذوى الإعاقة يبكى وهو يقول: «لقد أصر الرئيس على استدعائى لأشاركه الضغط على الزر لبدء شق القناة.. رئيس الجمهورية لم ينس ذوى الإعاقة فى هذه اللحظة، الآن فقط أقول إن مصر قد تغيرت».
وأجد بجانبى المهندس عبدالحكيم عبدالناصر نجل الزعيم الخالد جمال، نتعانق، وأجده يقول: لا أذكر يوماً عظيماً كهذا، منذ يوم تحويل مجرى النيل لإنشاء السد العالي.
يختتم الرئيس السيسى الاحتفالية الرائعة بكلمة قصيرة ينهيها قائلا: «حنشيل بلدنا على أكتافنا، ومش حنسيبها، ومش حنضيعها، ولا حنخلى حد يقدر يضيعها».
والله يا سيادة الرئيس لن نضيعها ولن نخذلك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.