وزير التموين يتابع منظومة توافر السلع الأساسية بالمجمعات الاستهلاكية والسلاسل التجارية    حماس ترفض استسلام مسلحيها في رفح    هشام الحلبي: زيارة الشرع لأمريكا متوقعة.. دول كبرى تتنافس على سوريا    الأهلي يهزم الزمالك بثنائية ويتوج بالسوبر المصري للأندية الأبطال 2025    وسط حزن كبير..تشييع جثمان الزوجة المقتولة على يد زوجها بالمنوفية    نجوم الفن يقدمون واجب العزاء في والد محمد رمضان    قرار صادم من يايسله تجاه نجم الأهلي السعودي    البيت الأبيض يحذر من تقلص الناتج المحلي الأمريكي بسبب الإغلاق الحكومي    محافظ الإسكندرية: جاهزون لانتخابات النواب بتنسيق كامل بين الجهات التنفيذية    دايت من غير حرمان.. سر غير متوقع لخسارة الوزن بطريقة طبيعية    المدير الإقليمي لليونسكو بالقاهرة: تعمل على إصدار توصيات بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي    «المرشدين السياحيين»: المتحف المصرى الكبير سيحدث دفعة قوية للسياحة    أب يكتشف وفاة طفليه أثناء إيقاظهما من النوم في الصف    خيانة تنتهي بجريمة.. 3 قصص دامية تكشف الوجه المظلم للعلاقات المحرمة    الاتحاد الأوروبي يرفض استخدام واشنطن القوة ضد قوارب في الكاريبي    محمود مسلم ل كلمة أخيرة: منافسة قوية على المقاعد الفردية بانتخابات النواب 2025    «قومي المرأة» يكرم فريق رصد دراما رمضان 2025    محافظ الغربية يتفقد مستشفى قطور المركزي وعيادة التأمين الصحي    استشاري: العصائر بأنواعها ممنوعة وسكر الفاكهة تأثيره مثل الكحول على الكبد    برنامج مطروح للنقاش يستعرض الانتخابات العراقية وسط أزمات الشرق الأوسط    بث مباشر.. البابا تواضروس يشارك في احتفالية مرور 17 قرنًا على انعقاد مجمع نيقية    أهالي «علم الروم»: لا نرفض مخطط التطوير شرط التعويض العادل    شبيه شخصية جعفر العمدة يقدم واجب العزاء فى وفاة والد محمد رمضان    قراءة صورة    «ما تجاملش حد على حساب مصر».. تصريحات ياسر جلال عن «إنزال صاعقة جزائريين في ميدان التحرير» تثير جدلًا    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    «فريق المليار يستحق اللقب».. تعليق مثير من خالد الغندور بعد فوز الأهلي على الزمالك    أوقاف شمال سيناء تناقش "خطر أكل الحرام.. الرشوة نموذجًا"    الخارجية الباكستانية تتهم أفغانستان بالفشل في اتخاذ إجراءات ضد الإرهاب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    قتل وهو ساجد.. التصريح بدفن جثة معلم أزهرى قتله شخص داخل مسجد بقنا    غدًا.. وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة فى لقاء خاص على القاهرة الإخبارية    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    استعدادات أمنية مكثفة لتأمين انتخابات مجلس النواب 2025    بيحبوا يثيروا الجدل.. 4 أبراج جريئة بطبعها    حزب السادات: مشهد المصريين بالخارج في الانتخابات ملحمة وطنية تؤكد وحدة الصف    توقيع مذكرة تفاهم لدمج مستشفى «شفاء الأورمان» بالأقصر ضمن منظومة المستشفيات الجامعية    أخبار السعودية اليوم.. إعدام مواطنين لانضمامهما إلى جماعة إرهابية    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    محافظ بني سويف ورئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة يفتتحان فرع المجلس بديوان عام المحافظة    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    محافظ قنا يترأس اجتماع لجنة استرداد أراضي الدولة لمتابعة جهود التقنين وتوحيد الإجراءات    الصدفة تكتب تاريخ جديد لمنتخب مصر لكرة القدم النسائية ويتأهل لأمم إفريقيا للمرة الثالثة في تاريخه    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    زيادة فى الهجمات ضد مساجد بريطانيا.. تقرير: استهداف 25 مسجدا فى 4 أشهر    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    انتخابات مجلس النواب 2025.. اعرف لجنتك الانتخابية بالرقم القومي من هنا (رابط)    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    نهائي السوبر.. الأهلي والزمالك على موعد مع اللقب 23    تشكيل الزمالك المتوقع ضد الأهلي في نهائي السوبر المصري    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع السيسى.. على شط القنال!
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 05 - 08 - 2014


سامحك الله يا سيادة الرئيس!
لقد آثرت ذكريات دفينة، وحررت دموعاً حبيسة، وأيقظت أحلاماً وئيدة، حان الوقت لتتحقق على يديك.
.. أقف على شاطئ القنال، فى نادى هيئة قناة السويس بمدينتى الإسماعيلية، منتظرا وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي، إلى قاعة الاحتفال ليعلن إطلاق مشروع محور قناة السويس.
إلى يمينى موقع استشهاد سيد شهداء الجيش المصرى الفريق عبدالمنعم رياض، وإلى يسارى موقع المعدية رقم (6) التى عبر بها رجال الفرقة الثانية المشاة إلى الشاطئ الشرقى على هدير المدافع.
ثمة نسمة، تلطف الوجوه، فى هذا الصباح الصيفى الحار، معبأة برائحة ياسمين آتية من حدائق حى النخيل القريب، تنعش الفؤاد، ويستدعى ذكرى أيام بعيدة، حين كان القلب أخضر، وكانت الأحلام مجنحة عصية على الاصطياد!
أمد بصرى عبر القناة إلى رمال الشاطئ الآخر فى سيناء. هذه الرمال أعرفها وتعرفني. بعض منها عبأته فى زجاجة، حين عبرت على المعدية إلى سيناء، فى أول يوم عدت إلى مدينتى بعد دحر الهزيمة.
كان ذلك منذ 40 عاماً، أذكر جيداً التاريخ، يوم الثلاثين من يونيو عام 1974.
لكننى لا أذكر أين وضعت زجاجة الرمال. تاهت مع ما تاه منى فى زحام الأيام وتقلبات السنين. وددت للحظة لو بقيت معى لأهديها لابنى الأكبر. غير أننى أعرف أنه ليس بحاجة إليها. هو لا يحتاج ولا أبناء جيله إلى ذكرى من سيناء. فأرض سيناء أبداً لن تكون عندهم ذكري.
أخرج من ذكريات الحنين لأيام الصبا عند شاطئ القنال، على أصوات الموسيقات العسكرية تعلن قرب وصول الرئيس.
يدخل السيسى إلى قاعة الاحتفال المزدحمة بالحاضرين من مسئولين وأدباء وفنانين وإعلاميين ورياضيين وشباب وممثلين لكل فئات الشعب وأقاليم مصر.
نشاهد فيلما تسجيليا عن تاريخ قناة السويس، ثم يتحدث الفريق مهاب مميش رئيس هيئة القناة عن مشروعى تنمية المنطقة، وإنشاء قناة السويس الثانية.
نستمع إلى الفريق مميش يشرح كيف يحول مشروع محور قناة السويس المنطقة إلى مركز صناعى وتجارى ولوجيستى عالمي، يزيد الدخل القومى ويوفر مليون فرصة عمل من خلال إنشاء مصانع ومراكز تخزين للبضائع وواد للتكنولوجيا، بالاستفادة من وجود 5 موانئ فى الإقليم هى شرق وغرب بورسعيد والعريش، والادبية والسخنة، والمنطقة الصناعية شمال غرب خليج السويس، المشروع ستبدأ خطوات تنفيذه بعد إعلان نتيجة اختيار تحالف الشركات الفائز بوضع المخطط العام للمشروع، فى منتصف أغسطس الحالي.
ثم يتحدث الفريق مميش بالتفصيل عن مشروع »القناة الثانية«، هى قناة جديدة موازية للمجرى الملاحى الحالى بطول 72 كيلو متراً، منها 35 كيلو متراً سيتم شقها فى المنطقة بين تفريعة البلاح والدفرسوار، و37 كيلو متراً سيتم اقامتها كمجرى ملاحى داخل البحيرات المرة الكبري. هدف هذا المشروع العملاق تقليل زمن رحلة السفينة العابرة للقناة من 18 ساعة إلى 10 ساعات، وبالتالى زيادة عدد السفن المارة يوميا من 49 سفينة إلى 97 سفينة، ومن ثم رفع إيرادات القناة بنسبة 259٪. تكلفة القناة الجديدة فى حدود 29 مليار جنيه، وسيستتبعها انشاء 6 أنفاق فى بورسعيد والاسماعيلية مناصفة، منها نفقان للسكك الحديدية و4 أنفاق للسيارات والتكلفة 28 مليار جنيه. التمويل سيتم بالاكتتاب الشعبى وأيضا عن طريق رجال الأعمال والمستثمرين المصريين والأجانب والبنوك المصرية والأجنبية ومساهمات الدول الشقيقة، بجانب التمويل الحكومي. وستتولى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة أعمال الحفر الجاف للقناة بالاستعانة بالشركات الوطنية.
أمام الرئيس يقول الفريق مهاب مميش: إن حفر القناة الثانية يستغرق فى العادة 5 سنوات لكن رجال هيئة القناة تعهدوا بتنفيذه فى غضون 3 سنوات.
يضحك الحاضرون لأنهم يعرفون الرئيس!
يقاطعه الرئيس قائلا: سنة واحدة.
ويرد مميش: تمام التنفيذ!
ثم يسأل الرئيس عن رئيس الهيئة الهندسية ورئيس أركانها. ويخاطب اللواء كامل الوزير رئيس أركان الهيئة مؤكداً على مواصلة العمل ليل نهار ليتم افتتاح القناة الجديدة بعد 12 شهراً من الآن أو قبل ذلك.
يتحدث الرئيس للحاضرين وللشعب عبر كاميرات التليفزيون. يركز على مسألة طرح أسهم وسندات مشروع القناة الجديدة للمواطنين ولطلاب الجامعات.
يقول: «لقد احتفظنا بالقناة من عام 1956، وما حدش قدر ياخدها، وما حدش - بإذن الله - هيقدر».
مجدداً.. يؤكد الرئيس تمسكه بأن تصل حصيلة صندوق تحيا مصر إلى مائة مليار جنيه، ويقول: «حب الوطن مش كلام، وحتدفعوا.. حتدفعوا»، ويضيف قائلا: «أنا صريح معكم مصر لن تقوم إلا بأبنائها».
يبدد الرئيس مخاوف البعض أو قلقهم من مجريات الأمور فى المنطقة ومن حولنا، ويقول: «لن نسمح لأحد بهدم مصر واحنا موجودين»، ثم يضيف: «لازم نكون منتبهين، لكن متقلقوش بشرط نكون على قلب رجل واحد». ويشير إلى ممارسات جماعة الإخوان قائلا: «حنقبل وجود مجموعة تختلف معانا.. حنقبل تعيش وسطنا لكن من غير ما تؤذينا وتؤذى بلدنا».
ينتهى العرض فى القاعة.. يخرج الرئيس مبتسماً، الكل يلتف حوله، فى طريقه إلى مرسى نادى الشاطئ، ليستقل لنشاً إلى شرق الفردان، حيث يقام احتفال تدشين مشروع القناة الثانية.
يسبق الحاضرون الرئيس إلى قاطرات هيئة القناة، وتسير قافلة القطع البحرية على دوى الصفارات التى اطلقتها السفن العابرة للقناة، فى مظاهرة بحرية. وتحلق فوق رؤوسنا أسراب المقاتلات متعددة المهام (إف - 16) المصرية، بينما يؤدى فريق الألعاب الجوية عرضاً رائعاً فى سماء القناة.
حاولت حبس دموعى، لكننى رأيت من حولى دموعاً على وجوه تبتسم، وتداعت إلى ذهنى مشاهد من الطفولة فى سنوات الاستنزاف، وأتذكر صفارات الإنذار تنعق، بشؤم غارات العدو، وأستعيد صيحات: «طفو النور». وأصوات عواء طائرات العدو فى السماء تتلوها أصداء انفجارات تتردد، بينما أنا وأسرتى والجيران نهرول إلى المخابئ.
أنظر إلي السماء، وبجوارى اللواء طارق قائد المنطقة الجوية الشرقية يقف على سطح القاطرة يخاطب طياريه بجهاز اللاسلكي، وأشعر بفخر يبدد ذكريات طفولة ما قبل نصر أكتوبر.
أرنو إلى الشاطئ الشرقى للقناة، الرمال مفروشة بأعلام مصر، وعلى التلال يقف الرجال أسوداً تزأر بغير صوت.
أطل إلى مياه القناة بلونها الفيروزى الداكن. ها هنا مات 120 ألف مصرى منذ أكثر من 150 عاماً أثناء حفر القناة، فامتلأت بدمائهم، قبل أن تلتقى فيها مياه البحرين الأبيض والاحمر. ها هنا استشهد أبطال فى حروب مصر، آخرها فى معركة العبور الأولى عام 1973.
لن يكون هناك مزيد من الدماء، ففى العبور الثانى سيرتوى مشروع المحور والقناة الثانية بالعرق، والعرق وحده.
نصل إلى موقع الفردان.. المكان يعج بآلات ولوادر وبولدوزرات تستعد للعمل، يلتئم الحضور فى خيمة واسعة، يستمعون ومعهم الرئيس إلى شرح من رئيس أركان الهيئة الهندسية عن موقع القناة الثانية والأعمال المنتظرة لشقها، ويقول: «إن شاء الله السنة القادمة ستكون القناة محفورة، والسفن تبحر فيها».
يوقع الرئيس السيسى أمر الحفر باسم الله والشعب، ويسلمه لرئيس هيئة القناة، ثم يصطحب عدداً من الشباب والأطفال ليضغط على الزر ونسمع أصوات تسعة انفجارات تعلن بدء شق القناة، ويذهب الرئيس ومعه شباب وأطفال يحملون المعاول فى إشارة واضحة المغزي.
تبدو السعادة فى عينى الرئيس، تكاد تقفز من نظراته، والبهجة تملأ قلوب المجتمع.
وأشاهد المهندس حسام المساح الأمين العام لمجلس ذوى الإعاقة يبكى وهو يقول: «لقد أصر الرئيس على استدعائى لأشاركه الضغط على الزر لبدء شق القناة.. رئيس الجمهورية لم ينس ذوى الإعاقة فى هذه اللحظة، الآن فقط أقول إن مصر قد تغيرت».
وأجد بجانبى المهندس عبدالحكيم عبدالناصر نجل الزعيم الخالد جمال، نتعانق، وأجده يقول: لا أذكر يوماً عظيماً كهذا، منذ يوم تحويل مجرى النيل لإنشاء السد العالي.
يختتم الرئيس السيسى الاحتفالية الرائعة بكلمة قصيرة ينهيها قائلا: «حنشيل بلدنا على أكتافنا، ومش حنسيبها، ومش حنضيعها، ولا حنخلى حد يقدر يضيعها».
والله يا سيادة الرئيس لن نضيعها ولن نخذلك
سامحك الله يا سيادة الرئيس!
لقد آثرت ذكريات دفينة، وحررت دموعاً حبيسة، وأيقظت أحلاماً وئيدة، حان الوقت لتتحقق على يديك.
.. أقف على شاطئ القنال، فى نادى هيئة قناة السويس بمدينتى الإسماعيلية، منتظرا وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي، إلى قاعة الاحتفال ليعلن إطلاق مشروع محور قناة السويس.
إلى يمينى موقع استشهاد سيد شهداء الجيش المصرى الفريق عبدالمنعم رياض، وإلى يسارى موقع المعدية رقم (6) التى عبر بها رجال الفرقة الثانية المشاة إلى الشاطئ الشرقى على هدير المدافع.
ثمة نسمة، تلطف الوجوه، فى هذا الصباح الصيفى الحار، معبأة برائحة ياسمين آتية من حدائق حى النخيل القريب، تنعش الفؤاد، ويستدعى ذكرى أيام بعيدة، حين كان القلب أخضر، وكانت الأحلام مجنحة عصية على الاصطياد!
أمد بصرى عبر القناة إلى رمال الشاطئ الآخر فى سيناء. هذه الرمال أعرفها وتعرفني. بعض منها عبأته فى زجاجة، حين عبرت على المعدية إلى سيناء، فى أول يوم عدت إلى مدينتى بعد دحر الهزيمة.
كان ذلك منذ 40 عاماً، أذكر جيداً التاريخ، يوم الثلاثين من يونيو عام 1974.
لكننى لا أذكر أين وضعت زجاجة الرمال. تاهت مع ما تاه منى فى زحام الأيام وتقلبات السنين. وددت للحظة لو بقيت معى لأهديها لابنى الأكبر. غير أننى أعرف أنه ليس بحاجة إليها. هو لا يحتاج ولا أبناء جيله إلى ذكرى من سيناء. فأرض سيناء أبداً لن تكون عندهم ذكري.
أخرج من ذكريات الحنين لأيام الصبا عند شاطئ القنال، على أصوات الموسيقات العسكرية تعلن قرب وصول الرئيس.
يدخل السيسى إلى قاعة الاحتفال المزدحمة بالحاضرين من مسئولين وأدباء وفنانين وإعلاميين ورياضيين وشباب وممثلين لكل فئات الشعب وأقاليم مصر.
نشاهد فيلما تسجيليا عن تاريخ قناة السويس، ثم يتحدث الفريق مهاب مميش رئيس هيئة القناة عن مشروعى تنمية المنطقة، وإنشاء قناة السويس الثانية.
نستمع إلى الفريق مميش يشرح كيف يحول مشروع محور قناة السويس المنطقة إلى مركز صناعى وتجارى ولوجيستى عالمي، يزيد الدخل القومى ويوفر مليون فرصة عمل من خلال إنشاء مصانع ومراكز تخزين للبضائع وواد للتكنولوجيا، بالاستفادة من وجود 5 موانئ فى الإقليم هى شرق وغرب بورسعيد والعريش، والادبية والسخنة، والمنطقة الصناعية شمال غرب خليج السويس، المشروع ستبدأ خطوات تنفيذه بعد إعلان نتيجة اختيار تحالف الشركات الفائز بوضع المخطط العام للمشروع، فى منتصف أغسطس الحالي.
ثم يتحدث الفريق مميش بالتفصيل عن مشروع »القناة الثانية«، هى قناة جديدة موازية للمجرى الملاحى الحالى بطول 72 كيلو متراً، منها 35 كيلو متراً سيتم شقها فى المنطقة بين تفريعة البلاح والدفرسوار، و37 كيلو متراً سيتم اقامتها كمجرى ملاحى داخل البحيرات المرة الكبري. هدف هذا المشروع العملاق تقليل زمن رحلة السفينة العابرة للقناة من 18 ساعة إلى 10 ساعات، وبالتالى زيادة عدد السفن المارة يوميا من 49 سفينة إلى 97 سفينة، ومن ثم رفع إيرادات القناة بنسبة 259٪. تكلفة القناة الجديدة فى حدود 29 مليار جنيه، وسيستتبعها انشاء 6 أنفاق فى بورسعيد والاسماعيلية مناصفة، منها نفقان للسكك الحديدية و4 أنفاق للسيارات والتكلفة 28 مليار جنيه. التمويل سيتم بالاكتتاب الشعبى وأيضا عن طريق رجال الأعمال والمستثمرين المصريين والأجانب والبنوك المصرية والأجنبية ومساهمات الدول الشقيقة، بجانب التمويل الحكومي. وستتولى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة أعمال الحفر الجاف للقناة بالاستعانة بالشركات الوطنية.
أمام الرئيس يقول الفريق مهاب مميش: إن حفر القناة الثانية يستغرق فى العادة 5 سنوات لكن رجال هيئة القناة تعهدوا بتنفيذه فى غضون 3 سنوات.
يضحك الحاضرون لأنهم يعرفون الرئيس!
يقاطعه الرئيس قائلا: سنة واحدة.
ويرد مميش: تمام التنفيذ!
ثم يسأل الرئيس عن رئيس الهيئة الهندسية ورئيس أركانها. ويخاطب اللواء كامل الوزير رئيس أركان الهيئة مؤكداً على مواصلة العمل ليل نهار ليتم افتتاح القناة الجديدة بعد 12 شهراً من الآن أو قبل ذلك.
يتحدث الرئيس للحاضرين وللشعب عبر كاميرات التليفزيون. يركز على مسألة طرح أسهم وسندات مشروع القناة الجديدة للمواطنين ولطلاب الجامعات.
يقول: «لقد احتفظنا بالقناة من عام 1956، وما حدش قدر ياخدها، وما حدش - بإذن الله - هيقدر».
مجدداً.. يؤكد الرئيس تمسكه بأن تصل حصيلة صندوق تحيا مصر إلى مائة مليار جنيه، ويقول: «حب الوطن مش كلام، وحتدفعوا.. حتدفعوا»، ويضيف قائلا: «أنا صريح معكم مصر لن تقوم إلا بأبنائها».
يبدد الرئيس مخاوف البعض أو قلقهم من مجريات الأمور فى المنطقة ومن حولنا، ويقول: «لن نسمح لأحد بهدم مصر واحنا موجودين»، ثم يضيف: «لازم نكون منتبهين، لكن متقلقوش بشرط نكون على قلب رجل واحد». ويشير إلى ممارسات جماعة الإخوان قائلا: «حنقبل وجود مجموعة تختلف معانا.. حنقبل تعيش وسطنا لكن من غير ما تؤذينا وتؤذى بلدنا».
ينتهى العرض فى القاعة.. يخرج الرئيس مبتسماً، الكل يلتف حوله، فى طريقه إلى مرسى نادى الشاطئ، ليستقل لنشاً إلى شرق الفردان، حيث يقام احتفال تدشين مشروع القناة الثانية.
يسبق الحاضرون الرئيس إلى قاطرات هيئة القناة، وتسير قافلة القطع البحرية على دوى الصفارات التى اطلقتها السفن العابرة للقناة، فى مظاهرة بحرية. وتحلق فوق رؤوسنا أسراب المقاتلات متعددة المهام (إف - 16) المصرية، بينما يؤدى فريق الألعاب الجوية عرضاً رائعاً فى سماء القناة.
حاولت حبس دموعى، لكننى رأيت من حولى دموعاً على وجوه تبتسم، وتداعت إلى ذهنى مشاهد من الطفولة فى سنوات الاستنزاف، وأتذكر صفارات الإنذار تنعق، بشؤم غارات العدو، وأستعيد صيحات: «طفو النور». وأصوات عواء طائرات العدو فى السماء تتلوها أصداء انفجارات تتردد، بينما أنا وأسرتى والجيران نهرول إلى المخابئ.
أنظر إلي السماء، وبجوارى اللواء طارق قائد المنطقة الجوية الشرقية يقف على سطح القاطرة يخاطب طياريه بجهاز اللاسلكي، وأشعر بفخر يبدد ذكريات طفولة ما قبل نصر أكتوبر.
أرنو إلى الشاطئ الشرقى للقناة، الرمال مفروشة بأعلام مصر، وعلى التلال يقف الرجال أسوداً تزأر بغير صوت.
أطل إلى مياه القناة بلونها الفيروزى الداكن. ها هنا مات 120 ألف مصرى منذ أكثر من 150 عاماً أثناء حفر القناة، فامتلأت بدمائهم، قبل أن تلتقى فيها مياه البحرين الأبيض والاحمر. ها هنا استشهد أبطال فى حروب مصر، آخرها فى معركة العبور الأولى عام 1973.
لن يكون هناك مزيد من الدماء، ففى العبور الثانى سيرتوى مشروع المحور والقناة الثانية بالعرق، والعرق وحده.
نصل إلى موقع الفردان.. المكان يعج بآلات ولوادر وبولدوزرات تستعد للعمل، يلتئم الحضور فى خيمة واسعة، يستمعون ومعهم الرئيس إلى شرح من رئيس أركان الهيئة الهندسية عن موقع القناة الثانية والأعمال المنتظرة لشقها، ويقول: «إن شاء الله السنة القادمة ستكون القناة محفورة، والسفن تبحر فيها».
يوقع الرئيس السيسى أمر الحفر باسم الله والشعب، ويسلمه لرئيس هيئة القناة، ثم يصطحب عدداً من الشباب والأطفال ليضغط على الزر ونسمع أصوات تسعة انفجارات تعلن بدء شق القناة، ويذهب الرئيس ومعه شباب وأطفال يحملون المعاول فى إشارة واضحة المغزي.
تبدو السعادة فى عينى الرئيس، تكاد تقفز من نظراته، والبهجة تملأ قلوب المجتمع.
وأشاهد المهندس حسام المساح الأمين العام لمجلس ذوى الإعاقة يبكى وهو يقول: «لقد أصر الرئيس على استدعائى لأشاركه الضغط على الزر لبدء شق القناة.. رئيس الجمهورية لم ينس ذوى الإعاقة فى هذه اللحظة، الآن فقط أقول إن مصر قد تغيرت».
وأجد بجانبى المهندس عبدالحكيم عبدالناصر نجل الزعيم الخالد جمال، نتعانق، وأجده يقول: لا أذكر يوماً عظيماً كهذا، منذ يوم تحويل مجرى النيل لإنشاء السد العالي.
يختتم الرئيس السيسى الاحتفالية الرائعة بكلمة قصيرة ينهيها قائلا: «حنشيل بلدنا على أكتافنا، ومش حنسيبها، ومش حنضيعها، ولا حنخلى حد يقدر يضيعها».
والله يا سيادة الرئيس لن نضيعها ولن نخذلك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.