رغم أهمية عبدالصبور شاهين «1928-2010» كواحد من صنَّاع خطاب «الصحوة الإسلامية» فى مصر الثمانينيات، فإنه يعبر عن نمط متكرر للدعاة الذين بدأوا فى الظهور إعلاميًا منذ السبعينيات بشكل جعلهم أهم المتحكمين فى المزاج العام المصرى، فهو مثل الشيخين محمد الغزالى وعبدالحميد كشك مثلا كان عضوًا فى جماعة الإخوان المسلمين فى شبابه وتم اعتقاله بعض الوقت على ذمة الانتماء لها «الفترة من 1956-1959»، وهو مثل الداعية الشهير محمد متولى الشعراوى قضى فترة طويلة فى العمل فى المملكة العربية السعودية «ما يقارب سبعة عشر عامًا متصلة» قبل أن يعود إلى مصر ليجد طريقه إلى أشهر منابر الخطابة، وعضوية اللجنة الدينية فى الحزب الوطنى وعضوية مجلس الشورى بالتعيين عن الحزب الوطنى الديمقراطى. تتسم تجربة شاهين بالتميز أيضا كونه مثقفًا وأكاديميًا إسلاميًا انتقل من معسكر محاولة الإضافة للفكر الإسلامى النهضوى فى الستينيات إلى تبنى الخطاب الإسلامى الشعبوى والتكفيرى فى الثمانينيات، فضلا عن التمركز فى معسكر إسلام النفط والثروة والعمل فى خدمة المؤسسات الاقتصادية التى حملت صفة «الإسلامية»، فضلا عن الانخراط فى هيئات مختلفة تروج لما عرف ب«الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة» والذى اتهمه مفكرون كثيرون بأنه ليس سوى نوع من أنواع العلم الزائف تم ترويجه لأسباب سياسية لا علاقة لها بالدين.. من ملامح تجربة عبدالصبور شاهين أيضا ما يمكن استنباطه من تحليل خطابه والذى يمكن وصفه بالصراع الداخلى العنيف بين بدايته كباحث ومترجم جاد لمشاريع فكرية نهضوية وبين أدواره الجماهيرية والمربحة ماديا كموظف لدى أصحاب شركات توظيف الأموال ومفتٍ لها ومحامٍ عنها.. وهو الصراع الذى دفعه -فى زعم كاتب هذه السطور- إلى الشعور بالغيرة والغضب تجاه د.نصر حامد أبوزيد أستاذ مساعد الدراسات القرآنية عام 1993، ورفضه لترقيته واتهامه فى تقريره عن أعماله بالكفر والخروج عن صحيح الدين، ثم محاولته نفى أى صلة مادية بينه وبين مجموعة المحامين التى تصدت لإثبات كفر نصر حامد أبوزيد من خلال الأحكام القضائية.. ثم إقدام شاهين نفسه قبل سنوات قليلة من رحيله بإصدار كتاب يحاول فيه استعادة صفته القديمة كمفكر وباحث جاد من خلال محاولة إيجاد تخريج إسلامى لنظرية دارون حول أصل الأنواع، وهو ما قاد لتكفيره من خلال نفس المجموعة التى طاردت نصر حامد أبوزيد قضائيا، خاصة وأن شاهين فى كتابه «أبى آدم» استند لفكرة تأويل الآيات القرآنية بغير ظاهر المعنى وهو نفس ما طرحه نصر حامد أبوزيد فى كتاباته استنادا لمبادئ فرقة المعتزلة قبل أن تختفى وتتم إبادة معظم إنتاجها الفكرى ودمج ما تبقى منه فى مبادئ الأشعرية التى صارت الفرقة الغالبة فى العالم الإسلامى.. أيًا ماكانت التفسيرات والتحليلات فإن قصة د .عبدالصبور شاهين تنطوى على ملامح درامية شائقة شأن قصص كثير من أبطال «الصحوة الإسلامية» فى عهد مبارك والتى بدأ أصحابها بآمال عريضة وانتهوا بتحقيق مكاسب أكيدة ولكنها ربما كانت أقل من ما حلموا به. بداية واعدة لم تحمل السنوات الأولى لعبدالصبور شاهين فى زمن مبارك تفاصيل كثيرة مزعجة، كان بمثابة جيل تالٍ من الدعاة الرواد والذين تولوا عملية إحياء «الصحوة الإسماعيلية» فى بداية السبعينيات.. كان يصغر الشعراوى والغزالى بحوالى عقدين من الزمان، فضلا عن أنه لم يظهر فى الهيكل القيادى لجماعة الإخوان وإن اعتقل فى الخمسينيات على ذمة الانتماء إليها.. تخرج فى منتصف الخمسينيات من كلية دار العلوم والتى ما زالت صفحتها الرسمية تفتخر أن أكبر شخصيتين تخرجنا فيها هما حسن البنا وسيد قطب، لم يكن عضو هيئة تدريس فى الكلية وانشغل بالبحث والترجمة قبل أن يتم اعتقاله بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان.. مثل آلاف غيره وجد طريقه للهجرة إلى المملكة العربية السعودية ومع استكماله للدراسات العليا صار أستاذا للغة العربية فى جامعة الملك فهد للمعادن، وانضم لعضوية الهيئة العليا للإعجاز فى القرآن والسنة وهى كيان كانت حكومة المملكة توليه اهتماما فائقا بعد الطفرة النفطية وترى فى أبحاثه تعزيزا لوضع المملكة كحامية للشريعة فى مواجهة التقدم العلمى الغربى، كانت أبحاث الإعجاز العلمى تقول أن المسلمين حصلوا على كل أسرار العلوم الغربية قبل ألف وربعمئة قرن وأنهم تميزوا فوق ذلك بالثروة النفطية كعلامة أكيدة على رضا الله عنهم.. كان من الطبيعى أن يعود عبدالصبور شاهين إلى مصر بعد أن زال الخطر.. وجرت فى النهر مياه كثيرة، واستعادت الجماعة التى انتمى إليها شابا وجودها ونفوذها ومنابرها.. عاد شاهين إلى مصر قبل ثلاث سنوات من بدء حكم الرئيس مبارك لكنه لم يعرف طريقه للشهرة إلا مع سنوات مبارك الأولى. فى 1978 انضم شاهين لكلية دار العلوم وتمت تسوية أوضاعه الأكاديمية بما يحفظ له أقدميته ويبرز تميزه العلمى …فى 1984 ومع سفر خطيب مسجد عمرو بن العاص الشيخ محمد الغزالى للجزائر تولى عبدالصبور شاهين الخطابة فى مسجد عمرو بن العاص أول مسجد بنى فى مصر وفى إفريقيا على يد الفاتح الشهير، على عكس ما يعتقد كثيرون فقد كان المسجد مهملا حتى بداية السبعينيات حتى تمت توسعته وترميمه على يد الشيخ عبدالحليم محمود وزير الأوقاف ومهندس عودة الإسلاميين لمحاربة الشيوعية، كان الشيخ محمود هو صاحب فكرة تولى الشيخ محمد الغزالى فكرة الخطابة فى المسجد وتدشينه كنقطة تجمع للإسلاميين وللإخوان المسلمين بشكل عام، لم يكن الإخوان يحرمون الصلاة فى أى مسجد بشكل عام لكنهم كانوا يفضلون مساجد معينة أولها مسجد عمرو بن العاص الذى أصبح بمثابة فضاء اجتماعى وسياسى لجماعة الإخوان، ذات صباح فى بداية السبعينيات اتصل محمود بالغزالى وقال له إن الصحابى عمرو بن العاص زاره فى المنام وشكى له من سوء حال مسجده، اقتنع الغزالى بالرؤيا التى رآها الشيخ محمود ولبى الإشارة وقبل الخطابة فى المسجد، كانت المفارقة أن كلا الرجلين كان جزءا من المؤسسة الدينية طوال الخمسينيات والستينيات ومع ذلك لم يزر عمرو بن العاص أيهما إلا بعد رحيل جمال عبدالناصر، وبدء خلفه أنور السادات فى تطبيق سياسة التحالف مع الإسلاميين.. مع الوقت تحول المسجد لمسجد الإخوان الأول فى القاهرة وكان قادة الجماعة يصلون فيه الأعياد والجمع ويقصده أعضاء الجماعة من كل فج عميق، كان المسجد خاليا من الأضرحة، ويتعاقب على الخطابة فيه خطباء تربوا فى مدرسة الإخوان ويعرفون كيفية مخاطبتهم ويمكن وصفهم بالاعتدال من قبل المؤسسات الأمنية، لوقت طويل كان أى داعية يحرم الخروج المسلح على سلطة الدولة يصنف فى خانة الاعتدال حتى لو قال فى الدولة ومؤسساتها ما قاله مالك فى الخمر.. هكذا ورث عبدالصبور شاهين منير الخطابة الذهبى فى واحد من أكثر مساجد القاهرة كثافة وازدحاما، فى نفس العام 1984، أصبح شاهين رئيسا للجنة الدينية فى الحزب الوطنى الحاكم وعضوا فى مجلس الشورى المصرى، كانت هذه محاولة ضمن محاولات متعددة لإيجاد وجه دينى معتدل للنظام وتهدئة الصراع الذى قاد الرئيس السادات إلى حتفه فى 1981، كانت الفكرة هى إمداد النظام بوجوه دينية مقبولة ومد مزيد من الجسور مع جماعة الإخوان المسلمين التى تبرأت من العنف بشكل عام. فى خدمة توظيف الأموال كان من بين نتائج حرب أكتوبر 1973، عدة أمور حدثت بالتوازى، كان أهمها الطفرة فى دخل دول الخليج العربى جراء المقاطعة العربية البترولية والامتناع عن بيع البترول لفترة من الزمن ما أدى إلى ارتفاع سعره، هذه الطفرة فى الدخل نتج عنها توسع فى خدمات التعليم والصحة والعمل أدى لمضاعفة أعداد المعارين المصريين للعمل فى دول الخليج العربى عموما والمملكة العربية السعودية مما نتج عنه تضاعف تحويلات المصريين بالخارج عدة مرات خلال خمس سنوات حيث قدرها البعض ب174مليون دولار فى 1974، تضاعفت لما يقارب 2.8 مليار دولار فى 1978، وكانت هذه الزيادة فى أعداد العاملين مصحوبة بتغيرات أكيدة فى نمط حياتهم وفهمهم لما سمى وقتها بقضية تطبيق الشريعة الإسلامية، أو الصحوة الدينية، وما إلى ذلك من أفكار، ولم يكن هذا بعيدا عن حقيقة أن الجيل الأول من العاملين المصريين فى دول النفط كانوا فى أغلبهم من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين لجأوا إلى هذه الدول فى أعقاب كل صدام كبير بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان، سواء فى منتصف الخمسينيات، أو فى منتصف الستينيات أو ما بينهما، حيث التزمت هذه الدول بإيواء أعضاء الجماعة وتوفير فرص عمل لهم خاصة فى مجالات التعليم والجامعات الدينية وما إلى ذلك من تخصصات، وبالتالى فقد كانت لجماعة الإخوان شبكات تنظيمية راسخة بين العاملين المصريين فى دول الخليج العربى حتى وإن التزمت بعدم العمل بالسياسة على أرض هذه الدول ردا لجميلها واعترافا بفضلها على أعضاء الجماعة.. تفاعلت هذه العوامل التى أشرنا إليها للتو لتخرج من بينها الظاهرة التى عرفت باسم «شركات توظيف الأموال الإسلامية» التى لم تكن أكبرها سوى ذراع اقتصادية لجماعة الإخوان المسلمين، وقد بدأت الظاهرة بتجميع عناصر الإخوان للعملات الصعبة من العاملين المصريين فى الخليج ثم إعادة بيعها فى مصر لمن يحتاج إليها، كانت عملية الجمع المنظم للأموال تحتاج إلى الثقة بين البائع والشارى، وإلى التنظيم، وإلى سهولة وصول أعضاء الشبكة فى مصر لقرية العامل المصرى فى الخليج لتسلم أهله ثمن العملات الصعبة التى باعها لمندوب الشبكة فى البلد الذى يعمل فيه، وفى بعض الأحيان كان المندوبون المحليون يشترون بعض السلع لوالدى العامل المصرى فى الخليج بطلب منه، ويتولون تسليمها لهم، وكانت عوامل الثقة، والمعرفة الشخصية، والقدرة للوصول لمختلف أنحاء الجمهورية تتوافر بشكل أساسى فى تنظيم الإخوان، الذى أعاد إحياء نفسه، واستعاد شبكاته القديمة، وضخ دماء جديدة فى عروقه منذ بداية السبعينيات، وكانت الشبكة تتسع لتضم تجار عملة من السلفيين أو التبليغ والدعوة وسائر الجماعات الإسلامية المختلفة لذلك لم يكن غريبا أن يكون أكبر تاجر عملة مصرى فى أواخر السبعينيات هو سامى على حسن الذى أطلقت عليه الصحافة لقب «إمبراطور العملة» ومارس عمله بمنتهى السهولة عدة سنوات، قبل أن تحقق معه نيابة الأموال العامة ويتم التوافق على أن يعتزل تجارة العملة التى كان يتعامل فيها أحيانا مع الحكومة المصرية ويوفر لها الدولارات لتلبى احتياجاتها الاستيرادية، كان سامى على حسن عضوا غير تنظيمى فى جماعة الإخوان، لكن شقيقه الأكبر كان مسئولا تنظيميا عن إخوان الكويت كما صرح فى برنامج حوارى على قناة دريم الفضائية، ويمكن القول أن سامى على حسن كان واجهة لجماعة الإخوان فى عالم تجارة العملة، حيث خاضت الجماعة عشرات المعارك الفقهية دفاعا عن شرعية تجارة العملة، وتبعها فى ذلك جميع فصائل الإسلاميين، والحقيقة أن قصة شركات توظيف الأموال لم تكتب بدقة إطلاقا، لانها تحتوى فصولا لم تحب الدولة المصرية فى زمن الرئيس مبارك نشرها، سواء عن سياسات المهادنة الكاملة مع جماعة الإخوان والتى استمرت حتى منتصف التسعينيات لتتحول إلى مهادنة جزئية، أو المهادنة مع سائر فصائل الإسلاميين حتى العنيفة منها والتى استمرت حتى نهاية الثمانينيات 1989، ثم انتهت نهائيا مع 1992 وموجات اغتيالات الوزراء.. وبعد الاستماع لعشرات الشهادات من أشخاص صنعوا هذه الظاهرة مثل رجل الأعمال أشرف السعد صاحب واحدة من أهم هذه الشركات، وسامى على حسن إمبراطور العملة، والمستشار حسنى عبدالحميد نائب المدعى العام الاشتراكى فى الثمانينيات -وقت وقوع الأحداث -يمكن القول أن السبب الأساسى فى ظهور الشركات الأشهر كان قياديًا إخوانيًا قديمًا وغامضًا، لا يعرفه الإعلام، ولا توجد صور مشهورة له، وإن كان أعضاء الإخوان يعرفونه جيدا جدا، حيث كان يوصف بأنه نائب المرشد، لكن لقبه الأشهر كان هو «الحاج» أو الحاج أحمد عبيد والذى يمكن وصفه بأنه كان وزير مالية الإخوان فى تلك العقود الماضية أو المسئول المالى للجماعة، وهو من الجيل الأول من الإخوان الذين عاصروا التأسيس، وكما يبدو من سير الأحداث فقد كان تاجرا تقليديا يتمتع بموهبة استثنائية، وفى الأغلب فإن الرجل لم يتلق تعليما جامعيا وظل يرتدى الجلباب وقد حكم عليه بالسجن مع سائر الإخوان فى 1965 وخرج ضمن التسوية السياسية بين الجماعة وبين الرئيس السادات ليشغل منصب المدير المالى لمجموعة شركات الشريف للبلاستيك والتى كان يملكها عبداللطيف الشريف الابن، وهو رجل صناعة إخوانى كان والده من الرعيل الأول للجماعة ومن أعضائها الأثرياء الذين طالتهم قرارات تأميم الصناعة المصرية، ليهاجر بعض الوقت خارج مصر ثم يعيد تأسيس مصنع البلاستيك الخاص به فى بداية السبعينيات، وبحسب ما يرويه أشرف السعد فى سلسلة حلقات تحمل اسم «أنا والإخوان» نشرها على موقع يوتيوب عام 2021، فقد كان هو وأحمد الريان تاجرين صغيرين للعملة يعملان فى مطعم شهير فى الدقى، لكن وزير مالية الإخوان قرر أن يتبناهما تجاريا، وطلب منهما البدء فى جمع كميات كبيرة من الدولارات من داخل البلاد بحجة أنه يريد استيراد مواد خام للمصانع التى يديرها، وعلى حد رواية السعد فقد تكفلت الصفقات الجديدة بتحويله هو وصديقه أحمد الريان إلى تاجرى عملة كبيرين، خاصة وأنهما انتقلا للعمل ضمن شبكة ساميّ على حسن، وأن يخوضا عدة مغامرات انتهت بقرار الدولة بتشديد الخناق على تجار العملة، وإحالة عدد منهم للتحقيق فى قضايا لم تكن تنتهى بأحكام رادعة ولكن بحفظ التحقيق ومصادرة بعض المبالغ المضبوطة.. كان ذلك على وجه التدقيق بعد اغتيال الرئيس السادات مباشرة، وقد مر تجار العملة بفترة كمون لم تزد على سنوات قليلة ثم عادوا فى صورة مستثمرين وأصحاب شركات لتوظيف الأموال كانت توصف بالإسلامية.. كانت هذه مقدمة منطقية لشرح موقع د. عبدالصبور شاهين من شركات توظيف الأموال.. فالرجل ابن لجماعة الإخوان والشركات بمثابة ذراع اقتصادية للجماعة، والشركات تضع نفسها تحت مسمى «الاقتصاد الإسلامى» والرجل عضو فى هيئة الإعجاز العلمى بالرياض، والتى مهمتها الأولى أسلمة العلوم وإطلاق صفة «إسلامى» على كل علوم الأرض سواء عملية أو إنسانية، والبنوك الإسلامية وشركات التوظيف لا تعنى لمن يلتحق بها سوى رواتب كبيرة ومزايا تفوق خيال عالم من الطبقة الوسطى وقد كان لإمام الدعاة المصريين سوابق فى تأسيس بنك دبى الإسلامى عام 1970، ثم بنك فيصل الإسلامى عام 1978، والذى كان أول بنك فى العالم يتبع وزير الأوقاف لا وزير الاقتصاد كما هو الحال فى سائر أنحاء المعمورة …والحقيقة أن الالتحاق بخدمة شركات التوظيف كان مناسبا للحالة العامة للدكتور عبدالصبور شاهين الذى غادر سنوات المحنة والسجن إلى سنوات المنحة ورغد العيش، وهجر ترجماته الجادة لأفكار مفكر هام مثل مالك بن نبى، ليتبنى الخطاب الإسلامى الشعبوى الذى راج فى السبعينيات وضمن لأصحابه الجماهيرية والدخل الوفير والعمل فى ركاب تحالف الدول مع الإسلاميين، ولم يختلف عبدالصبور شاهين عن غيره من الدعاة الإسلاميين الذين أيدوا الشركات وباركوها سوى فى أنه عمل كموظف فى شركة الريان أكبر هذه الشركات، ثم كمتحدث غير رسمى باسم الشركة، ثم كعضو فى مجلس إدراتها بعد أن أصبحت محل جدل وتساؤل، ثم حاول نفى علاقته بها بعد أن تم القبض على أصحابها وأصبحت العلاقة بهم أمرًا يؤخذ على صاحبه. الريان للتراث لسبب ما كان أحمد الريان الشقيق الأوسط لآل الريان، أكثرهم حرصا على المظهر الإسلامى للشركة، بدءا من الاسم الذى هو اسم باب من أبواب الجنة وليس اسم أى من الشركاء أو لقبا لهم، وليس انتهاء بالمسابقات الدينية التى كانت الشركة ترعاها فى التلفزيون والإذاعة وتتكفل بجوائز ضخمة لها، كان أحمد الريان عضوا فى الجماعة الإسلامية بكلية الطب البيطرى، قبل أن تستهويه تجارة «البيض» ثم تجارة العملة وينشغل عن دراسته، وفى إطار المحافظة على هذا السمت الإسلامى والذى كان عامل جذب لملايين الجنيهات من أموال المودعين، أطلق احمد الريان «دار الريان للتراث» والتى كانت فى حقيقتها دار نشر إسلامية تتولى إعادة طبع الكتب التراثية فى طبعات فاخرة بأسعار مقبولة، ولم يكن هناك من يصلح للإشراف على الدار من وجهة نظر أحمد الريان سوى عبدالصبور شاهين الذى كان من نجوم الثمانينيات فى مجال الدعوة، فهو دائم الظهور فى برامج التلفزيون المصرى، وعلى صفحات الصحف، وهو عضو فى مجلس الشورى عن الحزب الوطنى الذى يشغل أمانة لجنته الدينية، وهو خطيب واحد من أكبر مساجد مصر وهو عمرو بن العاص.. وكان عبدالصبور شاهين بمثابة مستشار ثقافى للمجموعة ولا شك أنه كان يتولى تدقيق اختيارات الكتب وضمان إعادة طباعة نسخ مدققة منها. البقية فى الأسبوع المقبل 2