«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روز اليوسف تنشر فصولًا من «دعاة عصر مبارك» ل«وائل لطفى» دعاة الثمانينيات جذور خادعة وثمار سامة! "الحلقة 1"

لا يمكن دراسة تاريخ الدعاة الجماهيريين فى مصر دون التقاطع مع جماعة الإخوان وعلاقتها بالسلطة، ذلك أن هذه الدراسة تنطلق من فرضية تقول إن مشاهير الدعاة المنتمين للإخوان هم الذين تولوا عملية «أسلمة» المجتمع وتديينه من خلال نفوذ الإعلام الضخم، وبالتواطؤ مع دوائر فاعلة فى دولة مبارك، ولا يعنى هذا أن المراحل المتأخرة فى العلاقة بين دولة مبارك والإخوان قد شهدت محاولات لتحجيم نفوذ الجماعة، وتوجيه ضربات صغيرة لها.

لكن الواقع يقول إن السيف آنذاك قد سبق العذل، حيث تمكنت الجماعة فى الاثنى عشر عامًا الأولى من حكم الرئيس مبارك من نشر شبكة نفوذ واسعة فى المجتمع بالاتفاق مع مؤسسات الدولة، حيث سيطرت سيطرة شبه كاملة على الاتحادات الطلابية الجامعية، ونوادى أعضاء هيئة التدريس فى الجامعات، والنقابات المهنية الكبرى والفاعلة مثل نقابتى الأطباء، والمهندسين، ثم المحامين فى عام 1992، ولا يمكن طبعًا تجاهل السماح للجماعة بالمشاركة فى الانتخابات البرلمانية عام 1984 عبر التحالف مع حزب الوفد وتمثيل الجماعة بثمانية أعضاء فى مجلس الشعب، ثم المشاركة على نطاق أوسع فى انتخابات 1987 عبر ما سمى بالتحالف الإسلامى مع حزبى العمل والأحرار، ما أدى لفوز 36 نائبًا من الإخوان فى تلك الانتخابات، صار الكثيرون منهم من نجوم الجماعة فيما تلى ذلك من سنوات، يضاف إلى ذلك إقدام الجماعة على تأييد ترشح الرئيس مبارك لفترة انتخابية ثانية فى 1987، ولا يمكن بالطبع إغفال سماح مبارك للإخوان بالسيطرة على معظم النشاط الاقتصادى الخاص من خلال الظاهرة التى عرفت باسم شركات توظيف الأموال الإسلامية، التى يجتهد مؤلف هذا الكتاب فى كشف علاقتها الحقيقية بجماعة الإخوان التى كانت المالك الحقيقى لأهم هذه الشركات، بل إن الشركات المملوكة لبعض قادة الإخوان كانت تحظى بعقود توريد حكومية سخية على حد شهادة د. خالد عودة القيادى الإخوانى ورجل الأعمال للباحث الكويتى هشام العوضى (كتاب صراع الشرعية بين مبارك والإخوان) والتى يقول فيها إن مصنعه الخاص للملابس كان يتولى توريد الملابس لمشروع (الكساء الشعبى) الذى كانت الدولة توفر بموجبه ملابس مدعومة للطلبة والموظفين فى الثمانينيات، وهو نفس ما ينطبق على مصنع للطوب حمل اسم (البنيان المرصوص) كان يورد مستلزمات البناء اللازمة لمشروعات الدولة فى الإسكان، والحقيقة أن علاقة المهادنة بين الرئيس مبارك والإخوان، لم تكن بعيدة عن رغبته فى تهدئة الوضع السياسى، ومصالحته مع المعارضة بكافة أطيافها، وربما إيجاد مساحة عازلة بين الإخوان كجماعة سياسية وبين تنظيمات العنف الخارجة من عباءتها أو التعويل على الجماعة فى استيعاب هذه الجماعات وتهدئتها، ولم يكن ذلك بعيدًا عن إيحاء الجماعة لمبارك بأنه يمكن استخدام قواعدها لتحقيق أهداف مشتركة فى ذلك الوقت من الثمانينيات، ومن ذلك مثلًا النشاط التضامنى الضخم مع ما عرف وقتها باسم (المجاهدين الأفغان)، حيث كانت مصر الرسمية جزءًا من تحالف دولى تقوده أمريكا لمقاومة الوجود السوفيتى فى أفغانستان، نفس الأمر ينطبق مع نشاط الإخوان لدعم الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987 الذى لم يكن يتعارض مع خطط الدولة المصرية فى شىء، لكن الحقيقة أنه بحلول العام 1992 أدرك مبارك أن الإخوان لم يكونوا حلفاء مخلصين له، وأنهم استغلوا فترة السماح لهم بالعمل فى مد جذور عميقة فى المجتمع، وتجنيد الآلاف من الأتباع، وبناء قواعد تمويل ضخمة، جعلتهم القوة الوحيدة الموجودة على الأرض فى مصر، بينما ينعزل مبارك ونخبته الحاكمة فى طبقات السلطة العليا إلى وقت معلوم (جاء الوقت فى يناير 2011)، وقد تضافرت عدة عوامل تشرحها الفصول القادمة بالتفصيل فى إحساس مبارك بالخطر، والخديعة وقراره بمواجهة النفوذ الجماهيرى والإعلامى والسياسى الكاسح للإخوان، أولًا عبر خطة مواجهة إعلامية للدعاة المنتمين لهم ولأفكارهم فى 1992، وثانيًا عبر المواجهات القضائية والأمنية المحدودة عام 1995، يطل هذا الكتاب على الوقائع من زاوية نظره الخاصة التى تهدف لدراسة تأثير الدعاة الجماهيريين على حالة المجتمع المصرى ومدى نجاحهم فى تحقيق خطة (الأسلمة من أسفل) وصولًا إلى لحظة إسقاط النظام فى 2011، ورغم الطابع العام للعنوان (دعاة عصر مبارك) إلا أنه من قبيل الدقة يجب الإشارة إلى أن هذا الجزء يدرس الدعاة والفاعلين الإسلاميين طوال الثمانينيات والتسعينيات فقط، مع وعد بتخصيص جزء آخر يتم فيه تقديم نظرة تحليلية جديدة لدعاة بداية الألفية، الذين سبق لكاتب هذه السطور دراستهم عبر كتابى (ظاهرة الدعاة الجدد 2005)، و(دعاة السوبر ماركت 2017).. ويبقى فى النهاية أن الحاضر هو ابن الماضى ووالد المستقبل، وأن علينا أن نتعلم من الماضى كى نحمى الحاضر ونؤمن المستقبل.. وعلى الله قصد السبيل.
مقدمة
جسر على الثمانينيات
كان المشهد الدينى فى الثمانينيات والتسعينيات جزءا من الصورة الكلية للحياة فى مصر.. وقد قادتنى دراسة دعاة السبعينيات للوصول للثمانينيات.. التى كانت أقرب لثلاجة كبيرة ضخمة دخلت فيها مصر التى كانت ساخنة جدا بفعل تفاعلات السبعينيات الحارقة، دخلت مصر الثمانينيات بحادث مأساوى مدوٍّ.. هو اغتيال الرئيس السادات فى 6 اكتوبر 1981، وتولى نائبه محمد حسنى مبارك مقاليد منصبه، لم يكن الدعاة الجماهيريون فى السبعينيات بعيدين عن مشهد الاغتيال، فقد تولى بعضهم تحريض الجماهير لأقصى درجة ممكنة للحد الذى دفع السادات لمهاجمة واحد منهم بضراوة فى آخر خطاب ألقاه قبل اغتياله بشهر واحد فقط، وفى التحقيقات مع الأربعة المتهمين باغتيال السادات كرر ثلاثة من المتهمين القول بأن الدافع الرئيسى لاغتيال السادات كان (اعتقاله للدعاة مثل الشيخ أحمد المحلاوى والشيخ عبد الحميد كشك والشيخ عمر التلمسانى)! والحقيقة أن الثمانينيات شهدت اختفاء بعض الدعاة الذين أسهموا فى تأسيس ما كان يعرف ب(الصحوة الدينية) فى السبعينيات، وكان المبرر أنهم أشعلوا النيران فى غرف إضافية من المنزل!

فقد كان المنوط بهم محاربة الأفكار اليسارية والقومية فى المجتمع، لكن بعضهم تجاوز دوره ومزق ورقة تحالفه مع نظام الرئيس السادات.. وهكذا خرج الشيخ عبد الحميد كشك (1933-1996) من المعتقل إلى منزله، وظل محتجبا عن الخطابة خمسة عشر عاما كاملة، وهو نفس ما فعله الشيخ أحمد المحلاوى الداعية السكندرى الشهير (1925-2022) الذى قضى فترة حكم الرئيس مبارك كاملة فى منزله، ثم خرج للضوء مرة أخرى بعد يناير 2011 كقيادة دينية من الإخوان المسلمين، وفى الوقت الذى غادر فيه الشيخ محمد الغزالى مصر فى 1983 إلى الجزائر للتدريس فى جامعاتها ولعب دورا شبيها بالدور الذى لعبه فى مصر السبعينيات- أسلمة المجتمع ومقاومة سيطرة الثقافة الغربية.
أما الشيخ إبراهيم عزت (1939-1983) مؤسس جماعة التبليغ والدعوة، والقيادى السابق فى جماعة الإخوان، فقد رحل فى بداية الثمانينيات فى حادث طبى أثناء وجوده فى باخرة عائدا من العمرة، وهكذا غاب معظم الدعاة الذين أسهموا فى صناعة (الصحوة الدينية )فى السبعينيات عن المشهد الجديد فيما عدا داعية واحد هو الشيخ محمد متولى الشعراوي (1911-1998) الذى كان استثناء من كل قاعدة، وقد زاد تأثيره الكبير فى الثمانينيات لاعتبارات عدة منها انتشار أجهزة التلفزيون التى كان يطل من خلالها فى جميع البيوت المصرية بشكل أكثر مما كان عليه الوضع فى السبعينيات بكثير، وفهمه هو نفسه للتغيرات السياسية، وذكاؤه فى التعامل معها، فقد أوضح بشكل غير مباشر أنه لم يكن راضيا عن آخر ثلاثة أعوام من حكم الرئيس السادات، ويصف توليه لوزارة الأوقاف فى عهده بأنه (ابتلاء خلصنا الله منه)، وأعلن أنه رفض ترشيح السادات له للتعيين فى مجلس الشورى، وللتدريس، وترك للصحفيين حرية الحديث عن عدائه للسيدة جيهان السادات وبمشروع قانون الأحوال الشخصية التى وقفت وراء طرحه على مجلس الشعب 1978، وقال للصحف إنه أرسل برقية احتجاج للرئيس السادات عقب آخر خطاب له، الذى وصف فيه الشيخ المحلاوى بأنه (فى السجن مثل كلب)، ورغم أنه لا يوجد دليل واحد على صحة هذه المعلومات، إلا أن الصحف نشرتها مع إشارات أخرى تفيد بعدم رضا الشعراوى عن السنوات الأخيرة فى حياة السادات السياسية، منها مثلا حوار نشرته له الأهرام مع الكاتب الصحفى صلاح منتصر صاحبته صورة قديمة للسادات وهو يتبادل نخب السلام مع (مناحم بيجن) رئيس وزراء إسرائيل، وهى صورة لم يحبها المصريون لأسباب دينية وسياسية مفهومة، مارس الشعراوى بذكاء لعبة التوزان بين الدولة والجماعات الدينية المنتشرة، فهو من جهة يجرم استخدام الجماعات للعنف، وسعيها للسلطة، ومن جهة أخرى يطالب الحكومة بتطبيق الشريعة الإسلامية، ويقول إن الإسلام نظام شامل لكل مناحى الحياة، ويمتدح الإخوان المسلمين ويصفهم بأنهم (شجرة وارفة) وإن كان يأخذ عليهم أنهم (استعجلوا قطف الثمار)، وقد ارتبط اسمه فى الثمانينيات بقوة بظاهرة شركات توظيف الأموال، وأسهم بشكل دائم فى افتتاح مشروعات شركة الهدى مصر لتوظيف الأموال على الطريقة الإسلامية، وعندما انتقدته الصحافة قال إن علاقة قديمة تربطه بوالد أصحاب هذه الشركة، وأنه لا يعمل موظفا لديهم، ودافع الشعراوى بضراوة عن الشركات التى خصصنا فصلا لها فى هذا الكتاب، وحمل الحكومة لا أصحاب الشركات مسئولية ضياع أموال المودعين بعد انفجار الأزمة، وبشكل عام فقد كان الشيخ الشعراوى النموذج الأول للدعاة الجدد فى المجتمع المصرى من حيث القدرة على استخدام وسائل الإعلام والحديث للجمهور بلغته والتحرر من المظهر الرسمى للعالم الأزهرى (الجلباب الريفى بدلا من العمامة والقفطان) والعلاقة القوية للغاية بالأثرياء ورجال الأعمال، والصعود الطبقى للداعية حتى يصبح واحدا من النخبة الاقتصادية والاجتماعية، وقد انطبقت كل هذه المعايير على الشيخ محمد متولى الشعراوي، الذى خصصنا له فصلا كاملا فى كتاب (دعاة عصر السادات- دار العين 2021) كما انطبقت على دعاة آخرين شملتهم هذه الدراسة مثل عمر عبد الكافى وياسين رشدى.وقد قدم كل منهما نفسه على أنه تلميذ مخلص للشيخ، ومدافع جرىء عنه.
يتطرق هذا الكتاب أيضا لمرحلة ما بعد جمود الثمانينيات الذى قادت إليه سياسات الرئيس مبارك التصالحية مع الإخوان والتيار الإسلامي طوال الفترة من أكتوبر 1981وحتى أواخر عام 1992.. حيث سمح لهم بخوض الانتخابات البرلمانية فى عامى 1984، و1987 فضلا عن السيطرة على مجالس نقابتى الأطباء والمهندسين، والاتحادات الطلابية فى الجامعات، ونوادى أعضاء هيئة التدريس، فضلا عن السماح بشركات توظيف الأموال التى كان معظمها واجهة اقتصادية للإخوان ثم محاولة إيقافها بعد ضياع أموال المودعين، وقد استغلت الجماعة هذه المهادنة الرئاسية فى التمكين والانتشار والتوسع فى غفلة من أجهزة الدولة.. ويمكن اعتبار العام 1992 هو بداية انتباه أجهزة الدولة لخطورة سياسات مهادنة الإخوان والتيار الإسلامى بشكل عام لاعتبارات مختلفة أهمها عودة جماعات العنف لضرب السياحة واغتيال المسئولين، ووقوع حادث اغتيال الكاتب فرج فودة فى يونيو 1992 بعد شهور قليلة من مناظرته مع مرشد الإخوان حول مفهوم الدولة الدينية، وشق الإخوان عصا الطاعة عن الدولة بعد حرب الخليج الأولى، على عكس الوضع فى الثمانينيات، حيث كانت جهودهم فى دعم الجهاد الأفغانى تصب فى مجرى الإرادة الرسمية والتحالف المصرى الأمريكي، كان من أسباب الانتباه لخطورة المهادنة مع الإسلاميين أيضا ما نشرته الصحافة الأمريكية عن نفوذ المتطرفين في (إمبابة) وحكمهم لشوارعها تحت قيادة شخص عرفته الصحافة باسم (جابر الطبال)، وكذلك استغلال الإخوان لوقوع زلزال أكتوبر 1992 فى تقديم أنفسهم كبديل قوى لجهود الإغاثة الحكومية الضعيفة، ورفعهم لشعار «الإسلام هو الحل» على الخيام التى أقاموها لإغاثة المنكوبين، واستغلالهم لإمكانات النقابات التى سيطروا عليها فى الدعاية للجماعة ونقل تلك الصورة الدعائية للصحافة الأجنبية التى بدأت تتحدث عن فرص الإخوان فى حكم مصر.. والى جانب عوامل أخرى مختلفة ليس محلها هذا البحث، فقد أدى انفضاض تحالف دولة مبارك والإخوان لحوادث متعددة كان أبطالها بعض من درسناهم فى هذا الكتاب، فقد ظهرت لأول مرة جهود المثقفين فى التصدى للتيار الإسلامى عام 1992 وليس قبل ذلك، فظهرت لجنة الدفاع عن الوحدة الوطنية وقوامها من المثقفين اليساريين والعلمانيين، وتشكلت جبهة تضامنية من المثقفين لرفض تكفير د. نصر حامد أبو زيد (1943-2010) وهو ما تعرضنا له باستفاضة فى الفصلين الخاصين بالداعية يوسف البدرى والدكتور عبد الصبور شاهين، وحدث تغيير فى قيادة مجلة روز اليوسف نتج عنه تحولها لنقطة اشتباك أمامية مع التيار الدينى وانتقادها بحدة للداعية عمر عبد الكافى والشيخ الشعراوى، وهو ما تعرضنا له فى الفصل الخاص بالداعية عمر عبد الكافي، ومنذ عام 1992 شهدت مصر مجموعة من الأحداث الصاخبة فى المشهد الدينى بغير أدوات العنف المباشر، تمثلت فى استخدام الدعاوى القضائية فى التكفير، ومصادرة الأفلام، والاحتجاج على بعض الروايات ودواوين الشعر، ومطاردة المبدعين فى المحاكم.. وهى كلها أحداث تعرضنا لها فى بعض فصول هذا الكتاب.. ومع التغيرات الاقتصادية وعودة المهاجرين للخليج ونمو الطبقة الوسطى العليا ظهر الدعاة الجدد منذ الثمانينيات واستمروا فى العمل حتى سقوط نظام الرئيس مبارك نفسه ومشاركة بعضهم فى رسم المشهد بعد رحيله، وقد قام كاتب هذه السطور بدراسة الظاهرة تفصيلا فى كتابين صادرين عن دار العين هما (ظاهرة الدعاة الجدد 2005)و (دعاة السوبر ماركت 2018)، وقد رأيت أن أخصص هذا الكتاب لدراسة أشخاص وظواهر جديدة فى نفس السياق بدلا من تكرار معلومات وردت فى كتب سابقة رغم ارتباطها بالفترة الزمنية التى أدرسها فى هذا الكتاب، لذلك لم أتعرض هنا لعدد من مشاهير الدعاة بعد عام 2000، ورأيت أن أسلط الضوء على عقدى الثمانينيات والتسعينيات اللذين يخلبان لب المصريين غموضا حينا واشتياقا حينا، وكراهية أحيانا!
وتبقى خلاصة هذه الدراسة بين يدى القارئ والتى تقول فيها إن المجتمع دفع ثمن ذلك التواطؤ المبكر مع المتطرفين غاليا جدا، ولعل أكثر من دفع الثمن كان الرئيس مبارك نفسه الذى استغل المتطرفون سنوات مهادنته معهم فحفروا الأرض عميقا جدا تحت قدميه، وعندما انتبه للخطر لم تكن جهوده لمقاومته كافية ولا ناجعة ولا ناجحة.. وقد دفع الجميع الثمن حين قفز الإخوان على المشهد بعد 25 يناير 2011 ليدفع الجميع ثمنا غاليا ما زال الوطن يسدده حتى الآن.. كانت هذه محاولة للقراءة والفهم اخترت لها اسم (دعاة عصر مبارك) على سبيل الاختصار، وليتحمل كل مسئول مسئوليته أمام الشعب وأمام محكمة التاريخ.
1
2


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.