لحمايةً مستقبل الطلاب.. الوزراء: خطوات صارمة للحد من الغش بالامتحانات    محافظ الغربية يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة العام الميلادي الجديد    «القومي للإعاقة» و«شباب القادة» يبحثان إطلاق برنامج قومي للتدريب على البرمجة    «حافظ على نفسك»    وزير التعليم العالي: إنشاء قاعدة بيانات متكاملة للعلماء المصريين بالخارج    رئيس الشركة القابضة يتفقد مشروعات حياة كريمة بمركز الشهداء    وزارة الإنتاج الحربي تقيم معرضًا لمنتجات قطاع الأسرة    شعبة المواد الغذائية: البندق يتصدر أسعار ياميش رمضان متجاوزًا الكاجو والفستق    «حصاد التموين 2025»| الكارت الموحد وميكنة متابعة السلع ومراقبة الأسواق    برنامج " لا أمية مع تكافل" يسلم 100 شهادة محو أمية للمستفيدين بالمناطق المطورة    حصاد وزارة التخطيط.. تسجل الاستثمارات العامة 922 مليار جنيه بنسبة 92% من المستهدف    غضب بعد عزم إسرائيل وقف عمل عشرات منظمات الإغاثة فى غزة.. ما القصة؟    أهم الأخبار العربية والعالمية حتى الظهيرة.. لصوص يحفرون الجدار ويهربون بالملايين فى أكبر سرقة خزائن فى تاريخ ألمانيا.. بنجلاديش تودع خالدة ضياء بجنازة مهيبة.. انتهاء عضوية الجزائر فى مجلس الأمن وتولى البحرين    كييف تعلن إسقاط 101 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    الاحتلال يقتحم قرية المغير وبلدة الرام ويطلق قنابل الغاز والرصاص المطاطى    4 مصابين جراء اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي على بلدة جبع شمال الضفة    الزمالك يخوض لقاء الاتحاد السكندري في كأس عاصمة مصر بفريق الشباب    أمم إفريقيا - كاف يقرر تغريم قائد بوركينا فاسو بسبب تصريحاته ضد الحكام    عضو اتحاد الكرة: هاني أبوريدة أخرج أفضل نسخة من حسام حسن في أمم إفريقيا بالمغرب    تفاصيل فشل انتقال حامد حمدان لصفوف النادي الأهلى    «عزومة» صلاح تبهج بعثة منتخب مصر في المغرب    سقوط المتهمين باستغلال الأطفال للتسول بالإكراه في القاهرة    رفع 51 سيارة ودراجة نارية متهالكة خلال حملات مكثفة بالمحافظات    «الأرصاد» تناشد بارتداء الملابس الشتوية في احتفالات رأس السنة    رابط التقديم للطلاب في المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسي 2026/2027.. يبدأ غدا    ضبط 98 ألفًا و700 مخالفة مرورية خلال حملات مكثفة فى 24 ساعة    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بطريق السويس الصحراوى    المركز القومي للمسرح يطلق مبادرة 2026.. عام الفنانين المعاصرين    برلمانى: قرار المتحدة للإعلام خطوة شجاعة تضع حدا لفوضى التريند    نور النبوى ضيف برنامج فضفضت أوى مع معتز التونى على Watch it اليوم    إوعى تقول: مابصدقش الأبراج؟!    الإثنين.. مؤتمر صحفي للكشف عن تفاصيل مهرجان المسرح العربي    خالد الصاوي: 2025 سنة التحول في حياتي    أم كلثوم.. محطات الرحلة بين سيرة الحب وسيرة الست    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 31ديسمبر 2025 فى المنيا    القاصد: مستشفيات جامعة المنوفية تقدم خدماتها ل2.48 مليون مستفيد    صحة بني سويف ترفع درجة الاستعداد القصوى بالمستشفيات خلال الاحتفالات رأس السنة وعيد الميلاد    الليلة... نجوم الطرب في الوطن العربي يشعلون حفلات رأس السنة    زد يستدرج حرس الحدود في كأس عاصمة مصر    "هتعمل إيه في رأس السنة"؟.. هادعي ربنا يجيب العواقب سليمة ويرضي كل انسان بمعيشته    القبض على المتهمين بسرقة محل بلايستيشن فى مدينة 6 أكتوبر    أمم أفريقيا 2025| التشكيل المتوقع للجزائر وغينيا الاستوائية في لقاء اليوم    طبيبة تحسم الجدل| هل تناول الكبدة والقوانص مضر ويعرضك للسموم؟    «ماء الموز» موضة غذائية جديدة بين الترطيب الحقيقي والتسويق الذكي    مطار الغردقة الدولي يستقبل 19 ألف سائح على متن 97 رحلة طيران احتفالا بليلة رأس السنة    الحكومة تصدر قرارًا جديدًا بشأن الإجازات الدينية للأخوة المسيحيين| تفاصيل    محمد جمال وكيلاً لوزارة الصحة ومحمد زين مستشارا للمحافظ للشؤون الصحية    اليوم.. نظر ثاني جلسات محاكمة المتهم بقتل أسرة اللبيني    دميترييف يسخر من تمويل أوروبا المتحضرة للمنظمات غير الحكومية لغسل أدمغة الناس    نتنياهو: عواقب إعادة إيران بناء قدراتها وخيمة    «مسار سلام» يجمع شباب المحافظات لنشر ثقافة السلام المجتمعي    توتر متصاعد في البحر الأسود بعد هجوم مسيّرات على ميناء توابسه    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    تموين القاهرة: نتبنى مبادرات لتوفير منتجات عالية الجودة بأسعار مخفضة    "البوابة نيوز" ينضم لمبادرة الشركة المتحدة لوقف تغطية مناسبات من يطلق عليهم مشاهير السوشيال ميديا والتيك توكرز    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤى نقدية
سيرة الرواية المُحرَّمَة
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 11 - 2018

ندما جاء السادات حدث الانقلاب الكامل على كل السياسات الناصرية، ثقافيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا وعلى رأسها الحرية الإبداعية النسبية، مُضافًا إليها الانقلاب على الاتجاه الاشتراكى الناصرى فى العدالة الاجتماعية، وتحويل الاقتصاد من اقتصاد موجَّه إلى اقتصادٍ مفتوحٍ يساعد على تأسيس رأسمالية غير وطنية، لا تُراعى مصلحة الوطن بقدر ما تهدف إلى الربح وحده حتى ولو كان على حساب الوطن. وكان من الطبيعى أن تتحالف قوة الدولة الجديدة مع التيارات الإسلامية أو تيارات الإسلام السياسى بوجه عام، وترى فيها حليفًا قويًّا لمواجهة الناصريين واليساريين والقوميين كافة.
........................
وكان هذا التحالف نقيضًا لما كانت عليه علاقة عبد الناصر بالسُّلطة الدينية المُمثلة فى الأزهر، فقد تحالف السادات مع سلطة دينية مغايرة للأزهر وأكثر تشددًا منه وأكثر جمودًا وتخلُّفًا فى آن. ولم يكن التحالف بين ندَّينِ فحسب، بل أعطى السادات لحلفائه ما جعلهم فى وضع أقوى منه على مستوى التأثير الشعبى أو على مستوى العلاقة بجماهير الشعب المصرى التى ازدادت معاناتها من الفقر والأزمات الاقتصادية وغياب التعليم الحديث فى مقابل انحدار الوعى بما أدى إلى شيوع الأفكار السلفية الجامدة جنبًا إلى جنب ترييف المدينة، وانحدار الذوق الأدبى، وتغييب العقل النقدى، وذلك بما يتيح للأفكار المتشددة دينيًّا النفاذ والتأثير على وعى المجتمع بأكمله.
هكذا نشأت فئات من المجتمع مؤدلجة دينيًّا على نحوٍ متشددٍ، وتحوَّلت جماعة الإخوان المسلمين من تيار مؤسس إلى تيارات فرعيَّة متولِّدة فى السبعينيات نتجت أو ظهرت وانتشرت فى الجامعات الإقليميَّة، وساعد على نشرها رجال السادات الذين أتاحوا لها من الإمكانات ما جعلها تنافس سُلطة السادات نفسه، وتفرض عليه - من خلال مجلس الشعب - ما يؤكد مصالحها الجديدة سواء على مستوى «أسلمة الدولة» فى الدستور و«أسلمة القوانين» فى مجلس الشعب من ناحية موازية، فى موازاة الانفتاح الاقتصادى المتوحش الذى خلق فئات جديدة متحالفة مع تيارات التشدد الدينى الجديدة. وكان هذا يعنى تحالفًا ناشئًا بين رأس المال الانفتاحى والجهالة الثقافيَّة التى تقترن بتشدد دينى شعبوى. هذا التشدد الدينى الشعبوى ازداد بالتحالف الذى تم بين نظام السادات من ناحية، والسلفية الوهابية من ناحية موازية. وقد تزايدت النتائج المترتبة على هذا التحالف بقيام الثورة الإسلامية فى إيران برعاية آية الله روح الله الخمينى فى يناير 1979.
والنتيجة انفتاح الطريق أمام رجعية دينية لا حدود لتشددها. وفى هذا السياق ظهرت دور نشر مصرية بأموال سعودية، وبدأنا نسمع عن مطبوعات بدعم نفطى، ونرى مكتبات على امتداد مصر مدعومة بأموال «البترو – إسلام» كما كان يصفه المرحوم فؤاد زكريا. وأصبح الطريق مُتاحًا للعداء الكامل للنزعات الليبرالية الوفدية التى تنطوى عليها كتابة نجيب محفوظ من ناحية، أو كتابة أساتذته الذين أرادوا عقلنة الإسلام من ناحية ونفى جوانبه الخرافية أو التقليدية الجامدة فى مقابل إبراز نزعته العقلانية من ناحية موازية، كما فعل طه حسين وأشباهه من أجيال تلامذته.
وهنا ظهرت شخصيات عُرفت بكتاباتها المُعادية كل العداء للاستنارة أو لما َسَمَتهُ ب «العلمانية الكافرة»، فانقلب أنور الجندى من مادحٍ لطه حسين قبل السبعينيات إلى واصف لطه حسين بالكفر بعد السبعينيات، وانقلب الشيخ محمد متولى الشعراوى من شاعرٍ مادح لطه حسين عندما كان موجودًا فى السعودية فى الخمسينيات، إلى متأسلم مُعادٍ لكل أفكار طه حسين التى سبق أن مدحها فى الخمسينيات عندما زار طه حسين السعودية سنة 1955، وتحوَّل خالد محمد خالد من صاحب كتب من مثل: «مواطنون لا رعايا» أو «دفاعًا عن الديموقراطية» أو «من هنا نبدأ» إلى كاتب يتنكَّر لمبادئه القديمة بعد أن أُنشِئت له دار نشر خاصة ومكتبة تجارية يمتلكها، فانصرف إلى الكتابة عن «الإسلام الذى ينادى البشر» أو «لقاء مع الرسول» إلى آخر كل ما يبدو تَبَرُّؤًا من كتاباته الثورية القديمة. وأسهم ذلك كله فى إشاعة المناخ المُعادِى كل العداء للدولة المدنية فى ارتباطها بالديموقراطية، وفى الوقت نفسه العداء للدولة المدنية فى علاقتها بالعلمانية التى لم تكن – ولا تزال - تعنى الكفر، وإنما تعنى الفصل بين الدين والدولة فحسب. وكيف كان يمكن للإسلام السياسى المتشدد أن يتقبَّل أى حديث عن العدالة الاجتماعية أو الديموقراطية السياسية، بعيدًا عن الإسلام الذى روَّجوا له بوصفه دينًا ودولة فى مناخ صنعوه مع قيادة سياسية تحميهم وتروِّج لزعمهم الجديد بقيام «صحوة إسلامية»؟! وفى هذا المناخ لم يستطع السادات ضبط التوازن بينه والقوى التى أعانها على الصعود، والتى زايدت على إسلامه، فجعلت منه عدوًّا للإسلام نفسه، وقامت باغتياله فى السادس من أكتوبر سنة 1981. وعندما تولى مبارك الأمر حاول أن يمسك العصا من الوسط، وأن يعيد الأمور إلى نِصابها محاولًا مهادنة هذه الجماعات، وإحداث توازن بينها وبين الجماعات المعارضة، وعقد مصالحة وطنية وقومية تجمع ما بين الفُرَقاء من الإخوة الأعداء فى مصر، وفى الوطن العربى على السواء. ولكنه لم يفلح فى نهاية الأمر.
وفى هذا السياق التاريخى بتحولاته المتغايرة جذريًّا جاءت سنة 1988 بعد سبع سنوات تقريبًا من حكم مبارك لمصر، وإذا بالمفاجأة المفرحة تحدث، ويحصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل فى الأدب سنة 1988، وإذا بحيثيات الجائزة تشير إلى «أولاد حارتنا». ومن المفارقات الدالة أن المؤلف الهندى الأصل البريطانى الجنسية، سلمان رشدى، كان قد أصدر روايته «آيات شيطانية» سنة 1988 فى العام نفسه الذى حصل فيه نجيب محفوظ على جائزة نوبل. وإذا بالخمينى يصدر فتوى بهدر دم سلمان رشدى وكل مترجمى كُتبه. ولا تزال هذه الفتوى متواصلة إلى اليوم. وكان من الطبيعى أن تصل مجموعات الإسلام السياسى المتشددة فى مصر بين «آيات شيطانية» و«أولاد حارتنا»، فتعود «أولاد حارتنا» إلى الأضواء من جديد، وتتحوَّل بالفعل من رواية عادية إلى «رواية مُحرَّمة» بعد أن لم تكن رواية مُحرَّمة قبل ذلك، وطَبَعاتها البيروتية متاحة لكل قارئ. ويبدأ التكفير المُنظَّم لنجيب محفوظ، أولًا من مشايخ الأزهر الُمتشددين، أمثال: الشيخ عبد الحميد كشك الذى أصدر كتابًا بعنوان: «كلمتنا فى الرد على أولاد حارتنا»، وقد صدر الكتاب عن دار «المختار الإسلامى للطبع والنشر». وهى دار مدعومة من الخارج، وأن يكتب عبد العظيم المطعنى كتابًا بعنوان: «جوانيّات الرموز المُستعارة لكتاب أولاد حارتنا فى نقض التاريخ الدينى النبوى»، وقد صدر عن مكتبة وهبة فى القاهرة سنة 1996، وكتاب: «الطريق إلى نوبل 1988 عبر حارة نجيب محفوظ» للدكتور محمد يحيى ومعتز شكرى، وهو صادر عن الدار المصرية للنشر والتوزيع بالقاهرة سنة 1989. وكتاب: «نجيب محفوظ بين الإلحاد والإيمان» تأليف ديب على حسن، وأخيرًا كتاب الدكتور سيد فرج: «أدب نجيب محفوظ وإشكالية الصراع بين الإسلام والتغريب».
اللافت للانتباه أنه لم يصدر كتاب واحد أو حتى مقال منشور، يشير إلى «أولاد حارتنا» أو تكفيرها طوال السبعينيات أو حتى النصف الأول من الثمانينيات، فالهجوم لم يبدأ إلا بعد حصول نجيب محفوظ على «نوبل» والإشارة فى الحيثيات إلى رواية «أولاد حارتنا» على وجه التحديد، وكان ذلك فى سنة 1988. وبعدها مباشرة بدأ الهجوم على «أولاد حارتنا» فى ذاتها من ناحية، وفى علاقتها ب «آيات شيطانية» لسلمان رشدى من ناحية ثانية. هكذا كتب محمود الكردي: «آيات بينات للشيطان سلمان رشدى»، ورفعت سيد أحمد: «آيات شيطانية: جدلية الصراع بين الإسلام والغرب» عن الدار الشرقية بالقاهرة سنة 1989، وتواصل الربط بين روايةٍ أهدر الخمينى دم صاحبها، فى سياق أدى إلى إهدار الجماعة الإسلامية دم نجيب محفوظ، صاحب «أولاد حارتنا» التى أصبحت ملعونة منذ مطلع التسعينيات فحسب.
ما الذى يعنيه ذاك؟ إنه يعنى ببساطة أن ارتفاع الهجوم الدينى المتشدد على نجيب محفوظ وتكفيره لم يحدث إلا منذ نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، بعد تحولات جذرية فى المجتمع المصرى كله، وبعد حصول محفوظ على جائزة «نوبل» أولًا، وبعد الإشارة إلى «أولاد حارتنا» فى حيثيات حصوله على الجائزة ثانيًا. وبعد أن تحوَّلت التيارات الإسلامية إلى جماعات تكفيرية تغتال المفكرين والكُتّاب، ومنهم فرج فودة الذى اغتيل بأيدى الجماعة الإسلامية فى الثامن من يونيو سنة 1992. ولم يكن من الغريب – والأمر كذلك - أن تُصدر الجماعة الإسلامية أمرها لأحد أبنائها باغتيال نجيب محفوظ فى الخامسة من عصر يوم الجمعة 14 أكتوبر سنة 1994، فى تصاعد أحداث اغتيال المفكرين والكُتّاب الذين رأت فيهم الجماعة الإسلامية أعداء للإسلام.
والحق أن محاولة اغتيال نجيب محفوظ كانت نتيجة حتميَّة لكل الكتب والمقالات التى نُشرت فى تكفير نجيب محفوظ، وللتيارات السلفية المتشددة المنتشرة على امتداد العالم العربى، والتى كانت تعمل - ولا تزال - تحت مظلة إيرانيَّة ووهابية نفطية لمواجهة أى مَدٍّ علمانى أى أية دعوةٍ إلى الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة الصاعدة بجناحى الحرية الليبرالية والعدالة المدنية.
ومن المؤكد أن محمد شعير قد أهدر كنزًا مليئًا بالمعلومات والأسباب التى جعلت من أولاد حارتنا «رواية محرَّمة»، وذلك عندما تجاهل صحيفتي: «الحقيقة»، و»النور» التى كان من نجومهما: الشيخ محمد الغزالى، والكاتب مصطفى عدنان (وهو الاسم الرمزى للكاتب رائد عطار الذى كان كاتبًا له شأنه فى جريدة الأهرام)، وهو واحد من الذين تخصصوا فى كتابة مقالات تكفيرية فى أدب نجيب محفوظ بوجه عام و«أولاد حارتنا» بوجه خاص. وهى مقالات غزيرة يمكن جمعها الآن فى كتاب كامل فى تكفير رواية «أولاد حارتنا» وغيرها من روايات نجيب محفوظ. فضلا عن مجلتي: «الاعتصام» الناطقة بصوت جماعة الإخوان المسلمين فى مرحلتها الأولى، و«الدعوة» التى سبقت الإشارة إليها.
ومن المؤكد أن هذه الدوريات وما يماثلها من مطبوعات على وجه التحديد هى التى أكدت تحريم رواية «أولاد حارتنا» وجعلت منها «رواية محرَّمة»، ولذلك فهى تنطوى على أهمية أكبر بكثير من الأهمية التى جعلت محمد شعير يقصر انتباهه على ما هو معروف من صحافة مصرية رسمية. أما نقطة التقصير الأخرى فى جمع المعلومات، فهى ما يتصل بتوسيع الدائرة وإمكان مد عين الاهتمام إلى ما يماثل هذه الدوريات التكفيرية إلى أشباهها الممتدة من المحيط إلى الخليج، والناطقة بصوت الجماعات التى ازدادت علوًّا فى الصوت بعد هزيمة 1967، وظهور ما أصبح يسمَّى باسم: «الحل الإسلامى» تارة، أو «الصحوة الإسلامية» تارة أخرى.
ويبقى أخيرًا أن أشير إلى أن الفصل الأخير الذى كتبه محمد شعير عن رواية «اللص والكلاب»، وهو فصل يبدو خارجًا عن السياق العام للكتاب، وما كان أغنى محمد شعير عنه لو كان قد تركه إلى ما هو أكثر إفادة وارتباطًا بالموضوع وكشفًا عن كل ما لا نزال فى حاجة إلى معرفته من أسرار الاتجاهات التكفيرية التى لم تكتفِ بتحريم رواية «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ، بل تجاوزت ذلك إلى محاولة اغتياله وكادت أن تحقق غرضها لولا عناية الله وحمايته للكاتب الذى رفع راية العرب والمسلمين - فى عالم الأدب - وجعلها خفاقة تؤْذِنُ بشروق شمس النور والعجائب فى المستقبل الذى ظل نجيب محفوظ يحلم به.
أما عن الملحق الوثائقى الذى ذيَّل به محمد شعير الكتاب فما كان أغنانا عنه؛ لأننا لا نزال، ولا يزال القراء فى حاجة إلى ملحق من نوع آخر يجعلنا أكثر معرفة بكل هذه المصادر والمراجع والكُتّاب الذين جعلوا من رواية «أولاد حارتنا» رواية مُحرَّمة بحق. ويقينى الذى لا أزال عليه أن محمد شعير فى الطبعة القادمة لكتابه سوف يشبع رغبة القراء فى أن يعرفوا المسكوت عنه من المعرفة بالكتابات المسكوت عنها – عمدا أو سهوا- وما أكثرها من الكتابات التى جعلت من رائعة نجيب محفوظ «أولاد حارتنا» – للأسف والجهالة حتى بالدين الإسلامى السمح - رواية مُحرَّمة.
لمزيد من مقالات جابر عصفور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.