لست أخفى قلقى وانزعاجى من قراءات عاطفية ترى فى الحصاد النهائى للعدوان على غزة الذى راح ضحيته قرابة ألفى شهيد ونحو عشرة آلاف جريح بأنه انتصار للمقاومة لأنه مع التسليم بحق الفصائل الفلسطينية فى الزهو والاعتزاز بقدرة الصمود فى وجه الآلة العسكرية المتوحشة فإن الثمن المدفوع كان ثمنا باهظا. وكان يمكن تفاديه أو على الأقل تخفيفه إلى حد كبير لو جرى الاستماع لصوت العقل والتعامل بحكمة وموضوعية مع المبادرة المصرية منذ اللحظة الأولى لطرحها بدلا من الانتظار لأكثر من ثلاثة أسابيع جرى فيها كل ما جرى من قتل وترويع وتدمير وتخريب. ولا شك فى أن مقاومة الاحتلال حق مشروع بمختلف الوسائل ولكن اختيار وسيلة الكفاح المسلح تتطلب حسابات دقيقة لا تتعلق فقط بموازين القوى التى ندرك جميعا أنها تميل لصالح الاحتلال وإنما هناك حسابات أخرى تتعلق بمدى ملاءمة الظرف عربيا وإقليميا ودوليا مع دقة حسابات المكسب والخسارة سياسيا وأمنيا واقتصاديا. نحن إزاء صراع بالغ التعقيد ومن البلاهة أن يستمر تعامل البعض معه بأسلوب الخطب الحماسية والشعارات الرنانة التى قد تدفع بالأمور إلى مسارات تيسر لإسرائيل ضرب الوحدة الفلسطينية بعد استنزاف قدرة الصمود والتحمل فى ظل هشاشة النظام العربى الذى يمكن الدولة العبرية بين حين وآخر من الاستفراد بالشعب الفلسطينى تحت سمع وبصر مصالح إقليمية متضاربة إلى حد التصادم ونفاق دولى يتراوح بين التلكؤ والتواطؤ! وعلى الأمة العربية أن تستعيد عقلها الغائب لمنع إسرائيل من تكرار استعراض عضلاتها والتصاعد بلعبة الرغبة فى تغيير قواعد اللعبة لصالحها وحدها حتى يمكنها الانتقال إلى مرحلة إملاء الشروط وفرض الهيمنة تحت الرعاية الأمريكية وبتوافق حول تجديد تفعيل خطة الفوضى الهدامة التى تعثرت مع أكذوبة الربيع العربى وبعد انكشاف خدعة الديمقراطية وحقوق الإنسان! خير الكلام: إذا كانت البيوت أسرار فإن العقول مثلها ! http://[email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله