2- ربما يكون ضروريا ومفيدا أن ندرك أن إسرائيل تطلب المستحيل بل وتصر عليه عندما تواصل الرهان علي الأساطير ضد حقائق التاريخ وثوابت الجغرافيا, وأنه في ظل غياب الزعيم التاريخي في الدولة العبرية يصبح من الوهم نشوء أي اعتقاد بوجود حكومة إسرائيلية في المنظور القريب مستعدة للاحتكام للعقل والمنطق والتخلي عن أوهام الاستيطان والتوسع, خصوصا في القدس كثمن للسلام المنشود. والحقيقة أنه منذ بزوغ المشروع الصهيوني شكلت المدينة المقدسة هدفا استيطانيا مركزيا عند الحركة الصهيونية مع بدء المرحلة الأولي حيث أخذت عملية الاستيطان شكل التسلل بدوافع دينية واقتصادية وسياسية أثناء الحكم العثماني ليشكل هذا التسلل مرتكزا للغزوة الصهيونية, ثم جاء الاحتلال البريطاني الذي تواطأ بشكل لا لبس فيه مع الحركة الصهيونية فسمح بالهجرة بأوسع أشكالها, وأعطي الوجود اليهودي تسهيلات مبرمجة هيأت لقيام الكيان الصهيوني.وعلي الرغم من كل ذلك تجدر الإشارة هنا إلي أن ملكية الأراضي اليهودية في المدينة القديمة قبل1948 لم تتجاوز مساحة الحي اليهودي التي لا تتعدي خمسة دونمات, وأما خارج البلدة فلم يتحصل اليهود سوي علي مستشفي' هداسا' ومجمع الجامعة العبرية علي جبل المشارف وكلاهما لا يتجاوز المائة دونم ومستوطنتي' عطروت' و' نفي يعقوب' بمساحة500 دونم و449 علي التوالي. وإذا كانت القدس قد شكلت عبر تاريخها ضوءا أحمر في منعطفات التاريخ والجغرافيا, وكانت علي الدوام مطمعا ومفتاحا للسيطرة علي المنطقة بسبب خصوصيتها الاستراتيجية جغرافيا ودينيا.. فإن هناك ثمة حقيقة لا يمكن أن تغيب وهي أن القدسالغربية, التي اغتصبتها إسرائيل في حرب عام1948, هي أيضا أرض عربية اغتصبتها إسرائيل بالقوة المسلحة, وخارج ما وفره لها قرار التقسيم عام1947 ثم شيدت عليها ما شيدت من مبان وثكنات علي أنقاض قري وأراض عربية جري طرد وتهجير سكانها الفلسطينيين بالقوة... ومن العبث أن تفكر إسرائيل في أن تكرر نفس جريمتها علي القدسالشرقية أيضا! وظني أن عملية السلام التي تحطمت عدة مرات علي صخور القدس لن يكتب لها النجاح أو حتي استمرار جريان الدم في عروقها طالما بقيت عقلية الأسطورة تحكم منطقة صناعة القرار في الدولة العبرية... وليس مشروع القانون الأخير في الكنيست بشأن اجراء استفتاء قبل أي انسحاب من القدسالشرقية سوي أحد علامات اللعب بالنار التي دفعت مصر علي لسان وزير خارجيتها أحمد أبو الغيط إلي تأكيد موقف مصر الرافض لمحاولات استبعاد القدس من بنود المفاوضات.
خير الكلام: ** من كثرت مراوغاته قلت صدقيته... ومن اشتد غروره تحجرت عقليته! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله