متظاهرون مؤيدون لفلسطين يحاولون اقتحام سفارة إسرائيل في المكسيك (فيديو)    ارتفاع أسعار الريال السعودي في البنوك المصرية اليوم الأربعاء 29 مايو    بكام أسعار العدس اليوم الأربعاء 29-5-2024 في الأسواق؟    انطلاق أولى رحلات الجسر الجوى لحجاج بيت الله الحرام إلى مكة والمدينة    بسبب استمرار تسليح إسرائيل، استقالة جديدة في إدارة بايدن    فيورنتينا يصارع أولمبياكوس على لقب دوري المؤتمر الأوروبي    تفاصيل الحالة المرورية اليوم الأربعاء 29 مايو 2024    لهذا السبب.. مي نور الشريف تتصدر تريند "جوجل" في السعودية    ارتفاع أسعار النفط الأربعاء 29 مايو 2024    90 عاماً من الريادة.. ندوة ل«إعلام القاهرة وخريجى الإعلام» احتفالاً ب«عيد الإعلاميين»    3 دول أوروبية تعترف رسميا بدولة فلسطين.. ماذا قال الاحتلال الإسرائيلي؟    الخارجية الروسية تعلق على تصريح رئيس الدبلوماسية الأوروبية حول شرعية ضرب أراضيها    هجوم مركّز وإصابات مؤكدة.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إسرائيل يوم الثلاثاء    عاجل | حدث ليلا.. 4 دول تستعد لحرب نووية وخطر يهدد أمريكا وصدمة جنود الاحتلال    تنسيق الشهادة الإعدادية 2024.. شروط المدارس الثانوية العسكرية والأوراق المطلوبة    شعبة المخابز تكشف حقيقة تحريك سعر رغيف العيش    تواصل أعمال تصحيح امتحانات الشهادة الإعدادية بالبحر الأحمر والنتيجة قبل عيد الأضحى    «الرفاهية» تتسبب في حظر حسابات السوشيال بفرمان صيني (تفاصيل)    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأربعاء 29 مايو 2024    تحفة معمارية تزين القاهرة التاريخية.. تفاصيل افتتاح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    أفضل دعاء الرزق وقضاء الديون.. اللهم ارزقني حلالًا طيبًا    «الخشت» يصدر قرارا بتعيين وكيل جديد ل«طب القاهرة» لشؤون خدمة المجتمع    الصحة: روسيا أرسلت وفدا للاطلاع على التجربة المصرية في القضاء على فيروس سي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    وظائف السعودية 2024.. أمانة مكة تعلن حاجتها لعمالة في 3 تخصصات (التفاصيل والشروط)    محمد فاضل بعد حصوله على جائزة النيل: «أشعر بالفخر وشكرًا لوزارة الثقافة»    10 أطعمة تحمي العين وتقوي البصر.. تناولها فورا    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29 مايو في محافظات مصر    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    «كان زمانه أسطورة».. نجم الزمالك السابق: لو كنت مكان رمضان صبحي ما رحلت عن الأهلي    توقعات بطقس شديد الحرارة داخل مكة اليوم الأربعاء    شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    جوزيف بلاتر: أشكر القائمين على منظومة كرة القدم الإفريقية.. وسعيد لما وصلت إليه إفريقيا    يرسمان التاتوه على جسديهما، فيديو مثير لسفاح التجمع مع طليقته (فيديو)    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    فشلت للمرة الرابعة.. آمال كيم "التجسسية" تتطاير في الهواء    وزير الصحة التونسي يؤكد حرص بلاده على التوصل لإنشاء معاهدة دولية للتأهب للجوائح الصحية    شيكابالا يزف بشرى سارة لجماهير الزمالك بشأن زيزو    شيكابالا يكشف عن نصيحته ل مصطفى شوبير بشأن الرحيل عن الأهلي    حسين حمودة: سعيد بالفوز بجائزة الدولة التقديرية في الأدب لاتسامها بالنزاهة    كريم العمدة ل«الشاهد»: لولا كورونا لحققت مصر معدل نمو مرتفع وفائض دولاري    هل طلب إمام عاشور العودة إلى الزمالك؟.. شيكابالا يكشف تفاصيل الحديث المثير    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    كريم فؤاد: موسيمانى عاملنى بطريقة سيئة ولم يقتنع بى كلاعب.. وموقف السولية لا ينسى    3 أبراج تجد حلولًا إبداعية لمشاكل العلاقات    أسماء جلال تكشف عن شخصيتها في «اللعب مع العيال» بطولة محمد إمام (تفاصيل)    ارتفاع أسعار الذهب بعد 4 أيام من التراجع    إبراهيم عيسى يكشف موقف تغيير الحكومة والمحافظين    إصابة 17شخصًا في تصادم ميكروباص بفنطاس غاز بالمنيا    رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى 2024    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    اليوم.. محاكمة المضيفة المتهمة بقتل ابنتها في التجمع الخامس    الوقاية من البعوضة الناقلة لمرض حمى الدنج.. محاضرة صحية بشرم الشيخ بحضور 170 مدير فندق    ننشر أسماء المتقدمين للجنة القيد تحت التمرين في نقابة الصحفيين    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس 2025 - الموعد والضوابط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل ستبقي إسرائيل إلي أن تحتفل بالعيد المئوي للاستقلال؟

كتب الناقد والمفكر الأمريكي بنيامين شوارتز هذا المقال في عام 2005 في مجلة ذا أتلانتك الأمريكية المرموقة والتي تأسست عام 1857، ولكن أعيد نشره مؤخرا بعد تسرب تقرير سري من «سي آي إيه» قبل أسابيع لإحدي الصحف الإسرائيلية حول المستقبل القاتم لوجود إسرائيل كدولة في الشرق الأوسط. وبقي مقال شوارتز بدون تغيير وتحديث بعض المعلومات السياسية التي كانت سائدة في عام 2005 مثل كون رئيس الوزراء الإسرائيلي هو شارون ونائبه هو أولمرت. ويرجي ملاحظة دقة وسياق العبارات عند الإشارة إلي مصطلح «الأراضي المحتلة» لأنها قد تعني أحيانا المحتلة عام 1967 فقط بحسب شوارتز. وكالعادة الكلمات التي بين (قوسين) للمترجم وكذلك علامات التعجب. ونلفت النظر لوجود مفاجآت وإضاءات فكرية مهمة في المقال مثل السبب الحقيقي والخطير وغير المعلن لقيام المجرم شارون ببناء «الجدار الفاصل» في الضفة الغربية، وكذلك نقاش المثقفين الإسرائيليين مع الكاتب عن الخطأ الاستراتيجي القاتل الذي ارتكبه قادة الصهيونية العالمية في بداية القرن العشرين عندما اختاروا فلسطين وطنا قوميا لهم من وجهة نظرهم طبعا.
بنيامين شوارتز.. ناقد ومفكر أمريكي يهودي ولد عام 1963 وحصل علي ماجستير في التاريخ من جامعة ييل Yale العريقة ويعمل محاضرا «غير متفرغ» للعلوم الإنسانية (سياسية وتاريخية) في جامعة كاليفورنيا-لوس أنجلوس UCLA. وهو كبير محرري مجلة «ذا أتلانتك» للشئون الثقافية والسياسة الداخلية الأمريكية. وبإشراف شوارتز، توسع القسم الثقافي والأدبي في مجلة أتلانتك ليصبح مهيمنا علي المجلة تقريبا مرة أخري كما كان الوضع عندما تأسست مما ساهم في زيادة شعبيتها لدي الإنتلجنسيا Intelligentsia أي صفوة النخبة المثقفة الأمريكية. بل ويعتقد البعض أن «ذا أتلانتك» هي التي تحدد وتفرض أهم مواضيع النقاش الفكري للإنتلجنسيا الأمريكية. وعمل شوارتز سابقا لعدة سنوات كباحث ومحلل في الشئون السياسية لدي مؤسسة راند RAND التي تعتبر أهم خزان تفكير متخصص في الشئون الاستراتيجية والعلاقات الدولية والقضايا العسكرية والتي تنفذ دراسات خاصة لحساب كل من وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين. يكتب شوارتز باستمرار مقالات منتظمة في السياسة الداخلية والخارجية ولمراجعة الكتب الجديدة في أهم المطبوعات الأمريكية ذات المصداقية العالية والتي تؤثر في السياسة الأمريكية بقوة مثل جريدة «نيويورك تايمز»، وجريدة «واشنطن بوست» وجريدة «لوس أنجلوس تايمز» ومجلة «فورين بوليسي» وغيرها من المطبوعات الجادة. كما عمل لسنوات عديدة محللا سياسيا في معهد بروكينجز الذي يعتبر أحد أهم خزانات التفكير السياسي/الاجتماعي الاستراتيجية في أمريكا. حصل شوارتز علي العديد من الجوائز الوطنية لكتاباته المتميزة بالعمق والابتكار في التحليل التاريخي والسياسي. كما حصل شوارتز عدة مرات علي الجائزة الوطنية الأمريكية كأفضل ناقد أمريكي متخصص في مراجعة الكتب Book Review.
نص المقال
منذ سنوات بذلت منظمة التحرير الفلسطينية جهودا حثيثة لكبح جماح المتشددين الفلسطينيين وكان هناك حديث وإشاعات بأن اسرائيل قد تفرج عن سجناء فلسطينيين، ولكن التطور الأهم من هذين هو وجود تكتلات قوية في كلا الطرفين تبتهل إلي الله بصدق ليموت زعيمها بسرعة (محمود عباس وآرييل شارون). ولعل مفارقة وجود أشخاص متطرفين يحملون مثل تلك الأمنيات الخطيرة في كلا جانبي الصراع يعتبر أكبر حافز يجعل شارون وعباس يسعيان معا وبجدية لتحقيق السلام رغم وجود شواهد تعارض هذا التحليل، فدعونا لا ننسي أن شارون كان مسئولا عن «مذبحة صبرا وشاتيلا» في لبنان، وأن الرئيس الفلسطيني عباس كتب رسالة دكتوراة أنكر فيها الهولوكوست!!!
ولكن الآن للأسف وحقا، فإن نفس الظروف التي دفعت الجانبين نحو «محاولة» التكيف مع مطالب كل منهما بدأت تعمل ضد السلام. في الواقع، إنها ظروف عصيبة تشير في اتجاه كارثة.
الصراع الفلسطيني - الصهيوني متجذر جدا وتكمن إشكاليته الحقيقية في الأرض والديموغرافيا (السكان). مؤسسو الصهيونية قد يكونون بالفعل أطلقوا الشعار المثير والشهير «أرض بلا شعب لشعب بدون أرض»، ولكنهم في الحقيقة وعلي أرض الواقع أدركوا أن «تحويل» أراض «عربية» إلي دولة «يهودية» يحتاج إلي قلب الواقع الديموغرافي (السكاني) تماما وذلك بزرع عدد ضخم من المهاجرين اليهود الأجانب، وفي نفس الوقت تحويل (ترانسفير) بالطوع إن أمكن أو بالقوة عند الضرورة أعداد كبيرة من سكان فلسطين الأصليين من تلك المناطق المخصصة للدولة اليهودية.
ومن جانبهم ، رفض الفلسطينيون مقترحات لجنة بيلPeel البريطانية التي صدرت عام 1937 (تعليق المترجم: وهي اللجنة البريطانية التي تشكلت لدراسة أسباب الانتفاضة الفلسطينية عام 1936 والتي أوصت لأول مرة بتقسيم فلسطين. انتهي تعليق المترجم). وكذلك رفضوا في 1947 قرار الامم المتحدة رقم 181 بتقسيم فلسطين. رفض قيام أي دولة يهودية في فلسطين كان شعار الحركة الوطنية الفلسطينية منذ إنشائها في العشرينات من القرن المنصرم علي الأقل حتي التسعينات منه، بل ويعتقد كثير من الاسرائيليين - بحق - أن نفس ذلك الرفض لايزال يغذي الحركة الوطنية الفلسطينية بكل توجهاتها حتي يومنا هذا.
يؤكد المفكران (الإسرائيلي) باروخ كيمرلينغ و(الأمريكي) جويل ميجدل في كتابهما التاريخي والسيسيولوجي الشامل والمذهل والمتعاطف مع الفلسطينيين «الفلسطينيون: صناعة شعب» أن المرتكز الأساسي للحركة الوطنية الفلسطينة لا يزال هو «حق العودة» لأولئك ال 700,000 فلسطيني الذين طردوا من الاراضي الاسرائيلية في عام 1948 وما بعدها وكذلك لجميع ذريتهم والذين قد يبلغ مجمل تعدادهم حاليا خمسة ملايين تقريبا. وهو «الحق» الذي لو تم تنفيذه فسوف يعني لا محالة نهاية الأغلبية الديموغرافية اليهودية في إسرائيل إلي الأبد.
ونظرا لمغادرة هؤلاء اللاجئين فلسطين من جهة وفي نفس الوقت الهجرة الجماعية لليهود إلي فلسطين في أواخر الأربعينات والخمسينات، شكل الفلسطينيون في البداية أقلية صغيرة من مجموع سكان الدولة اليهودية الكلي. ولكن، بطبيعة الحال، منذ حرب يونية 1967 احتلت اسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة وهي أراض تقطنها أغلبية فلسطينية ساحقة. ولكن الأكثر أهمية في المدي الطويل، هو ثبوت صدق القول المأثور لياسر عرفات بل نبوءته المرعبة بأن: «أهم سلاح يملكه الفلسطينيون هو رحم المرأة». فمعدل المواليد في الأراضي المحتلة أعلي بكثير من اسرائيل، ولذلك سوف يصبح اليهود قريبا أقلية في الأراضي التي احتلوها (بعد عام 1967) أو يحكمونها من نهر الأردن إلي البحر الأبيض المتوسط وتشير بعض الدراسات أن هذا قد حدث بالفعل. ويتوقع بعض علماء الديموغرافيا أنه خلال خمسة عشر عاما سوف يشكل اليهود جالية صغيرة أو أقلية لا تزيد علي 42% من السكان في هذه المنطقة.
ولهذا السبب، ناقش زعماء إسرائيل لعدة عقود بعد حرب يونية 1967 الحكمة والفائدة من ضم الأراضي المحتلة في تلك الحرب إلي دولتهم، وبعد تقريبا خمس سنوات من النقاش الفكري الشعبي والرسمي العام، حدث شبه توافق في الآراء في المؤسسات السياسية والعسكرية والمخابراتية بأن إسرائيل يجب ان «تنسحب» ، أكرر نعم «تنسحب»، من «معظم» أو أساسا جميع تلك الأراضي المحتلة، وبالطبع هناك فروقات جوهرية مهمة بين مصطلحي «معظم الأراضي» أو «جميع الأراضي» بالنسبة للفلسطينيين. وفي حالة وجود فرصة اختيار للعيش في ظل دولة ديمقراطية أو في دولة يهودية، فإن الفلسطينيون في الغالب لن يختاروا دولة مستقلة لهم فقط وهو ما يعرف ب «حل الدولتين»، بل سيختارون العيش مع اليهود في دولة واحدة «ثنائية القومية» يحكمها الأكثرية بطريقة «ديمقراطية» علي أساس مبدأ «مواطن واحد ، صوت واحد» ، وهو ما يعرف ب «حل الدولة»، وفي هذه الحالة كما قال نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي (في عام 2005) إيهود أولمرت: «سنخسر كل شيء»!!
الحقيقة وراء الجدار العازل
وخوفا من أن يعتقد المزيد والمزيد من الفلسطينيين أن الزمن يعمل لصالحهم، وأنهم، لهذا، سيسعون لحل «الدولة الواحدة»، قررت حكومة شارون القيام بانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة (حيث تبلغ نسبة الفلسطينيين بالنسبة لليهود 150 ضعفا) كما قامت ببناء «الجدار العازل» أو «الجدار الفاصل» هو عبارة عن حاجز طويل بنته إسرائيل في الضفة الغربية قرب الخط الأخضر لمنع دخول سكان الضفة الغربية الفلسطينيين لإسرائيل أو في المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الخط الأخضر، وبالرغم من عدم كون هذا الجدار الفاصل يتبع مسار الخط الأخضر، فإن هذا «الجدار الفاصل» يعزل جميع الفلسطينين في الضفة الغربية عن إسرائيل. هذا «الجدار الفاصل» قد تم تبريره ووصفه - كذبا - بأنه حاجز ل «مكافحة الارهاب»، ولكن في الواقع كانت خطته قد وضعت بسبب «الخطر الديموغرافي القاتل» وقبل بداية حملة التفجيرات الاستشهادية (في النص الأصلي: الانتحارية) الفلسطينية، أي أنه كان وسيلة لفصل إسرائيل سياسيا واقتصاديا عن الديموغرافيا الفلسطينية المتزايدة بسرعة هائلة والفقيرة في نفس الوقت. بل حقا لقد وصف أهم عالم جغرافيا إسرائيلي وهو البروفسور أرنون سوفير من جامعة حيفا هذا الجدار العازل بأنه «محاولة يائسة أخيرة لانقاذ دولة اسرائيل». والمعروف أن سوفير يدعو باستمرار للتنازل عن القدس الشرقية وكذلك عن المناطق ذات الأغلبية العربية داخل حدود اسرائيل ما قبل عام 1967 لنزع فتيل ما يسميه «القنبلة الديموغرافية الزمنية».
جهود شارون أحادية الجانب لفك الارتباط التي لولاها لبقي المزيد من المستوطنات اليهودية ، ولمنح الفلسطينيين أراض أقل من خطط السلام الحالية ، مما سيخلق كيانا فلسطينيا مستقلا ولكن تقريبا «بدون» سيادة فلسطينية يتكون من كانتونات cantons (تعليق المترجم: الكانتون Canton: مصطلح سويسري في الأصل يعني مقاطعة أو منطقة إدارية صغيرة ومنفصلة، والمقصود من استعمال مصطلح كانتون هنا الانتقاص من السيادة الفلسطينية. انتهي تعليق المترجم).
جهود شارون أحادية الجانب هذه شجعت عباس للدخول في مفاوضات. وهكذا وبدون أدني شك استنتجت القيادة الفلسطينية أنه من الأفضل لها أن تتفاوض بدلا من أن تضطر إلي مواجهة الحقائق التي ستفرضها إسرائيل علي أرض الواقع. في تلك الحالة ، لماذا لا يمكن أن نتوقع أن المشاكل السياسية الناجمة عن الديموغرافيا والأرض يمكن أن تؤدي إلي سلام ملزم ومرض للطرفين؟ الإجابة الأولي عن هذا التساؤل وهي الأكثر وضوحا: هي أن «الفجوة» بين ما قد يتفق عليه «القادة السياسيين» للطرفين وبين - وهذا الأهم - ما ستوافق عليه «شعوبهم» حجمها ضخم جدا. كل شخص عاقل من اليسار أو اليمين في كلا المعسكرين يتفق علي الخطوات المنطقية الضرورية للسلام، ولكن النظام السياسي الانتخابي الاسرائيلي والمزاج الوطني الإسرائيلي الذي يفرضه يبدو أنهما يجعلان هذه الخطوات مستحيلة التحقيق. فعلي سبيل المثال، بعد ما يقرب من أربعين عاما من بناء المستوطنات في الضفة الغربية فإن المستوطنات القريبة من الخط الأخضر أصبح لها جذور مجتمعية عميقة جدا وربما تكون أصبحت جزءا لا يتجزأ مطلقا لكثير من الاسرائيليين لكي يوافقوا علي مجرد مناقشة فكرة التخلي عنها ، ربما بنية وخطة مقصودة. وهذا الأمر، بالطبع ، لا يمكن مقارنته مع العقبات التي تواجه الفلسطينيين المعتدلين. فجماعات متطرفة مثل حماس والجهاد الإسلامي ، والتي تسعي لتدمير إسرائيل، ليست هامشية بالتأكيد. كما يبدو أن الفلسطينيين يطالبون بحق العودة بإصرار، والإسرائيليون يعارضون ذلك بكل عناد. فتقريبا 98.7% من اللاجئين الذين شملهم استطلاع في عام 2001 رفضوا «التعويض المالي» بدلا من «حق العودة». وعندما أجري نفس الاستطلاع لعينة فلسطينية مستقرة من غير اللاجئين كانت نسبة رفض التعويض المالي تقريبا 93.1% (تعليق المترجم: مما يدل علي الإجماع الفلسطيني علي حق العودة والحمد الله لأنه السلاح الاستراتيجي الذي تخشاه إسرائيل). وبالنظر إلي أن عباس وعد أن يقدم اتفاقية «وضع سلام نهائي» لاستفتاء شعبي فلسطيني في الأراضي المحتلة وعرضها كذلك علي زعماء العالم العربي، وهو بالمناسبة وعد تجاهلته الصحافة الغربية، فإن فرص التوصل الي سلام حقيقي، بعكس ما يصفه الفلسطينيون بهدنة أو هدنة تكتيكية، تبدو في الحقيقة ضئيلة أو منعدمة.
ولكن حتي مع افتراض أنه يمكن التوصل إلي تسوية شاملة ، فإن مستقبل وجود اسرائيل علي المدي الطويل يبدو قاتما. يروي عن القيادي الفلسطيني المعتدل والراحل فيصل الحسيني (رحمه الله) والذي ينتمي لعائلة مقدسية عريقة قوله الدقيق والمصيب : «أنا أقلق بخصوص اليوم، ولكن يتعين علي الاسرائيليين القلق بشأن المستقبل». القضية الفلسطينية اليوم مهلهلة. ومن ناحية أخري، إسرائيل تتفاوض من موقع القوة العسكرية التي لا يمكن منافستها فيه. لكن المشروع الصهيوني لم يستطع مطلقا تجاوز الحقائق الديموغرافية (السكانية) والجغرافية التي أزعجته منذ تأسيس إسرائيل. وبغض النظر عن الازدراء الأخلاقي الذي يمكن للمرء أن يشعر به تجاه تصلب أي من الطرفين ، فإن بذور مشكلة اللاجئين الفلسطينيين زرعت عندما اعترفت اسرائيل في عام 1948 أنه لا يمكنها الاستمرار في العيش مع تركيبة سكانية فلسطينية كبيرة ومعادية. في الواقع ، حتي العدد القليل نسبيا من الفلسطينيين الذين بقوا في إسرائيل بعد حرب الاستقلال عاشوا تحت الحكم العسكري حتي عام 1966، اليوم عرب إسرائيل أي الفلسطينيون الذين يعيشون داخل حدود اسرائيل ما قبل عام 1967 وفي القدس الشرقية يملكون واحدا من أعلي معدلات النمو السكاني في العالم، وعلي وجه التحديد عرب اسرائيل في صحراء النقب هم الأعلي نسبة ، ويشكلون الآن نحو 20% من سكان اسرائيل. علماء الديموغرافيا يتوقعون أنهم سوف يشكلون ما يقرب من ربع السكان بحلول عام 2020 ، وسيرتفعون إلي 30% بحلول عام 2050، هذه الأرقام لا تشمل حوالي 150,000 فلسطيني تقريبا لا يحملون جنسية إسرائيلية ولكن يعملون داخل إسرائيل بصورة غير شرعية. وجود هذه الأقلية الفلسطينية الكبيرة ذات السمة العدائية لإسرائيل خلقت تاريخيا صراعا ومطالبة بثنائية قومية مما سيؤدي إلي إضعاف الدولة اليهودية لا محالة.
نمو فلكي للسكان
والأكثر إزعاجا أن دولة فلسطينية مستقبلية محشورة بين الخط الأخضر والأردن وقطاع غزة ستكون ذات نمو فلكي للسكان. فعدد السكان في قطاع غزة يتضاعف الآن خلال فترة جيل واحد فقط (تعليق المترجم: معدل مدة الجيل بحسب بعض مراجع علم الأحياء 33 سنة)، وهناك عودة مؤكدة لتدفق هائل من لاجئين سابقين كانوا يعيشون في جميع أنحاء العالم العربي أغلبهم في الأردن وسوريا ولبنان)، وهناك مشاكل مثل شح المياه، والظروف الاقتصادية القاسية. والمنفذ الأهم للعمالة الفلسطينية أي إسرائيل سوف يكون بالضرورة مغلقا بإحكام حتي لا يحدث زحف مرعب للهجرة مماثل لما واجهتهه الولايات المتحدة من جارتها المكسيك مما يقوض الجهود الرامية إلي الحفاظ علي هوية الدولة اليهودية. مجموعة كبيرة وواقعية من المراقبين الاسرائيليين ، بما في ذلك مستشار الأمن القومي الاسرائيلي الجنرال غيورا ايلاند ، يشكون في أن المنطقة الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط والأردن تحتوي علي ما يكفي من أراضي وموارد طبيعية لعيش دولتين كل منهما ذات سيادة وقابلتين للحياة بمعزل عن بعضهما.
هناك أماكن قليلة في العالم تطلب ظروف التاريخ والجغرافيا من شعبين متجاورين أكثر من تطوير علاقة تكافلية تعايشية ليعيشا في سلام. ولا يوجد أي مكان آخر في العالم تكون فرص بناء مثل هذه العلاقة الإيجابية مستحيلة أكثر من المنطقة الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط والأردن.
ومهما حدث من توافق في وجهات النظر بين الطرفين، يبدو من الحتمي بالنظر إلي المستقبل الذي يواجه قيام دولة فلسطينية أن تكون طاقتها التوسعية المستقبلية موجهة نحو إسرائيل، ثم إلي حد أقل الأردن. وعند ذلك المنعطف السياسي الحرج، وبدون أي شك، سيجادل - بحق - القادة الفلسطينيون الساعون لتنقيح وتعديل حدود دولتهم بأن الخط الأخضر يعتبر خط «وقف إطلاق النار» cease-fire ، وليس «حدود دولية»، وأن هذا الخط نفسه منح إسرائيل أراض بعدما انتصرت في الحرب (عام 1948) ، والأهم أنه لا يمثل مطلقا حدود قرار الأمم المتحدة (رقم 181) لتقسيم فلسطين الذي تأسست عليه الدولة اليهودية.
في البداية، دعا ديفيد بن غوريون شعبه دائما لقبول أي دولة يهودية ممكنة في فلسطين مهما كانت صغيرة، وكانت حجته أن ذلك سيكون مثل زنبرك مرن وبمثابة نقطة انطلاق ممتازة للتوسع في المستقبل. كانت فكرته أن يستولي علي فلسطين عبر مراحل صغيرة متتالية. والمفارقة العظيمة اليوم أن الاسرائيليين يخشون - بحق - من هذا المفهوم بصورة عكسية أي أنه عن طريق التخطيط أو استجابة لمقتضيات الواقع قد يسترد الفلسطينيون أراضيهم بنفس الطريقة المرحلية التدريجية.
فعلي مستوي ما، يدرك معظم الاسرائيليين العقلاء حقيقة هذه المخاطر المستقبلية الوجودية. في الواقع، في آخر زيارة قمت بها لإسرائيل، وخلال نقاشاتي مع الإنتلجنسيا الاسرائيلية، من جميع التوجهات (اليسار واليمين المعتدل، الأكاديميا ، والعسكرية ، والحكومة ، والأجهزة الأمنية) أدهشني جدا إدراكهم القاتم أنهم كشعب لن يذهبوا إلي أي مكان آخر. كما أدهشني أيضا تشاؤمهم عن مستقبل البلد الذي سوف يعيش أطفالهم فيه.
أوغندا بدلا من فلسطين!!
ولكن أعظم ما أدهشني وصعقني في نقاشاتي أثناء زيارتي مؤخرا مع الإسرائيليين علي الرغم من جميع ما سبق، كثرة تكرار هؤلاء الرجال والنساء الإسرائيليين (وجميعهم وطنيون مخلصون) قولهم بنبرة حزينة : «كان علينا أن نأخذ أوغندا بدلا من فلسطين» (تعليق المترجم: بل لا هذه ولا تلك لأن سكان أوغندا أحق بها والحل العادل لليهود كان مواصلة العيش في بلدانهم الأصلية كغيرهم من الأقليات. انتهي تعليق المترجم). ومن المعروف تاريخيا أن بريطانيا عرضت علي قيادة الحركة الصهيونية العالمية في عام 1903 اتخاذ أوغندا كوطن للدولة اليهودية ولكنهم رفضوا العرض وطالبوا بفلسطين. التاريخ يعلمنا أن الكثير من المشاكل ليس لها حل ، ويبدو أن هذه الحقيقة البدهية لا يستوعبها القادة الأميريكيين. ومع ذلك ، فإن الصراع المستمر منذ قرن بين الفلسطينيين والصهاينة هو قصة شعبين ، يطالب كل منهما - بحق- بنفس الأرض مع أدلة مقنعة للطرفين!!! وتقريبا كل جانب من جوانب هذه القصة يشير إلي أنه في نهاية المطاف، وبعد ضرر جسيم يصيب كلا الشعبين، والمنطقة ، وربما العالم بأسره، فإن تطلعاتهما للحل العادل ليست قابلة للتسوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.