الأجور هي مصدردخل الطبقة العاملة التي تشكل الجانب الأكبر من قوة العمل في أي مجتمع, والأجور جزء من تكاليف الإنتاج فهي عائد عنصر العمل في العملية الإنتاجية وكما ترتبط الأجور بتكاليف الإنتاج ترتبط أيضا بالإنتاجية فالزيادة في الأجور يجب أن ترتبط بزيادة في الإنتاج والتوازن بين الأجور والإنتاجية يحقق توازنا بين القطاعات الاقتصادية المختلفة, وبالرغم من الزيادة المستمرة في ربط الأجور بالموازنة العامة للدولة وموازنات الهيئات الخاصة فإن القيمة الحقيقية للأجور في انخفاض مستمر بسبب ظاهرة التضخم المتفشية في الاقتصاديات الحديثة والتي ترجع إلي زيادة الطلب علي السلع والخدمات أوزيادة تكاليف الإنتاج أو كلتيهما. وتوجد في مصر ثلاثة أنظمة مختلفة للأجور هي نظام الأجور للعاملين في الدولةالخاضعين للقانون رقم 47 لسنة 1978 وتعديلاته الكثيرة, ونظام العاملين في قطاع الأعمال العام الخاضعين للقانون رقم 203 لسنة 1991, والعاملين في القطاع الخاص الخاضعين لقانون العمل رقم 12 لسنة 2003 والتفاوت كبير بين هذه الأنظمة الثلاثة في هيكل الأجور والعلاوات والبدلات والحوافز والمكافآت والمزايا الأخري, ويرجع ذلك إلي أن كل نظام يختلف عن غيره في طبيعة العمل. ويعاني نظام الأجور في القطاع الحكومي من عيوب أهمها عدم التناسب بين العمل الذي يؤديه العامل والأجر الذي يحصل عليه إما بانحفاض الأجر مقارنة بحجم العمل أو انخفاض حجم العمل مقارنة بمقدار الأجر أو انخفاض حجم العمل ومقدار الأجر معا. ويتسم هذا النظام أيضا بالجمود وعدم التطور تبعا لظروف العمل كما يتسم مستوي الأجور في هذا القطاع بصفة عامة بالانخفاض بسبب انخفاض إنتاجية العامل وتفشي ظاهرة البطالة المقنعة, ويعاني هذا النظام من تفاوت حاد في مستوي أجور الفئات الدنيا من العاملين وأجور فئات الإدارة العليا بسبب حصول هذه الفئات العليا علي ملحقات ضخمة من المكافآت والبدلات والمزايا الأخري, كما يعاني أيضا من تفاوت مستوي الأجور بين وحدات الإدارة الحكومية المختلفة حيث يحصل العاملون في بعض الوحدات علي أجور مرتفعة كمصلحة الضرائب والجهاز المركزي للمحاسبات وللتنظيم والإدارة ووزارة السياحة وغير ذلك من الجهات. أما نظام الأجور في قطاع الأعمال العام فهو أكثر مرونة من نظيره في القطاع الحكومي والتناسب فيه أفضل بين حجم الأجر ومقدار العمل, كما أن المستوي العام للأجور في هذا القطاع أكثر ارتفاعا وأكثر ملاءمة لمستوي الأسعار ولكن هذا القطاع يعاني من تفاوت كبير بين مستويات الأجور في الوحدات المختلفة حيث يرتفع مستوي الأجور في وحدات الكهرباء والبترول والنقل والطيران وغيرها, ويبلغ هذا الارتفاع مستويات قصوي لشاغلي الإدارة العليا, وفي القطاع الخاص يكون التفاوت كبيرا أيضا بين مستوي الأجور في وحداته المختلفة, ففي الأعمال اليدوية والمحال الصغيرة وورش الحرفيين تكون الأجور منخفضة, أما الشركات خاصة الكبيرة منها فالأجور فيها مرتفعة وفي بعضها تكون الأجور عاليةجدا خاصة للمهنيين وشاغلي الوظائف العليا. وتوضح هذه الظواهر مدي اضطراب نسق الأجور في مصر, ولهذا الاضطراب جوانب اقتصادية تتعلق بالانتاجية وتوزيع الدخل والتشابك القطاعي الأمر الذي يجب معه تحسين هيكل الأجور في كل من هذه الأنظمة بمراعاة التناسب بين الأجر الذي يتقاضاه العامل والجهد الذي يبذله ومستوي مهارته والمخاطر التي يتعرض لها وظروف العمل وكذلك التناسب بين فئات الأجر ومستوي المعيشة وبين زيادة معدل النمو الاقتصادي وارتفاع مستوي الأجور. وأخص ما يفتقر إليه نسق الأجور في مصر هو تقرير الحدين الأدني والأقصي للأجور وبهما تخطو الخطوة الأولي نحو تحقيق العدالة الاجتماعية التي من بين الأهداف التي قامت من أجلها ثورة 25 يناير 2011 وذلك بكفالة مستوي لائق لمعيشة الفئات الدنيا من الطبقة العاملة وتقليل الفوارق بين مستويات الدخل, والحد الأدني المناسب للأجور يؤدي إلي زيادة الأجور الكلية وزيادة القوة الشرائية وتحقيق انتعاش اقتصادي. وإذا كانت الزيادة في الأجور قد حدثت علي حساب دافعي الضرائب فإن الحد الأدني للأجور يكون أداة لتحويل جزء من دخل الطبقة الغنية إلي الطبقة الفقيرة, ويجب أن يكون رفع الحد الأدني للأجور بنسبة ملائمة لزيادة القوة الشرائية لدي المستهلك وزيادة الإنتاجية وتحقيق النمو الاقتصادي وعند وضع أي سياسة للأجور يتعين مراعاة العلاقة بين الأجور والأسعار حتي يمكن تحويل الأجور الاسمية أي النقدية إلي دخول حقيقية, ولكن إذا كان الطلب علي عنصر العمل مرنا فإن زيادة الأجور الكلية الناتجة عن تطبيق الحد الأدني تؤدي إلي إحلال الآلات محل العمال وزيادة معدل البطالة بالتالي. والوجه الآخر لترشيد سياسة الأجور هو تطبيق مبدأ الحد الأقصي لها وهو المبدأ الفعال في تحقيق العدالة الاجتماعية من جانب تقليل الفوارق بين دخول الفئات العليا من الطبقة العاملة والفئات الدنيا منها, وتعمل سياسة الحد الأقصي للأجور علي تفادي سلبيات الحد الأدني وتسهم في جعل تطبيق مبدأ الحد الأدني ممكنا عن طريق ما تحققه من تخفيض في حجم الأجور الكلية يستخدم في تمويل الزيادة الناشئة عن تطبيق الحد الأدني, وإذا طبق هذان المبدآن بكفاءة فإن هذا يؤدي إلي توازن نسق الأجور وزيادة إنتاجية عنصر العمل وزيادة الناتج المحلي الإجمالي. المزيد من مقالات د.محمد عبد البديع