8 شهور بالتمام والكمال مرت على قيام الثورة، ورغم ذلك لا يزال الفشل هو الشعار الغالب على الجهود الملموسة لعلاج تشوهات هياكل الأجور، التى تُسأل منفردة عن حالة الاضطراب التى تصيب المجتمع نتيجة تزايد وتيرة الاضرابات والاعتصامات التى تجتاح مختلف مؤسسات وأجهزة الدولة، هذا كله فى الوقت الذى انطلقت فيه الشرارة الأولى للثورة من مطلب العدالة الاجتماعية الذى لن يتحقق بدون إقرار حد أدنى وأعلى للأجور.. نعم «حد أدنى وأقصى للأجور» هو حلم طالما راود خيال جموع المصريين، ممن اكتووا بنيران الطبقية والتفاوت غير المقبول فى الأجور، وبدورها بدأت حكومة د. عصام شرف مدفوعة بهذه الرغبة الجماهيرية بالبدء الفورى فى تحقيق هذا الحلم عندما كلفت د. صفوت النحاس رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة بتشكيل لجنة للاتفاق على صيغة نهائية يتم بمقتضاها علاج تشوهات منظومة الأجور، فضلا عن إعادة تشكيل المجلس القومى للأجور، للبدء فى وضع خطة تنفيذية لتطبيق حد أدنى وأقصى للأجور فى الجهاز الإدارى للدولة كبداية ناجزة. لكن سير الأحداث يذهب فى اتجاه أن ما اتخذ من إجراءات لم يحقق – إلى الآن - ما يتطلع إليه المصريون، وخير دليل على ذلك إضراب المعلمين وقبله الأطباء، الذين يبدون اعتراضا شديدا على ما يحصلون عليه من أجور. الحسم فى هذا الملف يستوجب قرارات فورية جريئة لفرض حدود دنيا وقصوى للأجور، وذلك لتقليل الفوارق فى الدخول بما يحقق العدالة الاجتماعية، أما فاعلية هذه القرارات مرهونة بوجود ربط منطقى بين الإنتاجية والأجر، ليكون حافزا للعمال على زيادة إنتاجيتهم، لأنه بدون هذا الربط سيتحول الأمر إلى مجرد دعوة حكومية لبث روح التواكل بين موظفى الدولة، ممن لديهم بالأساس رغبة واستعداد للتحلى بهذه الروح المدمرة لمسيرة التنمية. فهل يتحقق هذا الحلم وينجح المجلس القومى للأجور فى التوصل إلى صيغة نهائية تعالج تشوهات منظومة الأجور فى الاجتماع المزمع عقده فى 2 أكتوبر؟ «تطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور» - كما يرى د. حازم الببلاوى نائب رئيس الوزراء ووزير المالية عضو المجلس القومى للأجور – أمر سيتم الانتهاء من وضع الإجراءات التنفيذية له قريبا على مستوى كل العاملين فى الجهاز الإدارى للدولة من وزارات وهيئات ومصالح وشركات والبنوك المملوكة بالكامل للحكومة سواء كانوا يتقاضون رواتبهم من الموازنة العامة أو من المنح والمعونات الأجنبية، وربما يحتاج ذلك إلى تعديل قانون العاملين بالدولة رقم 105 لسنة 1985 بشأن الحد الأعلى للأجور. لذلك فإن «الحكومة حريصة على إصلاح منظومة الأجور ووضع حد أقصى للأجور بسرعة وعدم انتظار نتائج الدراسات المعمقة التى يتم إعدادها حاليا» وفقا لكلام الدكتور الببلاوى، الذى أكد أنه سيعاد النظر فى الحدين الأدنى والأقصى للأجور كل فترة للتأكد من تناسبهما مع الظروف الاقتصادية المتغيرة بطبيعتها ومع نتائج الدراسات، التى تجريها حاليا الجهات المختصة لإصلاح الأجور، لافتا إلى أنه من المنتظر أن يدور الحد الأقصى للأجور حول 36 ضعفا كإجراء موقت لحين استكمال الدراسات والمعلومات اللازمة لتحديد قيمة عادلة لهياكل الأجور وهى غير متوافرة فى الوقت الحالى. ولإنجاز هذه الآمال، ما زال المجلس القومى للأجور يجرى الدراسات اللازمة قبل الإعلان عن الحد الأدنى للأجور، وفقا لعضو المجلس اللواء أبو بكر الجندى، مبررا ذلك بحرص أعضاء المجلس أن يرضى القرار كل من العمال وأصحاب العمل، وذلك بمراعاة عدم فرض أعباء مالية كبيرة على أصحاب الأعمال بما يعود بالضرر على العاملين، وحتى لا يغل يده لضخ استثمارات جديدة. فيما ركز عبدالفتاح الجبالى مستشار وزير المالية السابق على أن إدراك النجاح فى هذا الملف يحتاج إلى المزيد من الجرأة والشجاعة فى اتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ الفورى، خاصة أنه سبق واتخذت وزارة المالية قرارات تقضى بالتطبيق الفورى لخطة متكاملة لإصلاح الخلل فى منظومة الأجور، تنطلق من تحديد حد أدنى للأجور 700 جنيه يزيد سنويا ليصل إلى 1200 جنيه بعد 5 سنوات، وتم الاستفادة فيما يتعلق بالحد الأقصى للأجور بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 615 لسنة 1986، الذى وضع حد أقصى لإجمالى ما يتقاضاه الموظف العام أو من فى حكمه سنويا ب54 ألف جنيه، ومن ثم بإخضاع هذا القرارات للزيادة فى تكلفة المعيشة تبين أن الحد الأقصى للأجور يجب ألا يقل عن 50 ألف جنيه شهريا. فالهدف الأساسى من وضع حد أدنى للأجور، بحسب الجبالى، تعزيز العمل اللائق، ورفع الإنتاجية وتقليل الفارق بين العمال، شريطة أن يكون هناك توازن بين حماية العمال وإيجاد الحافز لدى الشركات على الاستثمار والتشغيل، لذلك لابد من وضع حد أدنى حقيقى للأجور يتناسب مع مستويات المعيشة ويتحرك سنويا وفقا لمعدلات التضخم على أن يكون هذا الحد جزءا لا يتجزأ من عقود العمل الجماعية والفردية، وهذا بدوره يتطلب تفعيل دور المجلس القومى للأجور؛ ليصبح الفاعل الرئيسى، وذلك بتعديل المادة 543 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003. كما يتوقف النجاح فى تطبيق حد أدنى للأجور على قدرة الحكومة وشركائها على وضع حد أدنى للأجور لكل قطاع على حدة بحيث يختلف فيما بين القطاع الحكومي، والقطاعات الأخرى حتى يتناسب الأجر الذى يتقاضاه العامل مع الجهد، الذى يبذله ومستوى مهاراته الإنتاجية، لكن تطبيق حد أعلى للأجور ضرورة فى الجهاز الإدارى للدولة فقط، لإزالة الاحتقان الكائن فى هذه المؤسسات، وهذا يحتاج بدوره إلى إرادة حقيقية. «هيكل الأجور الحالى يعانى الكثير من المشاكل والاختلالات التى يصعب علاجها» هذه هى النتيجة النهائية التى توصل لها د. ياسر زكريا الشافعى أستاذ المحاسبة بجامعة كفر الشيخ، وأكد فى دراسة له بعنوان «إصلاح هيكل الأجور فى مصر» أنه من الضرورى إلغاء هيكل الأجور الحالى؛ لوضع هيكل أجور جديد يتميز بالبساطة فى عملية الحساب، والموضوعية وعدم التمييز بين الوظائف بدون سبب موضوعى. وبالفعل، قام الشافعى بوضع تصميم لهيكل جديد للأجور والمرتبات يترتب على تطبيقه توليد قرابة مليون فرصة عمل خلال شهر واحد، فضلا عن توليد 100 ألف فرصة عمل أخرى سنويا، فضلا عن تأثيرها الإيجابى على ميزان المدفوعات والاحتياطى العام من النقد الأجنبى وحجم الإنفاق والإدخار المحلى والاستثمار المحلى، وبالتالى النمو الاقتصادى للدولة، علاوة على أن هذا التصور يحقق قدرا كبيرا من العدالة الاجتماعية، ويقضى على ظاهرة الفساد المالى والإدارى. يقوم هذا التصور الجديد، كما يقول د.الشافعى، على مبدأى ربط الأجور بالخطة الخمسية للدولة ومبدأ العدالة الاجتماعية، حيث يقسم العاملين إلى مستويين، وهما، المستوى الأول الذى تحدده أجوره وفقا لجدول عام للأجور يتم وضعه وفقا لتصنيف رباعى للموظفين والعمال بناء على المؤهل ثم تصنيفهم إلى فئات محددة بناء على عدد سنوات الخدمة، ثم تحديد بداية المرتب لكل فئة وتحديد الزيادة المرحلية لكل فئة. أما المستوى الثانى، فهو مخصصات القيادات العليا بالدولة، حيث يتم تقسيم القيادات العليا إلى ثمان مستويات، تبدأ بالوزير وتنتهى بالسادة وكلاء الوزارة ورؤساء الهيئات العامة، على أن يتم تحديد مخصص مالى سنوى لكل فئة، يبدأ من 250 ألف جنيه للوزير سنويا وتنتهى بمبلغ 180 ألف جنيه لوكيل الوزارة ورؤساء الهيئات العامة سنويا.