يواصل الأمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، حديثه عن القيم الإسلامية الرفيعة ومنها الإنصاف والعدل قائلا : إن الإنسان مأمور بالصبر ولا يتدرب عليه، لكنه يمكنه التدرب على الإنصاف، بأن يدين نفسه كلما أخطأ، وإذا فعل حسنة حمد الله تعالى، وإذا فعل سيئة استغفر الله، والسيئة لا تقتصر على شرب الخمر ، بل أيضًا ظلم الآخر، الاستهزاء به ، خُلف الموعد، المماطلة في أداء الدين، إيذاء الآخر بأي نوع من أنواع الإيذاء، فكل هذه معاص، والمعاصي في الإسلام لا تقتصر على معصية الله، بل تشمل معاصي الوالدين، ومعاصي النفس، والمعاصي مع الجار، والمعاصي مع الأخ، والمعاصي مع الصديق، والمعاصي مع الزميل في العمل، ولا تقل: طالما أنني أصلي في جماعة فيمكن لي أن أستهزئ من زملائي، أو أذهب إلى العمل متأخراً، لأنك حينئذ ستكون كمن : بنى قصرًا وهدم مِصراً؛ أي: كالذي بنى قصرًا وهدم بلدًا. وأضاف فضيلته أن من الإنصاف أن يعترف الإنسان بخطئه أولاً، ثم يبحث عن علاج لهذا الخطأ، سواء عن طريق الاعتذار للآخر، أو إرضائه، أو رد حق أخذه دون وجه حق، والذي لا يعترف بخطئه، ولا يستطيع أن يُحاسِب نفسه ليس منصفًا، والذي لا ينصف نفسه لا يستطيع أن ينصف الآخرين، فهاتان هما درجتا الإنصاف ونبَّه فضيلته الناس على ضرورة التجرد والإنصاف بصرف النظر عن الحب أو البُغض تجاه الآخر، فلا ينبغي للإنسان أن يقيِّم الآخر، أو يُكيِّف علاقته بالآخر مدحًا أو ذمًا أو قربًا أو هجرًا على أساس الحُب والكره، فالقرآن الكريم ينهى عن أن يكون البُغض أو الحب هو المعيار الذي يُوزَنُ به الآخر، فعلى سبيل المثال: نرى مسؤولاً ما لا يستظرف أحدًا من موظفيه، فنجده يتباطأ في ترقيته، أو مثلًا يُحمِّل عليه في العمل، هذا حرام؛ لأن ذلك ليس فيه إنصاف، ونحن مأمورون بالإنصاف الذي يرتكز على العدل، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)- «المائدة: 8»، قوامين، أي: دائمي القيام بالشهادة لله سبحانه، (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ) أي: لا يحملنكم بُغض أعدائكم على عدم إنصافهم في شهادة أو في معاملة، أو في كلمة، ثم يأتي الأمر: (اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).