بعد سنوات طويلة من التردد ومقاومة الضغوط الدولية، أطلق الجيش الباكستانى مؤخرا عملية عسكرية واسعة النطاق ضد مقاتلى طالبان فى منطقة شمال وزيرستان معقل الحركة بهدف القضاء على القواعد الإرهابية وإنهاء حالة الفوضى وانعدام القانون التى تعيشها المنطقة. ونجحت الحملة حتى الآن فى قتل ما يزيد عن 500 مسلح واعتقال المئات منهم وفرار آخرين. لكن هل ستكون هذه العملية فعلا هى القرار الصحيح النافذ فى قلب التطرف المسلح لتكون تجربة رائدة للمنطقة بأسرها خاصة وسط التهديات التى تحاصر العالم الإسلامى من الحركات التى تتخذ من الدين ذريعة للإرهاب؟ وتحمل العملية اسم «ضرب العضب»، و«العضب» هو اسم لأحد سيوف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ويعنى «السيف الحاد»، تهدف للقضاء على الجماعات المسلحة فى شمال وزيرستان دون تمييز، وبشكل خاص، يريد الجيش طرد المقاتلين الأجانب الذين يستخدمون أراضى هذه المنطقة الواقعة على الحدود مع أفغانستان كقاعدة لانطلاق حملات باسم «الجهاد» فى مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وقد تكون هذه الحملة هى الأكبر من نوعها منذ عام 2009 عندما استهدف الجيش آنذاك عناصر الحركة فى جنوب وزيرستان. ورغم أن هذه العملية قد لا تلقى اهتماما دوليا بالقدر الذى تلقاه الأحداث فى دول أخرى، لكنها بالفعل تحمل قيمة ومغزى كبيرين لدولة باكستان وسياستها. ولسنوات عديدة، تم توجيه الاتهامات للمدنيين الباكستانيين والجيش معا بعدم القيام بالإجراءات الكافية لاجتثاث هذا السرطان المنتشر بينهم، وبدا أيضا لبعض الوقت أن الحركة كانت تلقى التعاطف والدعم من بعض أعضاء الحكومة الباكستانية بما فى ذلك جهاز المخابرات. ولذا حاولت الحكومة الحالية لرئيس الوزراء نواز شريف البدء بالمفاوضات السلمية وإجراء العديد من المحادثات مع زعماء طالبان لكنها لم تسفر عن شيء. ومع استمرار طالبان فى موقفها العنيد وتصاعد هجماتها ضد الجيش والمدنيين معا، كان آخرها الهجوم على مطار كراتشى فى الثامن من يونيو الماضي، قررت الحكومة الباكستانية اللجوء إلى الحل العسكري، على أن تكتمل هذه الحملة المكثفة على أربع مراحل خلال أربعة أشهر. ورغم رفض الكثيرين، وفى مقدمتهم حركة العدل التى يتزعمها عمران خان ،إراقة المزيد من الدماء إلا أنهم أمام هذا العنف المتواصل وعدم الاستقرار وانتشار الخوف، أصبحوا مؤيدين لها ويسعون لإنجاحها.وحتى رجال الدين الذين حاولوا لسنوات الدفاع عن التوجه الدينى الذى تتبعه الجماعات المتشددة، رفضوا أخيرا استمرار تخريب هذه الجماعات لأراضى البلاد، فجاءت دعوة أكثر من ألف من علماء الدين والشيوخ إلى حركة طالبان إلى وقف العنف. وبعد حصولها على موافقة الحكومة الباكستانية، شنت الولاياتالمتحدة أول غارة جوية مؤخرا بعد توقف منذ أكثر من 6 أشهر على أهداف فى وزيرستان. ومن هنا، فإن هذه الحملة قد تكون نموذجا يحتذى به ليس فقط فى دول المنطقة بل فى دول إسلامية أخرى تعانى من عواقب التطرف المسلح إلا أن ذلك لا يعنى أن مهمة احتواء هذا الصراع أو إدارته ستكون بالمهمة السهلة، أو أنها يمكن أن تتم بعملية واحدة. فقد حذرت حركة طالبان الشركات الأجنبية وطلبت منها مغادرة باكستان، مهددة بشن ضربات انتقامية ضد الحكومة التى أرسلت دبابات ومشاة وطائرات إلى المنطقة القبلية المضطربة، مما يعنى أنها تشن حربا ضد فرص التنمية الاقتصادية. ومع استمرار الحملة نزح الآلاف من المدنيين لتجازف باكستان بنشر التهديد الإرهابى إلى أجزاء أخرى من البلاد إذا تسلل الإرهابيون وسط الفارين، ناهيك عن التهديد بإشعال التوتر مجددا مع أفغانستان التى فر إليها أكثر من 70 ألفا حتى الآن، أضف إلى ذلك أن البشتون، الذين يمثلون المجموعة العرقية الرئيسية على جانبى الحدود الأفغانية الباكستانية، ما زالوا منخرطين فى صراع مرير فى البلدين فى سبيل فرض ما يعتبرونه حقوقهم السياسية والاقتصادية المشروعة. ولن تسلم كراتشى أيضا، التى تقع على بعد مئات الأميال إلى الجنوب، من تداعيات عملية شمال وزيرستان. والأكثر من ذلك فقد تكون فرصة سانحة لإطلاق يد حلفائها ممن تطلق عليهم حكومة باكستان لقب «طالبان الطيبين» الذين تربطهم الصلة والحوار بين الحكومة الباكستانية وعناصر الحركة فى آن واحد، وبالتالى تكون لهم السيطرة فيما بعد وتظهر فئة جديدة تدعو إليها الحاجة فى الوقت الحالى لكنها قد تمثل تهديدا جديدا فى المستقبل. وإذا استطاع الجيش القضاء على معقل طالبان فى وزيرستان فإنه يدرك إن الحركة لا تتمركز فى هذ المنطقة فقط بل تمكنت عبر السنوات الماضية من الانتشار فى أنحاء البلاد. ومع ذلك، يظل باب الأمل مفتوحا قبل فوات الأوان لتدارك أخطاء الماضى ووقف إهدار المزيد من الأرواح بسببها.