منذ أشهر والأوساط الأميركية العسكرية والسياسية على السواء تدفع باكستان إلى القيام بعملية عسكرية في مناطق وزيرستان الشمالية المتاخمة لأفغانستان على غرار العملية التي قامت بها ولا تزال في وزيرستان الجنوبية لوجود مسلحي طالبان والقاعدة فيها.. وجاء الهجوم الفاشل على وسط نيويورك الذي نفذه المشتبه به فيصل شاه زاد الباكستاني الأصل ابن الثلاثين عاما ونجل نائب قائد سلاح الجو سابقا بحر العلوم ليقدم ذريعة وحجة قوية لواشنطن على أن الهجمات التي تتعرض لها وربما تحصل في المستقبل كلها تقود إلى وزيرستان بمن فيها حادثة شاه زاد وزازي الأفغاني أيضا .. مسارعة حركة طالبان باكستان وعلى لسان الناطق باسمها قاري حسين المعروف بأنه" مُدرب الانتحاريين" بتبني عملية نيويورك الفاشلة وأنها جاءت انتقام لمقتل قائدي القاعدة في بغداد أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر بالإضافة إلى ظهور زعيم طالبان باكستان لأول مرة في شريط فيديو منذ الإعلان عن مقتله قبل أسابيع وتهديده بضرب المدن الأميركية الرئيسة يعزز ما يتناقله المحققون الأميركيون مع شاه زاد من أنه تدرب واستلهم الهجوم من جماعة طالبان في مناطق القبائل .. اللافت أن الجيش الباكستاني وعلى لسان الناطق باسمه الجنرال أطهر عباس استبعد وجود علاقة بين شاه زاد ووزيرستان مشددا على أن العمليات العسكرية الباكستانية التي استهدفت مسلحي طالبان خلال الفترة الماضية لا تسمح لهم بالقيام بهكذا عمليات وأن قدراتهم أضعف من ذلك بكثير، لكن بالمقابل جاء تصريح وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي متناقضا مائة وثمانين درجة مع تصريح الجيش حين قال لشبكة سي بي إس نيوز الأميركية من أن عملية نيويورك الفاشلة ردا على هجمات طائرات التجسس الأميركية شبه اليومية وكذلك ردا على الحرب الباكستانية على ما توصف بالحرب على الإرهاب.. الظاهر أن حكومة حزب الشعب الذي ينتمي إليها وزير الخارجية قريشي لها مصلحة في مواصلة العمليات العسكرية وتوسيعها في مناطق القبائل كون الحزب ينظر إلى الإسلاميين المسلحين وحتى غير المسلحين كمهدد أساسي وحقيقي لحزب الشعب وحلفائه من حزب العوام القومي اليساري التوجه والحاكم في إقليم " خيبر بختون خواه" الملتهب والمتاخم لأفغانستان، بينما على الضفة الأخرى الجيش الباكستاني لديه حسابات كثيرة ومعقدة في العمليات العسكرية وبقدر ما يتداخل الشأن العسكري في العمليات الحربية بمناطق القبائل يتداخل السياسي أيضا ... الجيش الباكستاني يقاوم ضغوطا أميركية وغربية وحتى ضغوطا من قبل حكومة حزب الشعب الباكستاني في فتح جبهة وزيرستان الشمالية عليه، على رأس هذه الأسباب مخاوفه في أن يؤدي اتساع رقعة العمليات العسكرية إلى تشتيت الجهد الحربي في التركيز على مسرح العمليات الراهن ، وبالتالي يتراجع أداءه القتالي في مناطق أخرى ومن أهمها الجبهة الشرقية مع الهند الذي أجرى قبل أيام تدريبات عسكرية على حدوده معها نُعتت بأنها الأضخم من نوعها في تاريخ إنشاء الدولة الباكستانية منذ عام 1947 ، مما عنى أن العقيدة العسكرية الباكستانية لا تزال على عدائها مع الهند، ينضاف إلى ذلك مخاوف عسكرية باكستانية جدية من عودة حقيقية لمسلحي طالبان باكستان إلى المناطق التي شهدت عمليات عنيفة ضدهم على رأسها مناطق دير وسوات ووزيرستان الجنوبية وباجور حيث تمكنت الحركة خلال الأيام الماضية من تنفيذ عمليات عسكرية لافتة ، قرعت أجراس إنذار حقيقية في بنتاغون راولبندي قرب العاصمة إسلام آباد وذلك من عودة مسلحي الحركة إلى معاقلهم السابقة. إشكالية لوجستية أخرى يدركها العسكر في باكستان تتمثل في التمويل المالي والحربي لهكذا عمليات مكلفة، سيما وأن عملياتهم خلال الأعوام الماضية لم يتم دفع المستحقات الأميركية للجيش الباكستاني، وحتى الإفراج الذي حصل عن هذه المستحقات، فقد أُفرج عن نصف المبلغ فقط مما هو متفق عليه ، وهو ما يجعل الجيش الباكستاني أكثر تشككا في النوايا والوعود الأميركية بتمويل أو دعم العمليات العسكرية القادمة .. أما القلق الأهم لدى القيادة العسكرية الباكستانية من شن عملية عسكرية في وزيرستان الشمالية فيتمثل في فتح جبهة مع بعض الجماعات المسلحة المتحالفة تاريخيا وتقليديا معه والمحسوبة عليه، وعلى رأسها شبكة القائد الأفغاني المطلوب أميركيا جلال الدين حقاني والذي يقودها حاليا نجله سراج الدين حقاني بعد أن طعن جلال الدين في السن وأصيب بمرض أقعده عن القتال.. الجيش الباكستاني يخشى في حال فتحه هذه الجبهة أن يدفع مجموعات عدة التزمت نوعا ما الحياد في معركته مع مسلحي طالبان باستثناء الحوادث المتفرقة التي قامت بها هذه الجماعات وعلى رأسها مجموعة جل بهادور الذي يقود غالبية المسلحين في شمال وزيرستان، بالإضافة إلى مجموعة حقاني، وحينها سيكون لذلك أكلافا سياسية ممثلة في استبعاد أي إمكانية للتوسط بين الأميركيين وطالبان أفغانستان ممثلة بمجموعة حقاني الشبكة الأقوى والأعنف في مقاتلة الأميركيين، إذ يعتقد الجيش الباكستاني أنه في النهاية لا بد من تسوية سلمية في أفغانستان، و بالتالي فإن قتاله شبكة حقاني سيقطع الطريق أمام أي تسوية سياسية أفغانية تشارك فيها باكستان مستقبلا، سيما بعد التجربة المرة التي خاضتها باكستان والجيش تحديدا في الأشهر الماضية باعتقال قادة طالبان وعلى رأسهم الملا عبد الغني برادرز نائب زعيم حركة طالبان أفغانستان وهو ما قلص أي دور باكستاني في تسويات سلمية أفغانية مقبلة .. ما يُقلق المؤسسة العسكرية الباكستانية التي لا تزال تسعى إلى استرضاء الأميركيين فيما يوصف بالحرب على الإرهاب هو التنسيق المحتمل بين القيادة السياسية الباكستانية وحتى بعض الكتاب الباكستانيين البارزين مع الإدارة الأميركية، والتماهي في المواقف والمطالبات، إذ أن البعض من هذه الجهات يدعو حاليا إلى فتح ملف طالبان البنجاب ومنظمة عسكر طيبة التي تقاتل في كشمير الخاضعة للسيادة الهندية وهو ما سيعني نزع أسنان باكستان في حربها الخفية مع الهند وسيجردها تماما من سلاح رخيص وبالوكالة ممثلا بالجماعات المسلحة الكشميرية، دون أن تقدم نيودلهي أي تنازل على صعيد تسوية القضية الكشميرية وهو ما سيكشف ظهر باكستان ليس على صعيد الجبهة الغربية مع أفغانستان، وإنما على صعيد الجبهة الشرقية مع الهند، وحتى على صعيد الجبهات الداخلية التي تعاني من تفككات وانحلالات في ظل معارك متشعبة مع الجماعات الإسلامية التي تتكاثر .. المؤسسة العسكرية الباكستانية وبعض الخبراء يرون أن المشكلة الأساسية لواشنطن ليست في قيادات القاعدة وطالبان الموجودين ربما في شمال وزيرستان وإنما في جيل شبابي لم يكن له علاقة بوزيرستان والقاعدة والجهاد الأفغاني من قبل، وبالتالي فعلى واشنطن أن تدقق بالعناصر العربية والمسلمة المهاجرة لديها، فهي المسؤولة عن متابعتهم وليس باكستان التي زارها فيصل شاه زاد لأشهر معدودة فحُمّلت مسؤولية ما يجري في نيويورك وتحللت منه الأخيرة بحسب مدير المخابرات العسكرية الباكستانية الأسبق الجنرال المتقاعد حميد غول .. بالمقابل فإنه في حال قررت القيادة العسكرية الباكستانية شن عملية عسكرية واسعة النطاق على شمال وزيرستان فإن أمام المجموعات المسلحة في المنطقة خياران إما المقاومة وقتال الجيش الباكستاني وحينها ستكون العواقب وخيمة سيما في ظل عودة مسلحي طالبان إلى كثير من معاقلهم السابقة، و التي أُجلوا منها مثل سوات ووزيرستان الجنوبية ودير وباجور وغيرها، وإما الخيار الثاني في أن تقرر هذه المجموعات وهو المرجح والغالب الجلاء عن المنطقة إلى مناطق باكستانية أخرى أو إلى داخل أفغانستان بحسب المتيسر أمامها، وحينها سيتم تفويت الفرصة على الضغوط الأميركية،والإفلات من الهجوم الباكستاني ، ولن يكون من المتعذر أو الصعب عودتهم مجددا إلى معاقلهم كما حصل لمسلحي طالبان أكثر من مرة في وزيرستان الجنوبية وغيرها .. المخابرات المركزية الأميركية لديها بكل تأكيد ثأر وانتقام مع وزيرستان وتحديدا الشمالية فهي تعتقد أن الهجوم على محطتها الذي قادة الطبيب الأردني همام البلوي " أبو دجانة الخراساني " تم في مناطق وزيرستان الجنوبية والشمالية، وتبنته في حينها حركة طالبان باكستان، بل وظهر البلوي وهو يتعهد الولاياتالمتحدة الأميركية بهجوم عليها إلى جانب زعيم حركة طالبان باكستان حكيم الله محسود، فواشنطن تعتبر وزيرستان أكبر قاعدة خلفية لنشاطات القاعدة وطالبان في الشرق الأفغاني وبقاءها دون عمليات عسكرية يقوي خصومها أولا، وثانيا يعني أن منفذي هجمات خوست التي ضربت العصب الأمني الأميركي لا يزالون طليقين وأحرار ..