قبل أن يصل الملك عبدالله بن عبد العزيز إلى مطار القاهرة للقاء الرئيس السيسى ...كان على موعد مع أعضاء مجلس إدارة مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمى للحوار بين أتباع الأديان والثقافات. والموعد ليس موعدا عاديا أو برتوكوليا لمجموعة من المفكرين يمكن أن يلتقى بهم فى أى مكان. فهؤلاء يقومون الآن بمهمة دبلوماسية ثقافية إن صح التعبير. فقد أصبح هذا المركز واقعا بعد أن أعلن الملك عبد الله فى القمة الاستثنائية للدول الاسلامية بمكة المكرمة عام 2005 عن حاجتنا الملحة للحوار بين البشر. وسرعان ما تواصلت اسبانيا التى سبق ودعمت فكرة تحالف الحضارات، . وفكرة الحوار أو التحالف بين الحضارات والاديان ليست جديدة وهى تعود لسنوات طويلة تسبق اعتبار الأممالمتحدة عام 2001 عاما لحوار الحضارات بدعوة من محمد خاتمى الرئيس الإيرانى الأسبق الذى أراد أن تنعم منطقة الشرق الأوسط بشئ من الاستقرار . فالحوار كان يعنى الخروج من منطقة الصراع، ولهذا ظلت جلسات المناقشات بين المفكرين والمثقفين من جميع أنحاء العالم ولأكثر من عشرين عاما توصى بأهمية التعاون المثمر بين البشر . ورغم كل هذه النوايا الحسنة فإن هذه المناقشات لم تحقق الكثير حيث أنها غالبا ما كانت تدور بين المسلمين والغرب أو بين الاسلام والمسيحية أو حتى بين السنة والشيعة لنزع فتيل الخلافات فى المجتمعات المسلمة، وهى أشياء أصبحت مفهومة وتقليدية ولهذا كان لابد أن يتعدى الحوار المراحل السابقة ليصبح حوارا مفتوحا بين الأديان والثقافات. والمجلس الذى يرعاه الملك عبد الله يضم كل الأطياف والأديان والثقافات. فأعضاؤه التسعة منهم المسلم السنى والمسلم الشيعى والكاثوليكى والارثوذكسى والبروتستنانتى واليهودى والبوذى والكنفوشى. وقد وقع عليهم الاختيار لأنهم فى الأصل أصحاب علامات مضيئة سواء فى بلادهم أو فى تاريخ تواصلهم الشخصى مع البشر. فمنهم على سبيل المثال سوامى أجنيفش السياسى الهندى المناهض لكل أنواع التمييز و العبودية، وكوشو نيوانو الناشطة اليابانية فى مجال السلام بين الاديان، و د. محمد السماك أمين اللجنة اللبنانية للحوار الاسلامى المسيحى ، ود.سيد عطاء الله مهاجرانى وزير الثقافة والارشاد الأسبق بإيران، ورابى ديفيد روسن رئيس اللجنة الامريكية اليهودية لشئون العلاقات بين الأديان و الأب ايمانيويل رئيس اتحاد الكنائس الأوربية. كما أن أعضاء المجلس ليسوا وحدهم، فهناك منتدى استشارى يضم مائة شخص ممن سبق لهم الاهتمام والعمل فى نفس المجال، بالاضافة إلى الدول التى ترغب فى الانضمام بصفتها عضوا مراقبا. وقد اهتم المركز بفكرة المبادرات فأطلق منذ البداية ثلاث مبادرات أولها خاص بحماية الطفولة وهى مبادرة انطلقت من أوغندا لرعاية الأطفال دون الخامسة، وثانيهما برنامج صورة الآخر لتصحيح الصور المغلوطة عن طريق التعليم، و أخيرا مشروع الزمالة وهو يعنى بإعداد اشخاص يمكن أن يقوموا بهذا الدور مستقبلا. وتبدو مبادرة إعادة السلام فى منطقة أفريقيا الوسطى تبدو توجها أكثر عملية. فهذه المنطقة الملتهبة من العالم تشهد صراعا إجتماعيا دينيا والمطلوب ليس فقط قرارات سياسية. فهناك العديد من المنظمات المدنية المعنية التى يمكن أن تتدخل لصالح المواطنين بالمشاركة فى وضع تصور عن الحياة لوقف الصراع الدائر بين المسلمين والمسيحيين الذى تشهده البلاد. فالمطلوب أن يفهم الجميع أن ما يحدث ليس صراعا دينيا ولكنه فى الاصل صراع سياسى تخفى وراء رداء الدين. بقى أن نقول إنه وبعد عامين على انطلاق المركز يظل السؤال موجودا... هل ينجح المركز فى تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة ومنح فرصة حقيقية للحوار بين الأديان أم ان المسألة لن تتعدى كونه محاولة لابداء حسن النوايا وإرساء قواعد شفهية للتعامل بين البشر.