الإسراف فى المأكولات والمشروبات خلال شهر رمضان المبارك، ظاهرة تتكرر كل عام، وذلك على الرغم من التحذيرات المتكررة للخبراء والمتخصصين من الآثار والعواقب الوخيمة لهذه الظاهرة على الصحة العامة للاشخاص، وايضا على اقتصاد الاسرة بوجه خاص وميزانية الدولة بوجه عام، والاضرار التى تلحق بالبيئة، وذلك لتجنب الانزلاق الى هذه الظاهرة السيئة التى تتنافى مع روحانيات الشهر الكريم. من جانبهم، دعا علماء الدين الى الابتعاد عن الاسراف والتبذير فى الاكل والشراب والانفاق على العموم وبوجه خاص فى شهر رمضان المعظم، واكد العلماء ان الشهر الكريم دعوة للترشيد فى الاستهلاك، وليس للاسراف، حتى يبلغ المسلم الفائدة والثمرة المرجوة من الصيام. يقول الدكتور نبيل السمالوطى استاذ علم الاجتماع بجامعة الازهر، ان الدين الاسلامى الحنيف قد نهى عن الإسراف والتبذير، ودعا إلى الترشيد في الإنفاق والاستهلاك، قال تعالى: «يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»، وقال سبحانه: «وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِين كَانُوا إِخْوَان الشَّيَاطِين وَكَان الشَّيْطَان لِرَبِّهِ كَفُورًا»، كما نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن الاسراف فى ماء الوضوء حتى ولو كان الانسان على نهر جار.
ينافى روح الصيام وأشار الى اننا فى شهر رمضان المبارك ، تبدو ظواهر سلبية تتنافى وما في هذا الشهر الكريم من خصوصية، ومن بين هذه الظواهر السلبية، الاسراف في الأطعمة وما يحدث في سائر المنازل من طهي وطبخ للعديد من المأكولات وإعداد للمشروبات، ثم تناول اليسير منها وإلقاء ماتبقى منها فى سلة القمامة، موضحا ان الاسراف في شهر رمضان وغيره من الشهور والايام السنة منهي عنه، فانفاق الأموال على هذه المأكولات والمشروبات، دون الاستفادة منها، مخالفة لتعاليم ديننا، وأمر ينكره الشرع ويحرمه ويزيد في تحريمه الاسراف المنهي عنه. وأوضح انه يجب علينا ونحن فى الشهر الكريم ان نحرص على الالتزام بهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يظهر علينا أثر نعمة الله - سبحانه وتعالى - ولكن دون سرف، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا سرف، فإن الله يحب ان يرى أثر نعمته على عبده»، وما أحوجنا في هذا الشهر إلى ان نلتفت إلى ما نحن عليه من أمور سلبية وخاطئة في حياتنا، فنتقي الله، وليكن شهر رمضان منطلقا وبداية لتصحيح هذه الأخطاء وان نحرص على عدم الاسراف والتبذير، وان نبدل هذه العادة السيئة إلى عادة حسنة، فنبقى على ما كان يطهى ويطبخ، ثم نقوم بتوزيعه على المستحقين من الفقراء والمساكين، أو اهداء الجيران أو المشاركة في اطعام وافطار الصائمين في المساجد والجمعيات.
برامج توعية وفى سياق متصل، يوضح الدكتور عطية مصطفى استاذ الثقافة الاسلامية بجامعة الازهر، انه قد أصبحت هناك ضرورة عاجلة أن نقدم باستمرار لجميع أفراد المجتمع دروسا في التربية والتوعية الاستهلاكية وآداب الطعام والشراب التي تقتضي عدم ملء المعدة بالطعام وترك ثلث للشراب وثلث للنفس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلا، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه»، وكذلك دروس في حسن إدارة الطعام، مثل التخطيط في شراء المستلزمات الغذائية، وتقدير الكميات المناسبة عند إعداد الأطعمة سواء للأسرة أو للضيوف، وكذلك كيفية تجنب الإهدار في بواقي الطعام، ومن دون إلقائها كمخلفات في صناديق القمامة، وذلك من خلال كيفية المحافظة عليها بصورة جيدة وتخزينها في الثلاجة لاستغلالها، وتجميع الأطعمة الجيدة السليمة لا الفضلات، في أكياس وعلب بلاستيكية وإعادة تغليفها لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، والتدوير الجيد لفضلات ومخلفات الأطعمة. ولن يتأتى كل هذا إلا من خلال برامج تربوية وحملات إعلامية جادة وفعالة، تركز على المعاني السامية الكثيرة لشهر رمضان، وتقضي على التصرفات والسلوكيات غير العقلانية المبالغ فيها في الشراء والإنفاق من قبل كثير من الأفراد، واستثمار الأموال في مشاريع خيرية تنهض بالفقراء والمحتاجين وتسهم في القضاء على الجوع وتعضد وتقوي التكافل والتضامن والتماسك الاجتماعي وحل مشكلات المجتمع، حتى تصبح الأمة بحق مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، كما اخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الشريف.