كثير من الناس يختزلون شهر رمضان في الإسراف والتبذير بتنويع المأكولات والمشروبات والأفراط في إقامة الولائم والاكثار بمالذ وطاب من أنواع الطعام حيث ينفقون خلال الشهر علي شهواتهم ويطلقون لها العنان, ويبالغون في اعطاء أنفسهم ماتشتهيه مما يجعلهم يتكاسلون عن اداء الطاعات من صلاة في وقتها مع الجماعة, وتلاوة القرآن الكريم, وذكر الله عز وجل, والصدقة, وغيرها من شتي صنوف الطاعات وعلي المسلم اجتناب هذه العادات السيئة, بالاقتصاد في مطعمه, وعدم الإسراف فيه حتي لايتحول رمضان من شهر العبادات والطاعات إلي شهر الاهواء والشهوات.في البداية تقول الدكتورة أمال يس أستاذ مساعد الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر, في كل عام تستقبل الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها شهر رمضان وقد شمر الجميع عن ساعد الجد والاجتهاد في العبادة, ولكن مع الأسف البعض منا يجهل المقصد الحقيقي للصوم, فليس القصد منه تجويع النفس وتعذيبها بالامتناع عن الطعام وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلي غروب الشمس, ولكن القصد الحقيقي هو تعويد النفس علي الطاعة لله عز وجل, والانقياد لأوامره, واجتناب نواهيه, ومن منطلق الجهل بهذه الحقيقة يظن البعض منا أن رمضان فرصة ذهبية لالتهام كل مالذ وطاب من المأكولات, فألاسواق مزذحمة بالناس ليلا ونهارا لشراء الأطعمة فلا هم لهم إلا بماذا يفطرون, وكأنهم في سباق مع الزمن, ونتيجة لذلك تلتهب الأسعار لكثرة الطلب, مما يؤدي إلي إرهاق ميزانية الأسرة نتيجة الإسراف, والتكالب علي الشراء بما يزيد علي الحاجة, وفي نهاية المطاف تمتليء المائدة بشتي ألوان الأطعمة والمأكولات التي لايؤكل منها إلا القليل ويبقي الكثير الذي يتراكم, أو يوزع علي من هو فيه زاهد, أو يلقي في القمامة, والنتيجة تبذير المال ووضعه في غير موضعه السليم, ولو علم الناس ما في رمضان من نفحات إيمانية, وعلموا أن الأكل لايقصد لذاته, بل يقصد للتقوي علي العبادة لراجعوا حساباتهم وجعلوا من شهر رمضان فرصة للأقتصاد وترشيد الاستهلاك أكثر من غيره من الشهور, ولم لا ؟ فما الذي يكفي ابن آدم؟ يكفيه مايسد رمقه كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم( بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه, فإن كان لامحالة فاعل, فثلث لطعامه, وثلث لشرابه, وثلث لنفسه وقال صلي الله عليه وسلم نحن قوم لانأكل حتي نجوع, واذا أكلنا لانشبع, وقال صلي الله عليه وسلم( طعام الواحد يكفي الاثنين, وطعام الاثنين يكفي ثلاثة) وهكذا حارب الإسلام الإسراف وعلمنا ان البركة تحل في الطعام وإن كان قليلا, وأن الطعام وإن كان قليلا قد يكفي العدد الكثير, هذا وقد ذم الله تعالي الإسراف في المأكل والمشرب فقال تعالي(. كلوا واشربوا ولاتسرفوا إنه لا يحب المسرفين) الاعراف31 فقد أمر تعالي بالآكل والشرب ونهي عن الإسراف, والنهي يقتضي التحريم وكما حارب الإسلام الإسراف في المآكل والمشرب, حاربه في شتي صور الإنفاق حتي يصل بالمسلم إلي حد الاعتدال فقال تعالي( والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) الفرقان67, أي وسطا بين الأمرين, وقال تعالي( ولاتبذر تبذيرا, إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا) الاسراء ايه26, قال تعالي( ولاتجعل يدك مغلولة إلي عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) الاسراء29, فبسط اليد يكون بالتبذير والاتلاف وإضاعة المال فيما لافائدة فيه.. من هنا يمكن القول أن الاعتدال في كل الأمور مطلب ديني, ومايحدث في رمصان يزيد الأعباء علي الأسرة ويرهقها ماديا ويضيع الوقت والجهد, ويسبب التخمة, ويرهق المعدة, فتقعد وتكسل عن العبادة, يقول الرسول صلي الله عليه وسلم( إذا متلأت المعدة نامت الفكرة وقعدت الأعضاء عن العبادة) وهذا هو الواقع الملموس في كثير من البيوت, فرمضان شهر طعام وإرهاق لميزانية الأسرة أكثر منه شهر عبادة ورحمة ومغفرة وتقرب إلي الله بشتي أنواع الطاعات, ولو علم الناس ما في رمضان من خير لتمنوا أن تكون السنة كلها رمضان فطوبي لمن صام نهاره, وقام ليله وفعل الخيرات ليفوز بجنة ربه يؤكد دكتور طه أبو كريشة عضو مجمع البحوث الإسلامية والوكيل الاسبق لحجمامعة الأزهر أنه من المعروف أن الإسراف من الأمور السلبية التي جاء النهي عنها في كتاب الله عز وجل ومن الآيات التي نهت عن خلق الإسراف ماجاء في قول الله تعالي( وكلوا واشربوا ولاتسرفوا إنه لايحب المسرفين) الأعراف ايه31, وماجاء في قوله تعالي( ولا تبذر تبذيرا,إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا الإسراء اية26, ورجاء من صفات عباد الرحمن قول الله تعالي( والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) الفرقان اية76, والنهي عن هذا الخلق يشمل جميع الأوقات سواء كان في رمضان ان في غير رمضان لأن سلوك المسلم يجب أن يكون سلوكا دائما في كل وقت مادام يعلم أن الذي ينهاه عن هذا هو الله عز وجل والله تعالي هو رب سائر الشهور والأعوام, وصيام رمضان في حقيقته هو تدريب عملي علي الاقتصاد والاعتدال والبعد عن الإسراف وذلك من خلال الامتناع عن الأكل والشرب من طلوع الفجر إلي غروب الشمس لمدة30 يوما ومن يتدرب علي ذلك في هذا المعسكر الإيماني فإنه يستطيع أن يلتزم بهذا الخلق في كل أوقاته وفي الطعام والشراب وفي غيره من الأمورالمادية في الحياة ومع ذلك فهناك من يخطيء في فهم حكمة الصيام ويظن أنه من الكرم في شهر رمضان أن يكثر الصائم في اعداد انواع كثيرة من الأطعمة والأشربة دون أن يستفيد منها في الواقع وقد يذهب اغلبها إلي السلات التي تتجمع فيها بقايا الأطعمة وهذا امر يتناقض مع الغاية من اداء هذه الفريضة لو كان الإكثار من هذه الأمور موجها إلي الفقراء والمساكين حتي لايشعروا بشيء من الحرمان في الوقت الذي يرون فيه المبالغات الكثيرة لدي القادرين فيما يتصل بأنفسهم فقط إننا اذا التزمنا بتحقيق الحكمة من وراء هذا المعسكر الإيماني فإن ذلك سوف يفيد الأمة في كل جوانب حياتها.