دأب كثير من المسلمين في رمضان علي الإسراف في تناول الطعام والشراب, حتي إن صيامهم ليكاد يفقد الحكمة من مشروعيته, إذ يشغل بعضهم نهاره في البحث عن أنواع الأطعمة والأشربة ليجمعها, ثم يقضي أكثر ليلة في تناولها, ومن البديهي أن يستتبع ذلك الخمول والنوم, والتكاسل عن أداء الواجبات والقربات, فضلا عما فيه من الإضرار بالنفس, فيما زاد عن حاجة البدن من هذه الأطعمة والاشربة, وإضاعة المال, فيما زاد منها عن الحاجة, وكل ذلك نهي عنه الشارع, فقد أمر الله سبحانه المكلفين بأداء ما فرضه عليهم, ورغبهم في التقرب إليه بأنواع الطاعات, والأمر بالشيء نهي عن ضده, فكل ما أدي إلي ترك هذه الفرائض والقربات, فهو منهي عنه, ومما يؤدي إلي هذا الترك اشتغال المسلم بتناول ما زاد عن حاجة البدن من الطعام والشراب, وما يترتب عليه من ترك أداء الفرائض والقربات, وقد ذم رسول الله صلي الله عليه وسلم من يملأ بطنه بالطعام والشراب, إذ روي عنه أبو هريرة أنه قال: المسلم يأكل في معي واحد, والكافر يأكل في سبعة أمعاء, وروي عن ابن عمر قال تجشأ رجل عند رسول الله صلي الله عليه وسلم, فقال صلي الله عليه وسلم: كف عنا جشاءك, فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة( والجشاء: هو صوت الريح الخارج من الفم عند حصول الشبع) وروي عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ليؤتين يوم القيامة بالعظيم الأكول الشروب, فلا يزن عند الله جناح بعوضة, واقرءوا إن شئتم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا, وروي عن ابن بجير قال: أصاب النبي صلي الله عليه وسلم جوع يوما, فعمد إلي حجر فوضعه علي بطنه, ثم قال: ألا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا, جائعة عارية يوم القيامة, كما ذم رسول الله صلي الله عليه وسلم امتلاء البطن بالطعام والشراب, وحض علي الاقتصاد في تناول ذلك, والاقتصار علي تناول ما يحتاجه البدن منه, فروي عنه المقدم أنه قال: ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه, بحسب ابن آدم أكيلات يقمن صلبه, فإن كان لا محالة آكلا, فثلث لطعامه, وثلث لشرابه, وثلث لنفسه, كما بين صلي الله عليه وسلم أن تناول كل ما تشتهي النفس من الإسراف, إذ روي أنس عنه أنه قال: من الإسراف أن تأكل كل ما اشتهيت وقد نهي الحق سبحانه عن الاسراف في الأكل والشرب, وغيرهما, فقال تعالي: كلوا واشربوا ولا تسرفوا وقال جل شأنه: ولا تبذر تبذير إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا كما نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن التبذير, فقد روي عنه عبد الله بن عمرو أنه قال: كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا, في غير إسراف ولا مخيلة وأخبر رسول الله صلي الله عليه وسلم أن ناسا من أمته يأكلون ألوان الطعام, ويشربون ألوان الشراب, هم من شرار أمتهت, فقد روي عنه أبو أمامة أنه قال: سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام, ويشربون ألوان الشراب, ويلبسون ألوان الثياب, ويتشدقون في الكلام, فأولئك شرار أمتي, وأما النهي عن إضاعة المال في شراء ما زاد عن الحاجة من المطعومات والمشروبات, فقد دل عليه ما روي عن أبي هريرة قال: نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن قيل وقال. وكثرة السؤال وإضاعة المال وإذا كانت شرعية الصيام ليشعر المسلم الواجد, بما يعانيه غير الواجد من ألم الجوع الدائم, فيمد اليه طوق النجاة لينقذه من آلامه, تحقيقا للتكافل الاجتماعي بين أفراد الأمة, الذي دعا إليه الإسلام وحض المسلمين عليه, فإن الاسراف في تناول أنواع الأطعمة والاشربة في هذا الشهر, تفقد الحكمة من مشروعية الصيام, لامتلاء معدة الواجد طوال ساعات النهار والليل, مما بفقد معه الشعور بالجوع والإحساس بالآلام التي ابتلي بها أناس, لا يجدون ما ينفقون علي حوائجهم الضرورية, بعد أن دثرهم الفقر بدثاره, واحتواهم بين ذراعيه, حتي صيرهم إلي الحال التي تفتقر من الواجدين مد يد العون إليهم, ومساعدتهم علي دفع غائلة الجوع والفقر عنهم, يصدق علينا قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد, إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي.