لا تناقض بين الدعوة إلى التبرع لدعم الاقتصاد المصري، وبين ضرورة الإسراع فى إعادة بناء البنية التشريعية والتنفيذية، لمواجهة الفساد واستئصاله من جسد المجتمع المصري. الرئيس عبدالفتاح السيسي، أراد أن يقدم النموذج والقدوة فى التبرع الاختيارى لمصلحة بناء الدولة المصرية وسد العجز فى الموازنة. هو أول رئيس مصرى يبدأ بنفسه ويقوم بمبادرة شخصية، لعلها تجد صداها عند الآذان المغلقة و«الكروش» المنتفخة، التى التهمت خيرات هذا الشعب على حساب جموع المواطنين. إلى جوار التبرعات لابد أن تبدأ، وعلى الفور، لجنة الإصلاح التشريعى التى شكلها الرئيس أخيرا فى إعداد سلسلة من مشروعات القوانين التى تضمن ضبط المنظومة الاقتصادية، وسد منافذ الفساد إلى غير رجعة، وقتها لن يحتاج الاقتصاد المصرى إلى المعونات الخارجية أو حتى التبرعات الداخلية. الاقتصاد المصرى يعانى فوضى شاملة، فالتهرب الضريبى هو القاعدة والالتزام الضريبى هو الاستثناء، وهناك قطاع ضخم يطلق عليه الاقتصاد غير الرسمى لا تعرف الحكومة عنه شيئا، ولابد من دمج هذا القطاع ضمن الاقتصاد الرسمي، وطبقا لتقديرات خبراء الضرائب فإن الضرائب المتوقعة لهذا القطاع لا تقل عن 200 مليار جنيه، وهو مبلغ كفيل بسد نسبة كبيرة من عجز الموازنة. لقد قامت الدنيا ولم تقعد من فئة الانتهازيين، بعد أن قررت الحكومة فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية فى البورصة، وبدأت عملية قذرة لعض الأصبع أدت إلى نزيف خسائر تعدت 10 مليارات جنيه للضغط على الحكومة حتى تتراجع، وحينما صمدت الحكومة وأكدت أنها لن تتراجع، عادت الأرباح من جديد إلى البورصة، فالضرائب على أرباح البورصة موجودة فى أغلب دول العالم، لكن هناك من يريدها فوضي، ولا يريد أن يدفع حق الدولة، برغم أن التهرب الضريبى فى العالم الآن جريمة لا تغتفر، وقد سمعت رجل الأعمال الهارب أشرف السعد، يحكى عن صرامة القوانين البريطانية التى لا ترحم أى فرد مقيم على الأراضى البريطانية، من دفع الضرائب، وسرد تفاصيل الخلاف بين الحكومة البريطانية ورجل الأعمال المصرى محمد الفايد، وكيف أنها رفضت شروطه وخيرته بين الإلتزام بالقوانين البريطانية أو تصفية أعماله برغم أنه كان من أكبر المستثمرين هناك. على لجنة الإصلاح التشريعي، أن تبدأ فورا فى إجراء سلسلة من التعديلات التشريعية على المحاور الآتية: أولا: ضمان كشف الفساد فى تخصيص أراضى الاستصلاح والإسكان، وفتح باب المصالحات بما يضمن استرداد الوطن حقه كاملا غير منقوص، وفى ذات الوقت ضمان استمرار المشاريع القائمة، على أن تتضمن التشريعات آلية محددة لاسترداد حقوق الدولة، سواء نقدا أو بجزء من هذه المشروعات. ثانيا: مراجعة كل المشروعات المخالفة لبنود تخصيصها مثل مشروعات الاستصلاح التى تم تحويلها إلى إسكان، وسن تعديلات تشريعية تضمن حقوق الدولة من خلال المصالحات العادلة والشفافة. ثالثا: إعادة النظر فى المنظومة التشريعية الاقتصادية، بحيث لا يكون هناك اقتصاد رسمى وآخر غير رسمي، وحتى تضمن أن يكون الاقتصاد المصرى كله منظومة واحدة تعمل فى النور سواء قطاعا عاما أم خاصا وتطبق القوانين على الجميع بلا استثناء. رابعا: إعادة النظر فى منظومة الضرائب بما يضمن حق الدولة وخضوع كل الأنشطة الاقتصادية لها، وضم الاقتصاد غير الرسمى إلى هذه المنظومة، فمن غير المعقول أن تكون هناك قطاعات تدر الملايين وربما المليارات تعمل فى الخفاء مثل قطاع تجارة الأراضى والعقارات والمقاولات، باستثناء شريحة ضئيلة منه فى حين أن أغلبيته يعملون بعيدا عن الدولة ولايدفعون ضرائب. التدخل التشريعى فى تلك النقطة لابد أن يضمن عدم اعتراف الدولة بأى أنشطة تعمل فى الخفاء وعدم استخراج أية موافقات لأية جهة إلا بعد التأكد من السجل الضريبى للبائع والمشتري، وأن يكون ذلك ضمن الأوراق المطلوبة فى جميع التعاملات، فالحكومات السابقة هى التى شجعت على المخالفات والتهرب الضريبى من خلال تجاهلها للاقتصاد غير الرسمي. خامسا: إيجاد صيغة قانونية لضبط كل الأعمال الحرة والخاصة، مثل أنشطة الخدمات والتجارة بجميع أنواعها، صغيرها وكبيرها، وتطبيق القواعد على الجميع. أخيرا فإن القواعد والقوانين العادلة والشفافة سوف تسهم فى جذب الاستثمارات، بعيدا عن الأهواء الشخصية والمزاجية ووقتها سوف تتحول مصر إلى نمر اقتصادى واعد لن يوقفه أحد. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة