تعرضت ثورات الربيع العربى عام 2011 للعديد من التحديات وخاصة فى ليبيا حيث انهارت الدولة تقريبا وتدور صراعات مسسلحة بين جماعات تكفيرية وقوات حكومية فى أكثر من منطقة. وفى اليمن يجرى صراع مسلح فى مواجهة تنظيم القاعدة وجماعة الحوثيين فضلا عن الصراع السياسى بين قوى المعارضة ونظام الحكم. اما بالنسبة لمصر فقد نجحت الى حد كبير فى مواجهة العديد من التحديات التى طرأت فى اثناء المرحلة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير والتى نتجت من أخطاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى ادارة الفترة الانتقالية، وما ترتب على ذلك من انفراد جماعة الإخوان المسلمين بحكم البلاد، ومحاولتهم التمكين لأنفسهم فى مؤسسات الدولة، مما استفز القوى الوطنية والديمقراطية وشباب الثورة لمواجهة هذه المحاولات، وشهد العام الماضى نجاح حركة تمرد الشبابية فى جمع 22 مليون توقيع للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وتصاعدت المعارضة لحكم الاخوان المسلمين الى ثورة شعبية يوم 30 يونيو 2013 شارك فيها أكثر من 30 مليون مواطن يؤيدون هذا المطلب. وكادت البلاد تشهد حربا اهلية لاصرار الاخوان المسلمين على رفض اجراء انتخابات رئاسية مبكرة لولا انحياز الجيش المصرى للارادة الشعبية وإعلان خريطة طريق للمستقبل من خلال عملية ديمقراطية سلمية تشمل تعديل الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية وانتخاب المجلس التشريعي. وقد نجحت مصر فى تنفيذ الجانب الأهم من خريطة الطريق بموافقة شعبية كبيرة فى الاستفتاء على تعديل الدستور وانتخاب رئيس جديد للجمهورية وهى الآن على وشك انتخاب مجلس النواب. تم ذلك فى مواجهة تصاعد أعمال العنف والإرهاب لتعطيل هذه العملية الديمقراطية الجديدة. ونجحت الدولة المصرية فى الافلات من فخ تفكيكها وهو الهدف المعلن لما يسمى بتحالف دعم الشرعية بقيادة الاخوان المسلمين، كما نجحت الدولة الى حد كبير فى تصفية المجموعات التكفيرية الارهابية المتمركزة فى شبه جزيرة سيناء. ورغم ما تحقق حتى الآن من نجاح على طريق استعادة المسار الديمقراطى فى مصر وحماية الدولة من الانهيار فإن ثورة 25 يناير لا تزال تواجه تحديات كبرى فى مقدمتها: التحدى الأول: أعمال العنف والإرهاب التى تقوم بها الجماعات التكفيرية فى سيناء أو داخل البلاد وتشارك فيها جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها فى إطار مخطط يستهدف شل أجهزة الأمن وإرباك المجتمع بهدف إسقاط الدولة ، واستعادة السيطرة التى فقدها الإخوان المسلمون بثورة 30 يونيو ،والحيلولة دون استكمال العملية السياسية لخارطة الطريق ، ومن الواضح أن التنظيم الدولى للإخوان المسلمين يقف وراء هذا المخطط وتسانده فى ذلك مؤسسات إعلامية وإعلانية وعلاقات سياسية على نطاق العالم كله. وما لم يتوحد المجتمع كله فى مواجهة هذا التحدى وتتضافر الجهود الشعبية والحكومية فى تعاون كامل لإيقافه فإنه يمكن أن يعرض البلاد للخطر. التحدى الثانى: عودة قيادات من عهد حسنى مبارك للعمل العام مرة أخرى واعتبارهم أن الحركة الشعبية فى 30 يونيو مدينة لهم رغم أنها نتاج جهد وعمل قطاع من شباب الثورة ممثلاً فى حركة تمرد ، وسعيهم إلى إفتعال تناقض بين 30يونيو و25 يناير ، وانتهاز الفرصة للعودة إلى الساحة السياسية بقوة والاستعداد لانتخابات مجلس النواب من خلال التحالفات التى يرتبون لها الآن ، ورغم أن رئيس الجمهورية اعلن فى خطابه الأخير أنه لاعودة لأى نظام سابق وأنه لا عودة بالمرة لإحتكار الدين أو إحتكار الدولة الا أن تحقيق هذا التوجه يتطلب جهوداً شعبية واسعة النطاق لمحاصرة العائدين من الماضى وحرمانهم من الفوز فى الانتخابات والمطالبة بتطبيق العدالة الإنتقالية لمحاسبة كل من أجرم فى حق الشعب سياسياً واقتصادياً وجنائياً وأن يشمل العقاب من احتكر الحكم وزور الإنتخابات ونهب المال العام وقتل المعارضين خارج القانون أوعذبهم . التحدى الثالث: هو خطر عودة السلطوية من الباب الخلفى حيث شهدت البلاد موجة تأييد واسعة النطاق لترشيح المشير عبدالفتاح السيسى رئيساً للجمهورية الذى فاز بالفعل بالرئاسة ويغالى بعض الذين يقودون هذا التأييد بالتعامل معه كمنقذ للبلاد وهو ما يمكن أن يؤدى إلى عودة السلطوية مرة أخرى من خلال حزب يتشكل لمساندة الرئيس الجديد يحتكر الحكم ، خاصة وأن الأحزاب السياسية التى تأسست بعد ثورة 25 يناير لا تزال وليدة وتحتاج إلى مزيد من الوقت لكى تتحول إلى تنظيمات جماهيرية ذات قاعدة شعبية مؤثرة . ومن المهم التصدى لمن يزايد على الآخرين فى تأييد الرئيس عبدالفتاح السيسى للسير فى طريق يتعارض مع العملية الديمقراطية ويجهض احتمالات التطور الديمقراطى فى مصر ، وأن يكون السيسى نفسه على رأس المعارضين لهذه التوجهات وألا يسمح لمثل هذه الميول أن تترسخ فى المجتمع ، وإلا فإنها سوف تكون بمثابة ضربة للتعددية الحزبية واستقلال المجتمع المدنى، وسيكون هذا هو التحدى الأكبر الذى يواجه مسيرة الثورة التى كانت بالأساس وما تزال ذات طابع ديمقراطى عميق . من المهم أن تتضافر جهود كل قوى الثورة لمواجهة هذه التحديات وبدء مرحلة جديدة من العمل الثورى أكثر فاعلية وأكثر قدرة على تحويل أهدافها إلى برامج عمل وسياسات محددة توضع من خلال المؤسسات الدستورية موضع التطبيق . لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر