أثمرت ثورة 25 يناير إيجابيات متعددة، لعل أهمها إعلاء صوت الإرادة الشعبية فى عملية إصدار القرار التى كانت تحتكرها مجموعة قليلة من أهل السلطة ورجال الأعمال الفاسدين فى النظام السياسى السابق. وقد شاركت الجماهير فى رفع مطالبها من خلال المظاهرات الحاشدة والمليونيات المتعددة، التى هدفت ليس إلى مجرد الإسهام الإيجابى فى عملية صنع القرار، ولكن أيضاً من خلال الرقابة على تنفيذه بما يحقق الصالح العام. ولكن سرعان ما تحولت هذه المظاهرات الجماهيرية والمليونيات الحاشدة إلى أدوات تستخدمها فصائل عديدة من النخبة، سواء فى ذلك بعض الائتلافات الثورية أو عدد من الأحزاب السياسية القديمة، لتحقيق أهداف ليس عليها إجماع شعبى. وتعمدت هذه الائتلافات الثورية والأحزاب السياسية رفع مطالب يستحيل تحقيقها فى الأجل القصير، أو المناداة بشعارات غير مسئولة من قبيل «يسقط حكم العسكر» وغيرها، أدت فى الواقع إلى تعطيل مسيرة الانتقال من السلطوية إلى الديمقراطية، وهى الهدف الأعلى من أهداف ثورة 25 يناير. وإذا كانت ظواهر البلطجة الإجرامية قد سادت بعد الثورة نتيجة الانفلات الأمنى نظراً للمحاولات المستميتة من قِبل قوى سياسية تخريبية لإسقاط الشرطة بالكامل، فإن نوعاً جديداً من البلطجة ظهر مؤخراً يمكن أن نطلق عليه «البلطجة السياسية»! وما يدور الآن فى ميدان العباسية من قِبل أنصار «حازم أبوإسماعيل» الذين توافدوا من ميدان التحرير للاعتصام أمام وزارة الدفاع، هو نموذج بارز لهذه البلطجة السياسية التى تتم بناءً على تحريض صريح من «أبوإسماعيل» الذى استبعد من انتخابات الرئاسة بناءً على تطبيق دقيق لصحيح القانون، والتى أدت إلى مصادمات دامية سقط فيها قتلى ومصابون. ومما لا شك فيه أن السعى الدءوب من قبل جماعة «الإخوان المسلمين» لإسقاط حكومة الدكتور «الجنزورى» بأى طريقة سعياً للاستحواذ على السلطة التنفيذية -بالإضافة إلى السلطة التشريعية- ليس سوى بلطجة سياسية مفضوحة كشفت عن نفسها فى المظاهرات التى نظمتها فى ميدان التحرير معلنة أنها ستمارس شرعية الميدان بالإضافة إلى شرعية البرلمان! ولو تابعنا بدقة أحداث الاعتصام الذى بادر به أنصار «أبوإسماعيل» فى العباسية، لاكتشفنا أنه قد انضمت إلى جماهير السلفيين ائتلافات ثورية أخرى لم تشارك منذ البداية، ولكنها -خضوعاً منها لجاذبية المظاهرات الحاشدة والمليونيات المتعددة- قررت أن تنضم إلى الاعتصام. وإذا حللنا الشعارات المرفوعة التى ينادى بها المعتصمون على مختلف أطيافهم السياسية، لاكتشفنا أنها تهدف فى الواقع إلى تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، ومد الفترة الانتقالية إلى ما لا نهاية! والدليل على ذلك أن من بين هذه الشعارات الزاعقة المرفوعة ضرورة حل اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة لأنها من استبعدت المرشح المحتمل «حازم أبوإسماعيل» من السباق بالرغم من أنها طبقت صحيح القانون، وكذلك تغيير المادة 28 التى تحصن قرارات اللجنة لحكمة بالغة ارتآها المشرع، وهى ضرورة استقرار المركز القانونى لرئيس الجمهورية المنتخب، وألا تخضع النتيجة إلى منازعات قانونية بناءً على دعاوى قضائية يرفعها الذين لم ينجحوا فى الانتخابات، وهى تستغرق فى العادة وقتاً طويلاً، مما يجعل منصب رئيس الجمهورية الذى أعلن نجاحه وكأنه نجاح مؤقت إلى أن تصدر الأحكام النهائية الخاصة بالمرشحين الذين خسروا الانتخابات. وغنى عن البيان أن هذا الوضع سيؤدى بالضرورة إلى اهتزاز صورة رئيس الجمهورية المنتخب. غير أن أخطر الشعارات المرفوعة قاطبة هو ضرورة إسقاط المجلس الأعلى للقوات المسلحة فوراً، وتسليمه السلطة إلى مجلس مدنى انتقالى، ومعنى ذلك انقلاب كامل على مسيرة المرحلة الانتقالية التى تحددت مواعيدها بدقة من قبل، والتى تتضمن انتخابات مجلسى الشعب والشورى التى تمت فعلاً وتشكيل لجنة تأسيسية لوضع الدستور ما زال تشكيلها لم يتم التوافق عليه بعد وانتخاب رئيس الجمهورية. والسؤال هنا: هل نريد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يسلم السلطة فعلاً يوم 30 يونيو سواء وضع الدستور أو لا بعد انتخاب رئيس الجمهورية، أم نريد تشكيل مجلس مدنى انتقالى فوراً والآن مما يعنى العودة إلى المربع صفر والبداية من جديد؟