يحتفل المصريون اليوم بالذكرى الثالثة لثورة 25 يناير وسط مشاعر متضاربة بين الأمل والرجاء وبين اليأس والإحباط، ليس هذا فقط بل يأتي احتفال المصريين بثورتهم الشعبية المجيدة وسط أعاصير وزوابع تهب على مصر في خضم صراع دموي عنيف أشعلت نيرانه جماعات إرهابية تستهدف إسقاط الدولة المصرية بعد أن فشلت في خطفها، ونجح المصريون في إنقاذها من براثنهم بثورة 30 يونيو التي هي في الحقيقة موجة ثانية للثورة الأم التي أشعل الشباب شرارتها في 25 يناير وشارك الشعب بكل فئاته فيها ونجحت في إسقاط رأس النظام وفتح الباب واسعا أمام التغيير الذي يتطلع اليه الشعب المصري وناضل من أجله طويلا. في ظل هذا الوضع المتناقض ما بين مشاعر الإحباط والأمل يحتفل المصريون بما حققته الثورة من نتائج تشكل أساس إنطلاق المصريين نحو مستقبل مشرق، على رأس هذه النتائج نزع رداء الخوف وامتلاك المصريين إرادتهم، والقدرة على الضغط من أجل إستمرار ثورتهم في مواجهة محاولات إجهاضها أو الإنحراف بها، ونجاحهم أيضا في فتح الباب أمام التحول من النظام السلطوي إلى نظام ديمقراطي، وإتساع نطاق المشاركة الشعبية في العملية السياسية، واجتذاب ملايين المصريين إلى ساحة النضال الديمقراطي، والميل المتزايد إلى الانضمام لعضوية الأحزاب السياسية الجديدة التي تأسست بعد الثورة ممثلة للتيارات السياسية الأساسية في مصر الليبرالية واليسارية والقومية والإسلامية. وما ترتب على هذا كله من إحتدام الصراع حول مستقبل البلاد بين قوى الثورة والقوى المضادة، وما أثبته شباب الثورة من قدرة على الصمود في وجه القوى المضادة وتصديهم لمحاولات هذه القوى تصفية مكاسب الثورة. لا يتوقف الأمر عند قيام البعض بتشويه الثورة وشبابها بل يتعداها إلى ما هو أخطر، ذلك أن الثورة تواجه تحديات كبرى إذا لم ننجح في مواجهتها فإنها يمكن أن تؤثر ليس فقط في مسار الثورة بل في مستقبل مصر: التحدي الأول: أعمال العنف والإرهاب التي تقوم بها الجماعات التكفيرية في سيناء أو داخل البلاد وتشارك فيها جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها في إطار مخطط يستهدف شل أجهزة الأمن وإرباك المجتمع بهدف إسقاط الدولة، واستعادة السيطرة التي فقدها الإخوان المسلمون بثورة 30 يونيو، والحيلولة دون إستكمال العملية السياسية لخارطة الطريق، ومن الواضح أن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يقف وراء هذا المخطط وتسانده في ذلك مؤسسات إعلامية وإعلانية وعلاقات سياسية على نطاق العالم كله. وما لم يتوحد المجتمع كله في مواجهة هذا التحدي وتتضافر الجهود الشعبية والحكومية في تعاون كامل لإيقافه فإنه يمكن أن يعرض البلاد للخطر. التحدي الثاني: عودة قيادات من عهد حسني مبارك للعمل العام مرة أخرى وإعتبارهم أن الحركة الشعبية في 30 يونيو مدينة لهم رغم أنها نتاج جهد وعمل قطاع من شباب الثورة ممثلا في حركة تمرد، وسعيهم إلى افتعال تناقض بين 30 يونيو و25 يناير، وإنتهاز الفرصة للعودة إلى الساحة السياسية بقوة والإستعداد لإنتخابات مجلس النواب من خلال التحالفات التي يرتبون لها الآن، ورغم أن رئيس الجمهورية أعلن في خطابه الأخير أنه لاعودة لأي نظام سابق وأنه لا عودة بالمرة لإحتكار الدين أو إحتكار الدولة الا أن تحقيق هذا التوجه يتطلب جهودا شعبية واسعة النطاق لمحاصرة العائدين من الماضي وحرمانهم من الفوز في الإنتخابات والمطالبة بتطبيق العدالة الإنتقالية لمحاسبة كل من أجرم في حق الشعب سياسيا وإقتصاديا وجنائيا وأن يشمل العقاب من احتكر الحكم وزور الإنتخابات ونهب المال العام وقتل المعارضين خارج القانون أوعذبهم. التحدي الثالث: هو خطر عودة الشمولية من الباب الخلفي حيث تتصاعد في البلاد موجة تأييد واسع النطاق لترشيح الفريق أول عبدالفتاح السيسي رئيسا للجمهورية ويغالي الذين يقودون هذا التأييد في مواقفهم بالتعامل معه كمنقذ للبلاد وبطل قومي وهو ما يمكن أن يؤدي إلى عودة الشمولية مرة أخرى من خلال حزب يتشكل لمساندة الرئيس الجديد يحتكر الحكم خاصة وأن الأحزاب السياسية التي تأسست بعد ثورة 25 يناير لاتزال وليدة وتحتاج إلى مزيد من الوقت لكي تتحول إلى تنظيمات جماهيرية ذات قاعدة شعبية مؤثرة. ومن المهم التصدي لمن يزايد على الآخرين في تأييد الفريق أول عبدالفتاح السيسي للسير في طريق يتعارض مع العملية الديمقراطية ويجهض إحتمالات التطور الديمقراطي في مصر، وأن يكون الفريق السيسي نفسه على رأس المعارضين لهذه التوجهات وألا يسمح لمثل هذه الميول أن تترسخ في المجتمع، وإلا فإنها سوف تكون بمثابة ضربة للتعددية الحزبية واستقلال المجتمع المدني، وسيكون هذا التحدي الأكبر الذي يواجه مسيرة الثورة التي كانت بالأساس ولاتزال ذات طابع ديمقراطي عميق. من المهم أن تتضافر جهود كل قوى الثورة لمواجهة هذه التحديات، وأن يكون الاحتفال بالذكرى الثالثة للثورة بداية مرحلة جديدة أكثر فاعلية، وأكثر قدرة على تحويل أهدافها إلى برامج عمل وسياسات محددة توضع من خلال المؤسسات الدستورية موضع التطبيق. نقلا عن جريدة الأهرام