إعمال العقل، أو الفكر ليس له حدود لا فى العمق ولا فى المساحة. وعندما خلق الله الإنسان واستخلفه فى الأرض منحه هبة إعمال العقل حتى يكون على قدر هذا الاستخلاف. وبالتالى فالإنسان مأمور بحكم هذا الاستخلاف بإعمال العقل. . وهبة إعمال العقل مفتوحة لكل البشر لا يحدها جنس أو دين أو مكان أو زمان. وإعمال العقل عبر التاريخ أثمر عن حضارات فى أماكن كثيرة من الكرة الأرضية ازدهرت حينما بدأت واعتمدت على إعمال العقل. والعقل، كعضو من أعضاء الجسم، محدود بالحجم والشكل والمكان الذى نراه فى كل البشر، ورغم ذلك فهو المسئول عن إدارة وتصحيح أداء الجسم كله. وبجانب الدور الحيوى للعقل المتحكم فى حياة الإنسان وبقائه، فالفكر والإبداع هما أيضاً الهبة الكبرى لهذا العقل لذلك فهو الجزء الوحيد فى الجسم الذى تتخطى حدوده الجزء الحيوى والعضوى خلافاً لكل الأعضاء فأداؤها لا يتخطى حدود وجودها. وإعمال العقل على مستوى الفرد هو منبع ثقافته ونمو قدراته وإنتاجه. والفكر دائماً ما يرتبط بالمستقبل حتى لو كان فى أمور الحاضر. ويمثل توقف إعمال العقل ارتدادا حضاريا وتخلفا والتاريخ شاهد على كل ذلك. . كما يمثل توقف إعمال العقل كلياً أو جزئياً عرقله لتقدم هذه المجتمعات. والبحث العلمى هو أهم صور الفكر وإعمال العقل لأنه عمل موجه ببرامج محددة تفتح أبواب الاستكشاف على مصراعيها. وبدون البحث العلمى يستحيل تحقيق قوة الدفع اللازمة لتقدم وحضارة الشعوب وتنمية اقتصادها. وللفكر ذاته مقومات تتفاعل مع بعضها بعضا فلا إعمال للعقل الجمعى للشعوب بدون ثقافة تضمن لها الاستمرارية والنمو. وبهذه الاستمرارية تتأصل أيضاً ثقافة الفكر لهذه الشعوب. والابتكارات والاختراعات هى نواتج البحث العلمى القائم على إعمال العقل فتتجدد وتتطور الوسائل الحياتية اللازمة لجودة الحياة و التى نراها كل يوم من الآخرين، وبما يؤكد أن مجال عمل العقل واسع وعميق ودائم. ولأن الإنسان فى حاجة دائمة لإعمال العقل على كل المستويات فعلى الدولة تنمية هذه الثقافة بكل الطرق الممكنة من خلال التركيز على إكساب شعبها ثقافة إعمال العقل على المستويات التعليمية المختلفة. وثقافة الفكر علاوة على أنها قوة الدفع الحقيقية لتقدم الشعوب وحلول لمشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية، لذا فإنها أيضا أحد عوامل الارتقاء الحضارى لفكر التعاملات بين الأفراد والجماعات. ومن منطلق أهمية ثقافة الفكر وإعمال العقل على الدولة أن تعمل دائما على ما يُكسب الطفل أو الشاب الإحساس بأهمية هذه الثقافة، كما على الدولة أيضاً الإكثار من الندوات والمؤتمرات وحلقات النقاش ونشرات التوعية والتدريب على إعمال العقل وإيجاد نظام للحوافز الدائمة، و بسخاء لدعم هذه الثقافة وتنميتها. ولا يجب ان يقتصر ذلك على فئة او حتى فئات بعينها بل يجب أن يشمل كذلك كل عمالها وموظفيها باعتبار أن التحسين والتطوير المستمراحد نواتج الفكر والمرتبط برفاهية الفرد والمجتمع فلا يشكو مما يشكون منه الآن أو على الأقل تقل شكواهم بتحسن أحوال المجتمع وتقدمه وتزداد ربحيته من نواتج إعمال العقل، كما يزداد فخره واعتزازه من اعتماده على نواتج إعمال عقول بنى وطنه حتى لايكون عالة على إنتاج عقلى لمجتمعات أخرى. فلا يمكن أن تكون المجتمعات الأكثر حاجة لنواتج العقل هى أقلها فى استخدام هذا العقل. والغريب، ان عقول مجتمعاتنا فى أحيان كثيرة تكون أفضل حين تعمل العقول نفسها فى مجتمعات متقدمة، لديها كثير من ثقافة الفكر. إنها إذنً المعادلة الصعبة التى تستوجب فك ألغازها ومن أهمها توفيرالبيئة والمناخ للفكر والابداع كما يفعل الآخرون . والخلاصة أن القوة الدافعة للتنمية وتقدم ورفاهية الشعوب مرهونة بانتاجها المادى المبنى على إعمال العقل والتدفق الدائم للفكر .كما لا يمكن إعمال العقل وإنتاج الفكر دون ثقافة ذاتية و مكتسبة ومتنوعة بتنوع الفئات والمستويات.والدولة التى لا تعمل دائما لتنمية هذه الثقافة لاتجنى إلا التخلف بجميع صوره وتعيش عالة على مبتكرات الاخرين كمستهلكين وهى حالة تنتقص كثيرا من قوتها واقتصادها و هيبتها كما تظل تحت رحمتها فى أن تعطى أو لا تعطى خاصة فى المنتجات المرتبطة مباشرة بقوة الدولة او اقتصادها. ان مقياس ثقافة الفكر وإعمال العقل هو حجم ما تستورده من سلع سواء استهلاكية او غير استهلاكية وبمعنى آخر فالقوة الذاتية مقياسها ايضا حجم ما تستهلكة من انتاجك لا من انتاج الاخرين. فلنركزكدولة فى تنمية ثقافة إعمال العقل من أجل التنمية فليس فيها اقتصاد ضعيف أوفقر واسع الامتداد فتكون الدولة دائما كما هى الآن فى معاناة تصارع لغذاء شعبها ولا تستطيع تحقيق العدالة الاجتماعية او محاربة الفقر والبطالة لا لأنها غير مقتنعة بذلك ولكن لضيق ذات اليد الناتج عن أزمه فى ثقافة إعمال العقل. لمزيد من مقالات محمود عيسى