كان الاقتصادي المشهور (آدم سميث) من المنظرين الأوائل للنظام الرأسمالي وهو صاحب فكرة اليد الخفية Invisible hand التي قوامها أن المصلحة الخاصة والسعى الدائم نحو تحقيقها يعتبر المحرك للنشاط الاقتصادى والمحقق لأهدافه في النهاية. أي أن البحث عن المصلحة الخاصة يحقق المصلحة العامة تلقائيا. فكل صاحب مشروع خاص في سعيه لتحقيق ربحه الخاص لا بد أن يلبى رغبات المستهلكين بإنتاج حاجاتهم ولا بد أن يمنح العمال فرصا للعمل وأجورا. وقد كانت هذه الفكرة أقرب للواقع في ظل المنافسة الكاملة ثم جاء الاقتصادي المشهور (كينز) ليثبت بعد أحداث الكساد العظيم الذي اجتاح العالم خلال الفترة من العام 1929 إلى العام 1933 خرافة اليد الخفية بل واعتبرها يد مشلولة غير قادرة على تحقيق أهداف النظام الاقتصادي. وفي مصر تولدت فكرة جديدة كحافز للربح منذ أكثر من ثلاثين عاما هى اليد الخبيثة التي قوامها المصلحة الخاصة تحقق المصلحة الخاصة والمضرة العامة تلقائيا. فهذه اليد الخبيثة التي كانت تمثل قلة معدودة نهبت وسرقت واستولت واغتصبت وسرطنت وكانت عوائد إنتاجها لا تعرف سبيلا سوى خزانها الخاصة ومصلحتها الملوثة حتى باتت الموارد تستأثر بها فئه جشعت نفوسها وكان لسان حالها : هل من مزيد؟ في حين لا يجد عموم الشعب المصري قوت يومه ولا لقيمات يقمن صلبه. ثم جاءت الثورة المباركة لتعلن حربها على الفساد الذي لوث الأجواء وخرب الذمم وحرك الأهواء ، وتعلنها صراحة أنها ثورة من أجل الحرية المكبوتة والكرامة المقهورة والعدالة الاجتماعية المفقودة. ولا شك أن استمرارية تحقيق ذلك يتطلب إنتاجا يدير حركة الاقتصاد ليكون في خدمة الناس ، وهذا الإنتاج لن يأتي من فراغ بل يحتاج إلى توحيد جهود المخلصين من رجال الأعمال والعاملين الشرفاء للنهوض بالاقتصاد، من خلال اليد الطيبة النظيفة التي تؤمن يقينا أن المصلحة الخاصة في خدمة المصلحة العامة وأن المسئولية الاجتماعية من أهم واجبات المستثمر والعامل على السواء لقدرتها على عمران الدنيا والآخرة (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) البقرة/201.. وإذا كان البعض يرفع شعار المطالب الفئوية وهو حق ولكنه ينبغي أن يوضع في موضعه في سلسة التدرج الطبيعي للحياة الاقتصادية المصرية التي تحتاج وقتا للنقاهة والتعافي فلا يمكن تحقيق تلك المطالب دفعة واحدة بل إن التدرج في تحقيقها مندوحة اقتصادية. وإذا كان البعض الآخر يلوح بخسائر الاقتصاد المتزايدة ويهول من أمرها فإن هذا التخويف ليس في موضعه والحق أن ينظر لواقع الحالة الاقتصادية المصرية دون تهويل أو تهوين فما خسرته مصر بعد الثورة لا يساوي شيئا في ميزان ما نهب من ثروات قبلها وما انتشر من فساد في جسد الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ولتكن استراتيجيتنا في المرحلة القادمة قائمة على وقف نزيف الفساد وتنمية الإنتاج فعهد النوم والتثبيط يجب أن ينقضي ليسود عهد العمل والإنتاج من منطلق الحافز الوطني والإسلامي لتحقيق التنمية الاقتصادية التي ننشدها لمصر وللعالم العربي والإسلامي ومن منطلق أنه من لا يملك لقمة عيشه لا يمكن أن يملك حريته. إن مصر تمر بمرحلة المخاض نحو النهضة المأمولة والمكانة التي تليق بتاريخها ودورها العربي والإسلامي وهو ما يتطلب الخروج باقتصادها من نفق الأحادية الهيكلية إلى رحاب التغيير النوعي في بنية الاقتصاد من خلال تنوع وتعدد الأنشطة الاقتصادية والمكانة المتزايدة التي يجب أن يأخذها تدريجيا قطاع الصناعة والصناعة التحويلية بالذات إضافة إلى إعادة هيكلة قطاع الزراعة بصورة تمكن من تحقيق سياسة الإحلال محل الواردات وتشجيع الصادرات والدخول في عالم المنافسة العالمية بمراعاة عاملي الجودة والسعر. وليكن في المنهج الاقتصادي الإسلامي هدايتنا وحافزا عمليا تطبيقيا نحو الإنتاج القيمي الذي يعمر ولا يخرب ويصلح ولا يفسد ويبني ولا يهدم ويوحد ولا يفرق. فالإسلام يدعو إلى الإنتاج وإعمار الأرض وتحقيق التنمية، وهو في ذلك يربط بين الإنتاج وطاعته سبحانه وتعالى باعتباره عبادة يتقرب بها المنتج إلى ربه. ويجعل المنبع الرئيس لحوافز الإنتاج هو قضية الاستخلاف. فكل جيل من أجيال البشرية يستثمر جهده في الإنتاج، ويجني ثمرة ذلك. لا يعمر فيه إلى الأبد . ولكنه يأخذ نصيبه منه في حياته ، ثم يدعه ويخلفه للجيل اللاحق، وهكذا دواليك، فهى أمانة استخلف الله عليها عباده، وكل إنسان وكل جيل يخلف من سبقه في حملها (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض) الأنعام/ 165 وتتعدد حوافز الإنتاج في المنهج الاقتصادي الإسلامي ، فمنها ما يتعلق بحوافز فطرية كدافع الربح وحب الملكية، ومنها ما يتعلق بحوافز عقدية إيمانية، تربط بين إحسان الدنيا والآخرة، بالسعي في الأرض وإعمار الكون وتحقيق الكفايات. فالإنتاج في المنهج الاقتصادي الإسلامي هو أساس إعمار الكون وخلافة الأرض، وقد خلق الله تعالى عباده لعبادته، وهو غنى عنهم غير محتاج إليهم، وسخر ما في الدنيا عونا لهم لتحقيق تلك العبادة. قال تعالى : َومَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون الذاريات/ 56. ومدلول العبادة التي هي غاية الوجود الإنساني أو التي هي وظيفة الإنسان الأولى لا يقتصر على إقامة الشعائر بل يمتد ليشمل كل ما استخلف الله تعالى الإنسان فيه. قال تعالى : وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة البقرة/ 30 وقال تعالى : هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا هود/61. والاستعمار من الله هو طلب العمارة، وهذا الطلب المطلق من الله تعالى يدل على الوجوب ، فلا تدل قرينة علي صرفه عن غيره، فالتعمير والتنمية واجب علي المسلمين كافة كل بحسب طاقته. لذا فالإنتاج فرض كفاية على الأمة المسلمة شرعا لتحقيق الرفاه الدنيوى والأخروى، "وفرض الكفاية يطالب بأدائه كل المكلفين، وإذا فعله واحد سقط الطلب عن الآخرين، وإذا لم يفعله أحد أثموا جميعا وينقلب إلى واجب عيني، ومن ذلك أنواع الصناعات التي إذا لم يقم بها الناس أثمت الأمة كلها، وأصبحت فرض عين على كل أحد. وقد بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب– كرم الله وجهه- حقيقة الإنتاج وقيمته في كتابه لواليه على مصر الأشتر النخعي بقوله : "ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج ، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد". إن أهمية الإنتاج في المنهج الاقتصادي الإسلامي تبدو من كونه عبادة يتقرب بها المسلم إلى الله عز وجل إذا أخلص النية فيها لله تعالى ، وكونه من فروض الكفاية توفيرا للاحتياجات الضرورية للعباد لإعانتهم على طاعة الله ، وتقوية لبنيان الدولة الاقتصادي ، مما يمكنها من القيام بدورها في سياسة الدنيا ، وحراسة الدين، وفيه تسخير للموارد الاقتصادية البشرية والمادية ، ومن ثم إشاعة الخير والنماء في المجتمع. ومن أجل هذا سخر الله تعالى للإنسان ما في الكون عونا له على الإنتاج، وكشف القرآن الكريم عن منابع الثروة سواء أكانت زراعية أو حيوانية أو صناعية أو تجارية أو خدمية ... الخ ، وحث على استثمارها واستغلالها ، فقال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ الملك/ 15. وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون الجاثية/ 13. اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ إبراهيم/32-34. وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ الرعد/ 4. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء فاطر/ 27-28. وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُون وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُون وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ النحل/ 5-9. وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ النحل، 68-69 وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ النحل/80-81. وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ الحديد/ 25. قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا الكهف/94-97. ومن النصوص النبوية الصريحة في الدعوة إلى الإنتاج والحث عليه ما رواه أنس - رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة" رواه البخاري، وما رواه ابن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل" رواه أحمد. كما نهى الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن ذبح الشاة الحلوب ، ففي الحديث :"إياك والحلوب" رواه مسلم ، ونهى - صلى الله عليه وسلم - عن بيع أصل إنتاجي وإنفاق ثمنه في الاستهلاك ، فعن حذيفة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "من باع دارا أو عقارا فام يجعل ثمنها في مثله كان قمنا أن لا يبارك له فيه" رواه أحمد. كما أن المنهج الاقتصادي الإسلامي خصص سهما في الزكاة للغارمين ، بهدف تأمين المستثمرين وتعويضهم عن خسائرهم ، مما يؤهلهم مرة أخرى لإعادة الاشتراك في العملية الإنتاجية. ولم يكتف الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالحث على الإنتاج بالقول بل كان العمل خير تطبيق للقول فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير من عمل وأنتج فعمل برعي الغنم أجيرا، وعمل تاجرا ، وزرع النخيل بيده الشريفة في المدينة، وما ترفع عن عمل ولم يرض أن يكفيه أحد شأناً من شؤونه . كما يسر المنهج الاقتصادي الإسلامي من الجوانب التطبيقية العملية ما يحفز على الإنتاج ، فبالنسبة للموارد الطبيعية أتاح تمليك الأرض الموات لمن يحيها فقال - صلى الله عليه وسلم- : "من أحيا أرضاً ميتة فهي له" رواه البيهقي ، وحث على الاستزراع فقال - صلى الله عليه وسلم- : "من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرِعها أخاه" ، كما أمر عمر بن عبد العزيز –رضى الله عنه- عماله، بأن يقدموا الأرض التي لا تجد من يزرعها بمقابل، إلى من يستفيد منها بدون مقابل، فقال : "انظر ما قبلكم من أرض الصافية فأعطوها بالمزارعة بالنصف، ومالم ترع فأعطوها بالثلث، فإن لم تزرع فأعطوها حتى تبلغ العشر، فإن لم يزرعها أحد فامنحها، فإن لم يزرع فأنفق عليها من بيت مال المسلمين ولاتبترن قبلك أرضا". كما منع المنهج الاقتصادي الإسلامي الاحتجار وذلك بمصادرة حق من يحتجر الأرض ، لقوله - صلى الله عليه وسلم- : "ليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين"، وقال عمر بن الخطاب –رضى الله عنه- : "من عطل أرضا ثلاث سنين لم يعمرها فجاء غيره فعمرها فهى له"، كما استرجع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من بلال بن الحارث المزني أرضاً عجز عن زراعتها قائلاً: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لم يقطعك لتحجره عن الناس إنما أقطعك لتعمل فخذ ما قدرت على عمارته ورد الباقي". وحث المنهج الاقتصادي الإسلامي على الاستغلال العادل للثروة المعدنية، فقد رتبت الشريعة حقوقا لمن يستغلها تتناسب مع جهده ونفقته، يقول الإمام الشافعي: "ما كان فيه منفعة بلا نفقة على من حماه فليس له أن يحميه ، ومثل ذلك كل عين ظاهر كنفط أو قار أو كبريت". وكذلك أتاح بذل فضل المياه للغير، وتوجب حق إمرارها في الملك الخاص لصالح الغير حتى لا تتعطل أرضه. وبالنسبة للموارد المالية فقد حث المنهج الاقتصادي الإسلامي على استثمار المال وعدم تركه عاطلا ، فنهى عن الاكتناز، باعتباره حبسا للمال يحول بينه وبين التداول والإنتاج ومنفعة المجتمع منه، وحرم الربا باعتباره قاتل للإنتاج فالنقود لا تلد نقودا. وفرض الزكاة بما يفتح مجال الاستثمار سواء بتوجيه جزء منها للإنفاق الاستثماري لمستحقيها أو من خلال دفع أصحاب الأموال لاستثمار أموالهم حتى لا يأكل أصلها الزكاة، وفي هذا يقول عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – "اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة" . والمنهج الاقتصادي الإسلامي كذلك لا ينظر إلى الإنتاج فحسب ، بل ينظر أيضا لنوعيته لتحقيق الكفاءة الاقتصادية ، فحث على جودة هذا الإنتاج فقال -صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" رواه أبو يعلى ، كما أنه يربط تخصيص الموارد بحاجات المجتمع الحقيقية ، فإذا كان اقتصاد السوق جعل حافز الربحية هو هدفه من الإنتاج، فإن المنهج الاقتصادي الإسلامي يتخذ من "الربحية الإسلامية" كهدف رئيس للإنتاج من خلال تحقيق الربحية الاقتصادية التي تتيح للمشروع الاستمرارية والنمو باعتبار المحافظة على المال وتنميته من أساسيات المنهج الاقتصادي الإسلامي ، فضلا عن الربحية الاجتماعية من خلال مراعاة أولويات المجتمع في الإنتاج من ضروريات وحاجيات وتحسينات. فلا يراعى تحسيني إذا كان في مراعاته إخلال بحاجي، ولا يراعى حاجي إذا كان في مراعاته إخلال بضروري. وهذا يعني وحدة دالة الرفاهية الاجتماعية. وهو مع كل ذلك يحسن استخدام الموارد الاستخدام الأمثل حتى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بترشيد استخدام الماء ولو كان المرء على نهر جار. وفي هذا الإطار يمكن لمصر أن تلبي حاجتها وتستغني عن مد اليد لغيرها بل وتمد العون لإخوانها وتتحقق لها التنمية المنشودة.. والتنمية التي ننشدها تنمية مادية وروحية لا ينفصل فيها الإنتاج عن القيم، فإذا كانت التنمية في المنظور الغربي جعلت جل همها الجانب المادي، فإن التنمية في المنهج الاقتصادي الإسلامي تتميز بالسعة والتوازن والشمول، ، وتنبعث من قضية الاستخلاف وفلسفته في العلاقة بين الإنسان والكون ومالكهما رب العالمين. وهو مفهوم يجمع بين التنمية الروحية والمادية ويُعلي من شأن النفس الإنسانية، ويضعها موضع التكريم اللائق بها، والذي يُمَكِّنها من أداء دورها في تعمير الكون وتحقيق العبودية الخالصة لخالق هذا الكون وحده. www.drdawaba.com